المسرح المغربي يواصل ألقه في المسارح العربية

ضمن فعاليات مهرجان صيف البحرين 2018 استضافت هيئة البحرين للثقافة والآثار عرضا مسرحيا مميزا بعنوان “مقامات بديع الزمان الهمذاني”، لتستحضر من خلاله جزء من التراث العربي بصورة أقرب ما تكون للواقع الحالي.
وحول هذا العرض ذكر الفنان محمد زهير، مخرج مسرحية “مقامات بديع الزمان الهمذاني”، بأن المسرحية ذات الطابع الكوميدي تعرض لأول مرة خارج المغرب العربي وتعد مملكة البحرين أول دولة عربية تستضيف هذا العرض، مشيرا بأن الفكرة الأساسية لهذه المسرحية تقوم على تعزيز الحراك المسرحي وإبراز الأعمال الأدبية والمسرحية التراثية التي كانت حاضرة في الوطن العربي، والتأكيد بأن المسرح كان موجودا في حياة العرب منذ القدم وهذا ما يعكسه هذا العرض المسرحي.
وأضاف في حوار له مع وكالة أنباء البحرين (بنا)، بأنه قام بإعادة كتابة المسرحية وإخراجها بحلة جديدة منذ سنتين بعد أن عرضت في ثمانينيات القرن الماضي من إخراج المخرج والكاتب والفنان القدير الراحل الطيب الصديقي، حيث عمل زهير حينها مخرجا مساعدا له.
وأضاف المخرج المسرحي محمد زهير بأن النص الأصلي يعود للقرن العاشر وهو من تأليف الشاعر المشهور بديع الزمان الهمذاني، وقد شهد الشعر والأدب العربي في ذلك الوقت ازدهارا نظرا لما كان يتمتع به من قوة في المعاني وجمال في النظم، وقد ركز شعر بديع الزمان الهمذاني على الطبقة الكادحة في المجتمع وتناول موضوعات تلك الطبقة بطريقة شعرية مبسطة وسلسة كحياة الحرفيين في ذلك العصر ومعاناتهم. ولفت محمد زهير إلى أن الهمذاني والجاحظ هما أكثر من تطرقا لهذه الفئة ضمن كتاباتهما.
وفي سياق متصل، نوه مخرج المسرحية بأنه من خلال زيارته الأولى لمملكة البحرين استشعر على الفور ما يتمتع به الشعب البحريني من انفتاح لا سيما في مجال الفن، مشيدا بالتسهيلات التي وفرتها هيئة البحرين للثقافة والآثار لإنجاح العمل المسرحي.
من جهة أخرى أوضح رئيس الفرقة الأستاذ محمد بوتدرين لوكالة أنباء البحرين (بنا)، بأنه قرر التعاون مع الأستاذ محمد زهير لإخراج هذا العمل لما يمتلكه من خبرة كبيرة في مجال الإخراج المسرحي، باعتباره شارك في تنفيذ عدد من الأعمال المهمة مع كبار المخرجين المسرحيين العرب أمثال المخرج الراحل الطيب الصديقي.
وأشار بوتدرين إلى أن تقديم هذا العرض المسرحي بشكل مختلف، وبمشاركة عناصر شابة جاء لرفع الوعي لدى الجيل الجديد بأهمية المسرح ودوره في سرد التراث العربي الأصيل، وأيضا توظيفه للأدوات الفنية لإيصال رسائل اجتماعية مهمة. كما يساهم في التعريف بالطاقات الفنية المميزة والقديرة التي كان لها الفضل في نهضة المسرح المحلي والعربي بشكل عام كالطيب الصديقي.

****

حوار إكسبريس مع المخرج محمد زهير

عرضت مسرحية «مقامات بديع الزمان الهمذاني» يوليوز الماضي في الصالة الثقافية بمدينة الجفير، ضمن فعاليات صيف البحرين 2018 التي تنظمها هيئة البحرين للثقافة والآثار. وأقيمت بالتعاون مع سفارة المملكة المغربية، وشهدت حضورا جماهيريا حاشدا.
وروت المسرحية التي أخرجها الممثل والكاتب المسرحي المغربي محمد زهير، حكايات مليئة بالحكمة والبلاغة من مقامات الهمذاني، في قالب فكاهي تخلله الشعر والغناء بلغة دمجت بين العربية الفصحى واللهجة العامية المغربية.
يذكر أن هذه المسرحية المغربية المعاصرة التي يعود تاريخ عرضها للعام 1938، والتي صاغها الفنان الراحل الطيب الصديقي في شكل مسرحي جديد، ما زالت تحتفظ لليوم بزخمها محليا وعربيا.
ومن يشاهد المسرحية لا يتوقع ما تقدمه من محتوى إبداعي لافت يمزج بين الأصالة والمعاصرة، فهي ما زالت تحتفظ لليوم ببريقها الجذاب الذي صاغه الصديقي. «مسافات البلاد» التقت بمخرجها الممثل والكاتب المسرحي محمد زهير وكان هذا اللقاء:

> ماذا تمثل هذه المسرحية بالنسبة للمسرح المغربي؟
< مسرحية «مقامات بديع الزمان الهمذاني» هي من المسرح المغربي المعاصر؛ لأن بطلها الذي كتبها هو من المعاصرين، وهي معاصرة من ناحية شكلها المسرحي الجديد، وبصرف النظر عن كونها مستقاة من المقامات التي كتبها بديع الزمان الهمذاني في القرن العاشر إلا أنها تعتبر عصرية؛ لأن المشاكل التي تحدث عنها الهمذاني في مقاماته هي نفسها المشاكل التي نعايشها حاليا في المغرب وبعض الدول العربية. وتسلط المسرحية الضوء على الحالة الاجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة، وكذلك على الحرفيين، الشحاتين، الكادحين، ولأن الأدب كان مزدهرا ومنفتحا جدا آنذاك كانت لغتهم جميلة جدا، ولكن حاليا نحن نشهد تراجعا لحد ما في هذا الانفتاح، ولكن حاولنا في مسرحيتنا وضمن إطار الشكل المرح والكوميدي الذي اخترناه ألا يكون الكلام صعبا جدا، فاخترنا أن يكون الكلام ممزوجا باللغة العربية الفصحى واللهجة المغربية العامية؛ لأن الشكل يلعب دورا كبيرا في إيصال المحتوى.

> رغم قدم المسرحية ما زالت تحتفظ ببريقها فما السر بذلك؟
< هي تحتفظ ببريقها لأن المشاكل التي تطرقت إليها هي إلى حد ما نفسها التي نعيشها حاليا، فيعني كان هناك شيء مهم في تلك الفترة وهو الأدب الذي كان مسرحيا إلى حد ما، ففي مقامات بديع الزمان الهمذاني كان النص مسرحيا وهذا هو الرهان الذي لعبنا عليه، ونحن العرب يمكن أن نستقي من الجاحظ، ومن بديع الزمان الهمذاني ونصوص عديدة أخرى، فهذا هو الرهان؛ لأن هذا المسرح قريب لنا ويعبر عن مشاعرنا ومشاكلنا.

> ماذا يعني لك المسرحي الراحل الطيب الصديقي؟
< أفتخر أني عملت معه فترة طويلة، فأنا كنت مساعد مخرج أول معه لمدة طويلة جدا، واشتغلت معه في المقامة التي أخرجها هو في الثمانينات والتسعينات، واشتغلت معه أيضا في التسعينات في إخراج آخر، وكممثل وكمساعد مخرج من طبيعة الحال، ومن المعروف في المغرب أن علاقتي به جد طيبة وقوية، وتربطني به صلة ثقافية كبيرة جدا؛ لأنه فنان كبير، ولازالت تربطني به علاقة دموية إن صح التعبير، وما زال إرث الطيب الصديقي رحمه الله حاضرا معنا دائما، فحتى في مسرحية «الحراز» الشهيرة للراحل الصديقي التي أخرجتها، كان الصديقي هو مصمم سينوغرافيتها.

> ما رؤيتك للمسرح المغربي؟
< المسرح المغربي حاليا بخير؛ لأن هناك مسرحيات متعددة كثيرة وكبيرة، إلا أنه بطبيعة الحال لازالت توجد مشاكل مطروحة، وهي تتعلق بدعم المؤسسات وهذا الأمر مألوف بالنسبة لنا، لكن من ناحية الإبداع هنالك فرق كبيرة تشتغل في المسرح.

ما أعمالك المسرحية مستقبلا؟
< لدي عمل مستقبلي، فأنا حاليا أشتغل على نص من إفريقيا الجنوبية، وهو نص جميل جدا يعود لشخص اسمه «كانتبا»، وسأشتغل كذلك على «أبي حيان التوحيدي» للطيب الصديقي.

> حاورته: زهراء غريب (موقع مسافات البلاد)

****

محمد زهير في استعادته لمقامات بديع الزمان الهمداني..

تأتي مسرحية “مقامات بديع الزمان الهمداني” لفرقة “لحظة للمسرح” المغربية التي استضافتها هيئة البحرين للثقافة والآثار ضمن مهرجان صيف البحرين 2018 والتي قدمت على خشبة الصالة الثقافية بالجفير، لتؤكد امتدادها المخلص والتراثي الرائي لأحد أهم مؤسسي الاحتفالية في الوطن العربي، وهو الفنان المغربي الراحل الطيب الصديقي، الذي شكل وهجه المسرحي البحثي في هذا الاتجاه، عبر اتحاد المسرحيين العرب آنذاك، إضافة إلى منظري الاحتفالية بالمغرب، الدكتور عبد الكريم برشيد والدكتور عبدالرحمن بن زيدان، وهي في رأيي بمثابة تكريم خاص لهذا الفنان المؤسس والمؤثر في الساحة المسرحية المغربية أكثر تحديدا .
في هذه التجربة التي تصدى لها المخرج محمد زهير، وهو أحد من عملوا مع الصديقي في أغلب تجاربه المسرحية، نكون أمام رؤية مختلفة حاولت تحرير المقامات من فضفضتها التراثية التي حفلت بها تجارب الصديقي، حيث كل ما يتعالق مع الشكل التراثي في معطياته الإيقاعية والاستعراضية واللونية والغنائية والمشخصاتية والجوقاتية، هو الأساس في التجربة، بمعنى أن الصديقي عبر مقاماته هذه يروم البحث بالدرجة الأساسية عن الشكل أو الفضاء المسرحي الذي يلتئم مع موروثنا العربي قلبا وقالبا.
إن المخرج زهير في هذه التجربة يقترح رؤية أخرى أكثر اختزالية للموروث وأكثر انفتاحا على أفق الممثل الأدائي، لذا نلحظ اشتغالاته وبشكل واضح وكبير على أداء الممثل ذاته وإمكاناته الفنية المتعددة، بجانب اشتغالاته على المقامات بوصفها تراثا أدبيا وفنيا مهيأ للعرض أكثر من كونه القضية كلها في العرض، كما نلحظ قدرته على تحرير فضاء العرض من أثقال المعمار التقليدي التراثي وزخارفه التي تشتغل مع الممثل بوصفها مكملا لأدائه وليس بوصفه محاورا لها .
لذا كان امتداده المخلص للصديقي من منطلق فسحة الرؤية وليس في ضيقها أو في محاكاتها كما قدمها الصديقي نفسه .
وهو إذ يعرض هذه المقامات القردية، والمكفوفية، والدينارية، والأصفهانية، والساسانية، والمجاعية، والوعظية، والخمرية، والمضيرية، فإنه يعرضها بوصفها مشهديات تخضع لقراءة معاصرة، وكما لو أن عناوين هذه المقامات شكل من أشكال الفصول المسرحية المتداخلة التي تجمع بين أزمنة متعددة، وإن كان راهننا العربي هو بؤرتها الزمنية التي تتكئ عليه رؤية المخرج زهير، على خلاف الصديقي الذي يعرض هذه المقامات لكونها امتدادا لأزمنتها التي عاشها الهمذاني وعيسى بن هشام .
في هذه التجربة نكون أمام عرض كوميدي ساخر، استثمر فيه المخرج زهير مختلف الإمكانات الأدائية لدى الممثل، من أداء صوتي متنوع وأداء حركي حر يتنقل فيه الممثل بين الرقص الكاريكاتيري والتمثيل الأراجوزي والشقلبة القرادية، وقد تمكن الممثلون والممثلات من تشكيل فضائهم المسرحي الذي ينسجم ويتناغم مع رؤية المخرج الاختزالية للمقامات ومع إمكاناتهم الهائلة في التعبير الأدائي.
وبالرغم من ورود كثير من فسح الأفضية الأدائية التي تقتضيها تجربة الصديقي في غير مكانها، كمسرح جامع الفنا أو مسرح البساط ومسرح الحلقة، إلا أن المخرج زهير آثر الاشتغال على الخشبة وفق فسح حر لا تتجاوز القطع المؤثثة فيه شماعتين وقواعد خشبية (براتيكبلات) متوسطة الحجم لا تزيد عن الثلاثة، وبالتالي كان الممثل هو من يشكل بأدائه المتنوع سينوغرافيا العرض .
التاريخ والموروث ومنابعهما القديمة في هذا العرض أشبه بأيقونات قديمة يستحضرها الممثل للتعليق عليها، مقدما جسده الراهن للمتلقي بوصفه هو من يعيد صياغة هذا التاريخ وهذا الموروث، ويحدد موقفه منهما، لذا كانت الإمكانات الأدائية لدى الممثل تقترح مشهديتها على المتلقي بوصفها ربيبة تجربة معاصرة استثمرت فنون السيرك والكوميديا دي لارتي والتغريب البريختي ومسرح البولوفوار لتكون هي الحكاية والعرض، وهنا يتبدى الجهد الإخراجي والرؤيوي لدى المخرج زهير، الذي لم يكن ينشد أن يكون عرضه ريبيتوارا كما اعتقد البعض لمسرحية الطيب الصديقي، وإنما ليكون قراءة جديدة باحثة لما تصدى له الصديقي في عرضه سابقا، وليكون هؤلاء الممثلون الستة بحجم قوافل الصديقي في قدرتهم الأدائية لكل الشخصيات التي تصدوا لتجسيدها على الخشبة.
فتحية لكل فريق العرض، المخرج محمد زهير وأبطال العرض الرائعين، جميلة الهوني، مريم الزعيمي، إيمان الرغاي، عادل أبا تراب، مصطفى الهواري، جمال النعمان، زهير أيت بن جدي..

> بقلم: يوسف الحمدان

Related posts

Top