الطاهر الطويل يتقصى المسرح الفردي راصدا منجز عبد الحق الزروالي

عن الهيئة العربية للمسرح بالشارقة، صدر كتاب “المسرح الفردي في الوطن العربي مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا” تأليف: الطاهر الطويل، وهو يدخل في سلسلة الدراسات ويحمل رقم: 19.
 يحتوي الكتاب على مدخل يتضمن سؤالا مركزيا: «هل “المسرح الفردي” اتجاه يرقى إلى مصاف الاتجاهات المسرحية» ص2، ليقف بعد ذلك حول إشكالية التسمية مصطلحا سواء من الناحية اللغوية الصرفة أو المعجم المسرحي تحديدا.
 ثم يتعاقد الباحث الطاهر الطويل مع المتلقي واضعا ميثاقا استراتيجيا، يتحدد في الآتي:
> رصد سمات الشكل التمثيلي الفردي لدى اليونان ثم لدى العرب.
> استقراء الوضعية الراهنة “للمسرح الفردي” وذلك في سياق المنحى التأصيلي الذي يحكم مسار المسرح العربي.
> مقاربة التجليات الإبداعية لتجربة “المسرح الفردي” عند عبد الحق الزروالي من خلال التركيز على مسرحية “رحلة العطش نموذجا للتحليل” ص6.
الفصل الأول يتمحور حول “هوية المسرح الفردي”. المنابع والجذور تتمثل في المسرح اليوناني عند “تثبيس”، حيث سعى لإدخال الممثل الواحد مسندا إليه دور رئيس الجوقة المعتمد، وقد يكون غالبا الشاعر المؤلف وتصاحبه الجوقة بالإنشاد والتعليق، مما أفرز مبدأ الحوارية في العمل المسرحي وما نجم عنها من تفاعل في المقام المسرحي.
 عرفت الأشكال التمثيلية الفردية ما قبل المسرحية أوجها عدة، ففي التاريخ القديم، نجد الراوي والقصاص مثل: تميم المداري وقصة “الجساسة والدجال” وخرافة الذي يزعم بأن الجن اختطفته. وما يرتبط بذلك من محاكاة وتقليد وصلتهما ببعد التمثيل.
 أما في المغرب، فنجد رواة السير والقصص في الحلقة وسرديات المداحين ومرويات الملحون بالشعر العامي، ولنا في سيدي عبد الرحمن المجذوب أبرز مثال: «الذي قضى حياته جوالا يحكي ويقص وله ديوان زجلي مكتوب يحفظه الرواة» ص14.
 يقف الباحث المحلل مليا عند المنحى التأصيلي في المسرح الفردي والمتعالق مع الاتجاهات المسرحية العربية، انطلاقا من الروائي والقاص والمسرحي يوسف إدريس وتبنيه لمسرح “السامر” التراثي في الأرياف المصرية، وقد طبق دعوته في مسرحيته “الفرافير” سنة 1964، في حين عمد توفيق الحكيم لإصدار كتاب: “قالبنا المسرحي” نادى من خلاله للعودة إلى ما قبل “السامر” مركزا على الثالوث العربي المسكوك «الحكواتي» المقلد، المداح، وظل طرح الحكيم لا يتجاوز عتبات النظرية.
وذهب علي الراعي إلى العودة إلى الشكل الفرجوي الشعبي على نحو يعقوب صنوع وعلى غرار ذلك جاء كتاب: “الكوميديا المرتجلة في المسرح المصري” سنة 1968.
وتلاحقت التجارب محاولة تأصيل المسرح العربي في الأردن والعراق ولبنان وفي أكثر من مكان، وضمنه المسرح الفردي أو مسرح الممثل الواحد. عرف المسرح الفردي محطتين أساسيتين. ففي غضون شهر مارس 1976 سمعت صيحة ميلاد “المسرح الفردي” بهذه التسمية بالمغرب، وذلك خلال المهرجان الأول للمسرح الفردي والذي نظمته بالرباط جمعية الفن السابع، وتلته محطة ثانية بعد سنتين 17 و19 فبراير 1984 مهرجان ثانوية “مولاي إدريس” بفاس.
فـ”الريبتوارْ” المسرح الفردي يمكن تحديده بدءاً كما جاء في وارد الكتاب:
> “النقشة” للطيب الصديقي.
> “الزغننة” لمحمد تيمد.
> “شيريشماتوري” لنبيل لحلو.
> “حميدو” لشفيق السحيمي.
> “بشار الخير” لمحمد الكغاط.
> “الناس والحجارة” لعبد الكريم برشيد.
> “الحرباء” لحوري حسن.
> “الوجه والمرآة” لعبد الحق الزروالي.
تعزى ظاهرة المسرح الفردي جراء انتشار النزوع الفرداني الذي مس الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية والفنية، وألقت بواسع ظلالها على التعابير الفنية المسرحية، وساهم في ذلك تدهور المشهد المسرحي الرسمي والهاوي والسعي للمسرح بقصدية الاقتصاد والاختزال.
كما جسد الممثل الواحد بصيغة الجمع أو العالم الصغير الذي يحتوي العالم الكبير، معبرا عن الحس العام بالتمرد والاحتجاج وتكسير الحواجز المسرحية التقليدية، توقاً إلى دنيا أرحب، يمتزج فيها الواقع وسرحات الخيال وتعدد الأصوات في الذات الواحدة، منددة بالفساد راسمة أقانيم الجمال بأساليب وطرائق يحضر فيها بقوة إبداع الممثل.
خصص الفصل الثاني لدراسة تجربة عبد الحق الزروالي الفنية، متابعا مراحلها المتلاحقة، فمنذ السنة الخامسة عشرة وعبد الحق الزروالي يشتغل بالمسرح عشقه الأول، عمد إلى مسرحت رواية “ماجدولين” لمصطفى لطفي المنفلوطي، بالإضافة إلى مشاركته في أعمال جماعية: “يا هاجر الكنز” ومسرحية “لحوم في المزاد” ومسرحية “شمس في بلاد الضباب” ومسرحية “حزيران شهادة ميلاد” ومسرحية “العين والخلخال”، وشارك – أيضا- في مسرحيات من تأليفه “لا أحد” ومسرحية “كفى ارتجالا سيدي” ومسرحية “ما بين البارح واليوم” وسنة 1976 كانت الانطلاقة الجادة في عوالم المسرح الفردي تأليفا وإخراجا بمسرحية “الوجه والمرآة”. وتعاقبت بعدها مسرحيات عدة: “جنائزية الأعراس”، “افتحوا النوافذ”، “واش فهمتي”، “نقب واهرب” و”الحبل على الجرار”.
الفصل الثالث تصدى لقراءة مسرحية “رحلة العطش” لعبد الحق الزروالي تحليلا ووصفا، في المنطلق تناول البنية الحكائية لينتقل للشخصيات والصراع، ربيع شخصية مركزية، أما الشخصية الثانية ربيعة شخصية المرأة الرمز، وسبر “الدارس” أغوار الزمكان في التفاعل المسرحي، ليفضي به ذلك إلى الحوار راسيا عند الحقل الدلالي: يتأطر نص مسرحية « رحلة العطش» دلاليا ضمن أربع مقولات أساسية، تعد في اعتقادنا مفاتيح لولوج النظام الرمزي التاوي خلف البنية الكلية للمسرحية، إذ تمكننا من تلمس أهم  ملامح وأبعاد خطابه المسرحي وهذه المقولات هي: العشق – العطش – الرحلة – الماء.

إنها محكومة بنوعين من العلاقات:

علاقات تصادم بين العطش والماء، علاقة تآلف بين العشق والرحلة، وخلال عملية نمو نص المسرحية، تتمظهر هذه العلاقات في تصادمها وتآلفها (…)ص87.
«(…) إن ربيع لا يظفر بماء يطفئ به شرارة ذلك اللهب، فيظل العطش يلازمه حتى وهو في البلدان العربية المتوفرة على الأنهار والوديان، إذ تتم الحيلولة بيني وبين مائها» ص88.
تعززت المكتبة العربية في جناحها المسرحي، بهذا الإصدار الهام المتعلق بالمسرح الفردي في الوطن العربي مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا لمؤلفه الطاهر الطويل، إنها مساهمة وازنة في التجذير والتأصيل، ويبقى باب الرصد والبحث مشرعا في المجال المسرحي الرحيب البالغ الحساسية الفنية والجمالية.

بقلم: المصطفى كليتي

Related posts

Top