المسنون المغاربة في 2018 .. هشاشة في أرذل العمر

على غرار ما تعرفه الدينامية السكانية في العالم، ترتفع نسبة الأشخاص المسنين في بلادنا بصفة مستمرة، إذ تفيد آخر الإحصائيات الرسمية أن عدد الأشخاص المسنين تزايد بثلاث مرات ونصف بين سنة 1960 وسنة 2014، منتقلا من 836 ألف شخص إلى 3.2 مليون شخص، فيما ارتفعت نسبتهم ضمن مجموع السكان من 7.2 في المائة في 1960 إلى 9.4 في المائة في 2014. ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 23.2 في المائة سنة 2050 بما يناهز 10.1 مليون شخص. ويصل معدل الأعمار بالنسبة لمجموع الأشخاص المسنين بالمغرب 67.9 سنة، حسب المندوبية السامية للتخطيط (إحصائيات 2014).
هذا التحول العميق في بنية السكان ببلادنا لا يختلف عما تعرفه دول العالم الذي يتجه عموما نحو الشيخوخة أكثر فأكثر، مما سيفرض تزايد الأعباء المادية والاقتصادية والاجتماعية على المجتمعات والدول، وبالتالي سيرفع من الحاجة إلى تعزيز سياسات التضامن الاجتماعي والتغطية الصحية الشاملة.
ولعل هذا التوجه هو الذي فرض على الأمم المتحدة أن تتخذ من شعار “أبطال حقوق الإنسان” موضوعا للاحتفال باليوم العالمي للمسنين الذي يصادف يوم فاتح أكتوبر من كل سنة، مؤكدة من جهة على دور الأشخاص المسنين فيما تحقق من مكاسب على هذا المستوى عبر العالم خلال 60 سنة الأخيرة، وأيضا على حقهم في التمتع الكامل والمتكافئ بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وكذا بحق المشاركة بحيث لا يعتبر بلوغهم سنا متقدمة عائقا في وجه إشراكهم في الحياة الاجتماعية.
وكشفت منظمة الأمم المتحدة، في بيان بمناسبة اليوم العالمي للمسنين 2018، أن أكثر من 700 مليون شخص من سكان العالم تجاوزوا الـ 60 عاما، متوقعة أن يصل عددهم إلى 1.4 مليار شخص بحلول عام 2030.
وذكرت المنظمة، أن قارة آسيا تضم أكبر عدد من كبار السن في العالم، متوقعة أن تكون الزيادة مستقبلا، في عدد المسنين أكبر وأسرع في العالم النامي وخصوصا في قارة إفريقيا.
وأضافت أنه بحلول عام 2050، ستفوق أعداد من تجاوزوا سن 60 عاما، ملياري نسمة أي أكثر من 20 بالمائة من سكان العالم.
ودعت الأمم المتحدة دول العالم إلى “الاهتمام بالاحتياجات والتحديات الخاصة التي يواجهها العديد من كبار السن”، مشيرة إلى أن الديناميكيات السكانية ستشكل التحديات التنموية الرئيسية التي يواجهها العالم في القرن الحادي والعشرين.
وتشمل معظم معاهدات حقوق الإنسان الأساسية ضمنا التزامات عديدة إزاء كبار السن، رغم عدم وجود أحكام محددة تركز عليهم. وتنطبق هذه الصكوك على كبار السن بقدر ما تنطبق به على سائر الأشخاص، وتنص على توفير الحماية لحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحق في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية، وعدم التعرض للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة، والمساواة أمام القانون، فضلا عن التمتع بمستوى معيشة لائق دون تمييز لأي سبب من الأسباب.

المسنون المغاربة.. وضعية هشة

واستنادا إلى دراسات سابقة وكذا إلى تقرير المجلس الاجتماعي والاقتصادي الأخير حول الأشخاص المسنين بالمغرب، يتضح أن هذه الفئة ببلادنا تواجه العديد من الإشكالات على المستويات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية، تكرس وضعية هشاشة كبيرة وتستلزم صياغة سياسات وبرامج لتعزيز حقوق الأشخاص المسنين والقضاء على معاناتهم من التمييز والإهمال وإساءة المعاملة والعنف، كما توصي بذلك مقررات الأمم المتحدة وآخرها الإعلان السياسي وخطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة، عام 2002.
فالمسنون المغاربة الذين تشكل النساء أغلبيتهم ويعيش أغلبهم في الوسط الحضري، يعانون من الأمية بنسبة 72 بالمائة، ومن الفقر والهشاشة المالية بنسبة قد تصل إلى 9.3 بالمائة. وفيما يستمر عدد من الأشخاص المسنين في مزاولة نشاط اقتصادي ليعيلوا اسرهم، فإن ﺃﻏﻠﺐ هؤلاء يشتغلون ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻬﻴﻜﻞ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وفي ﺷﺮﻭﻁ ﻋﻤﻞ غير ﻻﺋﻘﺔ ﻭﻣﻘﺎﺑﻞ ﺃﺟﻮﺭ ﺯﻫﻴﺪﺓ. أما المتقاعدون منهم فلا يستفيدون من معاشات التقاعد إلى بنسبة 18.4 بالمائة. ويزيد من تردي أوضاعهم معاناتهم من الأمراض المزمنة بنسبة 60 بالمائة، وضعف التغطية الصحية.
كما تفرض الأوضاع والتحولات الاجتماعية العامة عبئا إضافيا على المسنين المغاربة، حيث تعاني النساء المسنات من مشاكل التمييز وعدم المساواة بناء على الجنس أكثر من المسنين الذكور، فيما يواجه عموم الأشخاص المسنين مشاكل ترتبط بالسكن وبغياب التضامن الاجتماعي وغياب بنيات تحتية ملائمة لسنهم ولاحتياجاتهم الصحية والترفيهية.
وتعتبر الأمم المتحدة أن الصحة الجيدة والأمن الاقتصادي والسكن اللائق والعيش في بيئة مواتية والحصول على الأراضي أو أي موارد إنتاجية أخرى، تمثل العناصر الأساسية للشيخوخة بكرامة، إلا أن تحقيقها يتوقف على قرارات وخيارات لا يحددها كل فرد سوى جزئيا. ويصبح أثر التفاوتات بين الجنسين في التعليم والعمل أوضح ما يمكن في سن الشيخوخة. ومن تم تظهر ضرورة الاستجابة لحالة النساء المسنات اللاتي يواجهن تفاوتات نتيجة لأدوارهن القائمة على أساس نوع الجنس في المجتمع، مما يؤثر على إمكانية استفادتهن من الموارد والفرص، ويتسم تأثير ذلك بأنه مستمر وتراكمي على حد سواء. وتأتي الظروف المختلفة التي تشكل حياة النساء والرجال في سن الشيخوخة، عموما، نتيجة التجارب التي يمرون بها طول حياتهم.
انشغال عالمي بتحسين أوضاع المسنين

يشار إلى أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة كانت قد قررت في عام 1991 اعتبار اليوم الأول من شهر أكتوبر من كل عام، يوما عالميا للمسنين بهدف جذب اهتمام المجتمع إلى مشاكل الأشخاص الذين هم في مرحلة الشيخوخة من كلا الجنسين.
وعقد أول اجتماع دولي معنى بمشاكل الشيخوخة عام 1982 في العاصمة النمساوية فيينا وأقرت خلاله الخطط الدولية بشأن تعامل المجتمع الدولي مع هذه المشكلة العالمية.
وجدد الإعلان السياسي وخطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة، عام 2002، واللذان اعتمدا في الجمعية العالمية الثانية للشيخوخة، وأيدتهما الجمعية العامة في قرارها 57/167، توافق الآراء السياسية بشأن وضع جدول أعمال معني بالشيخوخة، يركز على التنمية والتعاون الدولي وتقديم المساعدة في هذا المجال. ومنذ اعتماد خطة عمل مدريد الدولية، استرشد بها في صياغة سياسات وبرامج على الصعيد الوطني، واستلهمت في وضع خطط عمل وطنية وإقليمية، وقدمت إطارا دوليا للحوار حول الموضوع.
وتؤكد خطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة التزام الدول بتعزيز وحماية حقوق الإنسان، ودعت إلى القضاء على التمييز والإهمال وإساءة المعاملة والعنف على أساس السن. وتضمنت خطة مدريد الدولية على الأخص توجيهات بشأن الحق في العمل والحق في الصحة والمشاركة والمساواة في الفرص في جميع مراحل الحياة، وشددت على أهمية مشاركة كبار السن في عمليات صنع القرار على جميع المستويات.
كما تشمل الأولويات التي حددت في خطة عمل مدريد الدولية طائفة واسعة من القضايا، على راسها تكافؤ فرص العمل لجميع كبار السن؛ ووضع برامج تتيح لجميع العمال الحصول على الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، بما في ذلك، عند الاقتضاء، المعاشات التقاعدية، والتأمين ضد العجز، والاستحقاقات الصحية؛ وتحديد حد أدنى من الدخل يكفي لجميع كبار السن، مع إيلاء اهتمام خاص للفئات المحرومة اجتماعيا واقتصاديا. وتم التشديد أيضا على أهمية التعليم المستمر والإرشاد المهني وخدمات التوظيف، بغرض الحفاظ على أقصى قدرة وظيفية لكبار السن وتعزيز الاعتراف العام بإنتاجيتهم ومساهماتهم. وتمثل الصحة أيضا معلما رئيسيا في خطة عمل مدريد، وتشمل أحكامها مفاهيم الوقاية والمساواة في الحصول على الرعاية الصحية والمشاركة الفعالة وأثر فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز فيما يتعلق بكبار السن، والوظائف الكاملة التي تؤديها بنيات الدعم وتقديم الرعاية.

Related posts

Top