الكلوروكين.. الدواء الذي أحيا الأمل.. بالرغم من الجدل

مع تنامي انتشار وباء كورونا «كوفيد19»، أبدى دواء الكلوروكين – الموصوف أصلا لعلاج داء الملاريا- فعالية ضد هذا المرض الجديد، إلا أن لغطا كبيرا وريبة مازالا يحومان حوله، رغم اختباره في الصين واعتماده في مرسيليا بفرنسا؛ فلماذا لم يشرع بعد بتبنيه على نطاق واسع؟
وقال موقع «إل سي إي» الفرنسي إن الخبراء انتقدوا ما يقترحه مدير معهد المتوسط للعدوى في مرسيليا ديدييه راؤول، لقلة عدد من أجري عليهم الاختبار، ومع ذلك سيكون الكلوروكين جزءا من تجربة سريرية أوروبية واسعة، وقد فتح الباب لاستخدامه في «الحالات الأكثر خطورة»، وفقا لتوصيات المجلس الأعلى للصحة في فرنسا.
ومن أجل توضيح ما يدور حول هذا الدواء، طرح الموقع خمسة أسئلة توضيحية.

ما هو الكلوكين؟

الكلوروكين في الواقع علاج شائع الاستخدام للملاريا، وهو غير مكلف ويستخدم منذ ما يقرب من سبعة عقود، ويتم تسويقه تحت عدة مسميات، وينصح به كثيرا عند الذهاب إلى منطقة موبوءة بطفيلي الملاريا الذي ينتقل عن طريق البعوض؛ فلماذا نتحدث عنه الآن؟
بحسب الموقع، فإن الحديث عن هذا العلاج في هذا الوقت سببه ما قاله الباحثون الصينيون، من أن 500 مليغرام من الكلوروكين يوميا لمدة عشرة أيام، ستكون كافية لعلاج (كوفيد19).
وهذه الدراسة السريرية التي أجراها ثلاثة باحثين، نشرت في 19 فبراير في مجلة «بيو ساينس فرند»، وقد بنيت نتائجها على تجربة أجريت في أكثر من عشرة مستشفيات في الصين، وخاصة في ووهان مركز الوباء، بحسب الموقع.
وجاءت الاستنتاجات واضحة، كما كتب الباحثون قائلين إن «النتائج التي تم الحصول عليها حتى الآن على أكثر من مئة مريض، أظهرت أن فوسفات الكلوروكين كان أكثر فعالية من العلاج الذي تلقته مجموعة أخرى للمقارنة، وذلك في احتواء تطور الالتهاب الرئوي، وفي تحسين حالة الرئتين، وفي إعادة المريض سلبيا، وفي تقصير مدة المرض»
ومع ذلك – كما يشير الموقع- فإن هذه الدراسة الموجزة للغاية لا تحدد كميا قدر هذا الاختلاف في الفعالية، كما أنها نشرت بطريقة أولية، بمعنى أنها نشرت دون التحقق من صحتها من قبل لجنة من الخبراء العلميين.

العلماء الفرنسيون.. بين الدفاع والتشكيك

ورد الحديث أول مرة عن الكلوروكين يوم 25 فبراير بحسب الموقع، عندما أعلن المتخصص في الأمراض المعدية ديدييه راؤول -في مقطع فيديو- عن «نهاية اللعبة» بالنسبة لفيروس كورونا، قائلا «نحن نعلم بالفعل أن الكلوروكين كان فعالا في المختبر ضد هذا الفيروس الجديد، وهذا ما أكده التقييم السريري الذي أجري في الصين».
ووصف هذا المختص بسعادة هذه الاستنتاجات بأنها «أخبار غير عادية»، بالنظر إلى أن «هذا العلاج لا يكلف شيئا»، وقال «في نهاية المطاف، ربما يكون هذا المرض الأبسط والأرخص علاجا من بين جميع أنواع الأمراض الفيروسية».
وقد تعرض راؤول -الذي يعد واحدا من 11 عضوا في المجلس العلمي لدى الحكومة الفرنسية ـ لانتقادات عديدة، ولا سيما من قبل مجموعة «فيك ميد» التي تضم علماء يحاربون المعلومات الكاذبة في المجال الصحي، وقد حذروا في فبراير من الآثار غير المرغوب فيها لهذا الدواء.
لماذا هو دواء واعد؟

غير أن هذه الانتقادات لم تثبط عزيمة راؤول الذي ترأس تجربة في مستشفى تيمون على 24 مريضا بـ(كوفيد19)، كانت نتائجها مذهلة كما وصفها رئيس قسم المرضى في المستشفى الجامعي المتوسطي فيليب بارولا، قائلا «بعد ستة أيام، لم يكن لدى أي منهم فيروس قابل للكشف»، وقد وصفت الحكومة هذه التجارب السريرية بأنها «واعدة».
وقد أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعمل الباحث الفرنسي وبالأخبار»المثيرة للغاية»، قائلا في مؤتمر صحفي «ليس لدينا ما نخسره. أعتقد أنه يمكن أن يكون مغيرا للعبة، أو ربما لا»، وأوضح أن هذا الدواء سيكون متاحا «على الفور تقريبا».
غير أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لم تشارك ترامب حماسته لهذا الدواء، موضحة أن الكلوروكين لم تتم الموافقة عليه ضد الوباء الحالي، ولكن مديرها ستيفن هان قال إنها ستقيم «تجربة سريرية ممتدة».

لماذا يثير الكلوروكين الجدل؟

إدارة الغذاء والدواء الأميركية أشارت إلى مشكلة، وهي أن «المجتمع العلمي غير مقتنع تماما»، أو كما قال الشخص الثاني في وزارة الصحة الفرنسية جيروم سالومون إن العديد من الخبراء يدعون للحذر ما لم تجر مزيد من الدراسات، وخاصة ما يتعلق بالآثار السلبية التي يمكن أن تكون خطيرة.
وقال المستشار الصحي للموقع وللتلفزيون الفرنسي الأول جيرالد كيرزيك إن هذا الدواء ليس خاليا من الآثار الجانبية. وقد نصح طب الطوارئ بعدم التسرع في تناول الكلوروكين، قائلا إننا «يجب أن ننتظر اختبارات أخرى».
وقال جان بول جيرو -وهو أحد أشهر المتخصصين في علم الصيدلة وعضو الأكاديمية الفرنسية للطب- إن من آثار هذا الدواء «اضطرابات الجهاز المناعي والمغص المعوي والغثيان والتقيؤ ومشاكل الكبد، وحتى الدم»، وهذا ما ذهب إليه أيضا طبيب الصيدلة والاختصاصي بالصحة العامة فرانسوا مينين، الذي قال إن هذا الدواء يمكن أن يكون «خطيرا للغاية في حالة الجرعة الزائدة».
وقد أشارت إلى آثار هذا الدواء الخطيرة للغاية مسؤولة كبيرة في وزارة الصحة النيجيرية، قائلة إنه سمم المرضى في نيجيريا، مستغربة الرسائل المتداولة على الشبكات الاجتماعية التي تروّج له كعلاج لكورونا.
وقال الموقع إن السلطات الفرنسية نظرت إلى عمل راؤول بحذر شديد، ونتيجة لذلك لم يكن الكلوروكين من العلاجات الأربعة التي اختُبرت في التجارب السريرية التي أعلنتها الحكومة، إلا أن تغييرا في المسار قد تم بعد أقل من أسبوع، حيث يشير وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران إلى أنه» أعطى تفويضا بإجراء تجربة أكبر من قبل فرق أخرى، للبدء في أقرب وقت ممكن على عدد أكبر من المرضى».
وقال وزير الصحة أيضا إنه على اتصال وثيق مع ديدييه راؤول الذي «رحب بالنتائج المثيرة للاهتمام»، وأكد أن «من الضروري أن يستند أي قرار لسياسة الصحة العامة إلى بيانات علمية مصادق عليها».
وفي الوقت الذي ينتظر فيه وزير الصحة الفرنسي بيانات في «أقل من أسبوعين» حول هذه التجارب، فقد أصبح الكلوروكين جزءا من تجربة سريرية كبيرة بدأت على المستوى الأوروبي، تسمى «ديسكفري» وتجرى على 3200 مريض في القارة، بينهم 800 فرنسي.

أدوية مرشحة لعلاج كورونا.. أيها يفوز في السباق مع الزمن؟

 

يتسابق العلماء للعثور على علاج لمرض (كوفيد19) الذي اجتاح العالم بعد تفشي فيروس كورونا المستجد، وتعمل مجموعة من الباحثين على تجربة فعالية حوالي 70 دواء لدراسة قدرتها على مكافحة الفيروس.
بعض هذه الأدوية يستخدم في علاج أمراض أخرى ومن المرجح أن يكون استغلالها لمعالجة (كوفيد19) أسرع من محاولة ابتكار علاج جديد، وفقا لما يراه العلماء في مجموعة أبحاث كورونا فيروس التابعة لمركز العلوم الحيوية الكمية والتي تتخذ جامعة كاليفورنيا مقرا لها.
وظهرت قائمة بالأدوية التي تتم دراستها في دراسة منشورة على موقع «bioRxiv»، ولتحديد الأدوية المرشحة للقائمة قام مئات الباحثين بخوض دراسة غير اعتيادية لجينات الفيروس المعروف أيضا باسم «سارس-كوف2».
وكي يتمكن الفيروس من إصابة خلايا الرئة بالمرض، عليه أن يدخل جيناته فيها، ويعبث بالميكانيكية الجينية للخلية، لتبدأ بدورها بإنتاج بروتينات الفيروس، والمستخدمة في إنتاج ملايين الفيروسات الأخرى داخل الجسد.
ويشترط لتعمل هذه البروتينات الفيروسية أن تتمكن من التشبث بالبروتينات البشرية.
وخلال الدراسة، تحقق العلماء من 26 جينا من أصل 29 تابعة لفيروس كورونا المستجد، وهي المسؤولة عن توجيه إنتاج البروتينات الفيروسية، واكتشف الباحثون 332 بروتينا بشريا استهدفها الفيروس.
بعد البروتينات الفيروسية استهدفت بروتينا بشريا واحدا، وغيرها كانت قادرة على استهداف عشرات البروتينات الأخرى داخل الخلايا البشرية.
الباحثون تمكنوا من العثور على بعض الأدوية التي يمكنها الالتصاق بالبروتينات البشرية ومنع دخول العناصر الفيروسية إليها، وحدد فريق العلماء 24 دواء قامت الإدارة الفيدرالية للغذاء والدواء في الولايات المتحدة بالموافقة عليها لعلاج أمراض لا علاقة لها بالفيروس المستجد، مثل السرطان ومرض باركنسون وضغط الدم المرتفع.
وهنالك أدوية أخرى ضمن القائمة، منها ما يستخدم في علاج مرض الانفصام العقلي ومنها المخصص لعلاج داء السكري من النوع الثاني.
وتتضمن اللائحة عناصر أخرى خاضعة حاليا للتجارب المخبرية أو تخضع لأبحاث في مراحلها الأولية، ومن المهم أن معظم هذه العلاجات تتضمن أدوية تستخدم لمحاربة الطفيليات.
كما تتضمن القائمة أيضا مضادات حيوية تعمل على قتل البكتيريا من خلال التهام تركيبتها الجينية المستخدمة في إنتاج البروتينات المسببة للأمراض، لكن بعض هذه المضادات الحيوية تلتصق بالبروتينات البشرية، وتطرح الدراسة الجديدة أسئلة حول ما إن كان هذا العرض الجانبي سببا في تطويره لعلاج ضد الفيروسات، لمنع التصاق العناصر الفيروسية بالخلايا البشرية.
وطبعا يعد الكلوروكين، الذي أعلنت الإدارة الأميركية عنه مؤخرا، أحد الأدوية المطروحة ضمن القائمة، ويقتل أصلا الطفيليات أحادية الخلية المسؤولة عن مرض الملاريا، وعلم العلماء أن بإمكان الدواء الاتصال بالبروتينات البشرية، بالأخص بروتين «سيغما1»، الذي يستهدفه الفيروس المستجد، ولا يزال يخضع للعديد من التجارب.
لكن في النهاية، يرجى ملاحظة أن هذه الإجراءات التي يتم اتخاذها الآنمن قبل السلطات الصحية في عدد من الدول من أجل التأكد من فعالية الكلوروكين ورفيقه الهيدروكسي كلوروكين هي صورة استثنائية تماما من البروتوكول المتبع، فمعظم هذه الأدوية لم يتخط إلى الآن المرحلة الأولى للتجارب السريرية، وتستخدم فقط في حالات متطورة جدا من المرض تمثل -إلى الآن- حوالي 5% فقط من الناس الذين لا يمتلكون حلا آخر سوى التجريب، لكن بسبب أن الظرف نفسه استثنائي فإن الأمر تطلب التدخل بهذا الشكل.
لهذا السبب فإنه سيكون من الخاطئ جدا أن ينتشر الناس في الشوارع بحثا عن أدوية (كوفيد19)، التي ما تزال في مرحلة تجريبية بالنسبة لهذا المرض، كما أن لها أضرارا جمة تبدأ من التهاب الأعصاب الشديد وتصل إلى مشكلات جادة في البصر بالنسبة للكلوروكين مثلا، أضف لذلك أنها تستخدم فقط للحالات المتقدمة من المرض وتوضع ضمن بروتوكول علاجي منتظم وتحتاج لمتابعة طبية دقيقة، فالإقبال على هذه الأدوية، إذن، واستخدامها بشكل وقائي أو دون إشراف طبي، قد يضعنا في حال شبيه بما حدث في الإنفلوانزا الإسبانية. وقد تداولت وسائل الإعلام فعلا عدد من الحالات التي لجأ فيها أشخاص إلى استعمال الدواء بدون إشراف طبي فأدى بهم ذلك إلى مضاعفات خطيرة وصلت حد الوفاة بالنسبة إلى مريض أمريكي. فالمثير للقلق أن الفيروس منفردا لا يأتي بل تصحبه حالة من الهلع الذي قد يتسبب في أن ينتهج البعض سلوكيات تقف تماما على النقيض من مصالحه.

الوسوم
Top