القراءة والسفر

أثارني تساؤل أحد الأصدقاء حول الكتب التي يمكن له قراءتها في هذا الصيف، بدا التساؤل كأنه اعتراف ضمني بأن لكل فصل كتبه الخاصة، هناك كتب الخريف وكتب الربيع.. إلى آخره.
مما لا شك فيه أن الإقبال على اقتناء الكتب – حتى لا أقول قراءتها، لأن هناك فرقا بينهما، وسأوضح ذلك في ما بعد- يزداد في فصل الصيف، ولا أدل على ذلك الانتعاش الذي تعرفه أسواق الكتب، إلى حد أن أصحابها يتمنون لو يمتد هذا الفصل أكثر من غيره من الفصول.
وبات من المألوف أن تجد الناس يحملون بين أياديهم كتبا بأحجام مختلفة، وطبعا في مجالات متعددة، خاصة حينما يكونون على سفر، هذه العلاقة بين القراءة والسفر، تستحق التأمل.
من المسلم به أن الكتاب يطبع من أجل أن يطلع عليه القراء، إذن هو معمول للقراءة، غير أن الملاحظ أن الكثير من الناس يتعاملون مع هذا المنتوج كأنه مجرد لعبة مسلية، يمكن حمله في أثناء السفر مثلا دون تحمل عناء قراءة صفحة واحدة منه، يكفي للمسافر أن يضع الكتاب أمامه دون فتحه، لكي يحس بالمتعة والتغلب على متاعب السفر أو عذابه.
وحتى عندما لا يكون هؤلاء في سفر، تجدهم يقتنون الكتاب ويضعونه في بيوتهم ويطمئنون إلى أن لديهم مكتبة، لا يهم ما تحمله هذه المكتبة من أفكار، المهم أن تشكل ديكورا، قطعة من أثاث المنزل، حينما لا يتم وضع الكتاب في رف خاص به، بمعزل عن باقي أواني المنزل؛ فهذا في حد ذاته استهانة بقيمة الكتاب.
في القطار، عادة ما أصادف مسافرين يضعون أمامهم كتابا ما، صغر حجمه أم كبر، غير أن أغلبهم لا يتحملون الاستمرار في قراءته، يلهون به بين أيديهم لبعض الوقت، ثم يتخلصون منه، لنتمعن جيدا، هذا الكتاب الذي لا يتحملونه، لم يفرض عليهم، لقد انتقوه بعناية شديدة من بين عدة كتب يحتفظون بها في بيوتهم، وقد حملوه معهم في السفر، لأنهم في عطلة ولأنهم يدركون أن هذه هي الفرصة التي سيكون مسموحا لهم فيها بقراءة ذلك الكتاب بالذات، ربما
انتظروا عدة أسابيع وشهور لتتاح لهم الفرصة لقراءته، وها هي الفرصة قد حانت، غير أنهم لم يغتنموها، صحيح أنهم حملوا معهم الكتاب في سفرهم، وكان لديهم متسع من الوقت لكي يقرأوه، لكنهم لم يقرأوه، مع أنهم اختاروه بأنفسهم، وانتظروا طويلا الفرصة لقراءته.
ماذا لو تم وضع مكتبة في متناول المسافرين في القطار مثلا، هل سيتم الاستفادة من تلك المكتبة؟
ستكون تجربة جيدة، حتى وإن كانت محتويات تلك المكتبة ليست من اختيار المسافرين، وفي اعتقادي أن من بين أكثر القطارات حاجة إلى هذا النوع من الخدمات هي قطارات بلادي، إنها في كل لحظة تتوقف في انتظار تحرير السكة من قطار آخر، إنها لحظة مناسبة للبحث عن كتاب لقراءته. كيف يتحمل بعض المسافرين تأخر القطار عن الوصول إلى محطاته دون أن يشغلوا أنفسهم بأي شيء؟ هناك تفسير واحد لهذه الحالة، وهي إما أنهم شيزوفرينيين وإما أنهم..
يا أيها المسافرون، رجاء إذا حملتم معكم كتابا ما في السفر، اقرأوه لوجه ذلك المؤلف الذي عانى كثيرا قبل أن يخرجه إلى الوجود.

عبد العالي بركات

[email protected]

Related posts

Top