المرأة .. تهميش في اللغة والثقافة

يحتفل العالم يومه الجمعة، باليوم العالمي للمرأة (8 مارس)، وهي مناسبة للوقوف على مجموعة من الامتيازات التي انتزعتها المرأة من الرجل، سواء على المستوى المؤسساتي خصوصا، والمجتمعي عموما.
بيد أنه بالرغم من كل ما يتم تسويقه، على المستوى الإعلامي، بكون المرأة أصبحت فاعلة ومنخرطة ولها مكانة في المجتمع، تبقى هذه الخطابات مجرد فرقعات إعلامية، وخطابات منمقة، لا ترقى إلى الفعل الحقيقي، هذا إذا تحدثنا عن المدافعين عن هذا الطرح، رغم أنه لا يجب أن نحدو حدوهم، مادام العالم مشتركا بين الذكر والأنثى.
ويبدوا أن هذه الحرب التي يمكن وصفها بالضروس، لا زالت مستمرة، وستطول كثيرا، خصوصا، وأن الأمر له علاقة بالدرجة الأولى، بما هو ثقافي ولغوي، فبحسب الأستاذ الباحث في السيميائيات، سعيد بنكراد، «لا أحد رأى منا العالم عاريا، لقد ورثناه كما هو جاهزا»، بأحكام وتصورات ومواقف مصاغة على قياس الرجل، الذي انتصر في البداية لذاته، سيما، وأنه هو من بادر إلى وضع اللغة وأصل للثقافة (الذكورية).
والأمثلة في هذا السياق كثيرة، حيث يحضر الرجل دائما في المخيلة الجمعية، بوصفه، القوي، الشهم، الشجاع، الخشن، الصلب، الملتزم، المحارب والمفكر.. في الوقت الذي تحيل فيه المرأة، على اللذة، الجنس، المتعة، اللطف، الحنان وإلى أنها كائن لا يقوى على مواجهة الصعاب.. وهذه الصفات حاضرة وبقوة في المنزل، المدرسة، مقرات العمل، وفي فضاءات التسوق..
واللغة من بين المتواطئين الرئيسيين في الواقع الحالي، ذلك، أنها قدمت الذكر على الأنثى، فيكفي أن يكون طفلا صغيرا بين 99 امرأة، حتى نقول «السلام عليكم»، عوض «السلام عليكن».. بمعنى، «إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر على المؤنث لأنه هو الأصل والمؤنث مزيد، وفق، ابن الأنباري» (سعيد بنكراد).
ويؤكد هذا الطرح أيضا، سيبويه، الذي قال «إن الأشياء كلها أصلها التذكير»، فالمذكر هو الأصل، والتأنيث مجرد فرع، «فالأنثى بحسب النحاة ضعيفة بالطبيعة لا بالاكتساب، فهي كذلك وتبقى إلى الأبد» (سعيد بنكراد)، وإن كان الإسهاب في مثل هذا التحليل تحامل على التركيبة النحوية على اللغة.
وفي الصدد ذاته، فإن تذكير المؤنث واسع جدا لأنه رد فرع إلى أصل، أي أن المصطلحات أعطيت للرجل، فالرجل «عجوز»، كما أن المرأة «عجوز»، وليست «عجوزة»، أي أن المرأة تابعة للرجل، وما يعزز من هذا الطرح، هو كون المرأة خلقت من ضلع رجل، استنادا إلى قصة الخلق، في إشارة إلى أن الرجل هو من خلق الأول، حيث يطرح هنا مشكل استعمال واستخدام مفهوم «الزوج»، بمعنى نشير إلى اثنين، وليس الأول مشتق من الثاني.
وبهذا، فإن الذكر هو الأصل، إنه صاحب الأرض، وكل ما يحيط به مجرد كواكب ومجرات ونجوم تؤثث وتزين عالمه، فلا أحد يحاسب الرجل ولا سلطة للزمن عليه، إنه رجل في كل زمان ومكان، والمرأة وحدها هي العانس «والبايرة» التي انتهت مدة صلاحيتها، أما الرجل فصلاحيته ممتدة إلى أن يترجل..
وفي صفات الوظائف والعمل، دائما يبقى المذكر هو الأصل، والتاء الزائدة (ة) إحالة ثانية على صفة الأنثى، كقولنا؛ مفتش (ة)، مدير (ة)، رئيس (ة)، سفير (ة).. واستنادا إلى هذه التوليفة اللغوية، فإن المرأة والأنثى تبقى ثانوية في المجتمع وتابعة للقائد؛ الرجل المغوار، حيث الإحالة على «الرجيل» الصلب والقوي الذي يتقدم في كل شيء، عكس «الأنيث» التي تحيل في اللغة على؛ «الضعيف والسهل والمنبسط وغير القاطع» (سعيد بنكراد).
وبين دلالة المرأة والرجل، اختلاف كبير وشاسع، ذلك، أن المرأة التصقت بها كل الصفات السلبية، أما الرجل، فهو إيجابي في كل شيء، فالمرأة في الأمثال الشعبية، شريرة، وخادعة، وماكرة، وساحرة، ومتحايلة، وكاذبة.. أما إذا كانت امرأة صاحبة رأي ومواقف، فيتم وصفها بالمرأة «الرجل»، بمعنى الملتزمة بالمبدأ، والرأي، والمدافعة عن الطرح الصائب، بمعنى أن صفاتها الإيجابية تمتحها من الرجل.
والعكس صحيح، فالرجل غير الملتزم، والذي يتغير في الرأي والمبدأ وينقلب على المواقف، يتم نعته بـ «المرأة»، هذه الأخيرة التي ترسخ في ذهن المجتمع الذكوري، بكونها مجرد ثرثارة، لا تفكر، لا تقرر، كما أنها تتراجع في مواقفها بتقلب معطيات الزمكان.
إن سلطة الرجل على المجتمع لا زالت حاضرة وبقوة، منذ الانقلاب الكبير الذي حدث في الأرض، حيث سحب الذكر بساط السلطة من الأنثى، وهو ما أعطانا المجتمع الأبيسي عوض الأميسي، إذ أفلح الرجل في «القضاء على ‹حق الأم› واحلال ‹حق الأب› وظهرت العائلية الأحادية التي تقوم على سيادة الرجل مع الرغبة الصريحة في ولادة أولاد لا بد أن يكون نسبهم إلى الأب لا جدال فيه من أجل تمليكهم وتوريثهم. فكان إسقاط حق الأم هزيمة تاريخية عالمية للجنس النسائي. ابتدأ معه استذلال المرأة واستعبادها» (فراح السواح/ لغز عشتار).
ولا غرابة اليوم، أن نجد هيمنة ذكورية مطلقة على مختلف مناحي الحياة الاجتماعية، حيث سيادة الرجل على جميع المرافق سواء العمومية، أو الخاصة كالبيت مثلا، إنه إنفراد بالسلطة واستقواء على الجنس الآخر، في محاولة لإدلاله وإخضاعه، استنادا إلى الإقدام على بعض الممارسات التي يتم فيها الإحالة على الأنثى، ملخصا إياها في الضعف، الوهن والجنس..
والنموذج يحضر في هذا الإطار، في كرة القدم، هذه اللعبة، التي تحيلنا بشكل مباشر على الجانب الإيروسي في الذكر، فيكفي الجلوس أمام شاشة التلفاز، للتأكد من هذا المعطى، حيث يستعمل المعلق، كلمات، وجملا، وبعض الألفاظ في هذا السياق، من قبيل؛ مداعبة وملامسة ومراودة الكرة، هيجان الجمهور، الصعود والهبوط، تعنت الكرة، معانقة الشباك، اختراق المرمى، الكرة تتمنع وتتدلل، انتقال الكرة من لاعب إلى آخر، انحباس الأنفاس (سعيد بنكراد).
إن الرجل لخص جزءً كبيرا من المرأة في الجسد، ولا زال يتم تكريس هذه الثقافة في المجتمع، من خلال وسائل الإعلام، وبالخصوص في الإشهار، حيث يتم ربط المرأة دائما، بالجانب الجنسي، كإشهار سيارة بجانب أنثى، والترويج لمشروع سكني عبر بوابة جسد الأنثى.. إلى غيرها من النماذج، التي تم الحديث عنها بتفصيل سواء في الدرس الأكاديمي أو على مستوى المنظمات الحقوقية النسوية.
إن الحديث في الموضوع يطول، ومعقد أكثر مما نتصور، على اعتبار أن إحداث تغيير في النظام التكتوني لأرضية المجتمعات الذكورية، صعب جدا، خصوصا بالعالم العربي، حيث الاستمرار في سيادة التفكير بشكل ذكوري-أحادي، ورفض التشاركية في اتخاذ القرارات الكبرى داخل المجتمع، من هنا، فإن تغيير هذا الوضع، يتطلب بالدرجة الأولى ثورة على الثقافة السائدة حاليا، من أجل إعادة التوازن بين الذكر والأنثى المهمشة في اللغة والثقافة.

> يوسف الخيدر

Related posts

Top