الفنان التشكيلي الحسين طلال: مسار مبدع استثنائي

الفنان التشكيلي الحسين طلال حائز على الجائزة الكبرى بصالون الشتاء لماجوريل عام 1965 الذي شهد مشاركة 160 فنانا معظمهم من البلدان الأوربية. تناول تجربته التشكيلية بالدراسة والتحليل مؤلف “الفن في العالم” (منشورات لاروس) لمؤرخ الفن والأستاذ البارز بكوليج دو فرونس وبمدرسة اللوفر بباريس روني هيغ (René Huyghe) عام 1971، كما خصـــــه الناقــــد الفني آلان فلامون (Alan Flamand) بمقال تحليلي في تضاعيف مؤلفه المرجعي “نظرة حول التشكيل المعاصر بالمغرب”، حيث اعتبره “من كبار الفنانين التشكيليين بالمغرب. فنان العزلة والجوهر بامتياز” .
منذ عام 1967، محطة معرضه برواق “la Roue” بباريس، والفنان المبدع الحسين طلال يرسخ حضوره النوعي في عدة محافل ومعارض دولية (صالون ماي، متحف الفن الحديث بباريس، رواق ” فير كامير” بباريس، رواق “إيغانس سبينيس إبيزا” بإسبانيا، رواق “دوكومنتا” بالدانمارك، مؤسسة ميرو بإسبانيا، معرض بشمال أمريكا رواق رالين المعاصر، رواق أفريقيا ببوستون، وغيرها). في هذا السياق ،عاصر عددا من كبار الفنانين ورجال الثقافة والأدب، أمثال غاستون ديل، جاك بيرك وآخرين، كما استقبل من لدن الفنان زادكين (Zadkine) الذي يعتبر من كبار رموز النحت التكعيبي.
في عام 2005، تمت استضافته من قبل أكاديمية طهران، حيث ترأس لجنة تحكيم البينالي الثالث للفن الإسلامي المعاصر، كما أشرف على تنظيم أول معرض دولي للفن الإيراني المعاصر بفضاء منتدى الثقافة بالدار البيضاء.
قال عنه إريك لوبراز (Eric Le Braz): ” لديه لمسة منفردة. يمكن التعرف على طلال على مسافة 100 متر. يمكن أن نستحضر أبوين: قوة بيكاسو، وسخـــــاء فان دوغيــن (Van Dogen). “.
كتبت عنه الناقدة دونيز إكس- ديفورن (Denise Ex – Dyvorne): “تصويره الصباغي فسحة هروب على حدود الفن التشخيصي. فهو تأويل ذاتي للواقع الموضوعي. المتلقي في تناوله لعمله عليه أن يعرف أنه ينحو نحو لقاء هذه الرؤية، وإلا لن يفهمه”.
في عام 1967، اشتغل على موضوعة “بورتريهات متخيلة”، وفي السبعينيات قام بتأويل الحكايات الغرائبية لإدغار آلان بو (الطفل واللعب). في هذا الباب، كتب الناقد جون بوري (Jean Bouret) في “الرسائل الفرنسية ” (Lettres Françaises): “للوحاته المجموعة هنا جمال غريب. لا أعرف لماذا تذكرني بويليام بلايك « Wiliam Blake » (مواليد 1757 بلندن، توفي عام 1827، شاعر، فنان تشكيلي وفنان حفر) لكن مع ذلك لا أقدر على شيء، حتى على محاولة التفسير”.
عندما عرض برواق « Vercamer » بباريس، اشتغل على موضوعة الرقص، وبالرباط تناول موضوعة السيرك كعالم سحري يحيل على طفولته، يتذكر قولة مؤرخة فن فرنسية: “كثير من الفنانين اشتغلوا على السيرك، لكن سيركك خاص بك طلال”.

د. عبد الله الشيخ

********

بورتريهات رومانسية توزع معاني الحب

  الفنان الحسين طلال الذي يعرض إلى غاية 30 مارس الجاري برواق « آتوليي 21» بالدارابيضاء تحت عنوان»بورتريهات متخيلة» مبدع تشكيلي من طينة خاصة ومن معدن نفيس، وتُعتبر شهادته حول مسار الفن التشكيلي في المغرب مادة توثيقية أساسية بالنظر إلى تجربته الجمالية وعلاقاته المتنوِّعة مع نقاد الفن والمؤرِّخين وأرباب القاعات ومحافظي المتاحف في العديد من الأقطار الأوروبية..فضلاً عن جولاته ومعارضه الكثيرة التي ترسم حضوره الإبداعي الوازن داخل المشهد التشكيلي المغربي والعربي.. 
     في مرآة نقاد الفن الأجانب
     كتب عن فن المبدع الحسين طلال نقاد عالميون متميِّزون لهم إسهامات نقدية مضيئة تحفل بها منابر ومجلات فنية متخصصة، منهم مثالاً الناقد الفني جون بوري الذي كان يكتب في المجلة الشهيرة «رسائل فرنسية» منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، وكذلك الناقد بيير غودبير P. Gaudibert مدير متحف الفن الحديث بباريس وباحث بالمركز الوطني للفن المعاصر (CNAC)، إلى جانب موريس أراما أحد أبرز الفنانين الذين تحملوا مسؤولية إدارة مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، والذي خصَّ كاتالوغ معرض الفنان طلال «بورتريهات متخيَّلة» الذي يتواصل عرضه إلى غاية شهر مارس القادم بـ»أتولييه 21» بالدار البيضاء، وقد حمل النص عنوان «الحسين طلال، أو ضجيج المكابرة»، فضلاً عن نقاد فن آخرين مشهود لهم بالخبرة الميدانية، منهم أوسي كلاسيي أستاذ بشعبة التاريخ بجامعة بيشوب بكندا والناقد ألان فلامون الذي خصَّه بشهادة تركزت حول فنه وهي واردة بمقدمة مونوغرافيا الفنان طلال الصادرة السنة الماضية بدعم من وزارة الثقافة وقد أشار فيها (فلامون) إلى أن فن المبدع الحسين طلال «يبدو قليل الكلام، ويقصي النوادر، ويركز على الأهم»، ثمَّ الناقد دنيس ديفرون الذي قال عنه «إن صنيعه الفني خارج مدارات الفن التشخيصي، تأمل في واقعية الذات وذات الواقع، أعمال ترصد جمالية الرُّوح، وتحوِّل المرئي إلى لامرئي».     الوجه، دليل هوية
حين قال الفنان بول سيزان P. Cézanne «إن ذروة الفن كلها في الوجه البشري» كان على دراية إبداعية كبيرة بأهمية فن البورتريه Portrait في تاريخ التصوير عبر العصور. هذا النوع من التصوير التشخيصي مثل طويلاً نموذجاً فنيّاً خبَّره عديد من الرسامين العالميين وعالجوا عن طريقه قضايا فنية وتقنية لم تكن معروفة لدى كثيرين وهي متصلة بمفهوم الظل والضوء وكذا معايير والرسم والتصوير كما حدَّدتها أكاديميات الفنون منذ وقت قديم.     بقي فن البورتريه متداولاً وظل لردح من الزمن يخلد الإنسان ويرسم وجوده وحضوره الموضوعي كشكل من أشكال التوثيق البصري التقليدي، السردي أحياناً، قبل أن يتطوَّر ويتحوَّل على إيقاع التقنيات وصيغ المعالجة عبر تاريخ الفن بما تميَّز به من تيارات ومدارس فنية حديثة ومعاصرة.     ولم يكن البورتريه يقتصر فقط على رسم وجوه الشخوص فحسب، بل تطوَّر ليشمل وجوه الفنانين ذاتهم Autoportrait، كما هو الحال لدى كثيرين من الفنانين، أبرزهم رامبراندت، وبعده فان كوخ وبيكاسو..وغيرهم. كما أنه لم ينحصر فقط في التصوير قدر ما شمل أيضاً فن النحت والتصوير الضوئي (الفوتوغرافيا)..     في السياق المذكور، وضمن تجربة تصويرية مغربية استثنائية، تبرز لوحات الفنان الحسين طلال كإبداعات صباغية منحت فن البورتريه والجسد الآدمي سمات تشخيصية ورمزية لا يمكن فهم أبعادها سوى بدراسة سياقها الجمالي والإبداعي الذي يُراهن عليه الفنان.     إبداعات الفنان الحسين طلال بورتريهات وأجساد مُغايرة ومختلفة تتجاوز سماتها الفيزيولوجية المألوفة لتصير بنيات وهيئات جسمانية «بهلوانية» تتراقص على إيقاع خبرة تلوينية وافية تمتد لسنوات من البحث والاشتغال الصباغي الجاد والعميق في حضرة الصمت بعيداً عن الضوضاء والشهرة المجانية التي يلهث وراء تحقيقها كثيرون من أشباه الفنانين مغربيّاً وعربيّاً.     يختار الفنان الحسين طلال بورتريهاته ويغترفها من صميم قناعاته ومن رغبته في تصوير ما يُريد بأيسر الخطوط وأوجز الصبغات دون إيغال في التعقيد والتكثيف. هو بهذا المنجز التصويري يرسم كما يعيش إنساناً هادئاً ومبدعاً صموتاً، لا يتحدث كثيراً، ولكنه يقول أشياء كثيرة ينطق بها رسمه وفنه.     وبقدر ما هي بورتريهات، هي أيضاً سلسلة من الوجوه المتأملة التي تتوارب و»تنظر إلى الداخل أكثر مما تنظر إلى الخارج»، بتعبير أحد الكتاب العرب. ومن عمقها تتحذق نظرات آسرة برؤى بعيدة عاكسة لمهارة يدوية متقدمة.     بهذه البورتريهات التعبيرية، يكون الفنان الحسين طلال قد بصم التشكيل المغربي والعربي بتجربة تصويرية متفرِّدة لها وضعها الخاص..ولها نواميسها الجمالية الخاصة، حيث تتوارد الأصباغ وتتألسن الخطوط الوادعة والمنثالة على إيقاع لمسات واثقة لفرشاة مقدرة ومشبعة تنهض على خبرة صباغية وافية.     أجساد متماهية..     تبدو الأجساد في تجربة الفنان الحسين طلال متراصة محتفية بالحياة..وبالوجود الإنساني الذي صار في الانطفاء والانمحاء بفعل الفهم الخاطئ للحياة المعاصرة وما تقتضيه من شروط..بورتريهات رومانسية توزِّع معاني الحب بجانب أجساد متماهية ترسم في إيماءاتها حركات بدنية ممتدة تكاد لا تنتهي، ملتفة ومختفية داخل أردية مخططة مستعارة من عوالم كرنفالية.هي هكذا لوحاته متميِّزة بتشخيصية أخرى (تصويرية جديدة) ذات صبغة كاريكاتيرية إلى حد ما يتجلى ذلك من خلال لجوئه إلى تضخيم الأحجام والأبدان والتلاعب (صباغيا) ببنياتها بشكل يحيلنا قليلا على بعض أعمال فرانسيس بيكون (1909) رسام الكوابيس» الذي كان موضوعه المفضل هو الإنسان الذي يواجه الألم والفزع»..إلا أن الفنان طلال له طريقته الخاصة وأسلوبه الصباغي في الرسم والتلوين الذي ينهجه وفقا لمهارة متقدمة تعكس حضوره القوي داخل المشهد الإبداعي بالمغرب.سيراً على هذا التأويل، وبكثير من الفضول، تنمِّي فينا أجساد وشخوص الفنان الحسين طلال والصيغة التي رسمت بها الرغبة في معرفة الموديلات التي استند عليها في هذه التجربة التصويرية التي أنفق فيها جهداً ووقتاً كبيراً، وهي -بالتأكيد- ليست نموذجاً موحّداً بصفات فردية نمطية Prototypes، بل إنها تمثل رسومات تعبيرية تحفظ المسافة بين المتلقي والعمل الفني وأعمالاً مفتوحة تضمن الحدَّ الأهم من القراءات البصرية، بحسب فكر أمبرتو إيكو U. Eco..وحتى وإن كانت موديلات من وحي خيال الفنان، فإنها تمثل حكايات طريفة عاشها الفنان صبيّاً صغيراً رفقة والدته المبدعة الراحلة الشعيبية طلال داخل بيت متواضع على وقع نور ورائحة الشمع، في غياب الكهرباء آنذاك، ما نتج عنه خيالات الظل التي كانت تلهمه صغيراً وهي تتحرَّك وتتراقص على حيطان البيت وقد كانت تسليه وتلهمه..هكذا كانت البداية بالأبيض والأسود..بلغة الطيف. زد على ذلك افتتانه ببعض الشخصيات البهلوانية التي كان يصادفها هنا وهناك بالضفة الأخرى بمناسبة زياراته الفنية لأقطار أجنبية متنوِّعة..     من عمق لوحاته التعبيرية يسعى الفنان الحسين طلال إلى لإقناعنا بأن وجود الإنسان هو وجود جسدي، على اعتبار أنه «لا يمكن الحديث عن إنسان دون العودة إلى جسديته»، كما تقول فنى فياض في «فخِّ الجسد»..ما يجعلنا نلتفت إلى أجسادنا وذواتنا في حدود المعاني الجميلة التي يبعث بها إلينا عبر رسائل الحب والإنسانية.. 

 ابراهيم الحَيْسن :فنان تشكيلي وناقد جمالي

Related posts

Top