الشروع في ترميم مسرح “ثيربانتيس” بعد عقود من الإهمال

بعد منح الحكومة الإسبانية، كهبة لا رجعة فيها، المسرح الكبير (سيرفانتيس) بمدينة طنجة إلى المغرب، سيشع نور الترميم على هذه المعلمة التاريخية التي عانت عقودا من الإهمال، ما سيعيد الحياة لأهم صرح ثقافي بصم على تاريخ مدينة طنجة الدولية.
ومن الأكيد، فالمملكة المغربية عازمة على نفض الغبار الذي طال جدران هذه البناية البديعة وأثر بشكل كبير على طابعها المعماري والجمالي الفريد من نوعه، حيث تقدمت بعرض لترميم هذا الصرح الفني وصيانته والإشراف على إدارته مقابل تملكه مع الالتزام بالمحافظة على الطابع الإسباني في البرنامج الثقافي لهذه المؤسسة.
ومنذ افتتاح المسرح عام 1913، بمبادرة من الزوج الإسباني إسبيرانزا أوريانا ومانويل بينيا ومالك العقار آنذاك أنطونيو غاييغو، شكل مسرح (سيرفانتيس) على مدى العقود الأولى من القرن العشرين واحدا من أهم المعالم الثقافية بحوض البحر الأبيض المتوسط، إذ تميز بطابعه المعماري الإسباني الأصيل، ورسوماته وزخارفه التي تزين الأسقف والجدران.
غير بعيد عن شارع السوق الكبير (غران سوكو)، الذي كان أهم شوارع مدينة طنجة في بدايات القرن العشرين، بني مسرح “سيرفانتيس” ليشكل في إبانه أكبر منشأة ثقافية بالقارة الإفريقية، حيث كان يسع إلى 1400 مقعد، وهو ما أهله لاحتضان عروض أكبر الفرق المسرحية الإسبانية من قبيل “ماريا غيريرو” و “دياز دي ميندوزا”، إلى جانب عدد من روائع الأدب المسرحي العالمي بكل لغات العالم، بالنظر إلى تعدد ألسن وثقافات ساكنة طنجة الدولية، حيث تم عرض مسرحيات “عطيل” و”هاملت” لشكسبير و”صلاح الدين” لنجيب حداد .. وغيرهم.
من على منصة هذا المسرح، كان سكان طنجة على موعد مع عدد من أشهر العروض الموسيقية الراقصة، كما هو شأن سهرات طورطولا فاليسنيا وغارسيا مورينو، كما صدحت أصوات عدد من كبار المغنين الأوروبيين من قبيل أنطونيو كاروسو وتيتو روفو وأديلينا باتي، بل امتد إشعاعه ليتجاوز المحيط الأطلسي ويستقبل مسرحيين ومغنين من أمريكا اللاتينية.
وجاء في كتاب المؤرخ إسحاق يوسف الصياغ “طنجة .. قرن من التاريخ” أن المسرح الكبير سيرفانتيس بعد افتتاحه ساهم “في تحول جذري للمشهد الفني والثقافي بمدينة طنجة (…) حيث لم يعد من الضروري السفر إلى مدريد أو باريس لرؤية أروع المسرحيات”.
وأضاف الكاتب في فصل حول “العالم الكبير للفن المشهدي” بطنجة أن هذا المسرح صار في حقبته بمثابة “عشق لا يقاوم ” لكل سكان حاضرة طنجة، حيث كان بالفعل، على مدى النصف الأول من القرن الماضي، بمثابة منارة أشعت بسناها على السماء الثقافية لمدينة طنجة، بل وكل حوض المتوسط، قبل أن يطويه النسيان ويتحول في آخر سنواته إلى حلبة للمصارعة الحرة، ومن ثمة جاء قرار الحكومة الإسبانية بإغلاقه في ستينات القرن الماضي. اليوم، ما زال المسرح واقفا صامدا في وجه عوامل الاندثار الطبيعي، واجهته بأبوابها الموصدة ولافتتها الصفراء والزرقاء شاهدة على حقبة ذهبية بادت مع تاريخ طنجة الدولية، تلتها عقود من الإهمال بعدما هجرته روعة المسرح وبهجة العروض الفنية، على أمل عودة إشعاعه لغابر عهده، بعد ترميمه وإصلاحه من طرف المغرب باعتباره موروثا ثقافيا لمدينة طنجة.

Related posts

Top