المسرح المغربي في حداد.. وأكادير حزينة

توفي صباح أول أمس، الاثنين 20 يناير 2020 ، الفنان المسرحي المقتدر عبد القدر اعبابو بعد معاناة مع مرض عضال ومعاناة متكررة مع التطبيب والأدوية.
وبذلك تفقد أسرة المسرح المغربي أحد أبنائها البرارة  وواحد من أبرز الوجوه الثقافية والفنية في الوطن وخصوصا في أكادير والمنطقة بأكملها.
ومنذ نزول الخبر صبيحة أول أمس، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بردود فعل الأصدقاء والفنانين من كل بقاع الوطن، ونقلت الخبر مواقع وجرائد إلكترونية وورقية طيلة هذين اليومين، وكتبت عن حياة وسيرة الفقيد، وتأسفت عن الخسارة الفادحة والفراغ المهول الذي تركه غيابه..
ونعى المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية رفيقه الراحل مشيدا بـ “إيمانه القوي بالمبادئ وانتصاره للحرية والحياة، ومساره الثقافي والإبداعي الغني الحافل بالعطاء في مجالات المسرح والشعر وغيرها، وتشبثه الراسخ ووفائه لما آمن به من قيم ومثل عليا ومبادئ سامية، رغم كل التحديات والصعاب”.
كما نعت فرقة مسرح أنوار سوس فقيدها الذي يعتبر مؤسسها الأول في نهاية الستينات من القرن الماضي، مستحضرة مناقبه وأهم أعماله المسرحية والأدبية..
وكتب الإعلامي لحسن باكريم: “للرجل بصمات كبيرة في مجالات عديدة منها المسرح والثقافة والفن والسياسة والنضال المستميت، ويعتبر من رواد المسرح ومن الناس القليلين الذين نشروا هذا الفن حينما كانت الساحة الدرامية خالية، بل يمكن اعتبار هذا الفنان أحد مؤسسي النهضة المسرحية التي عرفتها مدينة أكادير  والمغرب عموما، وكان وراء تنظيم العديد من ملتقياتها ومهرجاناتها ومخرج عدد كبير من المسرحيات”.
والرجل أيضا، يضيف باكريم، مناضل كبير في صفوف حزب التقدم والاشتراكية ومناضل في صفوف المسرحيين المغاربة وفاعل جمعوي معروف  بالكفاءة والإصرار، وترك بصمات لن يمحوها الزمن، رحل اليوم جسديا ولكن روحه ستبقى ترفرف في مدينة الانبعاث التي أحبها وقدم لها الكثير.
وكتب الشاعر الأمازيغي مبارك بولكيد:
“لو شئت أن أحكي عن هذا الرجل العظيم من خلال علاقتي به.. لقلت موجِزا ما يلي:
إنسان صديق خلوق، واجتماعي محب للجميع، ويحظى بتقدير الجميع.
مثقف متواضع، وشاعر مميز، ومسرحي مبدع..
سياسي حزبي مبدئي، ونقابي عمالي ملتزم..
بيد أن كل انتماءاته تلك محكومة بنقد الذات على الدوام.
تقدمي بحق
وديمقراطي بحق
ووطني بحق.
فلتهنأ روح صديقي العزيز عبد القادر اعبابو في سلام..
ولجميع أفراد أسرته وأصدقائه ومعارفه بالغ العزاء”
ونشر الكاتب المسرحي رشيد أوترحوت على مدار الثماني والأربعين ساعة الماضية عشرات التدوينات متأثرا برحيل الفقيد، كما تلقت أسرته وحزبه بأكادير سيلا هائلا من التعازي والمواساة، منها تعزية الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأكادير، ونشرت وزارة الثقافة والشباب والرياضة تعزيتها على موقعها الإلكتروني..
بهذه المناسبة، اخترنا في بيان اليوم مجموعة من التدوينات المعبرة التي كتبها عدد من المثقفين والمبدعين على صفحاتهم الفيسبوكية، ننشرها كما يلي:

فرقة مسرح أنوار سوس بأكادير تنعي مؤسسها المخرج الكبير عبد القادر عبابو

بعميق الحزن والألم، وببالغ مشاعر الأسى، تنعي فرقة مسرح أنوار سوس رائدها ومؤسسها الفنان الممثل والكاتب والمخرج المسرحي المعلم الأول والكبير عبد القادر عبابو الذي لبى نداء ربه يوم الإثنين 20 يناير 2020 بعد مرض عنيد لم تنفع معه مقاومة..
وإذ يتقدم سائر أعضاء فرقة مسرح أنوار سوس، بأصدق عبارات التعازي وجميل المواساة لأرملة الفقيد أختنا السيدة السعدية كاني، وبنته الفنانة سلوى عبابو، وابنيه الأخوين عصام ونزار، وعموم أفراد أسرته بمنطقة أولاد زيدوح وبمدينة أكادير، ولكل رفاقه في حزب التقدم والاشتراكية، وزملائه بمحترف أونامير، وسائر الأسرة الفنية بأكادير وجهة سوس ماسة وعموم الوطن، فإنهم يستحضرون في هذه المناسبة الأليمة مناقب الفقيد المثالية وتاريخه النضالي المجيد في الإبداع والحياة، والقيم التي ما فتئ ينتصر لها سواء في ممارسته المسرحية والثقافية أو في نضاله الاجتماعي والسياسي، وهما مساران حافلان بالعطاء والتضحية ونكران الذات..
لقد كان الفقيد أول مبادر لترسيخ الفعل المسرحي المنظم والمؤسس بجهة سوس عموما وإقليم أكادير الكبير على وجه الخصوص.. بإقباله الشجاع والجريء، في ظروف صعبة، على تأسيس جمعية أنوار سوس للثقافة والفن بأكادير سنة 1969 التي قادها بحنكة وكفاءة عالية، وأشرف على كل منجزها المسرحي والفني كمخرج مقتدر، وكمعلم ومربي محنك، وضخ في شرايينها ممارسة مسرحية جادة وملتزمة، وربى على امتداد أزيد من أربعة عقود أجيالا مسرحية انبقفت من رحم أنوار سوس وارتوت كلها من معين المعلم عبد القادر عبابو الفياض الذي لا ينضب.. وعمل باستماتة وصمود وثبات على أن يرسي لأنوار سوس موطأ قدم في طليعة حركة مسرح الهواة ببلادنا إبداعا وتنظيما ونقدا وتنظيرا.. ومن خلال ذلك قاد الاتحاد الإقليمي لمسرح الهواة وملتقاه المسرحي الشهير لمدة 14 دورة، إلى أن قادته التجربة لينعطف بالجمعية إلى معارج الاحتراف والمهنية لتتحول إلى «فرقة مسرح أنوار سوس» بنفس احترافي مؤسساتي وحداثي ولكن دون التفريط في روح الهواية المتشبعة بقيم البذل والعطاء والبحث والتجريب..
ونستحضر أيضا، بهذه المناسبة الأليمة، الآثار والمنجزات المسرحية والإبداعية التي خلفها الراحل، والتي ستظل عنوانا كبيرا لتجربة مسرحية وثقافية وطنية وإنسانية ناجحة بشهادة المهتمين والنقاد.. منها الأعمال المسرحية الرائدة التي كتبها أو أخرجها وأشرف على إنجازها، وأهمها: «الشيخ بوعمامة الخرساني»، «أيت الكل»، «السنابل»، «ثورة الزنج»، «القرى تصعد إلى القمر»، «الجندي والمثال»، «المهمة.. ذكريات عن ثورة»، «باب أربعة» التي توج فيها الراحل بجائزة أحسن إخراج بالمهرجان الوطني لمسرح الهواة (دورة طنجة 1990)، «الجاحظ وتابعه الهيثم»، «رحلة السيد عيشور»، «أونامير»….
ومن الأعمال الأدبية المطبوعة ضمن منشورات أنوار سوس، نذكر «أخضر أخضر.. هذا الأحمر» ديوان شعر، «حمامة القرن» نص مسرحي، «الكبل» مسرحية غنائية، «الإخراج الجدلي والمسرح الثالث / سلطة الحركة، سلطة الجدل» دراسة نظرية…
وفرقة مسرح أنوار سوس إذ تودع فقيدها وفقيد المسرح المغربي، تعاهد معلمها الأول على مواصلة الدرب على ذات الخطى والقيم التي أرساها وكرس حياته لها، وستستمر في حمل مشعل الالتزام في المسرح والحياة كما حمله الفقيد على كاهله وأنار به طريق الأجيال…
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جنانه وألهمنا جميعا جميل الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون

***

د. عز الدين بونيت*: المسيح الذي لا ظل له..

هو الآن في برزخ المعراج.. يتيما كما كان قبل الولادة.. عنيدا في حلمه.. شاهدا ينكر وجه الحقيقة.. هو الآن في ربوة الوعد يرقب مولده.. هو الآن يكشفنا مثل حبات سبحة غامضة..
هكذا ارتسم عبد القادر عبابو في ذهني منذ أن التقيته أول مرة في ربيع 1979، بلحيته الكثيفة، وشعره المسترسل. خيل إلي أول الأمر أنه خرج للتو من إلياذة هوميروس.. بعد وقت قصير بدأت صورته تستدعي في ذهني اسم سوفوكليس.. كان لقاؤنا الأول في ملابسات التوتر الذي طبع الدورة العشرين من المهرجان الوطني لمسرح الهواة، المأسوف عليه، حيث حل عبابو وفرقته أنوار سوس ضيوفا على الاتحاد الإقليمي لمسرح الهواة بمراكش، بعد أن تم إقصاؤهم ومسرحيتهم “ثورة الزنج” من المهرجان. كانت الأمسيات تطول بنا في نقاشات متشعبة تهم المسرح والسياسة والمجتمع والنضال والبدائل التي علينا اجتراحها لكسر الطوق الذي تحاول السلطة ضربه على المسرح الملتزم. لا أذكر كم من بيان أصدرنا في تلك الأيام المتزاحمة، وكم من بيان مضاد كان علينا مواجهته. كنا واثقين من جدوى ما نقوم به. وهناك في ذلك اللقاء تبلورت فكرة تنظيم ملتقى أگادير المسرحي الذي نظم الاتحاد الإقليمي لمسرح الهواة بأگادير دورته الأولى في شتاء 1980، تحت شعار “من أجل مسرح ملتزم” بقيادة جمعية أنوار سوس والفقيد عبد القادر عبابو. واستمر لمدة أربعة عشر عاما، قبل أن ينطفئ.
في لقائنا الأول بمراكش، اكتشفت لأول مرة شخصا مريضا بمرض السكري من النوع الأول الذي لم أكن أعرف بوجوده حتى ذلك الحين. لفت انتباهي أن عبابو يحقن نفسه ثلاث مرات في اليوم بمادة أخبرني أنها الأنسولين، وشرح لي كيف أنه مضطر لحقن نفسه بها طوال عمره. منذ ذلك الحين، استقر في ذهني انطباع عن هذا الشخص بأنه ينطوي على هشاشة دائمة، فهو لا يتناول السكريات أبدا، ولائحة اطعمته جد محدودة. كنت أرثي لحاله، وأعتبر أنه يعاني كثيرا في سبيل تحمل تبعات المرض ومتطلباته. تمثل اعبابو في ذهني كشخص دائم المعاناة.. وكنت دائما أتساءل: من أين يستمد هذا الشخص قدرته على الحلم والأمل والحماس في العمل؟
ذات يوم، اكتشفت بشكل عرضي، أن الهواية الأولى لعبد القادر عبابو قبل المسرح كانت هي الملاكمة. فتملكني العجب من هذا الجسم الصغير النحيل كيف يخطر ببال صاحبه أن يقف على حلبات الملاكمة ويصمد أمام اللكمات ويناورها.. لكن عجبي الأكبر جاء من تساؤلي: كيف انتهى الأمر بمشروع ملاكم أن يتحول إلى مخرج مسرحي عصامي؟
صحيح أن عبابو كان يتسم بقدرة عالية على الصبر والمقاومة، مع ما يتطلبه ذلك من مناورات ومناوشات. وهذا ما وجد ترجمته في تعدد الواجهات التي انخرط في العمل فيها تباعا: التنظيم الحزبي (التقدم والاشتراكية، وقد كان شيوعيا متشبعا) والتنظيم النقابي (الاتحاد المغربي للشغل) والعمل الثقافي (المسرح، والكتابة الشعرية والأدبية، عضوية اتحاد كتاب المغرب، منذ الثمانينيات، الصحافة الثقافية…)
في الواجهة الأبرز، نذر عبابو نفسه للمسرح، مخرجا ودراماتورج، ومكونا، وإداريا، ومؤطرا نقابيا. فكر في الممارسة المسرحية، ونحت لنفسه أسلوبا فنيا ومنظورا فكريا أطلق عليه عبارة: الإخراج الجدلي. وهو يعرف مضمون أسلوبه هذا بالقول إن مهمة المخرج لا تنحصر في ترجمة النص الدرامي على الركح بأدوات الركح، بل تمتد لتشكل إعادة كتابة للمسرحية (ما يقربه من مهمة الدراماتورج) وفق رؤية تفاعلية بين العالم النصي والعالم الواقعي والرؤية الفنية للمخرج.
بفعل انخراطه العميق في الممارسة المسرحية، لمدة تجاوزت أربعة عقود، ربط عبابو علاقات ممتدة مع عدد كبير من الفنانين المسرحيين على الصعيد الوطني، وأيضا خارج المغرب. وصار بالنسبة للحركة المسرحية المغربية رمزا وأيقونة للمسرح الأگاديري، ووجها ثقافيا انصهر مع المدينة حد التماهي، بالرغم من أن أصوله العائلية ومسقط رأسه كان من خارج أگادير. وقد عبر هو نفسه عن هذه العلاقة الانصهارية في إحدى قصائده التي ختمها بالقول: “من كان يعرف لأگادير بابا غير قلبي فليدخل…”
صدق عبد القادر عبابو: لقد كان قلبه هو بوابة أگادير.. من أين سنلج اليوم إلى مجاهل هذه المدينة، وقد غادرها مسيحها الذي لا ظل له.
*أستاذ جامعي، باحث في المسرح والسياسات الثقافية، مدير جهوي سابق لوزارة الثقافة بجهة سموس ماسة

***

تعزية وزارة الثقافة والشباب والرياضة

تلقت وزارة الثقافة والشباب والرياضة، ببالغ الحزن وعميق الأسى خبر انتقال الشاعر والفنان المسرحي عبد القادر عبابو إلى عفو الله.
وبهذا القدر المحتوم تفقد الساحة الفنية الوطنية شاعرا وكاتبا وممثلا ومخرجا مسرحيا منخرطا في الحياة الثقافية الوطنية منذ أواخر الستينات سواء بالإنتاج الإبداعي والفكري والتنظيري والنقدي أو من خلال الانخراط في الهيئات الثقافية والمسرحية وتأسيسها إسهاما في توفير شروط النهضة الثقافية، الجهوية والوطنية المنشودة.
وبهذه المناسبة الأليمة، تتقدم وزارة الثقافة والشباب والرياضة بأحر التعازي وأطيب المواساة إلى أسرة الفقيد الصغيرة وإلى أصدقائه ومعارفه وكل الأسرة الفنية، راجين أن يشمله الله بواسع الرحمات ويسكنه فسيح الجنان ويلهم ذويه الصبر وحسن العزاء.

***

يوسف الغريب*: رحل بروميثوس النعناع.. المقاوم العنيد لسلطة الجبروت

ها هو يعبر إلى الجهة الأخرى… يصعد السماء.. ليترك لنا أضواء المسرح وصوت العصا التي تدك الخشبة.
كان وقع النعي صادما لنا، ليس فقط لأننا أحببناه، لكنه صنع قوة وتحديا حول نفسه، أبعدت عنه وعنا حتى فكرة أنه سيغادرنا.
اليوم كان لنا موعد مع الحزن، تشوبه مظاهر جراحات مبطنة بدموع الفراق،
رفاق وأصدقاء بل وحتى الآخرون بدأوا بتناقل الخبر على عجل..
سرعان ما استشرى في جسد المواقع الإلكترونية ..
أجل أيها الرفاق،
مات أبو الرفاق، مات المشاكس النبيل الكريم العظيم..
هكذا صوره من نقلوا الخبر وهم حائرون في رحيل من وهب الحياة لكل شخصياته الدرامية التواقة إلى نموذج يشكل كل طموحاتها ويجعلها تدرك هذا العالم وظواهره..
نعم رحل من جعل المسرح لا يمتلك إلا تيمة واحدة ووحيدة.. الحرية.. حرية الممثل، حرية الإنسان، حرية المجتمع، والتحرر من أشكال النظم والمهيمنات الأخرى.
رحل من كان همه وهاجسه هو المشاهد حتى جعل من الوظيفة الأساسية للمسرح العمل على دفع الإنسان لاستيعاب ما يحيط به كذات متفاعلة نحو التغيير.
ألم يصدح يوما ما وسط القاعة.. وبأعلى صوت (..أنا بروميثوس.. النعناع) سارق النار من الجبابرة من أجل المستضعفين في الأرض كي يتمكنوا من اتقاء برد الشتاء.. وكيف تنبأ في رحلة السيد عاشور بهذا النفق الطويل.. وكيف قارب الصراع بين الجندي والمثّال… وانتصر لهذه المقاومة العنيدة لسلطة الجبروت.
هو لا يخاصم إلاّ الظلم..
لأنه شديد الصدق مع نفسه ومع الآخرين.. ولكن بلا عناد ولا تعصب وفي مبدئية عالية وخصوبة فكرية طرية دائما وروح الديمقراطية مفتوحة. إذ كان يقابل من يختصم، أو بالأحرى، من يختلف معه في الرأي، فهو ما كان يعرف أن يخاصم أحدا – بنقاش معرفي هادئ.. لين.. ولكن في الوقت نفسه صارم.. لا ينافق ولا يهادن ولا يساوم.
من عرفه عن قرب أو شاهده على المسرح سيجزم أن الفقيد لا ينتسب إلى مدينة.. أو فصيلة.. لأن الرموز لا تتعكز على منطقة أو عشيرة. .ولا تاريخ أسرة.. أوقبيلة.
ولأنك رمز
صعب رثاؤك…
فأنت شىيء جميل في حياتنا
تعلمنا منك محبة الحياة
وقدسية الإبداع،
فكنت الأصيل والمتجذر بحب الناس
أرحت قلوبنا
وأتعبت قلبك.
*إعلامي وناشط جمعوي

***

ذ. عبد اللطيف أعمو*: المسرح عند عبابو فضاء إبداعي ذو طبيعة واقعية اجتماعية وإيديولوجية يحمل رؤية إيجابية للعالم

تلقيت زوال يوم الإثنين 20 يناير 2020 النبأ المحزن لوفاة المشمول بعفو الله ورضاه، عبد القادر اعبابو، أحد رموز الفن المسرحي المغربي، بمستشفى الرازي بمراكش بعد صراع طويل مع المرض.
وبهذه المناسبة الأليمة أعرب لأسرة الفقيد السياسية والنقابية والفنية، ولكل أقاربه وذويه، وأصدقائه ومحبيه عن أحر التعازي وخالص عبارات المواساة مقدرا فداحة الرزء في رحيل أحد أيقونات أكادير الثقافية والفكرية، الذين نذروا حياتهم لخدمة الساحة الثقافية الجهوية والإبداع المسرحي والفني بكل تفان وإخلاص ونكران ذات.
إن هذا المصاب الجلل هو خسارة لمدينة أكادير ولأهلها، حيث كانت للفقيد تجربة فنية وسياسية ونقابية وإنسانية غنية ومميزة، بلغت ذروتها في جمعية أنوار سوس للثقافة والفن، ومن خلال إدارته لمحترف أونامير، فأبان خلال مساره الفني عن كفاءة مهنية وقدرات تدبيرية ومؤهلات نضالية قوية، جعلته من رواد المسرح الوطني وأحد كبار المؤسسين للتجربة المسرحية بسوس.
كما خسرت بلادنا منظرا وناقدا مسرحيا مثاليا، من أهم المخرجين المسرحيين المغاربة الذين ساهموا في إثراء المسرح المغربي، بنظريته التطبيقية التي تخص الإخراج المسرحي، فيما سماه بالإخراج الجدلي، أو ما يسمى بسلطة الحركة وسلطة الجدل، متأثرا في ذلك بتصورات المسرح الثالث للمسكيني الصغير. فالمسرح كان عنده فضاء إبداع ذي طبيعة واقعية اجتماعية وإيديولوجية يحمل رؤية إيجابية للعالم. وكان ذا قلب واسع في جسم مناضل حزبي صادق ومثقف ملتزم، متشبع بالمبادئ والقيم الإنسانية الراسخة.
وخسارة بلادنا جسيمة كذلك في مجال الإنتاج الفكري، حيث خسرت قلما منشغلا بالمجال الفني والثقافي، بدأ الكتابة منذ سنة 1969 ونشر أول نص شعري له سنة 1982. وكان معروفا بمساهماته الفكرية بالملحق الثقافي لبيان اليوم. واهتم رحمه الله بالمجال المسرحي وبالكتابة الشعرية والنقدية. ونشرت العديد من أعماله بمجموعة من الصحف والمجلات: البيان، الميثاق الوطني، القدس العربي، مجلة قضايا تربوية. كما صدرت مجموعة من أعماله ضمن منشورات جمعية أنوار سوس. وهو عضو اتحاد كتاب المغرب منذ سنة 1985.
وإننا إذ نستحضر بهذه المناسبة المحزنة، هذا الرصيد النضالي والثقافي والفكري والإنساني، وما كان يتميز به الفقيد في مختلف المواقع النضالية، السياسية منها والنقابية، وفي مختلف محطات حياته الفكرية والإبداعية، منذ ستينات القرن العشرين، من التزام نضالي وخصال إنسانية عالية، نحيي فيه، رحمه الله، التزامه ووفاءه للقيم النضالية المثلى، ووطنيته وسمو أخلاقه وتواضعه وإنسانيته. ونرجو من العلي القدير أن يوفي الفقيد أحسن الجزاء، على ما أسدى للساحة الفنية الوطنية والجهوية من خدمات جليلة، وأن يتقبله في عداد الصالحين من عباده، ويشمله بمغفرته ورضوانه، ويسكنه فسيح جنانه.
وإذ نشاطر، أقارب الفقيد، وخصوصا أرملته السيدة السعدية وأبناءه عصام وسلوى ونزار وإخوته، ورفاقه ورفيقاته في حزب التقدم والاشتراكية، أحزانهم في هذا المصاب الأليم، الذي لا راد لقضاء الله فيه، نتوجه كذلك بجميل العزاء لتلامذته في محترف أونامير للمسرح بأكادير ولزملائه بجمعية أنوار سوس للثقافة والفن ولأعضاء نقابة الفنانين واتحاد كتاب المغرب، ونسأل الله عز وجل أن يلهم أسرته الفنية والسياسية وأقرباءه وذويه جميل الصبر وحسن العزاء.
إنا لله وإنا إليه راجعون.

*محام، مستشار برلماني

Related posts

Top