الكاتبة الكندية الساخرة كيم ليزوت

كيم ليزوت، كاتبة من كندا، من الكيبيك تحديدا، مثقفة يسارية، كتاباتها وغير ذلك من أنشطتها الثقافية، تتسم بطابعها المرح إلى حد السخرية من الذات.
ربما أن هذا راجع إلى كونها قضت طفولة استثنائية، تقول بهذا الصدد:
« لا أذكر أن أبوي عاملاني يوما ما كطفلة، بل كانا ينظران إلي دائما باعتباري كائنا بشريا محايدا..».
موهبتها الأصيلة في التفكه، دفعها إلى أن تتابع دراستها في المدرسة الوطنية للفكاهة، وهو ما أهلها لتنشيط برامج تلفزية بالموازاة مع كتاباتها المنتظمة حول الحياة ومتطلباتها، حيث القاسم المشترك بين هذين النشاطين، يظل دائما هو حس الفكاهة.
كيم ريزوت لها أسلوب خاص في الكتابة، يدخل في ما يمكن تسميته بالسهل الممتنع.
لقد أعجبتني هذه النصوص، وأردت أن أتقاسم مع القراء هذا الإعجاب وهذه المتعة، سيما وأنها في حدود اطلاعي لم يتم نقلها إلى العربية ولم يتعرف عليها قراء هذه اللغة.
مختلف هذه النصوص مكتوبة ومنشورة باللغة الفرنسية في الموقعين الالكترونيين:
«URBANIA» و»le Journal de Québec»

كيف يمكن أن نواسي المهرجين ونخلق لديهم الرغبة في الاستمرار في إضحاكنا

علمونا القراءة والحساب والنظر إلى الجهتين قبل عبور الطريق.
علمونا الجغرافيا، علم المثلثات، كيف يمكن أن نصنع عش طيور الدوري بواسطة أعواد من الخشب.
علمونا السياقة، الاقتصاد، التحصيل.
وهكذا تمضي الحياة.
لكن لا أحد علمنا اللمس، الذوق، العناية بسعادتنا الخاصة.
لا أحد حذرنا من أننا نستطيع الحصول على كل شيء ومع ذلك نشعر بالفراغ. القدمان عليهما أن يظلا إلى الأبد على الأرض، في نفس العالم مثل الآخرين. العيون التي ترى كل شيء ماديا. دائما على الهامش، غير راضين إطلاقا، غير مبتهجين بما يبهج جيراننا. أن نكون متيمين بصمتنا الخاص. أن نشعر بالوحدة حتى ونحن محاطون. أن نبحث بلا جدوى لإخماد حرقتنا الداخلية التي تصرخ بأعلى صوتها، ونكون مطالبين بأن نحافظ على هدوئنا. وغالبا ما نهدأ داخل القنينة حتى قبل أن نغرق بداخلها.
لا أحد حذرنا من أننا قد نكون عرضة للإهمال. وأنه عند حدوث ذلك، ليس كما في الأفلام، ليس بعد علبتين من ورق الكلينيكس وثلاث ألواح من الشوكولاطا حيث سنستعيد عافيتنا.
لا أحد حذرنا من أن الحزن، الحداد، الابتلاء، طويل أمدها.
أن العائق، ليس كما في التلفزة، لا نتوفق في اجتيازه بعد ثلاث حلقات من المسلسل الدرامي.
أن الاكتئاب، الحزن، الإحباط.. يمكن أن تصير صراع كل يوم، لما تبقى من الحياة.
خلف أكبر قصر، أجمل أسرة، أكبر الإنجازات، يمكن أن يختبئ قلب غير قابل للارتواء من الحب والهناء. العجز عن وجود موقع لنا. عبء مستحيل يقضم من السعادة.
وعند ذاك نشعر بالوحدة، عندما يريد الجميع أن يكون في مكاننا وأن مكاننا نكون قد وهبناه للجميع.
لا أحد يقول لنا:
إننا يمكن أن نشعر بالوحدة حتى أمام جمهور يصفق.
يمكن أن نذرف الدمع حتى في أعلى درجات الحرارة، حيث القدمان مغروستان في التراب.
يمكن أن نشعر بالرغبة في الموت، حتى مع وجود طفل بين ذراعينا.
وعند ذاك ربما ينتابنا الشعور بالألم. ليس عندما نكون ضحايا مأساة أو في قعر برميل. في تلك الأثناء، يترقب الجميع أن نكون تعساء. كلنا نعرف كيف نتصرف. شيء طبيعي أن نكون تعساء، مستضعفين، في حالة ضيق، بعد صدمة، بعد امتحان. وهناك، نشعر بوحدة أقل فداحة، لأننا نعرف كيف نساند أولائك الذين يطلبون النجدة.
لكن كيف يمكن مساندة ذلك الذي يملك كل شيء والذي لم يعد يرغب في أي شيء؟
ربما قد قد نشعر بوحدة أكثر فداحة وبالتعاسة عندما نكون قد حققنا كل مبتغانا وهو ما عجز الآخرون عن تحقيقه. ربما أن النجاح قد يسبب لنا الوجع خصوصا عندما يبدو لنا سهلا. ربما قد نتوقف عن حب الحياة عندما لا تبقى لنا الفرصة للجري وإثبات الذات.
كيف يكون ممكنا انتظار أن يعترف بنا الآخرون وهم يحسدوننا؟
يا لها من رحلة، يا له من تحصيل، أي إنسان سيصل إلى أن يملأ الفراغ الوجودي ووجع ذاك الذي يملك كل شيء ويكون مثار حسد الجميع؟ عن أي شيء نبحث، بأي شيء نتشبث عندما لا يكون الحب كافيا؟
علمونا القراءة، الحساب، النظر إلى الجهتين قبل عبور الطريق.
لكن لا يمكن أن نعلم الآخر أن يحب.
نعتقد أننا ونحن نشيخ، نصير حكماء ونتشبث أكثر بما هو أهم.
لكن الحقيقة أننا قد نجد صعوبة في البداية من جديد وفقدان الأمل وننتهي إلى الشفاء من جراحنا الثقيلة.
الحياة قصيرة، لكنها طويلة من خلال جزئياتها الصغيرة. كما يقول الآخر.
عندما نقول إن روبان وليامز قد اجتاز عتبة الستين وأنه فضل بالأحرى وضع حد لحياته على أن يستغل السنوات الأخيرة التي تبقت له، لا يمكن سوى أن نكون في مجابهة وجودنا الخاص. هل سأجد ما أتشبث به؟ هل سأحصل على السلام الداخلي الذي يحفزني على الاستمرار؟
المهرج كان حزينا. ولا أحد عرف كيف يجعله يبتسم. المهرج رحل.
علينا الآن أن نسعى لفهم كيف نستطيع من الآن فصاعدا، أن نواسي المهرجين ونخلق لديهم الرغبة في الاستمرار في إضحاكنا.

ترجمة عبدالعالي بركات

Related posts

Top