اللقاح ضد كوفيد.. هل ينصح به أيضا للمتعافين من المرض؟

مع اقتراب موعد أخذ لقاح كوفيد-19 بدأت العديد من التخوفات والتساؤلات تلوح في الأفق، من بينها “هل ينصح بأخذ اللقاح ضد الكوفيد بعد التعافي من العدوى؟”. في هذا المقال سوف نحاول الحصول على إجابة علمية بناء على شهادات الخبراء والمختصين. 
يقول الخبراء إن لقاحات كوفيد-19 يمكن أن توفر مناعة قوية وطويلة الأمد مقارنة بالمناعة المكتسبة بعد التعافي من المرض. حيث تشير بعض الدراسات إلى أن الفيروس المسبب لكوفيد-19 قد يتداخل مع الذاكرة المناعية، مما يجعل الأشخاص عرضة لتكرار العدوى بعد شهور أو سنوات.
يقول بيتر دوهرتي، عالم المناعة الحائز على جائزة نوبل في معهد دوهرتي بجامعة ملبورن في أستراليا: “نعتقد أنه مع اللقاح، سنكون قادرين على القيام بعمل أفضل -من المناعة الطبيعية-“.
اتضح أن كوفيد-19 يترك الأشخاص معرضين للخطر حتى بعد الشفاء، فلماذا يتوقع الباحثون أن يوفر اللقاح حماية تدوم طويلا؟
قبل بضعة عقود لم يكن للعلماء نفس الرأي بالنسبة لأمراض أخرى مثل الحصبة والنكاف والتهاب الكبد الوبائي “ب”.. في الواقع، كل ما يجب على اللقاح فعله هو محاكاة المناعة الطبيعية، حيث إن الناس يطورون بشكل طبيعي مناعة مدى الحياة بعد الإصابة. لكن العديد من الفيروسات تتجنب ذلك أو تتلاعب بجهاز المناعة بطرق تجعل الناس عرضة لتكرار العدوى. 
يقول بارني جراهام، نائب مدير مركز أبحاث اللقاحات في المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية بالولايات المتحدة الأمريكية: “الهدف من اللقاح هو القيام بعمل أفضل من عمل المناعة الطبيعية”. ساعد جراهام في عزل وتثبيت البروتين الفيروسي (the viral spike protein) الذي يستخدم في العديد من لقاحات كوفيد 19، بما في ذلك لقاح “فايزر” و”بيونتيك” اللذين أعلنت الشركات عن نتائج واعدة مبكرة من التجارب السريرية بخصوصهما. 
أحد الأمثلة على اللقاح الذي يوفر عادة مناعة أفضل من العدوى الطبيعية هو لقاح فيروس الورم الحليمي البشري عند المرأة، الذي يحمي من سلالات فيروس الورم الحليمي البشري التي تسبب سرطان عنق الرحم. حيث يقضي فيروس الورم الحليمي البشري معظم وقته في الاختباء داخل خلايا الجلد وبطانة عنق الرحم دون فعل أي شيء للفت انتباه الجهاز المناعي، وبالتالي لا يتم تطوير مناعة ضده كما يسرد لنا د. ريتشارد شليغل، عالم الفيروسات وأخصائي علم الأمراض في المركز الطبي بجامعة جورج تاون في واشنطن.
في المقابل، يتضمن اللقاح حقن بروتينات فيروسية مباشرة في العضلات، ومن هناك تنتشر البروتينات في جميع أنحاء الجسم، وهو ما لا يمكن لجهاز المناعة تجاهله. 
الفيروس يضعف الذاكرة المناعية.. فهل اللقاح ينشطها؟!

يقدم كوفيد-19 مجموعة مختلفة من التحديات، من أهمها أن الفيروس قد يضعف جوانب من ذاكرة الجهاز المناعي، غير أن الباحثين يؤكدون أن اللقاح قد يكون قادرًا على دعم الذاكرة المناعية.
لا يستخدم العلماء الفيروس بأكمله من أجل تطوير اللقاح بل يقدمون بدلا من ذلك بروتينا فيروسيا واحدا أو جزء بروتين لتحفيز جهاز المناعة.
تقوم بعض اللقاحات بإيصال البروتين مباشرة، بينما يقوم البعض الآخر بإيصال الجين الذي يحث الجسم على إنتاج البروتين في خلاياه.
قال جراهام إن العديد من اللقاحات تحتوي أيضا على مواد تسمى المواد المساعدة التي تعزز الاستجابة المناعية وتوجهها في اتجاهات معينة. وفي بعض الحالات، يمكن إعطاء اللقاحات بجرعات متعددة لزيادة تأثيرها.
حتى مع هذه المزايا، فإن لقاح كوفيد 19 ربما لن يجعل الناس محصنين تماما لبقية حياتهم، حيث يتوقع جراهام أن الأشخاص الذين تم تطعيمهم سيظلون عرضة للعدوى، لكنهم سيكافحون مثل هذه العدوى بسرعة قبل الشعور بالمرض.
تقول شيف بيلاي، مديرة برنامج الدراسات العليا في علم المناعة بكلية الطب بجامعة هارفارد: “إذا كنت تريد الحماية، سواء أصبت بالعدوى أم لا، من فضلك، احصل على اللقاح!”.
هل يجب أخذ لقاح كوفيد-19 لمن أصيب بالعدوى من قبل؟

ينصح الدكتور أنتوني فوسي، الخبير الأمريكي في الأمراض المعدية، الأشخاص الذين أصيبوا من قبل بفيروس كورونا، وحتى  الأشخاص الذين يشتبه في إصابتهم به، بأخذ اللقاحات القادمة ضده.
في مقابلة أجريت معه مؤخرا، قال مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية: إن إعطاء اللقاح للأشخاص المتعافين من كوفيد-19 أو الحاملين له لن يكون ضارا أو خطرا عليهم.
قال فوسي: “أعتقد أنه ينبغي على الأفراد الذين تعافوا بالفعل من العدوى أخذ اللقاح؛ لأننا نعلم أن هناك نسبة معينة من الأشخاص الذين شاركوا في تجربة اللقاح الأصلية وكان لديهم دليل على أنهم أصيبوا سابقا”.
وأضاف: “أعتقد أنه من المعقول تماما ألا يكون هناك قيود في أخذ اللقاح على أولئك الذين لديهم دليل على أنهم أصيبوا بالعدوى من قبل!”.
في حين أن التجارب السريرية المتقدمة للقاحات استبعدت المتطوعين الذين قالوا إنهم مصابون بفيروس كورونا من التجارب، إلا أنه سمح للمتطوعين المسجلين الذين تبين لاحقا أنهم أصيبوا بالعدوى بالبقاء في التجارب، مما يوفر للباحثين والأطباء بيانات قيمة عن سلامة وفعالية اللقاح عليه.
صيغة أخرى للجواب يقدمها ذ. عزيز بوصفيحة مدير مصلحة الأمراض التعفنية بالمستشفى الجامعي للدار البيضاء وخبير دولي في علم المناعة: “الأشخاص الذين أصيبوا من قبل بعدوى كوفيد-19 لديهم مضادات أجسام (igG) أو/و (IgM)، وبالتالي لديهم حماية من الفيروس لمدة غير محددة (ليس لدينا دراسات قطعية في هذا السياق)، هذه الحماية ليست مؤكدة 100%! بل تتراوح بين 80% و99% حسب نوع المستضد (Antigène) المستعمل في مختبر التحاليل، وبالتالي رغم “اكتشاف” (IgG) فالمريض لن يكتسب مناعة في حوالي 20% من الحالات”.
ويكمل ذ. بوصفيحة حديثه قائلا: “إن تأكدنا من الإصابة، ومن الحماية بمضادات الأجسام الطبيعية فإن اللقاح في هذه الحالة يقوي المناعة كما تقويها اللقاحات التي نكرر في الأشهر 2-3-4 عند الرضيع (booster effect)”.
ماذا عن فترة عمل اللقاح؟
لا يزال العلماء غير متأكدين من المدة التي يكون فيها الأفراد محصنين بشكل طبيعي من الإصابة مرة أخرى بفيروس كورونا بعد التعافي من المرض، ناهيك عن المدة التي سيكونون محصنين فيها بعد اللقاح.
يتوقع علماء اللقاحات أن لقاحات فيروس كورونا سيتطلب جرعات سنوية أو جرعات معززة، على غرار لقاح الإنفلونزا، الذي ينصح بأخذه كل سنة! (عن المنصة الطبية شفاء)

Related posts

Top