الفيلم المغربي «عيش حياتك»… رحلة شفاء من آلام الحياة وكبواتها

منذ بدايات السينما وهي تحاول أن تعالج مشاكل اجتماعية ونفسية، فلم تكن تقتصر على الفرجة والإمتاع وحسب، بل كانت تروم إيصال رسائل يحددها التركيب الفيلمي ما يجعل السينما في الأخير ضمن الخطابات الإبداعية الفاعلة في النقد والتفسير والتغيير. والأمراض النفسية من الموضوعات التي تنبني عليها أفلام كمادة تستحق أن يُلتفت إليها، وكما تعمل على تقديم تفسيرات لها عبر البحث في مراجع الطب النفسي، تحاول في الوقت ذاته تقديم حلول لها عبر قوالب إبداعية جاذبة تجعل المشاهد يستفيد منها بعمق. فالقضايا الإنسانية بكل أبعادها تمتح منها السينما لتطرحها للتأمل والنقاش وتبادل الرأي بصددها. ويمكن ـ بدرجة نسبية ـ إدراج فيلم «عيش حياتك» في هذا المجال.

الحكاية

البطل موظف بشركة، يدعى (إبراهيم) المتسم بمزيح من ترددات وأوهام وتخوفات مرضية لا مبرر لها ستجعله منغلقا منطويا لا يعرف في حــــياته سوى الشغل ومتاعبه فقط، وقد حدا به ذلك إلى أن تضيق امرأته بتصرفاته وسلوكاته، لينتهي بهما الأمر بالطلاق، حياة رتيبة جعلت امرأته تحكم عليه بالفشل، وهو حكم ظل منقوشا في نفسيته زمنا طويلا.
وهنا سينشأ اهتمامه بابنه خوفا على مستقبله، ولن يتخلص من كل ذلك سوى بـ«داليا» الموظفة التي اختارتها الشركة كي تصطحبه في رحلة عمل ممتعة إلى سينا وسيوة لتصوير حملة دعائية وإعلانية تحت شعار «عيش حياتك» وقد نجح في ذلك بمساعدة زميلته التي صارت زوجته في نهاية الفيلم. الفيلم من إخراج تامر بسيوني، تأليف وسام حامد، ومن بطولة سامح حسين، ساندي، إدوارد، سامية الطرابلسي وآخرين.

التفاصيل

يبدأ الفيلم بحوار داخلي يسترجع فيه إبراهيم مشاكله مع امراته التي فارقته لتصرفاته التي يطبعها الوسواس والخوف والرتابة القاتلة. ثم يظهر في عمله وهو يحمل هديته لابنه بمناسبة عيد ميلاده، وقبل أن يبدأ عمله يفتح حاسوبه كي يقف على صورة ابنه ويظل يفكر بعمق وقد فارق أمه، فيعاتبه مديّر الشركة على ذلك، ويلومه لتخوفاته من كل شيء ويأمره بأن يأخذ إجازة، ليعيش ويستعيد توازنه، عليه أن يركز في عمله حتى لا يفشل فيه بعد أن فشل في حياته الزوجية، هنا ستظهر زميلته في العمل بوجه مشرق، ويقابلها بخجل وتحاول أن تجره للانخراط في العمل كما سبق فيحدثها عن انفصاله عن امرأته، وعن همومه الأخرى، وتقول له بأن الدنيا قد تخفي له أشياء جميلة فعليه بالتفاؤل. وقد كانت رحلته مع «داليا» رحلة ماتعة أعادت إليه توازنه ليستمتع بحياته بعيدا عن استحضار المنغصات الماضية والآنية، التي تستبد به من حين إلى آخر، حيث سيكتسب الثقة بنفسه شيئا فشيئا، وقد تم ذلك عبر محطات منها.. انتقاد داليا لملابسه التي لها علاقة بالعمل الإداري لا بالسفر، وقد رد عليها ردا يحمل عنفا، خوفه خوفه من حادث سير وداليا تسوق بسرعة وسرعان ما استساغ الأمر.
يبدأ الفيلم بحوار داخلي يسترجع فيه إبراهيم مشاكله مع امراته التي فارقته لتصرفاته التي يطبعها الوسواس والخوف والرتابة القاتلة.
توجيه داليا له بكون العمل ينبغي أن يمارس بحب، معاتبته لداليا على التوقف من أجل مساعدة سائق شاحنة، فقد يكون السائق لصا أو مجرما فيحثها مكرهة لتمضي وتواصل الطريق، تصويره وهو يخاف من صعود المرتفعات لكنه نجح في صعودها بعد ذلك، ركوبه على متن منطاد بعد تردده وخوفه، إسناد سياقة السيارة له وهنا يبدأ انشراحه وإحساسه بمتعة الحياة، فصار يمزح ويضحك ويتواصل بعمق مع داليا، عودة التفكير السوداوي إليه وهو في مطعم، يفكر في علاقته بامرأته التي قالت له وهي تحمل السكين في وجهه بأن الروتين يقتل العلاقة بين الاثنين مهما كان حبهما، وإننا نعمل لنعيش ولا نعيش كي نعمل. ويعود ليعيش فرحة الرحلة وداليا تقول له بأن الأشياء التي نخاف منها لن تجد أحلى منها في الدنيا، تضايقه من بعض زبائن مطعم خوفا من المساس بداليا، وحين يدخل المطعم يأبى الأكل خوفا من التسمم، أما داليا فأكلت بلامبالاة، محاولة أحدهم معاكسة داليا فيسخر منه، وتعاتبه داليا على لطفه، فيشعر بالندم، ويعود ليخاصم ثلاثة شبان وفي هذه المرة بكل شجاعة. يشعر إبراهيم بأنه أصبح شخصا آخر، ويتبادل نظرات الإعجاب مع داليا التي أنقدته من براثن الوساوس القاتلة، وفي مطعم يحاول أن يصارحها بحبه لها ويضاحكها وفي طريقهما تلتقط له صورا كي تعبر له عن إعجابها به، يبدو منشرحا وهو يقف وسط السيارة فاتحا صدره للريح، وفي مشهد مؤثر يجهش بالبكاء وهو يقول لداليا بأنه قضى أوقاتا وراء الشاشة والفيسبوك بعيدا عن معنى الحياة وجوهرها، وتعلن حبها له قائلة له بأنها أحبته قبل أن تراه. ويستفيد من أقوال العم بدر والعم سليمان وغيره بكون اليسر يأتي بعد العسر، وأن كل يوم هدية من الله ينبغي عدم إضاعتها. يعود إبراهيم ـ وقد صار شخصا آخر ـ إلى الشركة فيشكره مدير الشركة على عمله، وفي حفل بهيج يحضره موظفو الشركة يرتبط بداليا التي أكملت نقصه وصارت رفيقة حياته تبادله مشاعر الحب والعشق.

فكرة التغيير السلوكي

الفيلم مشوق رُكِّزَ فيه أكثر على داليا وإبراهيم تركيزا واضحا يجعل المشاهد يقف على مختلف التغيرات التي طالت حياة إبراهيم، الذي غادر جانبه السلبي فصار إيجابيا بفضل داليا التي يمكن اعتبارها بمثابة طبيبته النفسية، التي رافقته وقبلت بنقائصه وصححتها بشكل متدرج وذكي، ليصير زوجها في الأخير وقد تخلص من عقده ونقائصه. والفيلم بذلك يحاول إيضاح فكرةِ يُسْر التغيير السلوكي انطلاقا من تفهم المحيط للمصدومين والانطوائيين والمعقدين، باعتبارهم طبيعيين لا يحتاجون سوى التشجيع والتحفيز والتفكير المغاير للأشياء. ذلك عبر تركيزه على رحلة البطل بمشاعره التي تتأرجح بين الخوف والفشل والانطواء ومشاعر التحرر التدريجي من عقدته، فقد واجه بالكاد كثيرا من التقلبات السيكولوجية المؤثرة على أدائه الوظيفي وحياته الأسرية إلى حد تطليق امرأته وانفصاله عنها وابنه تحت رعايتها، ليجعله ذلك ينخرط في دوامة من التأسف والمرارة على هدر الكثير من الفرص التي تفتح أمامه المجال للاستمتاع بحياته كالآخرين.

> لحسن ملواني 

Related posts

Top