القضاء والانتخابات 

صدرت عن رئاسة النيابة العامة دورية تتعلق بالمخالفات المرتكبة بمناسبة القيد في اللوائح الانتخابية، ودعت، بموجبها، إلى التصدي  لكل هذه المخالفات المرتكبة  بالحزم والصرامة اللازمين.
يعرف المتتبعون أن ممارسات التدليس والتزوير كانت تركز كذلك على اللوائح الانتخابية، وعلى  تسجيل الناخبات والناخبين، وبقيت القوى الديمقراطية باستمرار تندد بهذه الخروقات خلال عقود، وتطالب بالرقابة القضائية، وأن يكون القضاء ممتلكا لكل مقومات الحياد الإيجابي والحرص على تطبيق القانون ومعاقبة مفسدي اللوائح الانتخابية.
لما يتم التوقف عند اللوائح الانتخابية وعمليات التسجيل والقيد، فلأن هذه المحطة تعتبر أساسية وتترتب عنها باقي مراحل المسلسل الانتخابي لاحقا، وإذا كانت قوائم المصوتين غير سليمة ولا تتطابق مع الواقع، فذلك معناه أن العملية الاقتراعية برمتها معيبة، وأن المسلسل بكامله مس في نزاهته ومصداقيته.
انطلاقا مما سبق، تعتبر دورية رئاسة النيابة العامة ذات أهمية كبيرة، وهي نفسها تنص على أنه «اعتبارا لما تشكله سلامة عملية القيد في اللوائح الانتخابية من تأثير على سير باقي العمليات الانتخابية، فإني أهيب بكم الحرص على التصدي لكل المخالفات المرتكبة بمناسبة القيد في اللوائح الانتخابية بالحزم والصرامة اللازمين، باتخاذ كافة التدابير القانونية الكفيلة بردع المخالفين ضمانا لسلامة العمليات الانتخابية وتحقيق نزاهتها».
يعني هذا، أن المسؤولية موكولة للمحاكم بمختلف جهات المملكة، وأيضا للسلطات الإدارية العمومية، وهذه الأجهزة جميعها مطالبة بالانخراط القوي والفاعل للسهر على سلامة اللوائح الانتخابية، ولكي تكون مطابقة للواقع، وتوفر تكافؤ الفرص لكل القوى المرشحة والمتنافسة.
من جهة أخرى، وحيث إن التسجيل في اللوائح الانتخابية وضمان الحق في التصويت الحر، هما من ضمن المقومات الأساسية لكل انتخابات ديمقراطية ونزيهة وذات مصداقية، ويندرجان كذلك ضمن الحقوق الأساسية للمواطنات والمواطنين، فذلك يفرض على كل المنظمات المدنية والتنسيقيات والائتلافات ذات الصلة بالشأن العام، أن تحضر بقوة للترافع والرقابة الشعبية والمدنية، وأن تنخرط بشكل ملموس في الميدان لتأمين تسجيل كافة المواطنات والمواطنين المستوفين للشروط القانونية المطلوبة في اللوائح الانتخابية، ومراقبة مدى مصداقية هذه اللوائح ونزاهتها، وستكون هذه الهيئات، عبر هذا العمل الحقوقي والمواطن، قد قدمت خدمة كبيرة للديمقراطية المغربية.
اليوم، نحن في حاجة لتقوية مشاركة شعبنا وشبابنا في العملية الانتخابية، ويبدأ ذلك بالتسجيل أولا في اللوائح الانتخابية والتأكد من ذلك، ثم مراقبة نزاهة هذه اللوائح ومصداقيتها، وبعد ذلك من الضروري التعبئة الجماعية، بما في ذلك من لدن الفاعلين المدنيين والجمعويين، للتصدي للرشاوى الانتخابية ومحاربة شراء الذمم، والفضح الميداني للمفسدين وسماسرة الانتخابات…
هذه الجوانب لو تعبأ الجميع لمواجهتها والتصدي لأباطرتها في الميدان، لنجحت ممارستنا الانتخابية في تحقيق خطوات كبيرة إلى الأمام، ولوفرنا لانتخاباتنا جانبا أساسيا من شروط مصداقيتها ونزاهتها.
اليوم، يعلن القضاء أنه ينخرط في هذا الورش القانوني والعملي والتخليقي، ويحث السلطات الإدارية على القيام بالشيء ذاته بالحزم والصرامة اللازمين، ونتمنى فعلا أن يحرص القضاء على النجاح في مهمته هذه، وأن يسهر بقوة على تطبيق القانون ومعاقبة من يخالفه دون محاباة أو تمييز أو انتقاء، كما نتمنى أن ينفتح القضاء أيضا على ما تورده وسائل الإعلام الوطنية بهذا الخصوص، وأن يتفاعل بشكل إيجابي وقانوني معه، ولكن، بنفس القوة، يجب أن تنخرط كل الفعاليات المدنية والجمعوية في هذا المسار، وأن تكثف جهدها الترافعي والتنديدي للتصدي لمختلف ممارسات إفساد الانتخابات، وأن تساهم في تعبئة شعبنا وشبابنا لتعزيز المشاركة في التسجيل في اللوائح الانتخابية والإقبال على التصويت يوم الاقتراع.
القضاء له دور أساسي وجوهري في السهر على نزاهة الانتخابات ومصداقيتها، والدورية التي عممتها رئاسة النيابة العامة تفرض اليوم عملا ملموسا ومتواصلا في الميدان، كما تقتضي انخراط السلطات الإدارية، والانفتاح على الإعلام الوطني ومنظمات المجتمع المدني…

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top