العــمــل الــشـبــابي المـنــــــــــاخي والـتـتـويــــج الأمــمـي

لتسليط الضوء على ما تصنعه الشابات والشباب والمقاولات المواطناتية في جميع أنحاء العالم لمكافحة التغير المناخي على مدار عام 2020، تم تتويج المبادرات الشبابية الناجحة بحر الأسبوع الماضي من طرف باتريسيا إسبينوزا، الأمينة التنفيذية للأمم المتحدة لشؤون تغير المناخ. وبهذه المناسبة أكدت الأخيرة أن: “الأشهر الثمانية الماضية كانت بمثابة كابوس لكثير من الناس حول العالم”، فقد أصابت الجائحة الحياة وشلت أعظم الاقتصادات العالمية، مضيفة: ”إنه التهديد الأكثر إلحاحا الذي يواجه البشرية اليوم، لكن لا يمكننا أن ننسى أن تغير المناخ هو أكبر تهديد للبشرية على المدى الطويل”، و”لقد فتح التقارب بين هاتين الأزمتين فرصة للمضي قدما لبناء مدن ومجتمعات آمنة وصحية وخضراء ومستدامة”، و”لا شيء يوضح هذا أفضل من جهود أنشطتنا الحائزة على جوائز في عام 2020 للتصدي لتغير المناخ”.
وتظهر المشاريع الحائزة على جوائز عام 2020 ريادة الدول والشركات والمستثمرين والمدن والمجتمع المدني ككل في مجال تغير المناخ، وهنأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الفائزات والفائزين بنسخة 2020 قائلا: “أهنئ الفائزين بجوائز الأمم المتحدة للعمل المناخي العالمية لعام 2020، والتي تقدم دليلا ملموسا على أن العمل المناخي يحدث في جميع أنحاء العالم”، ويضيف أنطونيو: “من المثير رؤية هذه الحلول المناخية والتي تعزز دعوتي للقيادة الحاسمة بشأن تغير المناخ من الحكومات والشركات والمدن وللتعافي الأخضر من وباء كوفيد19، فلنواصل المضي قدما لبناء مستقبل أكثر استدامة وإنصافا للجميع”.
وقالت غابرييل جينير، رئيسة اللجنة الاستشارية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة المكلفة باختيار أنشطة 2020 الحائزة على الجوائز بشأن العمل على مكافحة تغير المناخ: “من الضروري أن نشيد بكل الفاعلين الذين يقودون الطريق”، مضيفة: “يرسل الحاصلون على جوائز الأمم المتحدة العالمية للعمل المناخي إشارة سياسية قوية إلى جميع الدول ومن خلال قيادتهم وإبداعهم، نشهد تغييرا جوهريا”.
ويبقى الإبداع والابتكار الشبابي النسوي من أهم تتويجات عام 2020 بعد فوز كل من “منظمة الصحة في وئام” التي تشتغل عبر إندونيسيا ومدغشقر والبرازيل والتي تعمل على عكس مسار إزالة الغابات من خلال تلبية الاحتياجات الصحية والاقتصادية للمجتمعات المحلية ومبادرة(RISE2030) بلبنان، وهي مبادرة أطلقها أول فريق شبابي نسوي للطاقة الشمسية لمعالجة الصور النمطية في صناعة البناء التي يهيمن عليها الذكور.
هذا العمل المدني المتجذر في جميع ربوع العالم يبرز الإرادة الشبابية القوية في مكافحة تغير المناخ عبر إطلاق مبادرات الإبداع والابتكار، وحملات التكيف والتخفيف من حدة التغير المناخي، حيث تلعب فيه الحركات الشبابية من أجل المناخ دورا هاما في إقناع الحكومات وصناع القرار والمقاولات بنهج خطة صفر كربون في أفق 2050، وتبقى حركة الشباب من أجل المناخ ببلجيكا نموذجا رائدا يقتدى به في هذا المجال.
جوائز المناخ المعلن عنها بحر الأسبوع الماضي ما هي إلا محطة من مسلسل طويل الأمد لتعبئة الشباب من أجل العمل والطموح، حيث تسعى الحكومات الوطنية جاهدة لتنفيذ اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ والتنمية المستدامة. كما يمهد هذا الإعلان الأممي للتتويج المناخي الطريق لحدثين مقبلين في تقويم تغير المناخ: حوارات السباق إلى الصفر كربون المرتقبة من 9 إلى 19 نونبر، والتي ستكون بمثابة مدخلات مهمة في حوارات المناخ الخاصة باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في الفترة الممتدة ما بين 23 نونبر إلى 4 دجنبر 2020، والتي تمضي قدما للعمل بقواعد اتفاق باريس بشأن تغير المناخ.

حركة شبابية رائدة في بلجيكا من أجل المناخ

في بلجيكا تميزت نهاية عام 2018 بالعديد من إجراءات المواطنين التي تدعو إلى سياسة مناخية أكثر طموحا، الغرض من هذه التعبئة هو الضغط على القادة السياسيين البلجيكيين والأوروبيين ودفعهم لتقديم التزامات خلال مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين الذي عقد في كاتوفيتشي في الفترة من 2 إلى 15 ديسمبر 2018، وهكذا تم تنظيم عدة تجمعات نظمت شهريا على ساحة البرلمان الأوروبي من قبل نشطاء المناخ، توجت بالمسيرة الكبيرة “المطالبة بالمناخ” التي نظمت يوم ثاني دجنبر 2018 والتي شارك فيها حوالي 75 ألف شخص في شوارع بروكسيل.
وفي هذا السياق ولدت حركة الشباب من أجل المناخ بلجيكا، حركة مستوحاة من غريتا ثونبرج، الناشطة السويدية الشابة التي قررت، في 21 غشت 2018 يوم بداية العام الدراسي في السويد بدء “إضراب مدرسي للمناخ” حيث كانت تجلس يوميا أمام البرلمان السويدي، وبعد ذلك أطلقت حركة أيام الجمعة من أجل المستقبل ودعت الشباب في جميع أنحاء العالم للتعبئة من أجل المناخ من خلال الإضرابات المدرسية الأسبوعية، إنها نفس الطريقة التي نشرت بها إينونا دي ويفر وكيرا غانتواز من خلال مقطع فيديو على الشبكات الاجتماعية يوم 28 دجنبر 2018 لدعوة الشباب للتظاهر والانضمام إلى الحركة التي أنشأتها للتو: “الشباب من أجل المناخ” ونظمت المسيرة الأولى في بروكسيل في 10 يناير 2019 وجمعت ما يقرب من 3000 شاب، معظمهم من الفلمنكيين من أجل حشد الشباب الناطقين بالفرنسية، وتتواصل بعد ذلك إينونا دي ويفر وكيرا غانتواز مع أديلايد شارليي المسؤولة عن نقل نداء الشباب من أجل المناخ إلى إقليم والونيا البلجيكي، لتتويع رقعة النضال الشبابي حيث في الأسبوع التالي تظاهر 12500 شاب في بروكسيل وفي 24 يناير 2019، وحوالي 35000 شاب وشابة في المسيرة الثالثة.

حركة العمل الجماعي

وبالتوازي مع المسيرات، اتصلت حركة الشباب من أجل المناخ بالمهندس المعماري ”ليو فان برويك” وعالم المناخ ”جان باسكال فان إيبيرسيل” في نهاية يناير 2019 وطلبت منهم تشكيل فريق من الخبراء المسؤولين عن العمل على حلول ملموسة يمكن أن ينفذها القادة السياسيون في بلجيكا من أجل مكافحة الاحتباس الحراري، وفي 14 ماي 2019 نشرت “لجنة المناخ” تقريرا جاء نتيجة تعاون بين حوالي 100 عالم بلجيكي، حيث أدرجت سبعا وعشرين توصية تهدف إلى توجيه القادة السياسيين الى الانتقال إلى مجتمع أكثر استدامة، ثم قدمت حركة الشباب من أجل المناخ هذا التقرير إلى مختلف رؤساء الأحزاب في جميع أنحاء البلاد، وطلبت منهم تنفيذ هذه التوصيات إذا كان حزبهم سيصبح في الحكومة بعد الانتخابات.
علاوة على ذلك أنشـأت الحركة منصة للمواطنين حيث يمكن لأي مواطن أن يقترح عليها فكرة لمحاربة الاحتباس الحراري، وهكذا تم جمع 1744 فكرة وتجميعها في قائمة من خمسة عشر إجراء ملموسا يتم تقديمها أيضا لرؤساء الأحزاب قبل انتخابات 26 ماي 2019، وخلال هذه الأسابيع العشرين من التعبئة، تم استقبال أعضاء حركة الشباب من أجل المناخ بشكل خاص من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر خلال المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأوروبي ومن قبل الوزير الوالوني المكلف بالمناخ جان لوك كروك، وتعاونت الحركة أيضا مع الحركات البيئية الأخرى حيث شاركت في أنشطة مختلفة مثل المسيرة الشبابية المناخية يوم 24 يناير 2019، وعريضة “وقع من أجل مستقبلي”، والإضرابات المناخية العالمية في 15مارس 2019 أو العصيان المدني من أجل المناخ الذي احتل خلاله نشطاء شارع دو لال لوا الواقع في المنطقة المحايدة من أجل المطالبة باعتماد قانون المناخ.

العمل المدني الشبابي بين التنظيم والعفوية

عندما يتحدث أعضاء “حركة الشباب من أجل المناخ” عن التنظيم، فإنهم يصفونه بأنه “حركة عفوية” و”مفتوحة” بدون أي هيكل حقيقي حيث يمكن للجميع المشاركة فيها كما يحلو لهم ومع ذلك، إلا أنه وفقا لما أكده ”جو فريمان” فإن: “هذه العفوية لم تمنع ظهور هيكل غير رسمي مغلق نسبيا، بالإضافة إلى ذلك لم تؤثر الأفقية وانعدام البنية بشكل كبير على فعالية الحركة في تنظيم مسيراتها، بل الأكثر من ذلك فقد كانت لها عواقب كبيرة على علاقة الحركة بشركائها”.

خلق الحركة والتنظيم الداخلي

مستوحية الفكرة من غريتا تونبرغ، نشرت الناشطة المناخية البلجيكية: “أنينا دي ويفير” وبمساعدة كيرا غانتواز مقطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بها في 28 ديسمبر 2018 ودعت الشباب البلجيكيين إلى التعبئة خلال مسيرة في بروكسيل ستنظم في 10 يناير، وهكذا أطلقت “حركة الشباب من أجل المناخ” وطلبت من أصدقائها الانضمام إليها، حيث أثار هذا الفيديو الكثير من ردود الفعل والحماس من بعض الشباب الذين يتعاملون مع “أنينا دي ويفير” لإعلامها برغبتهم في المشاركة في الحركة، ومنذ المسيرة الأولى وبعد الإعلان عن تنظيم المسيرات كل أسبوع حتى موعد الانتخابات، يقترح كل شخص مشارك في الحركة على أصدقائه الانضمام إليها، وبالتالي فإن الشباب الراغبين في المشاركة في تنظيم المسيرات ينضمون من خلال التزام شفوي إلى حركة الشباب من أجل المناخ: “بسرعة كبيرة أصبحنا حركة، وبالتالي فإن الحركة هي مجرد أناس يمرون ويعودون، أو لا يعودون، وفي البداية ربما كان هناك عشرة، ثم خمسة عشر، ثم هناك اثنان أو ثلاثة من الذين غادروا، وآخرون انضموا، ومنذ ذلك الحين لم يكن هناك سوى مجيء وذهاب أشخاص مختلفين، لكننا أدركنا بسرعة أن بعض الأشخاص كانوا أكثر حماسا واستعدادا للانخراط في المنظمة”.
وهكذا، فإن عدد الشباب المشاركين في تنظيم المسيرات يتأرجح من أسبوع لآخر، وفي نهاية كل مسيرة، يلتقي الشباب الحريصون على الانخراط في الحركة في مقهى ويناقشون تنظيم المسيرة القادمة، ومع ذلك: “لم ينشر قط على الشبكات أن أولئك الذين يريدون التنظيم يمكنهم الانضمام إلينا في هذا الوقت وفي مثل هذا الوقت”، ونتيجة لذلك على الرغم من أن المجموعة تريد أن تكون مفتوحة للجميع وتؤكد أنه يمكن لأي شخص حضور الاجتماعات.
ومن الناحية العملية، بمجرد إطلاق الحركة وتشكيل المجموعة الأولى، يصبح من الصعب أن تصبح عضوا لأن الشباب فقط الذين لديهم بالفعل اتصال داخل الحركة كانوا قادرين على حضور الاجتماعات، بالإضافة إلى ذلك، من بين الشباب الذين يحضرون الاجتماعات، يظهر البعض دافعا أكبر ويكرسون المزيد من الوقت للحركة. ومنذ ذلك الحين، تشكلت بسرعة “نواة” من عشرات الشباب وتولت تنظيم إدارة المشاريع الجديدة، إذ بدت هذه النواة مغلقة للغاية بالنسبة لأعضاء ليسوا جزءا منها، فهذا ليس رأي أولئك الذين ينتمون إلى هذه النواة: “كان الأمر صعبا في البداية على مستوى القرار لأنه بدا متسما بالمركزية نوعا ما. وبصراحة الجو السائد في المجموعة الوطنية للحركة هو جو ساخن جدا، ومرة أخرى لا أحب أن أقول ذلك لأن أي شاب يمكن أن يكون جزءا من النواة، لكن في النواة، نحاول اتخاذ القرارات بيننا واستجواب الجميع قليلا، لكن العملية لا تزال عشوائية وتعسفية بعض الشيء”.
هناك عدة أسباب لهذا الإغلاق النسبي للمجموعة. أولا: أدى الافتقار إلى التوظيف الرسمي إلى الحد بشدة من الوصول إلى المجموعة، هذا النقص في التعبئة الرسمية يفسر بحقيقة أن أولوية الحركة هي تنظيم الأعمال، حيث يكرس جميع الأعضاء طاقاتهم لهذا الهدف ويجندون شبابا جددا إذ يبدو أن الأعضاء الجدد يشكلون عنصرا مفيدا في تحقيق هذا الأخير، وفي الواقع على الرغم من عدم وجود تقسيم واضح ورسمي للعمل، يؤدي كل عضو بشكل أو بآخر نفس المهام ويؤدي روتينا فعالا إلى حد ما بعد أسابيع قليلة، وبالإضافة إلى ذلك، يتم اتخاذ القرارات بسرعة وبشكل شبه منهجي بتوافق الآراء، لذلك لا تشعر الحركة بالحاجة للبحث عن أعضاء جدد، بل على العكس من ذلك، ينظر إلى وصول مشاركين جدد كعنصر يخاطر بإبطاء عملية اتخاذ القرار وتعديل توازن المجموعة.
بالإضافة إلى ذلك، تعقد غالبية الاجتماعات في بروكسيل، مما يعني أن بعض الأعضاء يضطرون أحيانا إلى السفر لمسافات طويلة للوصول إلى هناك، وبالتالي فإن الأعضاء الأكثر تحفيزا والمتاحين هم فقط من يحضر جميع الاجتماعات. كما أن الحركة تجمع بين الشباب الناطقين بالهولندية والشباب الناطقين بالفرنسية، حيث تبقى اللغة الإنجليزية هي اللغة المرجعية، وبالتالي، خلال الاجتماعات، لا يتحدث الأعضاء الذين لا يرتاحون لهذه اللغة إلا قليلا ونادرا ما يعبرون عن آرائهم. وفي نهاية المطاف، ووفقا لما قاله “جاك أيون”: “الحركات الاجتماعية الجديدة”، التي ركزت على التنظيم العملي لأعمالها، لم يقض الشباب من أجل المناخ الكثير من الوقت في إنشاء هيكل وإجراءات صنع القرار والقواعد توزيع العمل أو حملة توظيف ومع ذلك، كما لاحظ جو فريمان، لم يمنع كل هذا الظهور الطبيعي لمجموعة مغلقة نسبيا تنظم نفسها وتشكل نفسها بطريقة غير رسمية، وعلى الرغم من عدم تحديد دور رسميا ولكل عضو الحرية في اختيار المهام التي يريد القيام بها كل أسبوع وفقا لمستوى تحفيزه ومهاراته، نلاحظ أن الأعضاء الأكثر مشاركة في حركات تقسم العمل بشكل طبيعي، كل منهم يؤدي نفس المهام أسبوعيا، لذلك فإن عفوية الحركة تنعكس في حقيقة أن الشباب يكرسون كل طاقاتهم لتنظيم المسيرات على حساب الأنشطة الإدارية اليومية مثل بناء هيكل تنظيمي وتعبئة أعضاء جدد، إذا لم يبدو أن هذه العفوية قد أثرت بشكل غير ملائم على قدرة الحركة على تنفيذ أعمالها، فذلك بلا شك يرجع إلى حقيقة أن الحركة من ناحية كانت قادرة على الاعتماد على دعم الآخرين، ومن ناحية أخرى فإن “النواة” تتكون من حوالي عشرة أفراد فقط، مما سمح بالمناقشات التوافقية واتخاذ القرارات بسرعة، هذه الحكاية المتعلقة بمحاولة قسم لييج للحركة (المكونة أيضا من نواة من حوالي عشرة أعضاء) للانفتاح على أعضاء جدد، توضح الصعوبة التي يخلقها ذلك عندما يتعلق الأمر لاتخاذ القرارات: “كان هناك حقا عدد كبير من الطلبات، وفي وقت ما فتحنا مجموعة لإخبار الأشخاص الذين يرغبون في المشاركة” يمكنك الحضور” ثم انتهى بنا المطاف مع مجموعة مكونة من 50 شخصا حيث ذهب دائما إلى أي شيء، لأنه تلقائيا هناك دائما أشخاص يتحدثون عن أشياء لا علاقة لها بشيء وهذا كل شيء، وبعد ذلك عندما أردنا ببساطة طرح سؤال للحصول على آراء الناس، دخل الأمر في نقاش لا ينتهي، وقد أثار ذلك الكثير من التساؤلات حول حقيقة أننا كنا نفعل ما كنا نفعله وكان ذلك شرعيا في مكان ما، لكننا لم نكن نعرف حقا كيفية تغيير ذلك وهكذا تذهب، بقي على هذا النحو، على الرغم من أن بعض الناس لم يعجبهم”، ومع ذلك، خلقت الطبيعة غير الرسمية والأفقية لهيكل الحركة بعض الصعوبات خلال هذه الأشهر الخمسة من التعبئة.
هذا هو الحال بشكل خاص في حالة الاتصال وتداول المعلومات والتي وفقا للعديد من الأعضاء، تشكل واحدة من أكبر الصعوبات التي تواجهها الحركة، في الواقع لا تزال المعلومات مركزة داخل “النواة الأساسية” ولا يمكن الوصول إليها للأعضاء الذين لا يحضرون جميع الاجتماعات أو الذين لديهم طلاقة أقل في اللغة الإنجليزية، وفقا ”لتون لامبرخت”، وهو عضو في “النواة الأساسية”، أدت هذه الصعوبة في الوصول إلى المعلومات إلى مغادرة عدد كبير من الأعضاء الذين أرادوا المشاركة ولكنهم لم يتمكنوا حتى من الوصول إلى المعلومات العامة، شعرت تدريجيا بانخراط أقل وانتهى الأمر بمغادرة الحركة.
بالإضافة إلى ذلك، حتى بين الأعضاء الأكثر مشاركة، لا يتم تداول المعلومات بشكل جيد وغالبا ما يتم إبلاغ الأعضاء فقط بالمسائل التي تهمهم لذلك على سبيل المثال، العضو الذي لديه علم دائما بتنظيم المسيرات، لكن من لم يسبق له الاتصال بأطراف خارج الحركة ليس لديه معلومات عن المقابلات التي أجرتها الحركة في الأسابيع الأخيرة، لذلك كما تشير ”لويز روسو”: “إذا كنت تريد حقا الحصول على جميع المعلومات، فسيتعين عليك رؤيتنا جميعا لأن كل شخص لديه معلومات مختلفة، من الواضح أن هذا له تأثير على التواصل مع الجهات الخارجية، ولمعالجة هذه المشكلة وجعل المعلومات في متناول جميع الأعضاء، بدأت الحركة باستخدام تطبيق للدردشة والمراسلة الفورية ومرتبط مباشرة بحساب غوغل درايف، والذي يسمح بمشاركة المستندات مثل المنتدى، وتتيح هذه المنصة أيضا إمكانية إنشاء العديد من غرف الدردشة التي يمكن للأعضاء الانضمام إليها بحرية أو عدم الانضمام إليها وفقا لاهتمامهم بالموضوع الذي تتم مناقشته، ومع ذلك، مثل أي نظام أساسي للرسائل الفورية، يتم تمرير الرسائل بسرعة والعضو الذي لا يستشير التطبيق بانتظام يغمره بسرعة عدد الرسائل المطلوب قراءتها، بالإضافة إلى ذلك، لا يتم إعداد المحاضر بشكل منهجي أثناء الاجتماعات، مما يمنع الغائبين من التعرف على ما قيل.
في النهاية، لا يبدو أن هذه الصعوبات الداخلية كان لها تأثير كبير على تنظيم المسيرات ويمكن للمرء أن يستنتج أنه على عكس ما يؤكده ”جاك أيون”: ”لم تؤثر أفقية وعفوية الحركة على فعالية المجموعة، ومع ذلك إذا نظرنا إلى العلاقات التي تربط الحركة مع الجهات الفاعلة الأخرى في الشبكة، فإننا نرى أن الافتقار إلى الهيكل كان له عواقب معينة، في القسم التالي، نوضح كيف أدى نقص التواصل بين مختلف أقسام الحركة وعدم إشراك اللجان المحلية في صنع القرار إلى تراجع نشاط المجموعات المحلية”.

العلاقة بين لجنة التنسيق الوطنية والملحقات المحلية

بعد المسيرة الأولى في بروكسيل أخذ الشباب البلجيكي زمام المبادرة لتنظيم التعبئة في مدنهم، ففي لييج على سبيل المثال تقوم فتاة صغيرة بتعبئة معارفها من الشباب داخل مدارس المدينة المختلفة وتطلب منهم تعبئة الشباب المتحمسين للعمل والاستعداد لتنظيم مسيرة في لييج ترديدا للحركة التي أنشأتها أنونا دي ويفير، أطلقت حركة لييج على نفسها اسم :”حركة الشباب من أجل المناخ لييج” ومع ذلك في ذلك الوقت، لم يكن أي من أعضاء لييج على اتصال بأعضاء الحركة في بروكسيل التي تقف وراء مسيرات بروكسيل، هكذا تزدهر حركات الشباب من أجل المناخ في جميع أنحاء البلاد، وتعمل جميعها في استقلال تام عن الحركة الأصلية بعد أسابيع قليلة من التعبئة، تلتقي الحركات الأصلية والحركات المشتقة وتشكل فريقا وطنيا وأقساما محلية، والفكرة هي إنشاء رابط هرمي بين هذين المستويين ووحدة معينة بين المجموعات المختلفة من خلال توحيد الشعارات يحدث أيضا أن تتعاون الأقسام المختلفة وتنظم الإجراءات معا، وهكذا يشارك القسم الوطني وأحيانا ينقل الأحداث المحلية والعكس صحيح ويحدث أيضا أن القسم الوطني يدعو الأقسام المحلية للانضمام إلى حدث يقع في بروكسل، ثم ينظم هؤلاء تجمعا وخروجا جماعيا من مدينتهم ومع ذلك، فإن الروابط بين الأقسام المختلفة لا تزال ضعيفة والسكان المحليون مستقلون للغاية، إنهم أحرار في تنظيم أنفسهم كما يحلو لهم وتنفيذ الإجراءات التي يختارونها، بالإضافة إلى ذلك، يكون الاتصال بين الأقسام ضعيفا جدا ويضعف شيئا فشيئا الروابط بين المستويين، وبسرعة، لم تعد الأقسام المحلية تشعر بالقلق إزاء الاختيارات المتخذة على المستوى الوطني وفضلت التطور في الحكم الذاتي الكامل، ومما يعزز هذه المسافة أن النواة الوطنية، التي تركز على تنظيم المسيرات والحماس الإعلامي، لا تأخذ وقتا في الحفاظ على العلاقات مع الأقسام المحلية ولا يستشيرها حقا أثناء اتخاذ قرار.
“شخصيا، كنت في الفريق الوطني وكان من الصعب دائما إدارة هذه العلاقات مع المجموعات المحلية، كنا صغارا وحدثت الكثير من الأشياء فجأة كان لدينا الكثير من الأشياء للقيام بها، واتبعنا التدريب الإعلامي، وكان علينا تنظيم المسيرات كل أسبوع، وكان علينا الذهاب إلى البرامج التلفزيونية، وكان لدينا المئات من الأشياء للقيام بها، وكنا مجموعة صغيرة جدا، أعتقد أننا كنا ثمانية أشخاص في هذا الفريق الوطني، وأعتقد أننا كنا محظوظين بطريقة ما، وكان ذلك غير عادل بعض الشيء للسكان المحليين لأنهم كانوا أيضا مشاركين جدا وكانوا أيضا نشطين للغاية ولم يكن لديهم حقا فرصة لاتخاذ قرارات كبيرة، أو على الأقل ليس بنفس الطريقة التي فعلناها أحيانا داخل الفريق الوطني، هذا شيء واحد، وفي الوقت نفسه، لم نقض الكثير من الوقت في إيجاد طريقة ديمقراطية للعمل، لذلك أعتقد أنه كان محبطا بعض الشيء بالنسبة لهم، لذا نعم كانت العلاقات في بعض الأحيان صعبة بعض الشيء لكنني أعتقد أنها ظلت بناءة للغاية في معظم الأوقات … “
نتيجة لذلك، تشعر بعض الفروع المحلية بأنها مهملة قليلا وتشعر أن عملها لم يتم تسليط الضوء عليه بشكل كاف مقارنة بالمسيرات التي ينظمها الفريق الوطني. لتصحيح ذلك وإعادة إنشاء رابط بين المستويين الوطني والمحلي، ستحاول الحركة تحسين التواصل بين مختلف الأعضاء، وبالتالي يعين كل محلي ممثلا يكون مسؤولا عن السفر إلى الاجتماعات الوطنية من أجل الحفاظ على الاتصال المنتظم بين الفروع، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لأعضاء كل فرع التواصل من خلال منصة المراسلة الفورية، وتتميز المنصة بعرض ألقاب كل عضو بألوان مختلفة حسب “حالة” كل عضو، لذلك من السهل التفريق بين عضو في الفريق الوطني أو عضو في فرع محلي أو عضو في حركة أخرى موجود في غرفة الدردشة لأنه منخرط في مشروع معين، كما سيقرر الفريق الوطني نقل بعض المسيرات إلى مدن مختلفة في بلجيكا وتنظيمها بالتعاون مع الفروع المحلية المعنية، ومع ذلك، فإن هذا لا يكفي لإعادة إقامة روابط كافية بين المستويين إذ يتوقف السكان المحليون تدريجيا عن أنشطتهم بسبب نقص الأعضاء المتحمسين.

خلق قنوات اتصال مع الشركاء

لقد رأينا أنه على الرغم من أن الحركة في البداية نظمت أعمالها بالكامل من تلقاء نفسها، إلا أنها بدأت تدريجيا في العمل مع بعض النشطاء من أجل القضية البيئية، ومع ذلك، فإن التعاون ليس سهلا دائما، ويرجع ذلك أساسا إلى عدم وجود هيكل لحركة الشباب من أجل المناخ، ففي الواقع كما أشار المتحدث باسم منظمة غرينبيس: ” إن غياب نقطة اتصال واحدة يؤدي إلى صعوبات في الاتصال، حيث أدى ضعف تداول المعلومات بين أعضاء الحركة إلى أن المحاورين المختلفين لا يتحدثون جميعا بالطريقة نفسها: “أنت لا تعرف أبدا مع من تتحدث حيث كان هناك شباب من أجل المناخ مع أنونا دي ويفيرا يقولون شيئا واحدا ثم أحيانا تصل بنا الناشطة المناخية الأديلايد عن القسم المحلي لييج لتخبرنا بشيء آخر، لذا فالأمر معقد للغاية». بالإضافة إلى ذلك، هناك جانب آخر يتعلق بعفوية الحركة لا يتناسب بشكل جيد مع الطريقة التي يعمل بها بعض الشركاء، في الواقع، لدى حركة الشباب من أجل المناخ عادة الشروع في مشروع دون الكثير من التخطيط والتنظيم للكثير من الأشياء في اللحظة الأخيرة، وهذا ليس هو الحال دائما مع شركائها الذين يضطرون بعد ذلك إلى التكيف، ومع ذلك، هناك نوع من التضامن بين الجهات الفاعلة في الشبكة وهم غالبا على استعداد لمساعدة الشباب على تنفيذ مشروع ما، حتى لو تطلب ذلك منهم تحمل مخاطر معينة: “على سبيل المثال لو أرادوا القيام بآخر عرض توضيحي عن المناخ قبل الامتحانات، وأرادوا إقامة مهرجان موسيقي، وفي الحقيقة قبل أسبوع عن التاريخ المحدد، يصل الشباب إلى منزلنا قائلين: “في الواقع لسنا مستعدين على الإطلاق، لدينا الكثير من المطربين المستعدين للمجيء والغناء، ولكن ليس لدينا مسرح، وليس لدينا نظام الصوت، ليس لدينا مكان يمكننا فيه إقامة هذه الحفلة الموسيقية، وليس لدينا أي شيء! “ولذا فكرنا في الأمر ثم جلسنا جميعا في القاعة الكبرى لمدة 7 أيام وعملنا على تنظيم مهرجان في 7 أيام لكنه كان فظيعا لأنه في الواقع حتى سبعة أيام، كان الجميع يقولون لنا “نعم، نعم، لا داعي للقلق” لكننا لم نكن متأكدين من أي شيء، لم نكن نعرف ليس في الواقع. وأردنا أن نكون شريكا في المنظمة، ونساعد في هذا أو ذاك، ثم قلنا لأنفسنا: “لا، ولكن هنا علينا أن نفعل كل شيء”، وبصراحة نظمنا مهرجانا لليلة واحدة، وكان شيئا غير لأنهم ما توقعناه فقد أخطأوا ولأننا لم تكن لدينا المعلومات الصحيحة، ولم تكن هناك متابعة على الإطلاق في الواقع، ولذا كانت الفوضى تامة وبالتالي، يؤدي الافتقار إلى هيكل وعفوية الحركة إلى بعض الصعوبات في سياق التعاون مع الجهات الفاعلة الأخرى في الشبكة، ومع ذلك فإن هؤلاء الفاعلين يظهرون بعض التضامن وكانت الحركة دائما قادرة على الاعتماد على دعمهم لسد الثغرات الخاصة بها، وبالتالي فإن وجود الشبكة يشكل موردا مهما للحركة حيث أن هذه الشبكة سمحت للحركة أحيانا بالتغلب على صعوبة أو حل مشكلة مرتبطة بعفويتها.

المسيرات الأسبوعية المناخية

إن اختيار تنظيم المسيرات المناخية مستوحى من عدة عناصر: تعبئة المواطنين في نهاية عام 2018 والإضراب المدرسي الذي قامت به غريتا ثونبرج نتيجة فشل مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين، ولكن أيضا حقيقة أن تنظيم مسيرة هو تمثيل سهل التنفيذ نسبيا بالنسبة لشباب الحركة.
في الواقع، على الرغم من التعبئة الكبيرة للمواطنين التي شارك فيها بعض أعضاء حركة الشباب من أجل المناخ، ترفض بلجيكا، بسبب الفيتو الفلمنكي، التوقيع على إعلان “تحالف الطموح العالي”، وهي مجموعة تطالب من حوالي ثلاثين دولة بمكافحة الاحتباس الحراري من خلال تبني أهداف قصيرة المدى، فبالنسبة لبعض الشباب، ينظر إلى هذه الأخبار السياسية على أنها عدم مراعاة من جانب القادة السياسيين لمطالب السكان، ولذلك فإن رد فعل على ما تعتبره افتقارا للديمقراطية قررت الناشطة المناخية البلجيكية “أنونا دي ويفر” المشاركة في التعبئة العامة من خلال تنظيم نشاطها الخاص: “ولكن بشكل ملموس، ما الذي يمكنك فعله عندما تبلغ من العمر 16 أو 17 عاما، حيث لا يمكنك التصويت ولا يمكنك تغيير شيء بطريقة(إدارية) من خلال إعطاء صوتك لشخص ما؟ وكيف تجعل صوتك مسموعا؟ هناك الكثير من الحلول التي يجب الاستماع إليها، ولكن يبقى أحد الحلول هو الخروج إلى الشارع للصراخ بغضبنا وليكون لنا صوت مسموع، وهذا هو السبب الواضح في أننا بدأنا في تنظيم المسيرات المناخية، بعد اهتمام مؤتمر الأطراف 24″، وفي الوقت نفسه، سمعت “أنونا دي ويفر” عن غريتا تونبرغ وعن “إضراباتها المدرسية للمناخ” أمام البرلمان السويدي، وهكذا قررت أن تنظم نزهة خلال ساعات الدوام المدرسي فلم يعد الأمر يتعلق بمسيرة بسيطة بل يتعلق بإضراب مدرسي والذي وفقا للناشطة المناخية البلجيكية أديلايد شارلييه يرسل إشارات قوية، ويفسر اختيار تنظيم المسيرة أيضا حقيقة أنه كما أشار تشارلز تيلي وسيدني تارو: “إن المظاهرة هي التمثيل الحديث بامتياز”، هذا باعتبار المظاهرة نمطا واسع الانتشار من الاحتجاج وبالتالي فهي معروفة للجميع، بالإضافة إلى ذلك يعد تنظيم حدث في بروكسيل أمرا بسيطا نسبيا ولا يتطلب قدرا كبيرا من الموارد لأنه يكفي تقديم طلب إلى رئيس بلدية المدينة عبر نموذج عبر الإنترنت، قبل عشرة أيام على الأقل من الموعد المحدد، وبالتالي بعد إكمال هذا النموذج والحصول على إذن من رئيس البلدية كان يكفي أن تنشر أنونا دي ويفير مقطع فيديو على الإنترنت لتشجيع الشباب على الانضمام إليها.
وبعد نجاح المسيرة الأولى، قررت الحركة الاستمرار في التعبئة وتنظيم المسيرة الثانية، التي اجتذبت أربعة أضعاف الأولى، وفي هذه المرحلة، حددت حركة الشباب من أجل المناخ بدافع من الحماس للحركة هدف تنظيم مسيرات أسبوعية حتى انتخابات 26 مايو 2019، وبالتالي إذا قررت الحركة التعبئة فإنها في الواقع رد فعل على حقيقة سياسية ينظر إليها على أنها تهديد للالتزام غير الكافي من بلجيكا في مكافحة الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى ذلك استرشد خيار تنظيم الإضرابات المدرسية والتي تأخذ شكل مظاهرة بكل من الذخيرة المتاحة، والتي أبرزتها تعبئة المواطنين في نهاية عام 2018 وتعبئة غريتا ثونبرغ، والموارد التي يتمتع بها الأفراد الذين بدأوا التعبئة، أخيرا كان احتمال الانتخابات المرتقبة وظهور موارد جديدة هو الذي دفع الحراك إلى تمديد الحشد لعدة أسابيع.

موارد الحركة

على الرغم من أن حركة الشباب من أجل المناخ هي مبادرة فردية، إلا أن “أنونا دي ويفر” سرعان ما انضم إليها عشرات الشباب الذين يتوقون للانخراط في الحركة، على الرغم من الحافز الكبير إلا أن معظمهم لا يتمتع بخبرة ناشط مناخي، ومع ذلك فإن تنظيم مظاهرة بسيط نسبيا ويفهم أعضاء الحركة سريعا المراحل المختلفة التي يتعين تنفيذها، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشباب الاعتماد على دعم أقاربهم، الذين شارك بعضهم بالفعل في أنشطة ناشطة، وبالتالي يتم تنظيم المجموعة الصغيرة بسرعة وفقا لمهارات كل عضو والمساعدة التي يمكنهم العثور عليها من جهات الاتصال الشخصية الخاصة بهم.
بالإضافة إلى ذلك، أثناء التعبئة، تنظم الحركة بيع الأساور وجمع التبرعات. تسمح هذه الأموال، على سبيل المثال، برعاية منشوراتها على الشبكات الاجتماعية من أجل الوصول إلى جمهور أوسع، أو لتمويل جزء من رحلات الأعضاء عندما تتم دعوتهم على أجهزة التلفزيون أو لشراء معدات صغيرة من لافتات ومكبرات الصوت وغيرها، وبعد نجاح المسيرات الأولى، تمت دعوة أعضاء الحركة لإجراء مقابلات عديدة ودعوتهم عدة شخصيات سياسية لمناقشة مطالبهم، منذ ذلك الحين، تحول أعضاء الحركة إلى علماء مثل “ليو فان بروك” و”جان باسكال فان يبرسيل”، و”أوليفييه دي شاتر” من أجل تحسين معرفتهم بمشكلة الاحتباس الحراري والحلول الممكنة حيث من المفترض ان تؤدي هذه الاتصالات الأولى إلى إنشاء لجنة المناخ.
تقول “أنونا دي ويفر”: “وإذا كان تنظيم المسيرات يمر دون وقوع حوادث كبيرة، فإن نقص خبرة الحركة يؤدي مع ذلك إلى بعض الصعوبات: “أعتقد أن ما تسبب لنا في معظم المشاكل، لكن ذلك لأننا لم نكن نعرف أي شيء عنه، إنه اتصال خارجي أعتقد أننا فقدنا الكثير من الفرص العظيمة لأننا افتقرنا إلى الخبرة في مجال الاتصال، فلو كانت لدينا هذه التجربة، إذا كنا قد عرفنا كيفية استخدام الشبكات الاجتماعية بطريقة أكثر احترافا، إذا تعلمنا المزيد عنها، أعتقد أنه كان بإمكاننا التأثير بشكل أكبر”.
وتضيف “أنونا دي ويفر”: “بالإضافة إلى ذلك، بدأ يتناقص عدد المشاركين في المسيرات من أسبوع لآخر،بينما تطمح منظمة “شباب من أجل المناخ” أن تجعل أعمالها أكثر متعة، على سبيل المثال من خلال تنظيم حفل موسيقي صغير في نهاية المسيرة، وهذا ما سيدفع الحركة إلى اللجوء إلى الفاعلين الآخرين: “شباب من أجل المناخ جزء من شبكة واسعة من الحركات والمنظمات الناشطة في مجال المناخ، تتميز هذه الشبكة بتنوعها لأنها تتكون من مجموعات المواطنين الصغيرة والكبيرة المكونة من تلاميذ وطلبة و اساتذة، بالإضافة إلى المنظمات البيئية والتي لها في بعض الأحيان نطاق دولي كمنظمة غرينبيس” وتؤكد الناشطة المناخية: “خلال الأسابيع الأولى من التعبئة، أردنا العمل بمفردنا، خشية المنتقدين الذين يتهموننا بأننا حركة غير مستقلة وبالتصرف نيابة عن ممثل آخر، ومع ذلك، فإن جميع الجهات الفاعلة في المجال المناخي هم حلفاء محتملون للحركة، وسنتواصل تدريجيا معهم بحثا عن موارد جديدة مع بعضهم”.
“لقد أدركنا أن هناك جمعيات كانت موجودة منذ سنوات وخاضت نفس المعركة التي نواجهها، وكان من الضروري محاولة التحالف مع غرينبيس، فهذا هو الحال مع منظمة السلام الأخضر، لقد كانوا هناك منذ سنوات وهم يقاتلون من أجل نفس القضية مثلنا، فلماذا لا نحاول أن نكون أقوى معا” تؤكد “أنونا دي ويفر” وتضيف: “هذه هي الطريقة التي ستستفيد بها حركة الشباب من أجل المناخ من دعم ومساندة منظمات مثل منظمة غرينبيس أو منظمة صندوق حماية الطبيعة أو تحالف المناخ، كما سنتعاون مع الحركات الأخرى بينما المواطنين هم الذين سيقودون الإضرابات المناخية العالمية التي يتم تنظيمها بالتعاون مع حركات الشباب من أجل المناخ حول العالم”.
في الواقع على الرغم من أن الأعضاء يفتقرون إلى الخبرة نسبيا، إلا أنهم يظهرون تصميما كبيرا ومستعدون لاستثمار الكثير من الوقت في الحركة، بالإضافة إلى ذلك، تستمد الحركة قوة كبيرة من حقيقة أن معظم الأطراف صغيرة، وفي الواقع، ومثل العديد من الحركات الطلابية، يستنكر خطاب الشباب من أجل المناخ الظلم بين الأجيال: سيتعين على الشباب دفع عواقب الاحتباس الحراري الذي لا يتحملون مسؤوليته ويطلبون من صانعي القرار الحاليين تحمل مسؤولياتهم لإنقاذ مستقبلهم، ووفقا لـ”جان باسكال فان يبرسل” و”جولييت بوليت” أو حتى “ستيفاني ويارد”، فإن: “الخطاب قوي جدا وقادر على الوصول إلى جمهور كبير جدا: كان الجميع قلقا بأطفالهم وجيرانهم وأحفادهم، نعم شعر الجميع بالقلق في مرحلة ما لأن الشباب يمس ببساطة جميع طبقات السكان”، ونتيجة لذلك، شعرت الحركة بدعم الشعب، مما أعطى قوة لرسالتها وزاد من تحفيز الشباب، “كان لدينا جميعا نفس العقلية والإرادة للاستمرار، حتى لا نتوقف أبدا، لم نسأل أنفسنا مطلقا السؤال “هل سنقوم بالمشي الأسبوع المقبل؟”، لا، بل في كل أسبوع، ننظمه ونرى كيف تسير الأمور، والذي كان أيضا محفزا حقا هو دعم مختلف جميع الفنانين على طول الخطوات، لقد تغير حقا نمط عمل الحركة، لقد ساعدنا حقا في البقاء متحمسين”.
عرفت الحركة منذ البداية كيفية حشد الموارد الكافية لتنظيم عملها، وبالمثل وبمجرد بدء التعبئة، بدأت بحث عن موارد جديدة للحيلولة دون نفاد قوتها، ولهذا السبب اتصلت الحركة بممثلي شبكة من النشطاء، في الواقع، كانت الشبكة موجودة مسبقا الى جانب وبرفقة حركة الشباب من أجل المناخ وكان بإمكان الأخيرة استدعائها منذ بداية تعبئتها، ومع ذلك، يستغرق الأمر بضعة أسابيع حتى يدرك الشباب أن هذا لا يشكل خطرا ولكنه ميزة يمكنهم الاستفادة منها لإعطاء مزيد من القوة لحشدهم، بينما تمكنت الحركة من حشد الموارد الكافية لتحقيق هدفها بشكل مرض وما اعتبره سيدني تارو أساسيا هو بناء المنظمة وتعبئة أعضاء جدد لاستبدال الشباب الذين يتركون الحركة حتى لا يتناقص عدد الأعضاء في الحركة تدريجيا وبالمثل، فإن الافتقار إلى التنظيم يخلق بعض الصعوبات.

تأثير هيكلة الفرصة السياسية

وللتذكير، فإن هيكل الفرصة هو كل خصائص النظام السياسي التي ستوجه الناشطين في اختيارهم للتعبئة، ففي الواقع، لأنها تعتبر هذه الخصائص على أنها تشكل فرصا أو تهديدات، ستختار الحركة حشدها وتعبئتها بطريقة ما بدلا من أخرى، وبالتالي، فقد جاء ذلك في أعقاب رفض بلجيكا الانضمام إلى “التحالف الطموح العالي” في الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف بسبب عدم وجود موقف مشترك بين المناطق التي قرر الشباب حشدها، وهم يعتبرون أن سياسات مكافحة الاحتباس الحراري في بلجيكا ليست طموحة بما فيه الكفاية وأن هذا يشكل تهديدا لمستقبلهم، لذلك فهي سمة من سمات النظام السياسي الذي هو أصل التعبئة، لقد ثبت بالفعل في عدة مناسبات أن تجزئة السلطات بين مختلف مراكز السلطة المستقلة ومبدأ السلطات الحصرية المتأصلة في الهيكل الفيدرالي للبلاد يمثل عقبة أمام تبني رؤية متماسكة و سياسة مناخية طموحة على المستوى الوطني وتعزيز التقاعس عن العمل حكومات مختلفة.
وبالمثل، كانت احتمالية الانتخابات الفيدرالية والإقليمية والأوروبية في ماي 2019 هي التي دفعت حركة الشباب من أجل المناخ إلى تنظيم مسيرات أسبوعية حتى 24 ماي، وفي الواقع تعتبر هذه الانتخابات الثلاثية من قبل الشباب من أجل المناخ على أنها فرصة لإحداث تغيير ذي مغزى ضمن جميع مستويات السلطة، لذلك مع الأخذ في الاعتبار هذه الأجندة السياسية، يصبح الهدف تنظيم تعبئة طويلة الأمد من أجل إبقاء موضوع المناخ في النقاش السياسي.
ومن خلال تنظيم مسيرات مناخية سلمية، يبقى شباب من أجل المناخ في “نزاع يتم احتواؤه”، ففي الواقع على الرغم من أنها تخضع لإذن مسبق وكذلك لقواعد الشرطة، فإن المظاهرة هي شكل من أشكال التعبئة المصرح بها في بلجيكا، لذلك فإن المشاركين في المسيرات لا يعرضون أنفسهم مسبقا لخطر القمع العنيف من قبل الدولة. ومع ذلك في 24 مارس 2019، قرر بعض الشباب في الحركة المضي قدما في خطوة أخرى من خلال المشاركة في عمل عصيان مدني من أجل زيادة ضغط المواطنين على النواب الفيدراليين أثناء المناقشات حول “قانون المناخ”، حيث قرر نشطاء من منظمات مناخية متعددة تنظيم دعوى الاحتلال أمام البرلمان الاتحادي، هذا النص الذي صاغه أكاديميون بلجيكيون، وقدم إلى البرلمان الاتحادي من قبل أحزاب تحمل البرنامج المناخي، هو مشروع قانون خاص يتعلق على وجه الخصوص بإنشاء هيئات لتنسيق وتقييم سياسات المناخ للكيانات المختلفة وكذلك التسجيل أهداف مناخية طويلة الأجل ملزمة قانونا.
وعلى الرغم من أن النشطاء أجبروا على مغادرة المنطقة المحايدة، إلا أن الدولة لم تقم بالفعل بقمع هذا العصيان المدني، لذلك فهي دائما مسألة “نزاع محتجز”، ومع ذلك، فقد سعى شباب من أجل المناخ بالفعل إلى جعل حشدهم أكثر تعديا في لحظة محددة جدا على جدول الأعمال السياسي. لذلك يمكننا أن نفترض أن الناشطين الشباب رأوا في هذه النقاشات البرلمانية حول اعتماد قانون المناخ إمكانية تغيير الاصطفاف السياسي، ففي الواقع إذا تم تقديم النص إلى البرلمان من قبل حزبين معينين كانا في تلك اللحظة بالتحديد حلفاء للحركة، فلربما أعادت بعض الأحزاب النظر في موقفها عدة مرات.

بقلم: محمد بنعبو

خبير في المناخ والتنمية المستدامة
رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

Top