الطبال في رمضان.. مسحراتي لم تفلح الساعات بمنبهاتها في إخماد صوت طبله وتدخله ذاكرة النسيان

يخيم السكون على أزقة وأحياء المدن والقرى بعد منتصف ليالي رمضان، وقبل آذان الفجر إذ بقارع طبل يكسر الصمت العميق وينادي إلى الاستيقاظ. إنه المسحراتي أو الطبال الذي لم تفلح الساعات بمنبهاتها في إخماد صوت طبله وتدفعه للدخول في ذاكرة النسيان .
فلا يزال المسحراتي حاضرا بقوة في الثقافة الشعبية المغربية والعربية ويمارس وظيفته الرمضانية بكل تحد وإصرار، خاصة في الأرياف والمناطق النائية، بل إن هناك من يقوم بدور المسحراتي في بعض أحياء المدن، تمسكا بمورثه وتقاليده.
والطبال هي الشخصية التي تتسيد المشهد الرمضاني مدة 30 يوما، فنان يشخص دور البطولة على الركح بنغمات الطبل وصوته الجهوري الذي يوقظ الناس للسحور كل ليلة إلى أن ينتهي شهر رمضان، وفي صبيحة يوم عيد الفطر يطوف الأحياء بطبله كي يمنح نصيبه من زكاة الفطر، هي حرفة تشكل جزءا من ثقافة المجتمع المغربي، وهي اليوم مع التقدم التكنولوجي في طريق الانقراض.
بدأت مهنة المسحراتي مع بدء التاريخ الإسلامي، حيث كان المسلمون يعرفون وقت السحور في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام بأذان “بلال بن رباح”، ويعرفون الامتناع عن الطعام بأذان عبد الله ابن أم مكتوم، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام:
إن بلال يؤذن باليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم.
ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية تعددت أساليب تنبيه الصائمين، حيث ابتكر المسلمون وسائل جديدة في الولايات الإسلامية من أجل التسحير.
ويذكر المؤرخون أن المسحراتي ظهر إلى الوجود عندما لاحظ والي مصر “عتبة بن إسحاق” أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة آنذاك، فتطوع هو بنفسه لهذه المهمة، وكان يطوف شوارع القاهرة ليلا لإيقاظ أهلها وقت السحور، وكان ذلك عام 238 هـجرية، إذ كان يطوف على قدميه سيرا من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط مناديا الناس: “عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة”.
وفي عصر الدولة الفاطمية، أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمرا لجنوده بأن يمروا على البيوت ويدقوا على الأبواب بهدف إيقاظ النائمين للسحور.

تاريخ الطبل :

وللطبل تاريخ طويل ضارب في عمق الأزمنة الغابرة،  فقد دلت بعض الاكتشافات الأثرية أنه يعود إلى ستة آلاف سنة، استنادا إلى الطبول الفخارية التي تم اكتشافها في مورافيا في جمهورية تشيك،
منطقة جبلية في شرقي جمهورية التشيك. وتذهب بعض المصادر استنادا إلى الآثار الموسيقية في الشرق الأدنى، إلى أن الطبل الكبير المستدير الشكل هو أقدم أنواع الطبول، وأقدم أثر سومري لهذا النوع من الطبول هو المسلة السومرية المعروفة باسم «مسلة بدرة» الموجودة في المتحف العراقي والمؤرخة بـ 2600 – 2500ق. م.
 كما وللطبل دور بارز في موسيقى الشعوب، فقد تم استخدامه منذ أكثر من 4500 سنة في المعابد وذلك لبعث الرهبة والخوف في نفوس زائريها كما استخدمته الجيوش لبث الشجاعة في نفوس الجنود وهم يواجهون الأعداء.
إلى يومنا هذا والطبل في المغرب كما في الوطن العربي لا يغيب في أي مناسبة كانت ولا عن الفرق الموسيقية، لأن المغاربة يؤثتون بإيقاعاته أفراحهم ويستقبلون زوارهم في مناطق سياحية متعددة وعلى إيقاعاته تتحرك الأجساد في رقصات شعبية
 في الأعراس وأخرى صوفية . فللطبول سحر خاص في الفضاء السمعي البصري للمغاربة.
كما ويضرب به الأمثال في هذا الصدد يقول المثل المغربي :
“بحال الطبل جوفو خالي وصوتو عالي ”
أي المرء الثرثار الكثير الكلام الذي لا ينقطع عن الحديث وهو فارغ وخال من الداخل، ما ينقصه عمقا يصرفه طولا متريا باللسان.
وورد في كتاب ” كليلة ودمنة ” قصة “الثعلب والطبل”
زعموا أن ثعلبا أتى أجمة فيها طبل معلق على شجرة، و كلما هبت الريح على أغصان تلك الشجرة حرَكتها، فضربت الطبل، فسمع له صوت عظيم باهر، فتوجه الثعلب نحوه لأجل ما سمع من عظيم صوته، فلما أتاه وجده ضخــما، فأيقن في نفسه بكثرة الشحم و اللحم، فعالجه حتى شقه، فلما رآه أجوف لا شيء فيه قال، لا أدري لعل أفشل الأشياء أجهرها صوتا، وأعظمها جثة، أي لا تنخدعوا بالمظاهر وذوي الأصوات الجهورية، فليس كل عظيم البنيان مرتفع الصوت عظيم .
ويقول المثل العربي :
” إذا كانت عادة رب البيت الضرب على الطبل،  فشيمة أهل البيت الرقص “.

< فاطمة الهورشمت

Related posts

Top