القضاء مدان حتى لو لم تتم إدانته

يبدو أن هناك من يرفض الوثوق في أحكام القضاء وتعليمات وقرارات النيابة العامة. ويصر أن يلبس كل الملفات القضائية لباس الشبهة وعدم الحياد وخدمة أجندات سياسية. هناك من لا يهتم بالأدلة والقرائن والوقائع المثبتة التي بنيت عليها تلك الأحكام القضائية والقرارات. والتي يمكن الحصول على نسخ منها.
يعيش القضاء المغربي محنة التشكيك في نزاهة واستقلالية بعض رواده، وإدمان البعض على الطعن في أحكامه. هناك من يتهمون بعض المسؤولين القضائيين بالتواطؤ وعدم الإنصاف، وهناك من ذهبوا إلى حد إدانة القضاء بكل هياكله، ورفضوا القبول ببراءته. وباتوا يطالبوه بالاعتراف بعدم استقلاليته.
تشكيك ورفض وإصرار على إدانة القضاء. وعدم القبول بأية دفوعات وتوضيحات للتبرئة، بل وطمس معالم كلما يفند قرار إدانة القضاء. يؤكد أن لبعض هؤلاء أهداف ونوايا مبطنة غير التي يظهرونا. وأنهم يسعون إلى فرض عدم الثقة في المؤسسات القضائية بهدف زعزعة استقرار وأمن المغرب. وراء هذا المخطط، مغاربة مسخرون لتنفيذ أجندات خصوم الوطن. وإدانتهم للقضاء ستبقى مستمرة، مهما تغيرت وتطهرت الوجوه والمساطر والقوانين. فالهدف هو إلباس القضاء رداء الفساد لضرب سمعة البلاد. لكن مع الأسف هناك من ينجرون وراءهم عن جهل أو سوء فهم. وعوض المطالبة بالإنصاف عبر مسالك وجسور رسمية. يفضلون الانضمام إلى هؤلاء الخونة. وخوض معارك مجانية. تنتهي بخسارتهم للملف موضوع النزاع وتجردهم من وطنيتهم.
المحامون يلهثون وراء كل مسلك أو فجوة أو خيط كان حقيقيا أو سرابا من أجل تعزيز ودعم دفوعاتهم، وإرضاء موكليهم ظالمين أو مظلومين. والمتقاضون همهم الوحيد انتزاع الأحكام التي تخدمهم دون اعتبار لما قد تلحقه تلك الأحكام من أضرار جسيمة لخصومهم. لا وجود لكلمة (إنصاف) بمعناها الحقيقي واللازم ضمن أجندات هؤلاء وأولائك. تنديدات تكاد تكون روتينية بالجسم القضائي، مع كل قضية مطروحة.. تطال محاضر الدرك الملكي والأمن الوطني والنيابة العامة و.. لن ينجو منها حتى القضاة الذين يديرون جلسات عمومية وعلنية. انتقادات الأطراف المتضررة من الأحكام، في السر والعلن. وإهانات المحسوبين عليها الناشطين بمواقع التواصل الاجتماعي. مقالات وتدوينات وتعليقات تغذي غضب المواطنين، وتزيدهم احتقانا وكراهية في العدل والعدالة. وتجعلهم يفقدون الثقة في من يدبرون أمر العباد والبلاد. بل هناك من يفكرون في البحث عن بدائل للإنصاف قد تجرهم إلى سلك طرق الإجرام والانتحار والإرهاب.. انتقادات قد تصيب وتكشف عن هويات بعض المفسدين داخل الجسم القضائي. وقد تخيب، لكن في خيبتها تلبس أمنيين ومسؤولين قضائيين شرفاء ملابس الإهانة والإحباط. وتحرم مراكز الأمن الوطني والدرك الملكي ومحاكم المملكة من هممهم وقدراتهم ونزاهتهم. بعض ممثلو وسائل الإعلام يسارعون الزمن من أجل الحصول على السبق الصحفي، دون احترام لأبجديات المهنة وسرية البحث والتحقيق وخصوصيات الأطراف المتنازعة. لا يرون مانعا في تسويق الإشاعة والأكاذيب، أو محاولة التضييق أو التأثير على القضاء.. وبعض السياسيين لا يترددون في الركوب على بعض القضايا ومحاولة تسييسها. يبرمجون خرجاتهم لمواجهة القضاء، مستغلين مهامهم الأصلية. يركبون ضد التيار الرسمي للبلاد، في محاولات للابتزاز أو التهديد، وكسب عطف وتجاوب الناس، بعد أن فشلت دكاكينهم في استمالة المواطنين. بعض المحامين لا يترددون في تقمص أدوار السياسيين والحقوقيين. وتنظيم الندوات والإدلاء بالتصريحات الإعلامية. لا يخجلون وهم يطالبون بالبراءة أو الإفراج عن موكليهم بدون فصول قانونية ولا أدلة ولا قرائن واضحة. ينسون أو يتناسون بأن مهامهم كمحامين، تفرض عليهم السهر على تطبيق القانون واستقلالية القضاء أولا، وأن مطالبهم بالإفراج والبراءة في الشارع العام وخلف الميكروفونات .. تظهرهم بمظاهر الجاهلين للقانون. مطالبهم يجب أن تدرج داخل جلسات عمومية، معللة بما يفيد ويستفيض، لا أن يتم الركوب على أوضاع سياسية من أجل الظفر بأحكام غير مبررة. على هؤلاء أن يعلموا.. أن نبض قلب الدولة لن يتوقف ولن يرتجف حتى.. عند إدانة بعض الشخصيات العامة، ولا عند براءتها .
داخل الجسم القضائي كما هو الشأن داخل كل القطاعات، هناك الصالح والطالح. وعلينا كمغاربة أن نواظب على محاربة الصالح وتعزيز قيمة ومكانة الطالح.. وأن نحترس ممن يسعون للركوب على همومنا ومشاغلنا من أجل تنفيذ مخططات الخونة والانفصاليين.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top