“القيثارة والعازفون” كتاب جماعي حول التجربة القصصية لعبد الله زروال

أقدمت جمعية العلامة الجمالية بوجدة، والتي يرأسها الدكتور يونس بوشعيب، على نشر كتاب جماعي بعنوان: “القيثارة والعازفون؛ قراءات في التجربة القصصية لعبد الله زروال”، (مطبعة الجسور، الطبعة الأولى،2021) بدعم من المديرية الجهوية للثقافة والشباب والرياضة(قطاع الثقافة بجهة الشرق).
وهذا الكتاب يحتوي على عشر مقاربات نقدية لكتاب من جيل واحد، يمتحون أدوات الاشتغال النقدي من مشارب فكرية، غربية،وعربية، حيث اختار كل واحد منهم دراسة أضمومة قصصية واحدة من بين المجاميع القصصية التي كتبها القاص عبد الله زروال.
لقد انبرى الناقد امحمد أمحور للبحث عن خصوصية اللغة المقدسة في المجموعة القصصية (زحف الكلس)، وفحص فعل الكتابة لدى السارد الذي استحضر نصوصا غائبة، خلق معها حوارا سرديا عميقا ورصينا، ثم أخضعها لسلطة اللغة المقدسة الغنية بالدلالات، والمعبرة أصدق تعبير عما يختلج في وجدانه وكينونته(ص8).
أما الباحث الحسين أوعسري فقد قارب مجموعتين قصصيتين، وهما (في تلك الحارات، وكلمات كالكلمات) من منطلق إبراز عنصر المفارقة في علاقته بالمتلقي(ص16). وإذا كانت هذه الدراسة قد تغيت إبراز وظيفة المفارقة في الحكاية السردية، فإن الناقد المهدي بزازي، باعتباره باحثا في السرديات والنقد الأدبي، فقد استهدف شعرية اقتصاد الحكي في المجموعة القصصية (ذلك النشيد)، وبين وظائفها الحكائية المبنية على اختزال مساحة الكتابة،وتوسيع دائرة الاستجابة، ومن ثمة فإن القارئ يلزمه استنفار طاقاته الذهنية والثقافية،بهدف التنويع في اختياراته التأويلية المساعدة على كتابة نصوص جمالية(ص40).
وانطلاقا من الصفحة (59) في كتاب القيثارة والعازفون، يطل علينا يونس بوشعيب بعنوان استهلالي مستفز لذائقة القارئ في (زحف الكلس)، وهو عاقد العزم على تحقيق توافق بين الكتابة والقراءة،يحدوه أمل التأسيس لميثاق التلقي،والمراهنة على الأخذ بيد القارئ لفك شفرات النص الدلالية.
وبخبرة الناقد الحصيف، اختار الدكتور مصطفى بن العربي سلوي عنوانا دالا لدراسته(ارتباطات النص:الداخلية والخارجية في مجموعة /في تلك الحارات…)، وهذا الاختيار نابع أساسا من تمثله الدقيق للسردية القديمة، وهو من هو في نفض الغبار عن التراث السردي قديمه وحديثه. ولا عجب إن صنف القاص عبد الله زروال في زمرة الساردين القدامى، الذين اعتنوا بالكتابة السردية بذكاء خارق،والكتابة الذكية تحتاج إلى قارئ ذكي، ينفتح على آليات التأويل التي تفكك النص وتحسن قراءته.
وقد نهج الباحث التونسي المتخصص في السرديات رؤية نقدية في سياق الاحتجاج جماليا على الواقع،وشخص بشكل بليغ خيبة الشخصية ودلالتهفي تلك الحارات(ص111).
وقد بحثت الدكتورة إلهام الصنابي (عضو جمعية العلامة الجمالية) مقصدية القاص عبد الله زروال في إشراك المتلقي في العملية الإبداعية(في تلك الحارات)؛ هذه المقصدية التي تتأكد في ربط النهايات بأفق الانتظار،وذلك عن طريق تفكيك البناء الموضوعاتي وإعادة تركيب السياقات السردية(ص121).
وفي الدراسة المعنونة بـ (متاهات التخمين وفيافي الاحتمال في نهايات قصص عبد الله زروال:قراءة ترابطية)للدكتور ابراهيم عمري، (أستاذ الادب الرقمي  بالكلية المتعددة التخصصات بتازة)، نجده يقارب بعض نصوص عبد الله زروال المتفرقة في أضموماته القصصية،خاصة تلك التي تستدعي قارئهاإلى إعادة الكرة فور الانتهاء من قراءتها،والتي تترك دائرة الأحداث موارية، على النحو الذي لا يظفر منه هذا القارئ بما يشفي تطلعه إلى مآلها(ص134).
وقد تأمل الدكتور فؤاد عفاني  تلك الحاراتفي دراسته الموسومة ب(النول والسدى:آليات تشكل الخطاب السردي…)فوجدها حافلة بتجارب إنسانية، ومضمخة بملامح من تفاصيل الواقع،ولا غرو، فالأستاذ عبد الله زروال يعشق متاهات التحليل، ويستهويه تشريح الظواهر الإنسانية في مقالاته النقدية، لذا فالقارئ يجد نفسه منغمسا في دراسات تنبش في خبايا المجتمع، ويصعب عليه قراءة أعماله الإبداعية، بمعزل عن النسق الفكري والمعرفي الذي يحكم تجربة الرجل وعلاقته بالكتابة(ص150).
وقد اشتغل الناقد محمد ماني على العنونة في دراسته لكتابات عبد الله زروال القصصية، مركزا بشكل أساس على (بساط الروح)، باعتباره علامة سيميائية تعمل على جلب القارئ وشد انتباهه(ص 163).
وفي الحوار الذي أجرته الدكتورة شفيقة العبدلاوي مع القاص عبد الله زروال حول مجموعته(في تلك الحارات)،نجده يؤكد أن الوقائع والأحداث في قصصه تنطوي على حقائق،وتضمر أبعادا وخلفيات، ويعول على فطنة القارئ ومدى تعبئته لقدراته في الفهم والتفسير والتأويل.

دراسات متسقة:

إن قارئ هذا السجل النقدي، قد يستنتج بداهة، أن الدراسات المثبتة فيه قد حافظت على اتساقها وانسجامها، تؤطرها الخلفية الفكرية والنظرية للدارسين الذين انفتحوا على مختلف التجارب القصصية لعبد الله زروال، لما لها من أهمية وراهنية، وسلطة إبداعية وفكرية.
لقد استعانوا بتجاربهم الذاتية في الكتابة والقراءة العالمة، ومقصديتهم من ذلك تكمن في إعادة الوهج للنقد القصصي في المغرب،لأن نصوص عبد الله زروال تنضح بفراغات وبياضات دلالية، موجهة إلى قارئ مؤهل للكشف عما تضمره من عوالم تخييلية وفنية، وتوسيع القدرات على التخييل ورسم ملامح الشخصيات والفضاءات.
ولعل ما جعل هؤلاء الدارسين يقبلون على هذا المتن القصصي، هو أنه يتناص ونماذج سردية جديرة  بالقراءة، لأنهاكانت تعبر عن روح العصر،كالف ليلة وليلة،وكليلة ودمنة،والمقامات،وهذا الانفتاح لن يصل إليه إلا القارئ النموذجي الذي بلور سجلا موسوعيا خاصا به،ذلك أن السرد عند عبد الله زروال السارد يتيه في منعرجات الواقع، من غير أن يفقد البوصلة التي تجعله قريبا من معاناة الذات، باحثة عن المحكي الإطار الذي ينشطر إلى محكيات صغرى، يستوي عودها في القصة القصيرة جدا.
لقد وفق الدارسون في هذا السجل النقدي في إخفاء المرجعية الفكرية التي تحكمهم  في هذه القراءات، إلا أن المفاهيم الموظفة تحيل بشكل أو بآخر إلى معايير التقنية الحديثة،والتي أسعفتهم إلى حد كبير،في مساءلة المفاهيم السردية وتجلياتها في المتون المدروسة،وتخصيب الإمكاناتالمتعددة التي يتيحها الزخم السردي عند عبد الله زروال.
هذا الكتاب الجماعي الذي يشتغل على متن نصي متنوع،يسعى إلى تطوير نظرية السرد على مستوى الإبداع والنقد،ثم إن الربط المنهجي بين التجربة الذاتية في الكتابة والإبداع السردي، مكن هؤلاء الدارسين من تطوير مفاهيم نقدية في السرد المغربي، تغني نظرية السرد من خلال الاشتغال على قضايا منهجية قد تبدو متباينة،لكنها مفيدة لأنواع القراء في تصنيف كتاب “القيثارة والعازفون” ضمن الأعمال الجماعية التي تشتغل على الأنساق الثقافية السردية المستمدة أساسا من موسوعة النقد القصصي،ومن الدراسات النقدية حول نظرية السرد بشكل خاص.
والسؤال النقدي الذي يطرح نفسه بإلحاح، هو هل اتخذ الدارسون في هذا السجل موقفاصارما من الكتابة السردية لعبد الله زروال؟
لا أدعي ذلك،لاعتبارات نقدية بالدرجة الأولى،يمكن إجمالها على الشكل الآتي:
• إنها دراسات ترتبط ارتباطا وثيقا بالأنساق المعرفية والمناهج النقدية، التي تشتغل على مفهوم الأدب بصفة عامة، ونظرية السرد بصفة خاصة؛
• إن الدلالة في كتابات القاص عبد الله زروال لاتنحصر في حدود الكتابة،وإنما تتعداها لتشمل عملية القراءة،والتذوق الفني،وصناعة النقد؛
• المقاطع النقدية في هذا السجل تنشد إلى نظرية القراءة، والتذوق الفني، وصناعة النقد؛
• هذه الدراسات تنفتح على نظرية القراءة أساسا للتفسير والتحليل والتوليد؛
• الاشتغال على مفاهيم تمت بصلة إلى حقول معرفية متنوعة ومتقاطعة،وقد مكنت هذه النظرية هؤلاء الدارسين من رصد فضاءات خاصة بالانتاج والتلقي، انطلاقا من بنيات سردية تحيل على عوالم ثقافية في امتزاجها بعوالم تخييلية.

على سبيل الختم:

إن هذا السجل النقدي يبحث عن تحقيب للقصة القصيرة، في ضوء نظرية القراءة وفعل التلقي، فهو عمل مشرع على جمهور القراء، مادام الأمر يتعلق بمجهودات نقدية جادة، تستضمر في ثناياها عدة معرفية ومنهجية، تمت بصلة وثيقة إلى الفن القصصي ونقده، وهذا يدل على أن هؤلاء الدارسين قد تمثلوا أهمية المفاهيم النقدية المؤطرة للخطاب السردي، لذا أخضعوا بعض المفاهيم ذات الصلة بهذا الخطاب للمساءلة والتمحيص والتدقيق، واستخلصوا منها أدوات إجرائية ومنهجية، جعلتهم يتحكمون أكثر في التجربة الذاتية للكتابة السردية لدى القاص عبد الله زروال، وإضفاء صفة العلمية على الممارسة النقدية.

Related posts

Top