المراقبة والاحتواء: الفيلسوف ميشيل فوكو في ووهان

إن رد فعل السلطات الصينية اتجاه جائحة كورونا فيروس في منطقة ووهان، تشبه الحجر الصحي أثناء الجوائح الكبرى لوباء الطاعون في الغرب، في القرون الوسطى. وكان مشيل فوكو يرى فيها مقدمات لمجتمع منضبط، خطا منذ تلك الفترة خطوات جبارة. خاصة في الصين.
«لقد وقعتُ في الشراك، مثلما كان يحدث تقريبا في العصور الوسطى أثناء الجوائح الكبرى للطاعون»: في 23 يناير2020، وتبعا لما أقرته الحكومة الصينية من إجراءات للحجر الصحي لاحتواء كورونا فيروس.
أدلت مُدرسة صينية بشهادتها لجريدة «لاكروا» عن الإحساس بالحجز الذي وقع فيه 11 مليون شخص من ساكنة ووهان، عاصمة مقاطعة هوبي.
فبينما كان تدبير جائحة الأعراض التنفسية الحادة الخبيثة
في 2003 محط نقد من طرف المنظمة العالمية للصحة، أظهرت بكين ردة فعل قوية، حتى وإن كانت قد انتظرت ثلاثة أسابيع بعد أن دق أطباء المستشفى المركزي في ووهان ناقوس الخطر، لتأخذه السلطة في الحسبان. أحد هؤلاء الأطباء وهو لي وينلانغ قد تعرض
للاعتقال بدعوى تهديد النظام العام. اليوم، الشرطة والجيش يحاصرون المطار والمحطات، وتوقفت الطرق السيارة والنقل العمومي، أما السيارات الشخصية فهي ممنوعة من الحركة داخل المدينة، والسكان مدعوون للمكوث في بيوتهم ولا يخرجون إلا في حالة الضرورة. والتحكم في التنقلات هو الرهان الأكبر لإجراءات الحجر الصحي. تمثل ووهان المدينة الثانية في وسط الصين، وهي نقطة التواصل، ومرحلة مفتاح في «طرق الحرير» الجديدة- التي ساهمت قديما في نشر الطاعون.
في كتاب «المراقبة والعقاب» (1975)، جعل فوكو من تدبير جوائح الطاعون في نهاية القرن السابع عشر نموذجا للتفكير في منطق الحجر الصحي. كل شيء يبدأ «بتقسيم الفضاء»: «لا يتحرك إلا المراقبون والأمناء وجنود الحراسة»- أو كما يقع اليوم، الشرطة والجند. وحتى إن كان للسكان في ووهان الحق في الخروج، فإنهم يفضلون المكوث حماية لأنفسهم. تصبح المدينة «فضاء مقسما، ساكنة، جامدة. كل واحد مركون في مكانه». استأثرت قوات النظام بالفضاء العمومي: « فرق الحراسة.. في كل الأحياء لفرض طاعة الناس بأسرع ما يمكن». وحتى الطب وجد نفسه تحت المراقبة، كما يشهد على ذلك مصير لي وينلانغ والذي مات بعد
ذلك بالفيروس: « فعلاقة كل واحد بمرضه وبموته تمر عبر السلطات». كما بدأت بكين انطلاقا من 25 يناير في بعث الأطقم الطبية العسكرية بكثافة إلى ووهان.
«هذا الفضاء المغلق، المقطع، والمراقب في جميع نقطه، حيث وضع كل فرد في مكان ثابت حيث تُضبط أقل حركة.. وحيث يتم رصد كل فرد باستمرار، وفحصه وتوزيعه بين الأحياء والمرضى والأموات. كل هذا يشكل نموذجا متماسكا للنظام التأديبي». إن الهدف المصرح به من الحجر هو احتواء الجائحة، لكن فوكو يسطر على أن الحجر الصحي هو أيضا فرصة لتحقيق «حلم» مجتمع منضبط «يسري فيه الانضباط حتى في أدق تفاصيل الوجود.. فوراء الاجراءات الضبطية تتجلى وسواس «العدوى» من الطاعون، ووسواس الانتفاضات والجرائم، والتشرد والهروب [من الخدمة العسكرية] والناس الذين يظهرون ويختفون، يعيشون ويموتون داخل الفوضى». تخشى السلطات من الاختلاط والتنقل وعدم
التمييز.
والحال أن الفرد يجد نفسه في الحجر الصحي منعزلا لا يتحرك وتحت عين السلطة.
يقابل فوكو منطق التفرد والرقابة الذي هو أساس المجتمعات المنضبطة، بالمنطق الذي يغلب على تدبير جائحة أخرى وهي الجذام: منطق الأبعاد والحجز لـمجموعة ضمانا لسلامة الجسم الاجتماعي. من جهة، المجذوم بهوية مجهولة «يترك ليضيع كما لو كان ضمن كثلة يقل الاهتمام بتمييزها»، ويمنع من الدخول إلى المدينة؛ من جهة أخرى، يكون المجذوم المحتمل، الذي يثير اهتمام السلطات العمومية، موضوع تحديد الهوية والمراقبة الدقيقة والمنع من مغادرة مكان إقامته. المبدآن متوافقان؛ فبينما حجزت الصين أكثر من مليون من الايغوريين باعتبارهم مجموعة، طورت بموازاة مع ذلك تقنيات الضبط الفردي التي لم تكن لفوكو فكرة عنها. تسجيل المواطنين، لوغاريتمات تنبؤية.. وحتى أثناء التنقل، يحتل الفرد من الآن فصاعدا «موقعا ثابتا» في العالم الرقمي الذي يتحكم في مجتمع الانضباط. فحجر صحي افتراضي وغير مدرك بمعنى ما، يعمل على إسعاد الأنظمة السلطوية.
هامش:

المرجع: «مجلة الفلسفة» (الفرنسية)عدد 137 لشهر مارس 2020ص: -25 -24

> بقلم: أوكطاف لارمانياك

Related posts

Top