المدير التقني بالاتحاد الجزائري يتحدث لـ “بيان اليوم” عن ذكرياته مع الأندية المغربية وأسباب غياب الاستقرار بكرة القدم المغاربية…

لم يستطع المدرب الجزائري رابح سعدان كبح جماح دموعه عندما أجرت معه بيان اليوم حوارا مطولا على هامش زيارته لمقر إقامة بعثة فريق الدفاع الحسني الجديدي، والتي حلت بالجزائر من أجل مواجهة نادي مولودية الجزائر برسم عصبة أبطال إفريقيا لكرة القدم، في لقاء أعاد الكثير من الذكريات الجميلة للإطار الجزائري خلال سنوات قضاها بالمغرب مدربا لفرق مغربية.
رابح سعدان المعروف بحبه للمغرب والمغاربة، تحدث في الحوار عن مساره التدريبي رفقة أندية الدفاع الحسني الجديدي والرجاء البيضاوي وشباب المحمدية واتحاد طنجة، خاصة تتويجه بلقب كأس إفريقيا رفقة الرجاء سنة 1989، مبرزا تجربته مع المنتخب الجزائري الذي قاده إلى التأهل 3 مرات إلى نهائيات كأس العالم (المكسيك 1986 وجنوب إفريقيا 2010 والبرازيل 2014).
وتطرق المدرب الجزائري إلى المباراة الشهيرة التي جمعت المنتخبين المغربي والجزائري بنهائيات كأس أمم إفريقيا 2004 بتونس، مؤكدا أن المغرب استحق التأهل بدليل بلوغ نهائي البطولة، مضيفا أن «أسود الأطلس» قادرون على تقديم مباريات متميزة بنهائيات كأس العالم 2018 بروسيا شريطة تحرير اللاعبين من الضغط النفسي.
سعدان أدلى لـ «بيان اليوم» برأيه في مجموعة من النقاط أبرزها، ظاهرة انتقال مدربين مغاربة بالدوري الجزائري، وعدم نجاح منتخبي والجزائر والمغرب في التأهل معا إلى المونديال إلا في مناسبة واحدة، وملف ترشيح المغرب لتنظيم مونديال 2026، وظاهرة الاعتماد شبه الكلي للمنتخبات المغاربية في العقدين الأخيرين على اللاعبين الذين ولودوا وتكونوا في أوروبا.

> كيف جاءت زيارتك بعثة فريق الدفاع الحسني الجديدي قبل مواجهة نادي مولودية الجزائر؟
< بكل صراحة، جاءت الزيارة مصادفة ولم أكن أنتظرها. بعض الإخوان أعلموني بأن الدفاع الحسني متواجد هنا بالجزائر. شخصيا لم أكن أعلم أن الفريق سيلعب مباراة في عصبة أبطال إفريقيا. كانت زيارة جميلة بحكم أنني عشت رفقة عائلتي مدة طويلة في المغرب. قضيت في مدينة الجديدة سنة تقريبا، وأحتفظ بذكريات جميلة عن تلك الفترة. تمنيت لو كنت أعلم بقدوم الفريق، حتى أتولى شخصيا استقبال البعثة وأرحب بهم في بلادي. أشكر مسؤولي الفريق الجديدي على دعوتهم لي للحضور في مباراة الإياب بالجديدة، وربما قد تتاح لي الفرصة للقدوم رفقة عائلتي للمغرب من أجل استعادة ذكرياتنا الجميلة.

> خلال مقامك بالمغرب عبرت محطات عديدة، في الدار البيضاء دربت الرجاء البيضاوي، في المحمدية أشرفت على شباب المحمدية، وفي الجديدة دربت الدفاع الحسني الجديدي، كما تقيم مشوارك مع الأندية المغربية؟
< المرحلة الأولى كانت قصيرة وتزامنت مع انطلاق كأس إفريقيا، حيث وصلت في شهر فبراير من 1989 قادما من السعودية، واتصل بي حارس الرجاء وأخبرني أن إدارة الفريق ترغب في التعاقد معي. وافقت على الفور. جئت للرجاء التي كانت توجد آنذاك في وضعية جد صعبة، خاصة من الناحية المادية إلى درجة أن الرجاء كانت تستعد للاعتذار عن المشاركة بإقصائيات الكأس الإفريقية. وقتها قلت للرئيس السي الرتناني بأنه سيكون خطأ كبيرا أن نعتذر، وعلى الرجاء أن تشارك بالبطولة. وبعد 6 أشهر أصبحنا أبطالا لإفريقيا، كانت معجزة كروية، كونا مجموعة متميزة تضم لاعبين جيدين وبإمكانيات محدودة.

> هل تتذكر أسماء بعض اللاعبين ممن ساهموا في تحقيق هذا الإنجاز؟
< أتذكر كلا من الصديقي وحسن موحيد ومديح وولد مو، هذا الأخير الذي أصبح مشهورا حتى هنا في الجزائر، حيث كان الجزائريون يقولون “جيبو لينا ولد باباه”.

> وماذا عن مرحلة ما بعد الرجاء؟
< غادرت الرجاء وعدت للجزائر، ثم التحقت بتونس، وبعدها دربت اتحاد طنجة، في فترة أخرى امتدت لسنتين أو ثلاث سنوات عدت مباشرة من تونس إلى المغرب بعدما اتصل بي مسؤولو الدفاع الجديدي. وقعت العقد لمدة سنة واحدة وبدأت العمل.

> هل تتذكر أبرز لاعبي تلك الفترة في الدفاع الحسني الجديدي؟
< كان هناك رضا الرياحي، وأتذكر أني كنت السبب في احترافه، وقد قلت له: “عليك بالسفر إلى الخارج من أجل تطوير مستواك”. كما يعلم الجميع، لم تكن الإمكانيات متوفرة في تلك الفترة، وبالتالي ليس من مصلحة الرياحي البقاء بتلك “الحفرة” ووسط ظروف غير مشجعة تماما.

> بعد الجديدة، انتقلت إلى شباب المحمدية؟
< غادرت الجديدة لأسباب مادية، إذ لم أتوصل بمستحقاتي لشهور طويلة. تأسفت كثيرا لرحيلي الذي تزامن مع انطلاقة البطولة المغربية، غادرت الفريق خاصة أن مسؤولي شركة “سامير” اتصلوا بي لتدريب شباب المحمدية الذي كان آنذاك فريقا منظما ويملك إمكانيات محترمة، ويحظى بدعم شركة كبيرة ومسؤولين من أعلى مستوى.

> من هم اللاعبون المميزون الذين تتذكرهم مع شباب المحمدية؟
< أتدكر لأنه كان هناك لاعبا جزائري ممتازا يدعى رحيم الذي لعب تحت إشرافي في الموسم الثاني، وكان هناك كوراي وعلي والحارس العراقي وغيرهم.

> ما رأيك في ظاهرة انتقال مدربين مغاربة في السنوات الأخيرة للإشراف على أندية بالدوري الجزائري، وقبلها كان مدربون جزائريون يدربون بالبطولة المغربية؟
< أتذكر أنه قد وقع لي مشكلة عندما خضت نهائي كأس إفريقيا سنة 1989، إذ واجهت فريقا جزائريا هو مولودية وهران، فقد تمت دعوتي من طرف مسؤولي النادي قبل السفر إلى الجزائر لخوض مباراة الإياب. طرحوا علي سؤالا: “أنت جزائري وتدرب فريقا مغربيا ضد فريق من بلادك”. فهمت مغزاهم، وأجبتهم بأن علينا أن نبتعد عن هذه الحساسيات، كما أنه سيأتي زمن يدرب فيه التونسي بالمغرب، وهو ما قد حصل فعلا، وسيدرب الجزائريون في تونس. قلت لهم: ” نحن مدربون محترفون، ولا يجب علينا أن تدخل في الأمور السياسية. أنا مدرب وعلي أن أظل مدربا وأهتم بشؤون فريقي”.
أعلم عن الصراع الحاصل بين البلدين، فمثلا لو دربت المنتخب المغربي وواجهت المنتخب الجزائري، كنت سأتواجد في وضعية صعبة جدا، وبالتالي لم أكن أتردد في الانسحاب لأني لن أكون قادرا هذه الوضعية. بيد أن الأمر يختلف في الأندية، وكما أسعى للفوز بالبطولة المغربية، سأحاول التتويج بها في الجزائر. قلت لهم: “جئت للجزائر من أجل انتزاع الكأس”. لم يصدق مسؤولو مولودية وهران ما قلته، لكن في النهاية حققت ذلك وعدت بالكأس إلى المغرب.
الحمد لله، العقلية باتت أكثر تطورا وانفتاحا وأصبح اللاعبون متواجدين في كل مكان. مثلا اطلعت على إحصائية، فلاعبو السنغال يتواجدون في 80 دولة في العالم. هذه هي كرة القدم لا تقيدها حدود.

> بعيدا عن الأندية، خضت تجارب عديدة مع المنتخبات الوطنية، كيف تقيم مسيرتك رفقتها؟
< لدي تجارب كثيرة مع المنتخبات. كنت قد أهلت المنتخب الجزائري في مونديال مكسيكو 1986، بعدها انسحبت بسبب المرض لم أرغب في عدم الإشراف على أي منتخب، لأن ذلك أمر صعب للغاية. عدت في أواخر 2007 ومطلع 2008، ونجحت في قيادة المنتخب الجزائري إلى نهائيات كأس العالم 2010. انتظرني المنتخب 24 سنة، ليتأهل مرة أخرى بعدما كنت قد أهلتهم لمونديال مكسيكو 1986. لم يكونوا قادرين على التأهل لكأس أمم إفريقيا في دورتي 2006 و2008 ومونديال 2010، لكن بعد ذلك يسر الله في التأهل.

> سبق أن واجهت المنتخب المغربي بكأس أمم إفريقيا 2004 تونس، حيث خسر المنتخب الجزائري بنتيجة (1-3)، كيف تتذكر تلك المباراة؟
< بداية، تربطني ببادو الزاكي الذي كان يشرف على المنتخب المغربي في هذه الدورة، علاقات طيبة واحترام متبادل. عندما التقيته قبل المباراة تحدثنا عن مجموعة من الأشياء كالجمهور الذي يفتعل المشاكل. أعتقد أن برمجة تلك المباراة لم تكن جيدة، فقد كان من المفروض أن تجرى بتونس العاصمة، لكن بسبب اعتبارات لم أفهمها تم نقل المباراة إلى مدينة صفاقس التي لم تكن مناسبة لاحتضان مباراة بحجم ديربي يجمع منتخبي الجزائر والمغرب نظرا لصغر المدينة، وحضور عدد كبير من الجمهور الجزائري بحكم قرب المسافة بين البلدين، ولم يكن التنظيم جيدا. هذه الأمور أثرت كثيرا على مردودية اللاعبين في أرضية الميدان، خاصة في الشوط الثاني. عموما فالمنتخب المغربي استحق التأهل لأنه فريق محترم وقوي ويقدم مستوى جيدا مع الزاكي جعله يذهب بعيدا في البطولة.

> هل تعتقد أن الجزائر كانت الأقرب لتحقيق الانتصار في تلك المباراة؟
< لا أظن.. كنا متقدمين بهدف لصفر وهدف التعادل جاء في الوقت بدل الضائع. شخصيا كنت مركزا على ما يحصل في المدرجات، حيث وقعت أحداث مؤسفة. أتذكر أن مساعدي طلب مني إجراء تغيير في التشكيلة، لكني لم أسمعه، حيث حصدنا في النهاية هزيمة قاسية.

> يلاحظ أنه نادرا ما يتأهل منتخبا الجزائر والمغرب معا إلى كأس العالم باستثناء مونديال 1986 بالمكسيك، إذ في الوقت الذي يكون المنتخب المغربي في القمة يتواضع نظيره الجزائري والعكس صحيح، ما السبب في نظرك؟
< أعتقد أنه في عالم كرة القدم بصفة عامة، يصعب عليك المحافظة على القمة عندما تبلغ المستوى العالي. تلزمك مجموعة من الأشياء كالاستقرار خاصة في جانب التسيير، وذلك حتى تتمكن من الاستمرار. أظن أن التغيير الذي يحصل هو ما يؤثر على أي فريق أو منتخب. مثلا الجزائر كانت قبل سنتين أفضل منتخب بإفريقيا. ربما لم يحرز أي ألقاب، لكنه كان يقدم كرة قدم جميلة، مع الأسف في فترة قصيرة غيرنا 3 مدربين وأضفنا مدربا رابعا في وقت لاحق.
هذا التغيير الذي جاء قبل انطلاقة كأس أمم إفريقيا الأخيرة بالغابون، تسبب في زعزعة المنتخب الجزائري الذي يمر حاليا بأزمة معنوية. المشكلة تنحصر في التسيير الذي عندما يكون في المستوى يسمح للفريق بالبقاء في المستوى العالي من الناحية الفنية. مثلا المنتخب المغربي عاد بقوة في السنتين الأخيرتين، والأمر لا يعود لمدربه هيرفي رونار أو الإمكانيات البشرية للفريق، بل بفضل المديرية التقنية وإدارة الجامعة الكل في المغرب يعمل على بناء المستقبل الكروي بالمغرب. تابعت المنتخب الرديف الذي فاز بكأس أمم إفريقيا للمحليين (الشأن). فريق يضم لاعبين ممتازين، أظن أن مثل هذه الأمور هي التي تضمن الاستقرار للكرة المغربية وتفادي تذبذب المستوى بين صعود ونزول. وبالتالي فمن الضروري العمل على وضع مخططات للمدى المتوسط والبعيد وليس المدى القريب، حتى تتمكن من البقاء في المستوى العالي.

> بما أننا تطرقنا إلى المنتخب المغربي، كيف ترى مبارياته بمونديال روسيا 2018؟
< المونديال أفضل من كأس أمم إفريقيا فيما يتعلق بالظروف والمحيط وكل شيء. لو نجحت في تحرير اللاعبين من الضغط النفسي، فكن على يقين من أنهم سيقدمون مباريات على أعلى مستوى. تحرر لاعبيك فقط من أجل تقديم كرة جميلة بغض النظر عن الهزيمة أمام فرق كبير. لهذا أنا متأكد من أن المنتخب المغربي سيخلق المفاجأة بمونديال روسيا حتى مع تواجد منتخبات قوية كإسبانيا والبرتغال. شخصيا لا أرى أنها مجموعة صعبة. أيضا لا يروقني أداء المنتخب البرتغالي ولو أن توج بكأس أمم أوروبا قبل سنتين، لكن المغرب بقيادة رونار يملك دفاع قوي ولاعبين شباب. وهنا أريد أن أشير إلى أن المونديال يعتبر مهرجانا يمكن اللاعبين من تسويق أنفسهم في سوق الانتقالات. ولهذا فإذا نجح اللاعبون المغاربة في التحرر الضغط وإظهار إمكانياتهم، سيصنعون شيئا ما في البطولة.

> لنتحدث عن ملف ترشح المغرب لاستضافة مونديال 2026، كيف ترى موقف الجزائر المؤيد لـ “موروكو 2026″؟
< أظن أنه من الناحية التنظيمية فالأمر صعب جدا، خاصة بعدما حصل من جدل حول ملف مونديال قطر 2022 والإمكانيات المرصودة له، إذ تضع (الفيفا) مقاييس صارمة. وأنا لست مطلعا على الإمكانيات المتاحة حاليا. أرى أن المهمة ستكون صعبة، لكن ذلك لا يجب أن يمنع المغرب من دخول غمار المنافسة. شخصيا أحبذ تنظيم كأس العالم في المغرب، خاصة أنه أهدر الفرصة في مناسبات سابقة. وبالتوفيق إن شاء الله.

> ما رأيك بخصوص ظاهرة أصبحت ملازمة للمنتخبين المغربي والجزائري وبشكل أقل لمنتخب تونس، وهي التركيز على اللاعبين من جاليات هذه الدول والمقيمة بالخارج، خاصة أوروبا، في وقت نتحدث كثيرا عن موضوع التكوين؟
< نحن نعاني هذا المشكل داخل المديرية التقنية الجزائرية، ولذلك نعمل على وضع مقاييس في عملية الاختيار. اللاعبون الذين ولدوا بأوروبا هم أيضا جزائريون ومغاربة وتوانسة، لكننا نحاول حتى في الفئات الصغرى التركيز على اللاعبين ذوي المستوى العالي، والذي يتفقون على لاعبي الدوري المحلي. طبعا نستدعي مثل هؤلاء اللاعبين وفي وقت مبكر حتى يتم تأهيلهم بشكل قانوني مع المنتخبات الوطنية. علينا العمل بهذه الطريقة. نكون لاعبين محليين ونبحث أيضا عن لاعبين متميزين قادرين على الرفع من المستوى العام للمنتخب الوطني.
المشكل الحاصل الآن خاصة من الناحية القانونية، إذ في الوقت الذي تسمح فيه (الفيفا) للاعبين الدوليين بالالتحاق بالمنتخب الأول دون شروط، نجد صعوبة في ضم اللاعبين الشباب (أقل من 21 سنة) في تصفيات كأس أمم إفريقيا أو كأس العالم، حيث نضطر للتفاوض مباشرة مع الأندية من أجل تسريح اللاعبين لصالح المنتخب، مع يرافق هذا من مشاكل، حيث قد يمنح النادي موافقة مبدئية، لكنه قد يرفض التفريط في لاعبه لاحقا إذا ما تبين أنه محتاج له، وبالتالي يفقد المنتخب عنصر مهما.

كلمة أخيرة..
< (قبل الإجابة عن هذا السؤال صمت سعدان قليلا وذرفت عيناه بالدموع ثم قال): أنا متعطش للقدوم إلى المغرب وزيارة جميع الإخوان والأصدقاء القدامى الذين عملت معهم أو أعرفهم، لدي أحباب كثر في كافة مناطق المغرب. منذ فترة طويلة لم أزر المغرب، وإن شاء الله تتاح لي رفقة عائلتي الفرصة لأزور الجميع ليس فقط بالدار البيضاء، بل أيضا في مدن الجديدة وطنجة وغيرها.

> حاوره بالجزائر العاصمة: محمد الروحلي

Related posts

Top