اللقاء المسرحي العربي الثالث في هانوفر بألمانيا

اختتمت يوم الأربعاء 25 يناير 2017 فعاليات اللقاء المسرحي العربي الثالث في هانوفر وهو لقاء  مسرحي ثقافي ينظم كل سنتين في مركز الثقافة والتواصل “Pavillon / البافيون” بمدينة هانوفر ويديره فنيا المسرحي المغربي المقيم في ألمانيا عبد الفتاح الديوري.
يعتبر هذا اللقاء المسرحي، والذي يعمل على التعريف بالتجارب المسرحية العربية وتقديم المسرحيين العرب للجمهور الألماني، هو النشاط الفني المسرحي العربي الوحيد والأول من نوعه فى ألمانيا.  وقد اختار المدير الفني رفقة اللجنة المنظمة أن يكون هذا “اللقاء” فرصة ثقافية وفنية لتلاقح التجارب العربية خارج رقعة الوطن من خلال عيون تنظر بمرجعية أخرى وبثقافة مختلفة. فبالإضافة إلى تقديم العروض المسرحية يكون هناك لقاء مفتوح مع الجمهور والمثقفين والمتتبعين والمهتمين بالشأن المسرحي من ألمان وغيرهم من الأجانب بالإضافة إلى ضيوف وأعضاء الفرق المشاركة في فعاليات المهرجان.
يقول المسرحي عبد الفتاح الديوري مدير المهرجان “كان اللقاء فعلا عرسا مسرحيا جعل جمهور مدينة هانوفر يتابع العروض المسرحية المتنوعة من ناحية الأساليب والمواضيع والرؤى الجمالية والفكرية. وقد أبدى الجمهور الألماني اهتماما كبيرا بكل أنشطة المهرجان والتي تخللتها الترجمة الفورية المواكبة لكل العروض والمناقشات (سواء من العربية إلى الألمانية أو العكس) وكان الحضور فاعلا حيث شارك في مناقشة العروض. وسجل الجميع اهتمام الجمهور الألماني بتجارب البلدان المسرحية العربية وبالإصغاء الكبير للمسرحيين العرب في الندوات التطبيقية التي تعقب العروض.”
وقد برمج منظمو اللقاء المسرحي العربي الثالث في هانوفر تسعة عروض مسرحية لفرق من المغرب وسوريا وتونس وفلسطين ولبنان ومصر بالإضافة إلى ألمانيا. وهي: “افهم الناس في الفيس بوك” لورشة المسرح في هانوفر. “فوق الصفر” مسرح كون سوريا. “دموع بالكحل” مسرح أنفاس المغرب. “الوحل” مسرح دمية تونس. “أخذ الكلمة” مسرح عبور المغرب. “ألاقي فين زيك يا علي” مسرح بابل لبنان. “3 في 1” مسرح نعم فلسطين. “كاوْ” المسرح الوطني تونس. “مسافر ليل” لفرقة كريشندو مصر.
وقد تنوعت العروض في الأساليب الفنية والرؤى الفكرية والجمالية. رصدت في معظمها الشخصية العربية في سياق تحدياتها الذاتية المرتبطة بتفاصيل حياتها اليومية وكذا رهاناتها الكبرى المحكومة بالسياقات الفكرية والمجتمعية والسياسية  –  فنجد شخصيات تطرح أسئلة حول الإنسان في زمن الحرب والدخول في عمق تجربة الخوف الإنساني ومواجهة العنف والظلم –  وشخصية أخرى تحلم بثورتها الخاصة بما يتوفر لها من إمكانيات على شبكة الأنترنيت – ويدخلنا عرض آخر في تعبير شاعري بدموع  تمرد ورفض تتحول إلى غضب يثور من مفردات المعيش اليومي – لنعبر من ذلك إلى مسار بحث عن الذات من خلال علاقة جسد بمادة الطين وبالرقص وتعبير الدمى –  ثم تصفح امرأة لركن مهمل واستحضارها لتاريخ شخصي وآخر سياسي اجتماعي لتضعنا أمام خيارات مصيرية تقدم رؤى عن المجتمع والفن والسلطة – فرواية فلسطينية عبارة عن مناجاة مفعمة بالأسى والحس بالخسارة وإبراز التضحية كقيمة عالية في سبيل الوطن – كما حضرت تجربة شخصية خاصة من خلال عرض مسرحي يعالج مشكلات مرتبطة بحياة ممثلين يعيشون أوضاعا عسيرة وتحديات يواجهونها بإصرار في وجه مجتمع لا يقدر قيمة المسرح – وكذلك طرحت تيمة العنف كمدار لأحداث حاولت رصد الدوافع الإنسانية والمجتمعية والسياسية لتفشي الظاهرة – وأيضا تناول موضوعات حية كاللامساواة الاجتماعية والأمية والفقر والتطرف والظلم السياسي..الخ
كل ذلك وغيره تناوله صانعو العروض المسرحية المشاركة بكثير من الحس الفني المتنوع وزوايا رؤى فكرية مختلفة تراوح بين التشخيص والرقص والغناء والموسيقى وتوظيف محكم لتقنيات الفيديو. لترسم العروض المسرحية المشاركة في الملتقى بانوراما عامة لاشتغالات المبدعين المسرحيين في وطننا العربي. الشيء الذي لامسه الجمهور الألماني في مدينة هانوفر من جهة والمشاركون من ضيوف وفرق مسرحية مشاركة من جهة أخرى. والذي أثار ردود فعل إيجابية في الإعلام الألماني المتابع للتظاهرة.   
وتضمنت أنشطة “اللقاء المسرحي العربي الثالث في هانوفر” ورشات مسرحية تكوينية توجت بعضها بتقديم لنتائج اشتغالاتها كورشة “نحن هنا / هنا نحن” تحت إشراف المخرج المسرحي السوري أسامة حلال وهي ورشة استفاد منها اللاجئون من اليافعين الذين هاجروا إلى ألمانيا لوحدهم دون أي رفيق من عائلاتهم. وورشة “عائشات” تحت إشراف المسرحي الفلسطيني عدنان طرابشي والمخرجة الفلسطينية عبير حسين والفلسطينية محاسن ربيس. وورشة “اكتشف صوتك” تحت إشراف الفنانة الألمانية إيدا هيج. وورشة “استغلال تقنية الفيديو في المسرح” إشراف مصم الفيديو والمخرج الفنان الألماني يورغن سالزمان.
أما ندوة هذه الدورة فكان عنوانها “ماذا لو لم يحدث الربيع العربي؟” وقد ألقتها الدكتورة التونسية الألمانية إيمان جلالة – أرندت وهي قانونية تعمل كمستشارة في معهد ماكس – بلانك في هال (زاله) وتناولت في محاضرتها – بعد تقديم كرونولوجي لمسارات ما سمي “بالربيع العربي” – تأثيراته السياسية والاجتماعية في تونس خاصة والعالم العربي عامة. وقد حصرت ما عرفته المنطقة العربية وتونس على وجه الخصوص من تردي للأوضاع وتفاقم للأزمات إلى طبيعة الأنظمة المستبدة التي كانت تقمع حرية التعبير وإلى جوانب أخرى تهم التربية الدينة التي يجب أن تنفتح على ثقافة الآخر وقناعاته الدينية والفكرية. وقد شارك الحاضرون من ألمان وعرب بتفاعل كبير بإبداء وجهات نظرهم المختلفة وطرح اسئلتهم التي أغنت اللقاء وفتحت آفاق أخرى للحوار حول موضوع الندوة الشائك.
لقد سجل منظمو اللقاء المسرحي العربي في هانوفر في نسختة الثالثة هذه – ومعهم المشاركون والضيوف والجمهور المتتبع والصحافة الألمانية – قفزة نوعية مقارنة مع الدورتين السابقتين.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى جودة العروض المشاركة وتنوعها تختار إدارة “اللقاء” موضوعا أو شعارا لكل لقاء فبعد موضوعي «الربيع العربي المسرحي» في الدورة الأولى و «نهضة النساء»  في الدورة الثانية كانت موضوعة «اللجوء » محور هذه الدورة.
عبد الجبار خمران:مسرحي مغربي مقيم بباريس

Related posts

Top