الكاتب المغربي فؤاد العروي.. ساخرا

 ينوع الكاتب المغربي فؤاد العروي في كتاباته؛ فإلى جانب كونه روائيا وقصاصا أصيلا وباحثا أكاديميا، نجده حريصا على تخصيص حيز من وقته لكتابة نصوص ذات طابع نقدي، نقد المجتمع ومشاكل الهجرة والعادات والعلائق الإنسانية بوجه عام.
 هذا الكاتب المقيم بالمهجر، وتحديدا بهولاندا، الذي اختار اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير عن آرائه وما يختلج في وجدانه والذي حظيت إنتاجاته الأدبية بالتتويج في محافل دولية، على سبيل الذكر: «القضية الغريبة لسروال الداسوكين» الفائزة بجائزة الغونكور للقصة القصيرة.. ظل محافظا على روحه الخفيفة حتى وهو يكتب نصوصا ذات طابع جدي، كما أنه لم يضح بالبعد الجمالي والإبداعي لهذه النصوص، رغم منحاها التقريري.

الحلقة 13

  • لديهم ملائكة هؤلاء المحمديون
    في يوم الاثنين 5 شتنبر 2016، على الساعة التاسعة وعشرين دقيقة بالتوقيت المحلي، كنت أشاهد مقابلة في كرة القدم بين كرواتيا وتركيا على قناة زيكو سبور – هكذا تسمى فعلا ، إنها القناة الرياضية لأمستلوداموا- حين حدثت واقعة صغيرة وضعتني في موقف ميتافيزيقي جد حرج.
     سأحتكم إليكم أصدقائي القراء.
     اللقاء كان قد انطلق. للمرة الثالثة، الحارس التركي أنقذه عمود المرمى: الكرة انفجرت فوقه. بوووم. المعلق الهولندي نطق عند ذاك بهذه الجملة:
     “لنقل إذن، الأتراك، ينقصهم لاعبهم الأفضل، أردا توران، لكنهم لم ينسوا أن يصاحبوا معهم ملاكا”.
     الشاب اللطيف – لنسميه باسمه هانز- قام بإشارة دالة على مثل محلي.
     عندما يحالفنا الحظ، يكون هناك ملاك برفقتنا.
    كل هذا ليس له أهمية، بالطبع، إنه مجرد ملء للفراغ، شغل هؤلاء الثرثارين المحترفين الذين ينالون تعويضا عن ذلك- تخيلوا معلقا يصمت طيلة تسعين دقيقة.. (في العمق، سيكون ذلك ربما شيئا مثاليا، لكن لنمر).
     إذن، جملة تم التلفظ بها في حالة شرود:
     “.. لم ينسوا أن يصحبوا معهم ملاكا..”.
     غير أن شيئا مثيرا كان قد حدث. هانز بدا متوجسا. وغافلا عن المقابلة، انطلق في استطراد مترنح:
    “ربما أنني كنت مخطئا عند حديثي عن ملاك.. كان علي أن لا أفعل.. إنهم أتراك.. يملكون هذا، المحمديون؟ يؤمنون بالملائكة؟ ربما كنت متوجسا.. الملائكة، من المحتمل أنهم لا علم لهم..”.
      لنكن واضحين:
      كل هذا لم يكن سيئا بالمرة، لقد تم التعبير عن ذلك بنبرة مرتبكة، كما لو أن هانز لم يكن يريد أن يغيظ أحدا. لكن أنا، لا أعرف ما الذي أحزنني أكثر:
     الجهل العميق لهانز؟
    الإقحام المباغت للعظمة الإلهية بين قذفتين وثلاث ضربات الرأس؟
     الحاصل أننا في هذا القرن الحادي والعشرين دخلنا بالفعل إلى ما تنبأ إليه مارلو بأنه سيكون دينيا.
     مسبقا، لا أحتمل هؤلاء اللاعبين بكرة القدم السذجاء الذين حين يسجلون هدفا، يسارعون إلى رفع الأصبع إلى السماء لتوجيه الشكر إلى الله. الأغبياء. كما لو أن العلي القدير يمكن أن يكون مهتما بكرة القدم، كما لو أنه قرر فجأة أن على هنغاريا أن تهزم ألمانيا، هكذا، بدون سبب منطقي.
    والآن المعلق البسيط هانز، الذي يتحدث عن الملائكة عوض أن يشرح لنا منهجية لعب الكرواتيين..
     أيمكنهم أن يكفوا عن إزعاجنا قليلا بهذه الحكايات الدينية المختلفة، حكاية صدام الحضارات، و”إلاهي ضد إلاهك”؟ أيمكن لنا في يوم ما مشاهدة مقابلة في كرة القدم بدون أن يتم جرنا بالقوة نحو دغدغات علوم الدين؟
    لو كان ذلك صادرا على الأقل من طرف مفكرين كبار، من قبيل ابن رشد أو كانط، الذين يملكون أهلية التحدث لنا عن ذلك.
    لكن لا، إنه هانز، الذي يجب أن يكون حاصلا على شهادة الدراسات أو دبلوم في الحلاقة، إنه هانز، إنها الآلاف من هانز الذين يعجوننا بأشياء يجهلونها ولا يستوعبونها.. القرن الحادي والعشرون ليس دينيا، إنه مجرد قرن رديء. 

ترجمة: عبد العالي بركات

Related posts

Top