الفنان مصطفى النافي يعرض بدار الشريفة بمراكش

بعد غياب طويل، يعرض الفنان التشكيلي مصطفى النافي آخر أعماله تحت عنوان “فراغ متعدد” برواق دار الشريفة بمراكش – المغرب- ابتداء من 24 يوليوز إلى غاية 31 غشت 2021.
حيث تضمن هذا المعرض أيقونات جمعت بين اللوحة في بعديها الأول والثاني، وبين الأيقونة في أبعادها الثلاثة، حدد معالمها في جمالية الشكل ورهافة الإحساس كفنان راكم لمدة طويلة من الحرفية والبحث عن أسرار التعامل مع المواد، رصيدا تقنيا ومعرفيا بدقة عالية في الإنجاز، حيث جعل من أيقوناته سندا لكل التجارب الممكنة في اتجاه البوح بمكنوناتها عنوة، فجعلها تنطق بما تخفيه من إمكانيات لا يمكن للمتمرس إلا الوقوف عليها، فكانت جسرا لولوج الموضوع المؤطر لتجربة ناهزت ثلاثين سنة من البحث والتمحيص، لتخلق توازنا بين الشكل والمضمون، كفضاء حاول الفنان النافي أن يتقاسمه بين المملوء والفارغle plein et le vide . حيث جاء في جزء من كلمة دليل المعرض للتشكيلي والناقد شفيق الزكاري ما يلي:
“أشكال وعناصر بتفاصيلها تجدد الرؤية الفنية بكل أبعادها الجمالية المفرطة في طرح الأسئلة الحداثية المنفلتة من رتابة الممارسة التشكيلية، بأسئلتها التوليدية لمنظور المعالجة للسند، بمرجعيات فلسفية جعلت من التحفة الفنية جزءا من مشروع مستقل عما نشاهده اعتياديا في المشهد التشكيلي المغربي أو العربي.
تلك هي مضامين التجربة التشكيلية عند الفنان مصطفى النافي، القادم من أرخبيل بساتين حلالة المعروفة بعنفوان طبيعة تربتها الأصيلة، تجربة تحمل مسؤولية اعتناقها فنان أصيل بعمق الغيرة والمعاناة الحقيقيتين، بحثا عن كنه معالجة أسئلة وجودية بطريقة تصاعدية (Transcendante)، ضمن نسق البحث الدائم عن أفق مغاير يخضع للضوابط العلمية والموضوعية، متوسلا بخبرته الطويلة وتكوينه الأكاديمي المتحرر من التكرار والرتابة، متجاوزا بذلك شرط الانغلاق والاجترار الذي أصبحت تعاني منه الساحة التشكيلية المغربية حاليا.
لم يقف المشروع الفني للفنان مصطفى النافي عند حدود صياغة الخطاب التشكيلي المتداول، بل اعتمد على أسئلة تمتح من البعد الفكري والفلسفي من زاوية مرئية يصعب القبض عليها بسهولة، إلا في حضور مرجعية ثقافية عميقة تستند لموروث ثقافي إنساني متعدد المشارب، فكان للطرح الفلسفي حضور ملفت للانتباه في تجربته من خلال منظومة منفتحة على كل التأويلات الممكنة، بخصوصيات حولت ما هو نظري إلى ما هو تطبيقي مرئي، اعتمادا على تحولات بآليات تختلف على مستوى التطبيق نظريا وعمليا، أي من الطرح الفلسفي إلى مقاربة تشكيلية بمضمون فكري وعملي، في محاولة خلق توازنات تعبيرية متفاوتة من حيث العناصر المتباينة فيما بينها، والانتقال من أفكار تجريدية هلامية لمشاهد مرئية ملموسة، جعلت من مفهوم “الما بين بين” موضوعا لها.
فـ “الما بين بين” هنا، هو ذلك المفترق بين الفكرة ونقيضها، أو تلك المرحلة الانتقالية في بعدها التحولي الذي يستكين في أسلوب بحث معين يجمع بين البداية والنهاية، وهذا ما نقف عليه من ملامح محورية في تجربة الفنان مصطفى النافي، التي عرفت تطورا منذ بداياتها من خلال خيط رابط في مسارها، حيث لا يمكن الفصل بين محطة وأخرى نظرا لامتداداتها بشكل تسلسلي وسردي على المستوى الجمالي المتمكن صاحبها من استخدام وتوظيف العناصر والآليات المؤثثة لتحفه الفنية…”.
كما جاء في نفس الدليل في جزء آخر من كلمة للدكتور والباحث محمد اشويكة ما يلي: “ليست أعمال مصطفى النافي منبسطة ولا مستوية، بل هي أعمال تحتفي بالفراغ، وتسعى للبحث عن جمالية الثقوب وكأنه يسعى إلى تسجيل تاريخ كوسمولوجي للعالم عبر التشكيل: عالم يطل ملغزا ومظلما رغم مجهودات الإنسان العلمية والعقلانية الرامية لإضاءة عتماته…
عالم مليء بالثقوب، وتهدده الثقوب، وتشكل الثقوب جزءا لا يتجزء من مساره.. عالم يعرف توازنه عبر الثقوب. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن “الثقب الفراغ” دعامة تشكيلية أو وسيط فني بين الظهور والضمور، والاكتفاء والخصاص، والوجود والعدم، والظلام والنور.. وهي متناقضات تحيل على البعد الأنطولوجي للعمل التشكيلي…”.

Related posts

Top