الكركرات.. عودة للحياة الاقتصادية وتطهير لمراتع الأنشطة التجارية المحظورة

عجلات الجرافات والشاحنات الكبرى تسابق الزمن، غير آبهة بالكتبان الرملية، ويسارع العشرات من العمال، كخلية نحل إلى جانب من يتحكمون في الآلات والشاحنات الضخمة، لتجفيف مراتع السوق السوداء -سابقا- على مستوى المعبر الحدودي الرابط بين الكركرات وموريتانيا.
إخلاء المعبر والمساحات الرملية المحيطة به، من الخيم والسيارات المهترئة والعجلات المطاطية المنتشرة، هو الهدف من هذه العملية الضخمة، التي تشرف عليها سلطات المنطقة، والتي واكبت بيان اليوم تقدما كبيرا منها صباح أول أمس السبت.
وانطلقت هذه العملية التي ترمي إلى تنظيف هذه البقعة من التراب الوطني من كل ما هو زائد عن مكوناتها الطبيعية وإزالة كل النفايات والخيم وبقايا السيارات والشاحنات، وإعادة المنطقة إلى طبيعتها الصحراوية، وحركتها الاقتصادية، مباشرة بعد تدخل القوات المسلحة الملكية لطرد «ميليشيات البوليساريو».
وتشهد المنطقة منذ طرد «ميلشيات البوليساريو»، حركة تجارية مهمة، حيث ساهمت الأجواء التي أصبح يعمها الأمن والنظام، في مرور الشاحنات بشكل اعتيادي ومنتظم وفي وقت وجيز.

حتى زمن قريب، كانت المنطقة التي يطلق عليها «قندهار»، تعرف نشاط كل أنواع التجارات الممنوعة (المحروقات المهربة، أجزاء السيارات المهربة، المواد الغذائية المهربة، المخدرات…)، كما كانت تشهد انتشارا كبيرا لخيم يقطنها عشرات الأشخاص من جنسيات مختلفة، تجهل هوياتهم ونواياهم، مما كان يجعل منها منطقة خصبة لنشاط «ميليشيات البوليساريو»، ومرتعا لنشاطاتها الاقتصادية الممنوعة والمحرمة دوليا.
وفي هذا الصدد، فقد ظلت المنطقة تشكل نقطة للتهريب والاتجار غير المشروع، وقد بلغت القيمة التقديرية لمحجوزات السلع المهربة -باستثناء المخدرات- حسب المديرية الجهوية لإدارة الجمارك للجنوب 17 مليون درهم (1.87 مليون دولار) سنة 2019 وسجلت زيادة الملحوظة في محجوزات السجائر المهربة، التي بلغت نسبتها 270% مقارنة بسنة 2018، حيث ناهز العدد المحجوز 6.2 ملايين سيجارة.

إبتزاز وأنشطة ممنوعة

تمادت «ميليشيات البوليساريو» في الأسابيع الأخيرة، وأضحت تلجأ إلى أساليب قطاع الطرق، حيث قطع أفرادها الطريق على شاحنات النقل الدولي، التي تمر عبر المنطقة، وتطلب إتاوات من سائقيها مقابل السماح لهم بالمرور، الأمر الذي أثار امتعاض السلطات المغربية بمختلف مكوناتها، خصوصا مع ما واكب ذلك من ابتزاز لهذه المليشيات للقوات المسلحة الملكية والمغاربة قاطبة.
وفي التفاصيل، كانت عناصر «البوليساريو» قد أقامت سدودا رملية على مستوى طريق عبور الشاحنات نحو بوابة معبر موريتانيا، وتفرض على السائقين إتاوات تتراوح بين عشرين إلى مائتي درهما حتى يسمحوا لهم بالمرور.
ويمر عبر هذه الطريق أزيد من مائتي شاحنة يوميا، مما يعني أن مداخيل هذه العناصر كانت تصل إلى عشرون ألف درهم في اليوم، باحتساب متوسط الإتاوة، أي مائتي درهم للشاحنة، وقد يتم تجاوز هذا الرقم بكثير، هذا بغض النظر عن الأرباح الطائلة التي كانت تجنيها على مستوى هذه البقعة من الصحراء المغربية، عن طريق نشاطاتها التجارية غير القانونية والممنوعة.

خسائر جسيمة

تكبدت مجموعة من الشركات وأرباب الشاحنات خسائر مادية جسيمة، عقب ما شهده المعبر لثلاثة أسابيع، من عرقلة وابتزاز كبيرين من طرف «البوليساريو» لسائقي الشاحنات، الذين أرخت عليهم الأزمة بدورهم بظلالها، حيث أن توقف نشاط الشاحنات التي يقودونها يعني توقف مداخيلهم، باعتبار أن مداخيل أغلبهم تكون بالنسبة المئوية لأرباح حمولة المصدرين.
وتجاوزت خسائر بعض المصدرين خمسمائة ألف درهم (خمسون مليون سنتيم)، نتيجة فساد منتوجاتهم المصدرة بسبب توقف الشاحنة عند المعبر لمدة طويلة، خاصة مصدري الخضر والفواكه، حسب ما كشف عنه سائق شاحنة مهني خاصة بنقل الفواكه من أكادير نحو نواكشوط. وفي انتظار إحصائيات رسمية كشف بعض المهنيين أن عدد الشاحنات التي تعرضت حمولتها للإتلاف يقارب المائة.
أما بالنسبة للسائقين فقد عانوا كثيرا نتيجة العرقلة التي عرفها المعبر، فعانوا من المصاريف اليومية الزائدة خلال الأيام التي توقفت فيها شاحناتهم وسط المعبر، مع تراجع مداخيلهم التي يعتمدون عليها في عيشهم اليومي ويعيلون بها أسرهم.
عرقلة المعبر لم تنعكس فقط على الشركات وأرباب الشاحنات وسائقيها، بل أيضا على السوق التجارية للعديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء، التي تعتمد على المغرب وعلى ممر الكركرات، بالضبط في كل ما يخص تموينها بالسلع والبضائع، وخاصة فيما يتعلق بالخضر والفواكه والألبان والأجبان والمياه المعدنية، وغيرها من السلع والبضائع، التي تمر وتتدفق من المغرب إلى موريتانيا والسينغال ومالي وبوركينافاسو وغيرها من دول غرب إفريقيا، التي تعتمد كليا أو جزئيا على المغرب، وعلى هذه البضائع التي تمر عبر معبر الكركرات لتموينها اليومي.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، أصيبت أسواق موريتانيا خلال الأسابيع الثلاث بالجفاف، خاصة الخضروات والفواكه الطرية والجافة والبقوليات، حيث يعتبر المغرب المزود الرئيس للأسواق الموريتانية بهذه المواد، وهو ما دفع العديد من التجار إلى التعبير عن تذمرهم، وكانت مصادر إعلامية محلية قد أثارت نقص أسواق موريتانيا من الخضروات والفواكه، إذ يعتبر المغرب المصدر الرئيسي للسوق الموريتانية.
وحسب مصادر إعلامية موريتانية، ارتفعت أسعار الطماطم بنسبة 300% جراء هذا الإغلاق، والباعة يرجعون هذا الارتفاع إلى إغلاق معبر كركرات الحدودي.
هذا ويعد معبر «كركرات» طريقا تجاريا مهما لرواج التبادل التجاري بين المغرب والقارة الأفريقية، من خلال تصدير السلع المغربية، وحتى نسبة من السلع الأوروبية نحو دول جنوب الصحراء.
ويشار إلى أن حركة السير على مستوى هذا المعبر ارتفعت، بشكل كبير خلال سنة 2019، حسب معطيات تقرير إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، لتصل إلى 66 مليار و677 مليون طن، مقارنة بما قدره 20 مليار و803 ملايين طن سنة 2018، ويذكر أيضا أن حجم المبادلات التجارية بين المغرب وباقي بلدان أفريقيا ارتفع بنسبة 20% خلال السنوات 15 الماضية، بزيادة بلغت 14.458 مليار درهم (1.6 مليار دولار)، و بلغت قيمة هذه المبادلات حوالي 40.5 مليار درهم (4.4 مليارات دولار) سنة 2018. (الدولار يعادل 9.13 دراهم مغربية)، مما يوضح أهمية هذا المعبر الحدودي تجاريا، ووقعه على الاقتصاد سواء الوطني أو الدولي.

عيد وطني

صبيحة الجمعة 13 نونبر 2020، كان يوم عيد لسائقي الشاحنات المهنيين، كما عبر عن ذلك أحدهم الذي التقته بيان اليوم على مقربة من الحدود الموريتانية، حيث خيم الأمن والأمان على طول المعبر عقب التدخل الحازم للقوات المسلحة الملكية، بعد أن ذاق الوطن ذرعا من تصرفات الميليشيات على مستوى هذه الرقعة الجغرافية من ترابه.
أعاد هذا التدخل الحازم الاطمئنان والحرية لسائقي الشاحنات، وهو ما أكده السائق المهني الحسين لهلوس، الذي التقته بيان اليوم في طريقه نحو موريطانيا عبر معبر الكركرات، معربا عن سعادته من تواجد القوات المسلحة الملكية بالمنطقة، وانتشار أعلام الوطن، مشددا على أنه منذ التدخل أصبحوا يذهبون بحرية وسلام، بعدما كانوا يتعرضون للعرقلة والابتزاز.
وينعكس التدخل الحازم للقوات المسلحة الملكية على الجميع، ويساهم من خلال ما ستعرفه هذه المنطقة من نشاط تجاري وديناميكية وثورة شاملة، بفضل استتباب الأمن والسلم والاستقرار، تترجمه الأنشطة التجارية والتحول في مسار التنمية على مستوى التشغيل وتطوير الصناعة والتجارة وجلب الاستثمارات في مختلف الأنشطة.
في سياق متصل، اعتبر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن ما قام به المغرب في منطقة الكركارات هو تحول استراتيجي، سيمنع جبهة الانفصاليين من قطع الطريق مستقبلا، مشددا على أنه أمر إيجابي للساكنة ولحركة التجارة ولعلاقات المغرب بالدول الإفريقية وخاصة موريتانيا.

****

سائق مهني إيفواري: عندما يقطع بعض الأشخاص الطريق تقطع أرزاق عائلات كثيرة

قال سائق الشاحنة الإيفواري، سيديبي أوسان عمر، إن «طريق الكركرات مهم جدا، حيث كل أفارقة جنوب الصحراء يمرون منه (لاكوت ديفوار، غينيا، بوركينا فاصو، والسنغال، غينيا كوناكري، وكذلك بشكل كبير من مالي، الكل يمر من هنا».
وتابع السائق ذاته التي التقته بيان اليوم متوقفا بمحاذاة الجدار العازل، وعلى بعد قرابة 50 مترا من بوابة المعبر الموريتاني، أنه «عندما يقطع بعض الأشخاص على أهوائهم الطريق، تقطع أرزاق عائلات كثيرة يتحملها السائقون».
وأعرب المتحدث ذاته، عن سروره وسعادته بالتدخل المغربي، مستطردا «نحن لا نبحث عن خلفيات المشكل، لكن ما نراه هو أنه طريق دولي، هذا الطريق مهم جدا، فأنا أمر به منذ أكثر من 10 سنين، أرى أنه طريق مهم جدا، ويجب أن يكون آمنا كما هو عليه الآن، فالأمر لا يتعلق بشخص واحد، فالكثير من الناس يمرون عبره، وإذا قطع الطريق فحالنا يسوء».
وأكد سيديبي أوسان عمر، أن الطريق أصبحت محررة، مشيرا إلى أنه وعدد من زملائه أمضوا يومين بالمكان، فيما أمضت شاحنة أخرى 3 أيام، مرجعا ذلك إلى كون موريطانيا ترفض دخولهم، معربا عن استغرابه من ذلك.
وأوضح أنه يطلب منهم الترخيص، مؤكدا أنهم يملكون الترخيص من السفارة، مبرزا أنهم موقوفون هناك، ولا يفهمون لماذا، معتبرا أنه إذا حرر الطريق يجب أن يمر الكل، مشددا على أن المشكل يكمن في أن الدركيين الموريتانيين يمنعونهم من العبور.
تجري اتصالات بينهم، لكنهم يقولون أنهم لم يتوصلوا باللوائح الجديدة.
وقال المتحدث عينه، أن الجانب المغربي متعاون جدا، مشيرا إلى أنه قام ببعض الاتصالات لأجل مساعدتهم، مردفا: «الشاحنات الموريتانية تدخل إلى الكوت ديفوار بدون مشكل، بدون طلب الترخيص، نحن كسائقي الشحنات، لسنا سائقي السيارات، فنحن نمر عبر سويسرا، ألمانيا، إسبانيا، لكننا موقوفون هنا لأسباب لا نعرفها».
من جهة أخرى، قال السائق أن التوقف يزيد من معاناتهم، مشيرا إلى أنهم يضطرون يوميا إلى الذهاب عند معبر الكركرات للحصول على حاجياتهم من التغذية.
وفي هذا الصدد صادفت بيان اليوم في طريق عودتها إلى المعبر، ثلاثة أشخاص إيفواريين في طريقهم إلى السوق لشراء حاجياتنا من الغذاء من لحم وخضر.

 

> موفد بيان اليوم إلى الكركرات: يوسف الخيدر- تصوير: أحمد عقيل مكاو

Related posts

Top