الفنان محمد الهاني يعرض بالدار البيضاء

في اطار فعاليات الدورة الأولى لمعرض التحف الفنية و التراثية العتيقة التي يحتضنها رواق المركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء يعرض الفنان التشكيلي العصامي محمد الهاني جديد أعماله الابداعية الغرائبية بعد مشاركة نوعية في الدورة الثالثة للمعرض الدولي للفن المعاصر المقام من لدن مؤسسة ايفري كوم بالدار البيضاء و في عدد من المحافل الابداعية الوازنة داخل المغرب و خارجه.
من قلب جهة أزمور، القلعة الحضارية العريقة، يطالعنا اسم الفنان التشكيلي محمد الهاني (مواليد 1952) ، منصتا بعمق وروية لدواخله ومخلصا لأسئلته القلقة حول المجتمع والوجود. منذ طفولته الحالمة وهذا الفنان الصموت مولع بالتقاط ما ينطبع في مخيلته البصرية المبكرة بحس تلقائي، متأثرا بكبار الفنانين الحالمين و العجائبيين. ارتاد مغامرة نحت لغة تشكيلية خاصة به تزاوج بشكل سلس وبليغ بين الواقعية التشخيصية والغرائبية الرمزية خارج دوائر التعبير المباشر ودروب الاستشراق الفني المسدودة.                                                                  
لقد تمكن محمد الهاني المقل في معارضه من تأثيث فضاء تشكيلي وحكائي مقدما إياه كحساسية ذاتية منفتحة باستمرار على غرائبية الشكل وانزياح الصورة عن المعطيات البصرية المألوفة (الخط، الزخرفة، الالتقاط الفوتوغرافي، التسجيل السردي). فهذا المبدع الوجودي المعروف  بلوحاته المدهشة و المحيرة يؤسس تجربته التشكيلية البوحية على تأويل عالم المرأة في أبعاده المألوفة والغريبة في الآن ذاته، مجسدا على طريقة عباقرة الفن مفارقاتها وعوالمها الذاتية والعلائقية. يقول عن تصوره العام للفعل الإبداعي: «الرسم بالنسبة لي مجال إبداعي أفصح من خلاله عن أحوالي الشخصية وأطرح من خلاله أسئلتي الوجودية حول الكائن والكينونة».                                      
 إلى جانب هذا المدى الوجودي البليغ ، حرص محمد الهاني على تشكيل هوية بصرية تحمل انطباعاته العامة حول الواقع المحيط به، مكتشفا إمبراطورية الأشكال و الصور وسحر الحكايات والأساطير الشعبية وكأن به يخوض بحثا إثنوغرافيا بكل المقاييس. في هذا الصدد، استلهم الفنان المتخيل الجماعي وبادر إلى تأثيث العوالم المشهدية فوق الواقعية.
عندما نرصد أعماله التعبيرية نستشف الولع الكيميائي بالمادة وتفاعلات اللون، حيث افتتان التجربة التصويرية بمشهدة التركيبات الانزياحية ذات القوة الإبلاغية الصادمة. ألسنا، هاهنا، بصدد تحليق بدون أجنحة في تخوم الذات الباحثة عن جمالية افتراضية للتلاقح والتصادي مع الآخر؟ ألا يحاول الفنان في فصوص مراقيه التشكيلية بلورة علاقة استبطانية مع الكائنات والأشياء بروح مفعمة بقلق السريرة وهواجس الطوية؟                                                                                           

  كلما تأملنا الفيض التعبيري والشاعري في حضرة محمد الهاني، ندرك جليا غنى الحس الباطني العميق بالموجودات ومدى التعامل الذاتي الجارف مع شطحات الروح ومدارجها. إنه يدرك تماما أن الفن ليس مجرد علاقة محاكاتية وتناظرية مع الواقع، بل هو في الجوهر استبطان الأساسي وتأويله في صيغة أشكال مغايرة ومدارات مشهدية هجينة تتأسس على فلسفة الحوار وتعددية الأصوات استنادا على الإبداع المتخيل الذي يملك بتعبير المفكر ريجيس دوبري قوة تبشيرية نظرا لطابعه الإشاري والبدائي. إن هذا التعامل الخصوصي والمنفرد مع الوسائط التشكيلية الأكثر تعبيرية هو الذي يحرر نموذجه البصري من كل سهولة مبتسرة ووساطة خادعة للسنائد والحوامل التقليدية. فلا سلطة إلا للمادة التشكيلية ولا فتنة إلا للمنزع التعبيري النابض بالحياة والحرية. وظف محمد الهاني في لغته التصويرية سجلات متعددة من الموتيفات والرموز المرجعية، خالقا توازيا عجائبيا بين الواقع المرئي ومتخيله الإيحائي في حركية انسيابية تعز عن الوصف. كل قراءة بصرية لأعمال هذا المبدع الاستثنائي الذي يحلق خارج السرب هي نشاط تأويلي لسيرورة المعاني الثاوية وراء الأشكال والتداعيات التعبيرية غير المطمئنة ( الإفصاح والاستبطان، التواصل والمناجاة).
تراهن تجربة الهاني ( حل ضيفا على عدة برامج تلفزيونية كنماذج و نوستالجيا و ارمانيا …) على ملكة الاكتشاف ضد نزعة الفهم بكل إكراهاتها الاستهلاكية السائدة. فالفنان يحلل مواضيعه ويخضعها لتفكيكات بنيوية داخلية باحثا عن الجذور لأنه يؤمن جيدا بأن هناك دوما شيئا جينيالوجيا داخل الشجرة، وهذا ما يفسر اشتغاله الوظيفي والجمالي على لغة التشكيل كواقعة سحرية لا نمطية فجة. ألم يكتب إيلفاس ليفي: «ليس ثمة غير معتقد وحيد في السحرهو أن المرئي تمظهر للامرئي». على عتبة لوحاته التعبيرية الرمزية نقف حائرين أمام وحدة الشكل في إطار تعدديته بناء على تذويت الاختيارات المسلكية التي تصالح بين ذوق الحواس وذوق التفكير وتعمق انخراط الاستهلاك الجمالي داخل عالم الاستهلاك العادي. أليس الأمر دعوة لإعادة التفكير في الجمالية العالمة التي تخلص ذوقنا من الأحكام المسبقة؟ 

عبد الله الشيخ*                                                                                     
 (ناقد فني)        

Related posts

Top