المأساة والمشاعر والدروس و…ضحكة ريان

بقي الأمل يسكننا جميعا، وتعالت الهتافات والمشاعر الطيبة من كل الزوايا القريبة والبعيدة عند إخراج ريان من الجب، لكن بسرعة صدمنا كلنا بنبأ الفاجعة، وصفعنا الصمت، وبسرعة لم يعد أحدنا يستطيع الكلام…
ريان مات…
الدموع التي انهمرت من دون استئذان، نابت عن حزننا الجماعي، ووحدت العالم كله في مرارة الإحساس بالفاجعة..
وحدها ضحكة الصغير ريان، كما تناقلتها الصورة، بقيت في البال والذاكرة والقلب، وبقيت ذكرى المأساة تشهد كيف أن ريان أعاد الناس إلى إنسانيتهم، ووحد كل الشعوب والثقافات والديانات حول المودة والمحبة والتضامن.
السلام لريان عندما قاوم المأساة وصمد وصبر، ولما صعدت روحه، وله أيضا الخلود في قلوبنا وضمائرنا، وفي البال…
سلاما أيها الصغير، سلاما أيها الرمز، سلاما أيها البطل…
لقد وحد ريان في الأيام الأخيرة العالم كله في التعاطف معه، وفي التضامن مع المغرب، واشتركت البشرية جميعها في الدعاء له والتطلع إلى سلامته.
لقد أتاح ريان لنا فرصة استعادة عادات أهلنا الطيبين البسطاء في المداشر والدواوير والبوادي، وشاهدنا كيف يسارع الناس للتضامن والإسعاف وإعداد الطعام واحتضان القادمين من كل فج ومكان للإغاثة، وسنبقى نذكر الشباب المتطوع والفعاليات المحلية والوطنية، وعمي علي الصحراوي، تماما كما سنعتز دائما ببطولة عناصر الوقاية المدنية وأطقم وزارة الصحة والهلال الأحمر المغربي والدرك والقوات المساعدة والسلطات المحلية والجهوية، وسنفخر بخبرائنا ومهندسينا وتقنيينا، وسنشهد أن الوطن سخر كل إمكانياته وخبراته ليبقى ريان حيا بيننا، وهو ما أعجب به العالم برمته، حيث أن كل العيون والقلوب كانت تتابع الجهود من كل القارات، وتتطلع أن ينجح المغرب في هزم المأساة وإنقاذ ريان ليعود حيا إلى حضن والديه وإلى… الوطن.
لقد لفتنا مشاعر الفخر والاعتزاز بوطننا، وسررنا للتضامن الكوني والإنساني الذي برز ضدا على كل الفردانيات التي باتت تكبلنا في عالم اليوم، وكل هذا منحنا إياه الطفل ريان.
لقد عشنا كلنا مأساة مفجعة، وبرزت فينا وحوالينا مشاعر وقيم من داخل ألم المصيبة، ولما انتهى المآل إلى ذات المأساة، وغادرنا ريان، بقيت ضحكته في الصورة تداوي الجرح فينا، وتعلمنا كثير أشياء في هذه الحياة…
يجب كذلك، أن نشيد هنا بجهود صحفيات وصحفيين نجحوا في إنجاز عمل مهني حقيقي لمواكبة الأحداث، ومد الناس بالأخبار الصحيحة على مدار الساعة…
وحتى لما نصر على أن نذكر من ظروف المأساة فقط طيبوبة أهلنا ومسارعتهم إلى التضامن والتلاحم والوحدة، وأيضا كفاءة أطرنا والجهود الإنقاذية البطولية التي بذلت، فإن البعض منا يصر، من جهته، على أن يصفعنا ببعض الخبث الذي يسيطر على النفس البشرية المريضة، ويفضح بعض نواقصنا وعاهاتنا.
لقد فضحت المأساة حجم الأضرار التي تتسبب فيها الشائعات والأخبار الزائفة، وعبث من يسمون « المؤثرين والمؤثرات»، وكوارث حملة الهواتف ومنتحلي صفة الصحفي، ومن ثم حاجة بلادنا إلى مساندة تأهيل صحافتها الوطنية المهنية الحقيقية، ودعم الهيئات الموكول لها ذلك، وتأطيرها في مثل هذه الفواجع والأزمات الإنسانية.
وفي الإطار نفسه، صدم الكثيرون من ظهور سلوكات النصب والاحتيال على ظهر المأساة وأسرة الطفل، واستغلال التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي في ذلك.
كل هؤلاء يشبهون تجار الحروب، ومستغلي المآسي الإنسانية، ويجدر إعمال القانون في حقهم بصرامة.
من جهتنا، ندعو للطفل ريان بواسع الرحمة وموفور الرضوان، ولوالديه المكلومين بالصبر وحسن العزاء، ونأمل من السلطات المعنية مساندتهما ودعمهما للخروج من تبعات المحنة والفاجعة.
كما سنحفظ لبلادنا درس الصمود، وحجم التعبئة والجهد المبذول من أجل الإنقاذ، وبروز عدد من الكفاءات الوطنية في مجالات مختلفة، وسنعتز دائما بهذه التعبئة التضامنية في بلادنا، ووسط شعبنا، ونعتبر ذلك درسا لنا كلنا، وحافزا للاعتماد على شعبنا في مواجهة كل التحديات، ودليلا آخر على أهمية «التضامن الوطني» في التصدي للكوارث وكل المهمات الوطنية الكبرى.
ريان أقنعنا أن التضامن والإنسانية والتعاون هي قيم عابرة للجنسيات والديانات والثقافات والحدود، وأن البشرية في حاجة إلى تضامن كوني، وإلى تمتين التعاون والمودة بين الناس، كما أقنعنا أن شعبنا الطيب البسيط يتمسك بقيم التعاون المتبادل، ولا يتردد في التضامن والانخراط في قضايا أهله وبلده.
عليك السلام يا ريان…
لك الشكر كله على كونك أعدتنا إلى إنسانيتنا، وجعلتنا جميعا نتمعن في الحياة، ونقبض على الدروس التي استفدناها من مأساتك…
ليس لنا سوى دموعنا وحزننا لنبكي رحيلك المفجع عنا، وكم وددنا أن تحيا في كنف والديك وبيننا، لأنك تستحق الحياة..
ستبقى مأساتك مؤلمة وموجعة لنا….
لك السكينة والراحة، وعليك السلام.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top