القضاء على الفوارق المجالية يفرض إعادة النظر في السياسات والبرامج المعتمدة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية

اعتبر وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية السابق، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن التفاوتات الاجتماعية في المغرب والتي بلغت درجة من الحدة، تعود لعاملين أساسين، أولهما النموذج التنموي المتبع في المغرب منذ الاستقلال، بالرغم من بعض التعديلات الإيجابية التي أدخلت عليه خلال العقود الأخيرة، واختلالات السياسات العمومية في مجال إعادة توزيع الثروة.
وأكد عبد السلام الصديقي، خلال افتتاحه أشغال الندوة الموضوعاتية التي نظمها حزب التقدم والاشتراكية، مساء أول أمس الثلاثاء، بمقره المركزي بالرباط، في إطار الإعداد للمؤتمر الوطني العاشر في شهر ماي القادم، “أن أي سياسة تسعى إلى التقليص من هذه الفوارق عليها أن تشتغل على هاتين الرافعتين، وذلك بإعادة النظر في نظام التوزيع الأولي للمداخيل من جهة، والقيام بإعادة توزيع فعال للثروات من خلال سياسات اجتماعية نشيطة ومدمجة من جهة أخرى”.
وأعلن الصديقي أن هذه الندوة التي تتمحور حول موضوع” الفوارق المجالية”، هي امتداد للندوة التي عقدها الحزب في منتصف شهر دجنبر الجاري، حول الفوارق الاجتماعية، وستتلوها ندوة أخرى بتاريخ 10 يناير القادم حول تنمية المناطق الجبلية، على أن هذه الملتقيات لن يقتصر تنظيمها على المستوى المركزي بالرباط، بل ستنظم بمدن ومناطق أخرى.
واقترح المسؤول الحزبي، في ما يخص موضوع الفوارق المجالية، ومعالجتها والتخفيف منها، القيام بتحديد الهدف، في مرحلة أولى، بتوزيع الدخل الوطني على أساس قاعدة ثلاثة الأثلاث، ثلث للرأسمال، وثلث للعمال، وثلث للإدارة، مما سيسمح للدولة بالحصول على مزيد من الموارد للقيام بسياسة اجتماعية أكثر طموحا ومعالجة الاختلالات المترتبة عن التوزيع الأولي.

في هذا الصدد، اعتبر الصديقي أن السبيل الأمثل لذلك هو استعمال الأداة الضريبية، وذلك عبر القيام بإصلاح ضريبي يعتمد مبادئ المساواة والشفافية، والعمل بدون هوادة على إدماج القطاع غير المهيكل، ومحاربة التملص والتهرب الضريبيين، فضلا عن ضرورة قيام السلطات العمومية بتوزيع ثانوي أو ما يسمى بإعادة توزيع المداخيل، وذلك عبر تعميم نظام التغطية الصحية والاجتماعية في اتجاه تحقيق قاعدة التغطية الكونية على المدى المتوسط والتي تشمل التغطية الصحية، والتقاعد، و التعويضات العائلية، والتأمين ضد حوادث الشغل، والأمراض المهنية، والتأمين ضد البطالة.

وأكد عبد السلام الصديقي، في ذات الوقت، على ضرورة ضمان السلطات للخدمات العمومية التي تحتاج إليها الساكنة والتي تشمل مجموعة من المجالات كالتعليم، والصحة، والنقل، والثقافة، والتسلية، قائلا” كلما توفر تعليم عمومي ذو جودة إلا واستطاعت الفئات الاجتماعية ذات الدخل المتواضع تفادي نفقات تشكل عبئا كبيرا على ميزانيتها، وكذا الأمر فيما يخص الصحة وغيرها من القطاعات”، داعيا، في نفس الوقت، الحكومة إلى الاجتهاد لتوفير فرص الشغل عبر الاهتمام بالتدابير التي تتضمنها الاستراتيجية الوطنية للتشغيل.
من جانبه، دعا نور الدين العوفي، أستاذ الاقتصاد، خلال مقاربته لموضوع الفوارق المجالية، من خلال تيمة “مدخل إلى الفوارق الحقيقية في المغرب”، إلى العودة للأطروحات التي وضعها الاقتصاديون التقليديون لاستلهام خطوات الإصلاح للحد من الفوارق الاجتماعية، معتبرا أن السبيل لتجاوز معضلة الفوارق الاجتماعية يتمثل في الإقدام على تعديل الأولويات بالاستثمار في التعليم الأساسي، والارتقاء بمبادرة التنمية البشرية إلى مستوى وذلك بتجاوز المنهجية المتبعة إلى حد الآن، فضلا عن نهج إصلاح عميق للمنظومة الجبائية، مؤكدا، في ذات الوقت، على أنه ينبغي اتباع المزاوجة بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
من وجهة نظره، اعتبر عزيز ينهو، مسؤول سابق بالمندوبية السامية للتخطيط، ومستشار رئيس الحكومة، أن التشغيل يعد المدخل الأساسي لمعالجة الفوارق الاجتماعية، مدققا، في عرضه الذي تمحور حول” الفوارق رهان حاسم للتنمية في المغرب”، على أن سوق التشغيل في المغرب يطبعه الشغل الناقص، وقلة فرص الشغل ذي قيمة، وهذا الأمر يحد من فرص تجاوز الفوارق، خاصة وأن القيمة المضافة التي ينتجها الاقتصاد يذهب ربعها، فقط، للأجراء، في حين يذهب الباقي للرأسمال.
ودعا ينهو، بدوره، إلى ضرورة اعتماد إصلاح السياسة الجبائية، وضرورة تقوية برامج تيسير، والراميد، بعد تقييمها، فضلا عن إعادة النظر في نظام الاستهداف الذي يثار بشأنه الكثير من النقاش. ومن جهته، نبه موسى كرزازي، أستاذ الجغرافية بكلية الآداب جامعة محمد الخامس، في عرضه الذي تناول فيه موضوع التفاوتات الاجتماعية والمجالية بالعالم القروي، وعلاقته بالمدن، من خلال تقديم جهة الرباط سلا القنيطرة، نموذجا، إلى ضرورة القيام بإصلاحات جذرية يكون محورها الإنسان، من خلال اتباع سياسة التخطيط والتهيئة لإعداد التراب، ووضع مخططات تحدد المؤهلات لاستغلالها وتثمينها وتحول الإكراهات إلى مؤهلات والاستفادة من الفرص المتوفرة، وتوقع الكوارث لدرئها.
وأوضح أن هذه الإصلاحات يجب أن يكون في مقدمتها تحسين مستوى معيشة الفئات الاجتماعية الهشة، كالعمال، وصغار الفلاحين، والشباب القروي، والمرأة والفتاة القروية، مشددا، في هذا الصدد، على ضرورة تشجيع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ومواكبة المقاولات الصغرى والمتوسطة.
وحمل المتحدث نفس الدعوة التي تهم القيام بالإصلاح الضريبي، فضلا عن تطوير وتجويد التعليم، والتي يقصد بها المدرسة العمومية أساسا، هذا مع القيام بتحديث الإدارة والحكامة العمومية ومواصلة ورش إصلاح القضاء وتطهيره وتطبيق الحق والقانون بربط المسؤولية بالمحاسبة.
من جانيه، أكد رشيد حموني، النائب البرلماني عن ميسور، على الأهمية البالغة التي شكلها إطلاق نظام المساعدة الطبية، كإجراء ضمن إجراءات أخرى للتخفيف من الفوارق الاجتماعية والمجالية، مع تشديده على أن الدولة لم تنجح في ضمان ديمومة هذا النظام لكونها لم تهيئ الظروف التي من شأنها ضمان نجاحه.
وأوضح، في هذا الصدد، أن النظام الذي خطط له في البداية لتوفير التغطية لفائدة 8 مليون مواطنة ومواطن، ظل معلقا، ولم يتم إطلاق سراحه لفائدة المستشفيات التي تقدم خدمات صحية للمواطنين.
وأكد، في هذا الصدد، على ضرورة إحداث وكالة مستقلة لتدبير نظام المساعدة الطبية، الراميد، عوض وكالة التأمين الصحي الحالية، فضلا عن ضرورة عقد شراكات مع القطاع الخاص للتخفيف عن المستشفيات التي باتت في وضعية شبه إفلاس نتيجة التدبير الذي طبع المساهمات المالية التي ينبغي أن تدفعها الدولة والجماعات الترابية، فضلا عن ضرورة القيام بإعادة النظر في الخريطة الصحية.

فنن العفاني

Related posts

Top