المعرض الذي لا بد منه

الكثير من المتتبعين لم يستسيغوا ترحيل المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي كان ينظم بالدار البيضاء؛ إلى مدينة الرباط، وإن كان قد تم اعتبار هذا القرار مؤقتا، بالنظر إلى اعتبارات معينة: اختيار الرباط عاصمة العالم الإسلامي للثقافة، فضلا عن أن الفضاء الذي كان يحتضن المعرض لن يكون جاهزا، حيث تم تخصيصه لإيواء مرضى كوفيد.
عدم استساغة ترحيل المعرض من الدار البيضاء إلى الرباط، يرجع في اعتقادي إلى كونه صار أحد الطقوس السنوية للمدينة، هناك أجيال عديدة فتحت أعينها على هذا المعرض. كل من زاره لا شك تعلق بذاكرته مظاهر الاحتفال التي تحيط به، إنه ليس موعدا عاديا يمكن التصرف فيه دون أن يخلف ذلك أثرا.
لقد تم إلغاء هذا المعرض خلال السنتين الماضيتين بسبب ظروف الجائحة، وإن كان بإمكان تنظيمه، خاصة خلال السنة الفارطة، بالنظر إلى تخفيف حالة الطوارئ الصحية، فمن بين الفقرات الأساسية للمعرض، نجد عرض الكتب، وعقد الندوات الفكرية والأدبية، بالنسبة للفقرة الأولى، كان بالإمكان تنظيم الدخول لفضاء المعرض مع احترام التدابير الاحترازية، أما الندوات فأمرها هين، حيث يتم توظيف التكنولوجيا الرقمية لنقل وقائعها، ومريضنا ما عندو باس، كما نقول في تعبيرنا الدارج.
السنة الحالية، مرة أخرى، لن يكون بالإمكان تنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، بسبب العوامل التي أشرنا إليها في بداية هذا المقال. هل هذا القرار صائب؟ ألم يكن من الممكن تخصيص برمجة للاحتفال بالرباط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي، دون السطو – إذا جاز التعبير- على البرامج الثقافية لمدن أخرى: معرض الكتاب بالدار البيضاء على سبيل المثال. ما أحوج مدننا إلى تظاهرات ثقافية من قبيل معارض الكتاب، لكن عوض سد الفراغ على هذا المستوى، تتفتق ذهنية بعض أصحاب القرار، على اجتثاث معرض الكتاب من تربة الدار البيضاء ومحاولة غرسه في الرباط. يا لها من عبقرية.
كان يمكن برمجة معرض للكتاب في الرباط بصيغة مختلفة عن الصيغة التي ينظم وفقها معرض الدار البيضاء، ومن ثم سنحقق نوعا من التنوع والغنى الثقافي، وسنساهم في تنشيط الحركة الثقافية. لكن الشح التفكيري إذا صح التعبير، فرض على أصحاب القرار أن يأخذوا معرض الدار البيضاء ويضعوه في الرباط، بالرغم المسافة الفاصلة بينهما.
المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء ليس شيئا عاديا، إنه موعد له طقوسه الخاصة، نبتة راسخة في تربة الدار البيضاء، لا يمكن أن تعيش سوى في هذه المدينة، كان على أصحاب القرار في الرباط أن لا يمدوا أيديهم إلى هذه النبتة ويعبثوا بها.
كان بالإمكان برمجة معرض للكتاب في الرباط مختلف عن معرض الدار البيضاء. ما الذي يضير في ذلك؟ ليس من المفروض تنظيمهما في وقت واحد، يمكن ترك مسافة زمنية بينهما. الرباط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي، هل معنى هذا أن المدن المغربية الأخرى، عليها أن تطوي أيديها وتتفرج على ما يجري في الرباط؟
آخر الأخبار تفيد أن المجلس الجماعي لمدينة الدار البيضاء رفض تنقيل المعرض إلى الرباط.
فكها يا من وحلتيها.

> عبد العالي بركات

الوسوم , , , ,

Related posts

Top