الصحافة المكتوبة مسؤولية الدولة والمجتمع أيضا

الأزمة التي ضربت الصحف الوطنية المكتوبة جراء وقف الطباعة والتوزيع إثر تفشي “كوفيد – 19″، فاقمت المشكلات التي يعاني منها القطاع منذ سنوات، وصار التحدي اليوم من أجل الوجود، والخطر المحدق هو أن تجد البلاد نفسها من دون صحافة.
لقد أوقفت الصحف الورقية الطباعة بقرار حكومي، ولكنها واصلت بذل الجهد المهني نفسه واستمرت أطقمها الصحفية والتقنية في نفس العمل، ووفرت نسخا إلكترونية تعممها يوميا مجانا على الجمهور عبر مختلف الدعامات التواصلية الموجودة، ودام هذا الصمود منذ بداية الحجر الصحي وحالة الطوارئ إلى اليوم، وتحملت مقاولات القطاع الكلفة المالية المترتبة عن ذلك، دون أن تتوفر لها هي أي مداخيل.
وعندما اختارت الحكومة أن تأذن لهذه الصحف باستئناف صدورها الورقي، لم يكن ذلك ممكنا لاستمرار حالة الإغلاق في كامل البلاد، وغياب باعة الصحف والأكشاك والمقاهي، وانعدام حركة التنقل لدى المواطنين.
اليوم هناك مساعي أخرى تبذل لتحقيق هذا الاستئناف الورقي ابتداء من الأسبوع المقبل، لكن الصعوبات والاستعصاءات لا زالت قائمة، ذلك أن المنطقة الثانية مثلا، التي قررت الحكومة استمرار الحجر الصحي بها، تمثل 83% من مبيعات الجرائد، علاوة على أن الموزع الوحيد في البلاد سيقدم على فرض تخفيض كمية السحب، تبعا لمعادلاته المالية الخاصة، واعتبارا لنقط البيع “المفتوحة” على الصعيد الوطني في شبكة التوزيع الخاصة به، وكل هذا يهدد مقاولات الصحف المثقلة بالمشاكل والخسائر أن تزيد معاناتها، وتكثر مرجوعاتها.
إن هذه الوضعية الدقيقة اليوم ليست تجارية محظة، وهي لا تعني ناشري الصحف لوحدهم أو الصحفيين ومهنيي القطاع، ولكنها قضية اسمها “الصحافة الوطنية”، ومستقبلها يهم البلاد والمجتمع، اعتبارا لأدوارها التثقيفية والتوعوية والتنويرية، ولكونها من أهم دعامات الديمقراطية والاستقرار وإشعاع التعددية والحرية، ومنبر الدفاع عن المصالح العليا للبلاد.
ولهذا الاعتبار بالذات، حرصت كثير دول خلال زمن الجائحة على أن تواصل صحفها الصدور، وعدد من البلدان سارعت أيضا منذ البدايات إلى التعاون مع مهنيي القطاع ومنظماته التمثيلية والتشاور معهم، ومن ثم قامت بتفعيل مخططات قوية للدعم والمواكبة وتأمين الاستمرار حالا ومستقبلا.
في بلادنا، من الضروري أن تتمثل حكومتنا، بدورها، هذه الأهمية، وأن تدرك حجم المخاطر التي تلف القطاع وطنيا اليوم، وأن تقدم على خطوات كبرى ومهيكلة لحماية الصحافة الوطنية المغربية.
الجميع يعرف حجم تراجع القراءة في بلادنا، وهذا واقع ويفتح البال على معضلة أخرى لا بد من معالجتها بشمولية، والجميع يعرف ما يعانيه القطاع على صعيد الطباعة والتوزيع، والجميع يعرف، خصوصا، أن الجزء الغالب من مداخيل الإشهار والإعلانات تصب في خزائن وحسابات منصات التواصل العالمية والمحركات الدولية، وفقط الفتات يتقاسمه المهنيون المغاربة بكثير من العشوائية والمحسوبية والضغوط، ووحده هذا الاختلال، وأيضا مؤشرات انكماش سوق الإشهار كما هي واضحة حاليا، يجعل من المستحيل التطلع إلى قدرة مقاولات الصحافة المكتوبة، وأيضا الإلكترونية، على مواجهة مصيرها لحالها، أو تفادي الانهيار، وكل ما سينجم عن ذلك من آثار اجتماعية، وحتى وجودية.
إن هذه الأوضاع لم تعد تقبل التعاطي الحكومي البطيء معها، أو اعتماد مقاربة تجزيئية وترقيعية، أو السعي لسد ثقوب آنية وترك أخرى كثيرة مفتوحة، وتؤدي إلى عديد منغلقات.
السلطات العمومية مدعوة اليوم لمواكبة فاعلة وناجعة ومتكاملة للصحافة المكتوبة في عودتها للطباعة والتوزيع، وتمتين التعاون مع المنظمات الممثلة للمهنة وللناشرين، ومع المؤسسات والهيئات الوطنية المعنية بواقع ومستقبل القطاع، وذلك لتفعيل أشكال الدعم الضرورية والناجعة، وأيضا بلورة مخطط وطني استراتيجي ومتكامل لتأهيل القطاع وتطويره.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top