المغاربة يحيون اليوم ذكرى أحداث 16 ماي الإرهابية..

تحل، يومه الثلاثاء، الذكرى الرابعة عشرة لأحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء لتعيد شريط أحداث دموية متسلسلة لم تكن، قبل هذا التاريخ، تخطر على بال المغاربة الذين ظلوا مؤمنين بأن عدوى التفجيرات “الإرهابية” لن تنتقل إلى بلدهم المسالم، وأن صناعة تنظيم القاعدة التي وشمت الولايات المتحدة بأحداث الـ11 شتنبر 2001 لن تجد لها سوق لتصريف بضاعتها المميتة.
ذاكرة التاريخ تعيد لنا اليوم شريط “الجمعة الأسود” بانتحارييه الذين انتظروا رحيل شمس ذلك اليوم المشهود ليفجروا أماكن حيوية مختلفة من العاصمة الاقتصادية، هي فندق “فرح” ومطعم “كازا ذي إسبانيا” والمقبرة اليهودية ومطعم “لابوزيتانا”.. حاملين أحزمة ناسفة. كانت الحصيلة مرعبة.45 قتيلا، ضمنهم الانتحاريين، وجرحى بالعشرات أصابتهم شظايا التفجيرات، وغمرهم دمار المنشئات المستهدفة.
تعود الذكرى والمنطقة، بل والعالم أجمع، لازال يرزح تحت خطر حقيقي تزداد حدته ويتسع مداه. إنه خطر الإرهاب الذي غدا صناعة دولية، على درجة عالية من الإتقان في أساليب التأطير والاستقطاب والتنظيم.
تحل اليوم ذكرى ارتكاب جريمة إرهاب سعت إلى تحقيق أهداف محددة تندرج في استراتيجية الرعب.
 – أولها، قتل الأفراد بهدف إجهاض الحق في الحياة، والاعتداء على النفس الإنسانية والسلامة الجسدية من أجل خلق حالة عدم الاستقرار وعدم القدرة على العيش في اطمئنان وزعزعة مقومات السلم الاجتماعي.
– وثانيها، إلحاق الضرر بالاقتصاد المغربي على اعتبار أن تفجيرات الفنادق والمطاعم والأماكن العمومية سيؤثر سلبا على السياحة في المغرب.
– وثالثها، تعطيل المسار الديمقراطي الذي انطلق حينذاك، مع بداية عهد الملك محمد السادس، بمحاولة “إغلاق” أوراش الإصلاح المؤسساتي والسياسي، ومحاولة التأثير على دينامية النقاش حول السبل والصيغ القانونية والمؤسساتية القادرة على تحويل إشارات ومضامين البناء الديمقراطي ببلادنا نحو دولة الحق والمؤسسات، بواسطة وثيقة دستورية مكتوبة، تتفاعل مع طموحات جميع المكونات السياسية والنقابية والحقوقية والشبابية للأمة المغربية.
من هذا المنطلق، فالجهات التي وقفت وراء تخطيط وتدبير وتنفيذ هذا العمل الإرهابي الإجرامي، في فجر ظرفية هامة من تاريخ المغرب المعاصر، كانت تتوفر على أجندة محددة، تستهدف عرقلة مسار البناء الديمقراطي الذي يسلكه المغرب.
لكن، بعد مرور أربعة عشرة سنة، هل يمكن القول إن التخطيط لضرب مصالح المغرب توقف فعلا عند زمن ما بعد هذه العمليات الإرهابية؟. وهل يمكننا اليوم تخليد أحداث ماي 2003 بوقفات وبالتعبير فقط عن مشاعر الشجب والاستنكاروالإدانة.؟
الجواب، طبعا، بالنفي، مع الأسف.  فبعد الصدمة التي خلفتها الأحداث الأليمة، نهجت الدولة سياسة طارئة وجديدة، تمثلت في شن السلطات الأمنية لحملات اعتقال واسعة النطاق، وسلسلة من الإجراءات الطارئة همّت أيضا المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب صوتت عليه الفرق البرلمانية في المجلسين. وظلت الآلة الأمنية المغربية، داخل وخارج المدن المغربية، حاضرة، تطور من أساليبها، قبل أن تحدث المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي  أسهم في تفكيك العديد من الشبكات، وواجه بنجاح كبير كل المؤامرات التي استهدفت غير ما مرة استقرار وأمن ووحدة البلاد.
لا أحد ينكر كفاءات سلطاتنا الأمنية، ولا أحد يعارض تنظيم وقفات لشجب ما وقع يوم “الجمعة الأسود”. لكن ما يجب التركيز عليه أكثر هو الاشتغال وسط الواقع المغربي الجديد الذي يعيش في ظله مواطنون مغاربة متشبثون بالقيم الأصيلة للتسامح والتعايش، يساهمون في إحباط الإرهاب، سواء ذلك الذي تصنعه الأيادي الخارجية، أو الذي يفرخه اتساع دائرة الفقر، كنقطة ضعف تيسر مهمة التغلغل الخارجي.
هذا الواقع الجديد هو قوة المغرب الحقيقية في وجه الإرهاب. فهو يفتح، بمزيد من نسمات الديمقراطية، آفاقا واعدة لكل المواطنين، واقع من الضروري أن نقويه من أجل مزيد من التنمية ومزيد من الاهتمام بالمجال الاجتماعي.
إن ردود أفعال المغاربة، في كل السنوات الماضية، عند حلول ذكرى أحداث 16 ماي 2003 ، وما تصدح به أصواتهم  من مشاعر الشجب والاستنكار والإدانة، أو من إرادة صريحة لمواجهة كل المؤامرات التي تستهدف استقرار وأمن ووحدة البلاد، لدليل ساطع على تشبث المغاربة بالقيم الأصيلة للتسامح والتعايش، وبرهانا على وعي كامل بالطبيعة المركبة والمعقدة للإرهاب، كظاهرة تختزن أسبابا كثيرة ومتداخلة، تسهم جميعها في إنتاجه بنسب متفاوتة، ولها دورها في تفريخه، وفي نشر الكراهية والأحقاد، والدفع نحو ردود فعل جنونية، عند من لا يجدون في أنفسهم القدرة على التعبير عن الذوات وحماية الحقوق والمصالح بالطرق السليمة المشروعة.
لقد عانى المغرب الكثير من الفتن التي أنتجها الراكبون على صهوة الانحباس الفكري لإثارة النقع في الحقل السياسي، وترسيخ التمزق والاضطراب في المجال الاجتماعي، من خلال فرض وترويج توجهات متطرفة توظف حالات التأزم الاجتماعي، لخلق أجواء الانغلاق، والانحراف عن المنهج الجماعي للمغاربة، في تعبئة أذهان الناشئة، واستقطابهم نحو توجهاتها. هذا الواقع، يفرض على المغرب وهو يستحضر أحداث تفجيرات 16 ماي، إعادة قراءة ظاهرة الإرهاب من زاوية سياسية، وبذل مزيد من الجهود لنشر الوعي الصحيح وفسح المجال لحرية الفكر والرأي، ومعالجة المشاكل والضغوط التي يعاني منها المجتمع بشكل شفاف وصريح، وحل القضايا الجوهرية للمواطنين المغاربة، كمقدمة لا محيد عنها لخوض معركة الصراع الفكري والإيديولوجي، في مواجهة النزعات المتطرفة. بمعنى آخر، على المغرب وهو يستحضر صفحة 16 ماي الدموية من تاريخه، أن يعتمد مقاربة شمولية في التصدي لظاهرة الإرهاب، تتضمن، من جهة، الجانب الأمني لحماية المواطنين والممتلكات واستقرار البلاد، ومن جهة أخرى، تسريع وتيرة الإصلاحات من أجل وضع قطار التنمية السكة الصحيحة، وجعل كل المواطنين والمواطنات يستفيدون من ثمارها، وبناء الديمقراطية والنظام الحداثي على.
لقد كان حزب التقدم والاشتراكية محقا عندما أكد، في إحدى الوقفات التضامنية،، على أن الأحداث الإرهابية تدعو كل القوى الحية الفاعلة في البلاد إلى مهام كبرى، هي في صلب المشروع الديمقراطي الحداثي. مهام ومسؤوليات طالما نادى بها حزب التقدم والاشتراكية، تتمحور أساسا حول المضي دائما إلى أمام على درب الإصلاح الشامل وفي كل الميادين، إصلاح يضمن حق المواطنين في سياسة اجتماعية واقتصادية هاجسها التوزيع العادل للخيرات الوطنية، وتعميم التمدرس وبلوغ قضاء مستقل ونزيه وتأهيل المجتمع.. كرد صارم على إرهاب لن يثني المغرب القوي بمؤسساته وبصرحه الأمني عن مواصلة المسير.
فتحية، في هذه الذكرى، لكل رجال الأمن والدرك ولكل القوات الأمنية. ورحم الله الشهداء الذين قضوا في أحداث لن تزيد المغاربة إلا عزما على مواصلة الجهاد الأكبر لتحقيق الطموحات في التنمية والتقدم، ومجابهة كل المخاطر التي تستهدف مجتمعا ظل وسيبقى متحليا دوما بالانفتاح والتسامح وروح السلم والتعايش، معاديا بالفطرة لكل نوازع التطرف والعنف، متصديا بالسرعة والحزم والصرامة التي تستدعيها خطورة الجريمة الإرهابية التي تمتح قوتها من الجهل وغشاوة التحريف للمقاصد المتعارف والمتوافق بشأنها من طرف كل المغاربة.

مصطفى السالكي

Related posts

Top