المغرب بين الطموحـات الوطـنية والالـتــزامات الدولية لحماية التنوع البيولوجي

من المنتظر أن تستضيف هولندا بحر هذا الأسبوع مؤتمر قمة حول التكيف مع تغير المناخ، محطة جد هامة للحفاظ على الزخم المتولد حتى انعقاد المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في غلاسكو في نونبر 2021 وللمساعدة في تحقيق التحولات المطلوبة لإيجاد عالم قادر على التكيف مع المناخ.
وHYPERLINK”http://gca.org/global-commission-on-adaptation/action-tracks/food-security-and-rural-livelihoods” ستركز قمة 21 يناير 2021 بشكل كبير على تأمين استثمارات جديدة لضمان قدرة الملايين من صغار المزارعين على التكيف مع ضغوط المناخ على إنتاج الغذاء عبر توفير تمويل جديد كبير للبحوث الزراعية، وتوسيع نطاق الحصول على الخدمات الاستشارية للمزارعين، فضلا عن توسيع نطاق الحصول على خدمات إدارة المخاطر والخدمات المالية.
وكان قد عقد قادة العالم والفاعلون الاقتصاديون يوم الاثنين الماضي “قمة كوكب واحد” من أجل بذل المزيد من الجهود لحماية التنوع البيولوجي الذي يعتمد عليه بقاء البشرية، قمة وصفتها الناشطة المناخية السويدية غريتا تونبيرغ بقمة ” بلا بلا بلا” كمثيلاتها من المؤتمرات التي يتعهد فيها رؤساء الدول بالعديد من الالتزامات دون تفصيل وعودهم أو إنفاق المزيد من الأموال.
ومن خلال هذه القمة كانت فرنسا تطمح في إعادة إطلاق الدبلوماسية الخضراء بعد عام فارغ من مؤتمرات القمة الدولية التي توقفت بسبب جائحة كورونا. وأوضح رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون أن: “بدء عام 2021 بقمة كوكب واحد أمر مهم للغاية لأنه عام التوفيق بين جميع تحدياتنا”.
ويعتبر الخبراء عام 2021 عام المؤتمرات المتعثرة بامتياز حيث ينتظر عقد المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة في شتنبر 2021، والقمة الخامسة عشر لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي في نونبر 2021، ومؤتمر المناخ في نونبر 2021، وقمة مؤتمر الأطراف لمكافحة التصحر، وقبلها قمة الأطراف بشأن المناطق الرطبة (قائمة رامسار) بمدينة ووهان الصينية، منبع جائحة كوفيد19. وكلها مؤتمرات تنصب على إشكالية التنوع البيولوجي.
قال إيمانويل ماكرون: “إنه على المستوى الدولي لم يتم تحقيق أي من الأهداف المحددة للعقد الماضي فيما يتعلق بحماية التنوع البيولوجي حيث يجب أن نواجه هذا الفشل عن طريق تسريع عملنا بأشياء ملموسة للغاية ومتابعة واقعية”.
وأصر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس على أنه: “لا يمكننا العودة إلى الحياة الطبيعية القديمة”. وأضاف نائب رئيس مجلس الدولة الصيني هان تشنغ، الذي ستستضيف بلاده مؤتمر الأطراف الخامس عشر للتنوع البيولوجي هذا العام: “إن الحفاظ على التنوع البيولوجي هو تحد كوكبي يتطلب استجابة عالمية”.
ومكنت هذه القمة من تقييم “تحالف الطموح العالي” بقيادة كوستاريكا وفرنسا والمملكة المتحدة، فقمة “بلا بلا بلا ” خرجت بأكثر من 50 دولة ملتزمة بحماية “30٪ على الأقل من اليابسة والمحيطات، ولتحقيق ذلك يجب إنشاء مناطق بحرية محمية في أعالي البحار، وهو ما لم يحدث اليوم.
في مقابل ذلك تم إطلاق تحالف جديد متواضع يضم ستة بلدان من منطقة البحر الأبيض المتوسط باعتبارها منطقة ملوثة للغاية وتنوعها البيولوجي معرض بالكامل للصيد الجائر، وتأمل فرنسا في تعزيز هذا التحالف المتواضع من خلال مؤتمر الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة المقرر عقده في شهر شتنبر المقبل في مرسيليا.
وكان وباء كوفيد -19 قد سلط الضوء على الروابط بين تدمير الطبيعة وظهور أوبئة جديدة، ولمنع حدوث جائحات محتملة تم إنشاء مبادرة “بريزود” والتي تجمع بين معاهد البحوث في فرنسا وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي ستستضيف بلاده مؤتمر المناخ قمة المناخ في نونبر المقبل: “يجب الآن النظر إلى تغير المناخ على أنه جزء من برنامج عالمي لحماية الطبيعة”، أما منظمة غرينبيس فرنسا فاعتبرت حماية 30٪ من الأرض ليست كافية في إشارة الى القرارات الأخيرة التي اتخذتها فرنسا بما في ذلك “إعادة إدخال المبيدات السامة”.

يوم عالمي للمناطق الرطبة بطعم المحافظة على الماء

يحتفل العالم في الثاني من فبراير من كل عام باليوم العالمي للمناطق الرطبة لزيادة الوعي بأهمية الأراضي الرطبة للناس وكوكبنا، وهي أيضا مناسبة للاحتفال بذكرى توقيع اتفاقية رامسار بشأن الأراضي الرطبة في مدينة رامسار الإيرانية في عام 1971.
وتحتضن أستراليا حاليا 66 موقعا مدرجا في قائمة الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية بمساحة إجمالية تبلغ 8307694 هكتارا، في حين تحتضن كندا حاليا 37 موقعا بمساحة إجمالية تبلغ 13086767 هكتارا. أما بالمغرب فيوجد حاليا 38 موقعا مدرجا في قائمة الأراضي الرطبة رامسار بمساحة إجمالية تبلغ 316086 هكتارا. فيما تحتضن الصين 64 موقعا بمساحة إجمالية تبلغ 7326952 هكتارا.
ويسلط موضوع هذه السنة2021 “الأراضي الرطبة والمياه” الضوء على المناطق الرطبة كمصدر للمياه العذبة لتشجيع الإجراءات لاستعادتها ووقف فقدانها، فنحن نواجه أزمة مياه عذبة خطيرة بشكل متزايد تهدد الكوكب والبشرية معا.. نحن نستخدم مياها عذبة أكثر مما تستطيع الطبيعة تجديده، مما يؤدي إلى تدمير النظام البيئي الذي تعتمد عليه المياه وكل أشكال الحياة في أكثر الأراضي الرطبة.
وتسلط حملة 2021 الضوء على مساهمة الأراضي الرطبة في كمية ونوعية المياه العذبة على كوكبنا، حيث ترتبط المياه والأراضي الرطبة في تعايش لا ينفصل وهو أمر حيوي للحياة ورفاهية وصحة كوكبنا، كما تعتبر الأراضي الرطبة بالمياه العذبة والمياه المالحة أساسية لوجود الجنس البشري والطبيعة، إنها تدعم تنميتنا الاجتماعية والاقتصادية من خلال تقديم خدمات متعددة من تخزين وتنقية المياه حيث تحتوي الأراضي الرطبة على معظم المياه العذبة التي نستهلكها وتزودنا بها، وتقوم بتصفية الملوثات بشكل طبيعي، مما يمنحنا الماء التي يمكننا شربها دون خطر. كما تحقق لنا الأمن المائي والغذائي، فتربية الأحياء المائية مثلا هي قطاع إنتاج الغذاء الأسرع نموا، بينما قدمت مصايد الأسماك الداخلية وحدها 12 مليون طن من الأسماك في عام 2018، وتطعم حقول الأرز 3.5 مليار شخص في السنة, كما توفر خدمات بقيمة 47 تريليون دولار سنوية حيث يستمد أكثر من مليار شخص دخلهم من الأراضي الرطبة.
وتعتبر الأراضي الرطبة المأوى لما يزيد من 40٪ من أنواع الكائنات الحية على كوكب الأرض، حيث بفضل البحث العلمي يتم اكتشاف ما يقرب من 200 نوع جديد من الأسماك كل عام في الأراضي الرطبة بالمياه العذبة. وتوفر لنا الأراضي الرطبة الأمن والحماية والوقاية من الفيضانات والعواصف، إذ يمكن لكل فدان من الأراضي الرطبة امتصاص ما يصل إلى 1.5 مليون لتر من مياه الفيضانات. وتساعد الأراضي الرطبة على تنظيم المناخ فهي تخزن ضعف كمية الكربون الموجودة في الغابات، كما تحتوي المستنقعات المالحة وأشجار المانغروف والأعشاب البحرية على كميات كبيرة من الكربون.
ويمكن أن نحصل على كل المياه التي نحتاجها، لاستهلاكنا الخاص وللطبيعة، إذا توقفنا عن تدمير الأراضي الرطبة وبدأنا في استعادتها وتوقفنا عن بناء السدود على الأنهار أو إزالة الكثير من المياه من طبقات المياه الجوفية، وبمحاربة التلوث ومصادر المياه العذبة النظيفة وباستخدام الأراضي الرطبة بحكمة، وعبر دمج المياه والأراضي الرطبة في خطط التنمية وإدارة الموارد.

المغرب والمحافظة على المناطق الرطبة

أصدرت اتفاقية “رامسار” تعريفا للمناطق الرطبة يعتمد على سرد فئات البيئات التي تغطيها، بالإضافة إلى ذلك، تبنى معظم الأطراف الـ169 في هذه الاتفاقية تعريفهم الوطني الخاص للأراضي الرطبة، بما يتناسب مع أوضاعهم واحتياجاتهم ونظام تخطيطهم.
وتعتبر الأراضي الرطبة حسب اتفاقية “رامسار” هي “المساحات من المستنقعات أو مستنقعات الخث أو المياه الطبيعية أو الاصطناعية دائمة كانت أو مؤقتة حيث تكون المياه راكدة أو متدفقة، قليلة الملوحة أو مالحة بما في ذلك المسطحات المائية البحرية التي يكون عمقها عند انخفاض المد لا يتجاوز ستة أمتار”.
ويعرف المغرب المناطق الرطبة حسب اتفاقية “رامسار” بـ”النظم البيئية المائية ذات وحدة مساحة مغطاة بالمياه أو مبللة بشكل دائم أو متقطع، بحيث تشكل نظاما حيويا يتميز بشبكة غذائية قائمة ويتم الحفاظ عليه قبل كل شيء من خلال المكونات والعوامل الداخلية لهذا الفضاء”. ويتم اعتماد هذا التعريف نفسه للأراضي الرطبة، مع الخصوصية الوحيدة أن عمقها لا يزال أقل من ستة أمتار.
ويتم تطبيق تسمية “المناطق الرطبة” على البيئات المائية الحرة الدائمة والمتقطعة مثل المجاري المائية والينابيع والمياه الراكدة والمياه البحرية الساحلية التي يقل عمقها عن ستة أمتار، مياه الكهوف، ولكنها ستمتد أيضا إلى مروج جبلية رطبة إلى حد ما، إلى المروج الصحراوية ذات الغمر القصير وغير المنتظم، إلى المنحدرات البحرية، وكذلك إلى المياه الاصطناعية: خزانات السدود، والقنوات الاصطناعية والآبار والواحات وحقول الأرز وما إلى ذلك. ومع ذلك فإن إجراءات الحفظ التي تستهدف الأراضي الرطبة يمكن أن تغطي أيضا الموائل الأرضية التي من المحتمل أن تساهم في وجودها أو عملها، من خلال الأدوار المادية أو البيئية: على سبيل المثال عبر شبكات الغذاء، هذه هي حالة مناطق تعشيش الطيور المائية أو المنحدرات المباشرة للأراضي الرطبة، والتي غالبا ما تعتبر مناطق عازلة لحفظها.

الأراضي الرطبة في المغرب..فسيفساء معقدة

تشتهر الأراضي الرطبة في المغرب بوفرتها وتنوعها حيث تشغل 300 موقع ما يقرب من 400000 هكتار أو 0.6٪ من مساحة الأرض، في هذا المخزون تم تضمين حوالي 170 بحيرة سد، ويبلغ إجمالي مساحتها حوالي 120000 هكتار، في حين أن هذه البيئات الاصطناعية قد نمت بشكل كبير منذ عام 1980، أي مع بداية أزمات الجفاف، إلا أن المدى التراكمي للمواقع الطبيعية لا يزال حوالي 280 ألف هكتار، وهو ما يمثل أقل من نصف الإجمالي من مساحة المناطق القابلة للفيضانات في بداية القرن العشرين، وترتبط وفرة هذه الموائل بالعديد من العوامل الفيزيائية والبيئية والتاريخية، ويرتبط تكوين الأراضي الرطبة القارية بشكل أساسي بوجود ثلاث سلاسل جبلية كبيرة التي تبلغ ذروتها عند ارتفاع 4000 متر،والتي تحدد شبكة هيدروغرافية كثيفة تتميز بتنوع قوي في الأنظمة الهيدرولوجية والحرارية، وتدعم الهضاب العالية المنتشرة بين هذه الجبال العديد من تكوينات البحيرات، على ارتفاعات منخفضة، تتطور سهول شاسعة بشكل أساسي: سهول ساحلية: اللوكوس، الغرب، تانسيفت، ملوية وسوس، وسهول داخلية: سايس، دكالة، والحوز، وسهول صحراوية: تافيلالت وواد درعة، مما أدى إلى ظهور عشرات المستنقعات وآلاف الضايات، أما المناطق الصحراوية، فلا تزال تحمل بصمة الشبكة الهيدروغرافية الكثيفة التي كانت تسقيها بكثافة ولكن الآن الشبكة فهي جافة وبالرغم من ذلك فتبرز العديد من السبخات.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا التنوع المذهل الذي يعرفه المغرب في مناطقه الرطبة يتعلق بشكل متناقض بالأراضي الرطبة التي تكون في الغالب صغيرة الحجم مقارنة بأوروبا الوسطى أو ما يعادلها جنوب الصحراء الكبرى، وهي معرضة بشدة للمخاطر المناخية والتأثيرات البشرية، بالإضافة إلى ثروة المياه الداخلية، بالإضافة إلى كل ذلك فهناك تنوع في الأراضي الرطبة الساحلية المتباينة على طول الساحل البحري المشترك بين المحيط الأطلسي على طول 3000 كيلومتر والبحر الأبيض المتوسط ​​على طول 500 كيلومتر، حيث يتضح هذا التنوع من خلال فسيفساء معقدة من الموائل والتي تنتج من مجموعات متعددة من العوامل البيئية السائدة: الدينامية المائية والملوحة وطبيعة قياس الحبيبات، وميل قاع البحر، والنظام الحراري، وقوة وتواتر الرياح كل هذه الفسيفساء مبررة بالمعايير الفيزيائية: بالإضافة إلى الاختلاف الكبير بين النظم الإيكولوجية للبحر الأبيض المتوسط​​والأطلسي، نلاحظ وجود تدرجات بين الشمال والجنوب على طول ساحل المحيط الأطلسي، تقطعها تيارات المحيط الصاعدة التي تشكل الأنظمة الحرارية وهيدرولوجية المياه الساحلية.
تطورت على الواجهتين البحريتين للمغرب عشرات الشواطئ متفاوتة الطول بالتناوب مع الجروف والهضاب الصخرية، وتطورت معها العديد من الخلجان المفتوحة إلى حد ما: خليج الحسيمة، القصر الصغير، طنجة، الجديدة وأكادير، لكن أحدها “خليج الداخلة” هو الوحيد الذي يتميز بشكله الداخلي مما يجعله محميا نسبيا من الدينامية المائية البحرية.
وتتعطل هذه النظم البيئية من قبل عشرات المصبات النهرية المتفاوتة الشكل والظروف البيئية ومن حوالي ستة بحيرات: الناظور، أسمير، المرجة الزرقاء، سيدي موسى، الوليدية واخنيفس، كل واحدة منها تتميز عن غيرها، حيث تبرز بعض الجزر الصغيرة من هذا الخط الساحلي من أبرزها جزر الصويرة على المحيط الأطلسي وجزر باديس وليلى على البحر الأبيض المتوسط، وغالبا ما تكون هذه السهول الفيضية مدعومة بكثبان ساحلية حيوية أو أكثر أو أقل استقرارا والتي يتم تنظيمها أحيانا في حبال لعدة عشرات من الكيلومترات على ساحل الدكالة وساحل الغرب وساحل لوكوس-أصيلا.
وكشفت المجتمعات الحية للأراضي الرطبة عن أصول مختلفة وفقا للفئات، حيث تحتوي المياه الداخلية على نسبة عالية من الأنواع المتوطنة في شمال إفريقيا عامة وبالمغرب خاصة أو حتى نظام بيئي واحد، ويمتد هذا التوطن أيضا إلى أنواع الموائل ويشهد على تطور في ظل قيود العزلة الجغرافية والمناخية، بالإضافة إلى هذا التوطن يقع المغرب على مفترق طرق للعديد من طرق هجرة الطيور الأوروبية الأفريقية وتلعب أراضيه الرطبة دورا حيويا كمواطن توقف إلزامية لملايين الطيور المهاجرة، وتستضيف الأراضي الرطبة الساحلية وهي كبيرة الحجم بشكل عام الغالبية العظمى من هؤلاء المهاجرين مما يعوض عن النسبة المنخفضة من التوطن المسجل في هذه البيئات.
ويمكن أيضا ترجمة هذه الصفات إلى خدمات النظام البيئي، بمعنى أن الأراضي الرطبة المغربية تشارك في تطوير وحتى بقاء العديد من المجتمعات البشرية، وخير دليل على أهمية هذه الخدمات هو تمركز السكان على طول ضفاف الوديان والساحل، وخاصة بالقرب من مصبات الأنهار، وعلى أطراف البحيرات والمستنقعات وبالقرب من الينابيع الرئيسية، في هذا التوزيع، تعتبر مياه الشرب بالتأكيد عنصرا هيكليا، ولكن الأراضي الرطبة توفر أيضا طعاما طبيعيا أو مستزرعا كالطيور المائية ومنتجات الصيد والأعشاب البحرية والوظائف والخدمات الأخرى مثل مزارع الملح والرمل والنشاط الساحلي والنزهات بالبحيرات والأودية ومجالات البحث والتعليم.
كما أن فيضانات الوديان، التي يلقى اللوم فيها خطأ في شمال إفريقيا على آثارها الضارة على الناس وممتلكاتهم، تفيد السكان بمياه الشرب والري وبالموارد الغذائية وبالموارد الرعوية وما إلى ذلك إلى حد كبير بفضل الفيضانات، بالإضافة إلى ذلك يساهم ذلك في التخفيف من التلوث في العديد من الوديان التي لا تزال ملوثة إن لم نقل كلها، سواء كانت هناك محطات لمعالجة المياه العادمة ام لا وفي غياب محطات لمعالجة المرجان تضل أنهار سبو أم الربيع تانسيفت عبارة عن مستنقعات لمياه الصرف الصحي والصحي ومرجان معاصر الزيتون السام.
العديد من هذه الاستخدامات متوارثة عن الأسلاف وتستحق تصنيفها كتراث ثقافي حيث ربطت جفاف المناخ حياة السكان عبر التاريخ بالأراضي الرطبة، يمكن ملاحظة هذا الرابط الواضح جدا في واحات ما قبل الصحراء، حتى في الجبال وسهول الشمال؛ لقد ولد مع مرور الوقت معرفة فنية متنوعة، والتي تم الحفاظ عليها جزئيا حتى يومنا هذا، في المعالم الأثرية وأدوات العمل وقواعد الحياة المجتمعية، وتساهم هذه العناصر بشكل كبير في التنوع الثقافي في البلاد.

جهود المملكة في الحفاظ على المناطق الرطبة

حاول المغرب منذ التسعينيات تنفيذ استراتيجية للحفاظ على أراضيه الرطبة، حيث تم تنفيذ الإجراء الأول في هذا الاتجاه من خلال التعريف بشبكة مكونة من أكثر من 80 منطقة رطبة كمواقع ذات أهمية بيولوجية وإيكولوجية، مرشحة لأن تكون محميات لكي تصنف فيما بعد كمواقع “رامسار”، بناء على دراسة علمية ميدانية قام بها خبراء في المجال، تلتها إصدار الاستراتيجية الوطنية للحفاظ على التنوع البيولوجي وتنميته المستدامة في نسختها الأولية، وقد رافق هذه الجهود التزام المملكة بمبادرات دولية متعددة لحماية الطبيعة.

اتفاقيات دولية ومخططات استراتيجية متعددة

وكان المغرب من ضمن الدول الأوائل التي انضمت إلى العديد من الاتفاقيات الدولية: اتفاقية التنوع البيولوجي واتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن تغير المناخ، اتفاقية رامسار للمناطق الرطبة، اتفاقية الأنواع المهاجرة، بروتوكول قرطاجة، بروتوكول ناغويا، بما يتوافق مع التوجهات المختلفة وخطط العمل الإستراتيجية على المستوى الدولي، من خلال هذه العضوية والحضور القوي في المشهد الدولي تشهد المملكة على التزام سياسي قوي بالحفاظ على التنوع البيولوجي ومنذ ذلك الحين اعتمدت بالكامل على آليات تنفيذ هذه الاتفاقيات.
ودخلت الخطة الاستراتيجية لاتفاقية رامسار 2016-2024 حيز التنفيذ في عام 1975 وصادق عليها المغرب في عام 1980، وهي تهدف إلى الحفاظ على الأراضي الرطبة واستخدامها الحكيم من قبل الإجراءات المحلية والإقليمية والوطنية ومن خلال التعاون الدولي كمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم، وتعتبر الخطة الإستراتيجية 2016-2024 هي الرابعة من نوعها حيث تحتوي على 16 هدفا رئيسيا منظمة في أربعة أهداف إستراتيجية من معالجة دوافع فقدان الأراضي الرطبة وتدهورها الى الحفاظ على شبكة مواقع رامسار وإدارتها بفعالية والى الاستخدام الرشيد لجميع الأراضي الرطبة وأخيرا تحسين تنفيذ الاتفاقية.
وكان المغرب قد صادق على الخطة الاستراتيجية 2011-2020 لاتفاقية التنوع البيولوجي عام 1995، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1992 والتي تهدف إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي، وكذلك الوصول إلى الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناتجة عن استخدامها، وتوفر هذه الخطة إطار عمل لجميع البلدان وأصحاب المصلحة الملتزمين بالحفاظ على التنوع البيولوجي، وهي تتألف من 20 هدفا رئيسيا أو ما يسمى بأهداف أيشي منظمة في خمسة أهداف استراتيجية: معالجة الأسباب الكامنة وراء فقدان التنوع البيولوجي من خلال دمجها في السياسات في جميع أنحاء العالم الحكومة والمجتمع؛ تقليل الضغوط المباشرة على التنوع البيولوجي وتشجيع استخدامه المستدام، تحسين حالة التنوع البيولوجي من خلال حماية النظم الإيكولوجية والأنواع والتنوع الجيني، تعزيز المنافع للجميع المستمدة من التنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي، تعزيز التنفيذ من خلال التخطيط التشاركي لإدارة المعرفة وتنمية القدرات، بالإضافة إلى التدابير المتعلقة بالموارد المائية وتغير المناخ، ينبغي التأكيد على الهدف 11، الذي يلزم الأطراف بحماية “17٪ من الأراضي والمياه الداخلية و10٪ من المناطق البحرية والساحلية”.
خطة أخرى تبناها المغرب ويتعلق الأمر بالخطة الاستراتيجية 2015-2023 لاتفاقية الأنواع المهاجرة إن أهداف اتفاقية الأنواع المهاجرة مستوحاة من أهداف أيشي للتنوع البيولوجي وتكييفها مع خصوصيات الأنواع المهاجرة ولا سيما فيما يتعلق بالمخاطر التي تولدها حركات الهجرة واحتياجاتهم من حيث ربط الموائل العابرة للحدود، حيث تم إسناد مهمة رئيسية للخطة تتمثل في “تعزيز إجراءات جميع الجهات الفاعلة المعنية من أجل ضمان حالة حفظ مواتية للأنواع المهاجرة بالإضافة إلى الترابط الإيكولوجي ومرونة موائلها، وبالتالي المساهمة في الاستدامة العالمية”
ووقع المغرب كذلك الخطة الاستراتيجية 2009-2017 لاتفاقية الحفاظ على الطيور المائية المهاجرة الأفريقية – الأوراسية وسعى إلى تفعيلها، وتهدف إلى تحسين حالة حفظ حوالي 240 نوعا من الطيور المهاجرة عبر الممرات الشمال والجنوب بين أوراسيا وأفريقيا، وتعمل هذه الاتفاقية على ضمان مشاركة جميع البلدان الواقعة على طول هذه الممرات في مجموعات الطيور المائية القابلة للحياة وهذه هي حالة المغرب بشكل خاص والتي تقع على مفترق طرق العديد من هذه الممرات. وتهدف خطة العمل هذه إلى “الحفاظ على أو استعادة أنواع الطيور المائية المهاجرة ومجموعاتها إلى حالة حفظ مواتية على طول مسارات طيرانها”.
وتعتبر خطة العمل2016-2030 مبادرة إقليمية للأراضي الرطبة في البحر الأبيض المتوسط تم إطلاقها في عام 1990 وتعمل تحت رعاية اتفاقية رامسار وتم المصادقة عليها من خلال مخطط عام في قمة الأطراف رامسار الذي تم تنظيمه في يونيو 2015 في أوروغواي وهي مستوحاة من الأهداف الأربعة الواردة في خطة رامسار الإستراتيجية الرابعة.
ويلتزم المغرب من خلال توقيعه على الاتفاقية الإطار المتعلقة بتغير المناخ بجمع وتبادل البيانات حول غازات الاحتباس الحراري وتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية والتعاون للتعامل مع مشاكلها، والمغرب منخرط وملتزم بالمشاركة في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولكن من الضروري أيضا معرفة أن الجفاف، وهو أحد أكثر مظاهر تغير المناخ ضررا في البلدان القاحلة، كان ولا يزال السبب الأصلي في التدهور الشديد في القيم البيئية للأراضي الرطبة المغربية، وهذا يوضح الحاجة إلى تدابير تكيفية محددة لمنع مثل هذا التدهور في المستقبل.
وتبقى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر واحدة من الاتفاقيات الأكثر ملاءمة للتحديات البيئية التي يواجهها المغرب، سواء للحفاظ على التنوع البيولوجي أو لتحسين الظروف المعيشية للسكان، ويظهر هذا جليا في مخططها الاستراتيجي وفي أهدافه الأربعة من تحسين الظروف المعيشية للسكان المتضررين وتحسين حالة النظم البيئية المتأثرة وتحديد الفوائد العامة من التنفيذ الفعال للاتفاقية وحشد الموارد من أجل تنفيذ الاتفاقية من خلال إقامة شراكات فعالة بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية. وتتداخل هذه الأهداف كثيرا مع تلك الخاصة بالاتفاقيات المذكورة أعلاه، مع الخصوصية التي تهم المناطق الأكثر تضررا من الجفاف والتي تربطها أيضا باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وكان آخر مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في نسخته الرابعة عشر والذي عقد شهر شتنبر 2019 في نيودلهي الهندية قد أتاح المؤتمر المذكور إطلاق مبادرات مثل مبادرة غابة السلام في كوريا الجنوبية أو التزام رئيس الوزراء الهندي بزيادة الطموح الوطني للاستعادة من 21 إلى 26 مليون هكتار بحلول عام 2030 ولدعم البلدان النامية، وهكذا أثبت مؤتمر الأطراف الرابع عشر لاتفاقية مكافحة التصحر أن جدول أعمال الأراضي يمضي قدما وأن التزام البلدان والجهات الفاعلة غير الحكومية لصالح الاستعادة يتحقق، لكن هذه الحلول لا تزال تشكل جزءا صغيرا جدا من الحلول المتوخاة، والمعرفة المعبأة، وقبل كل شيء، الاستثمارات التي تم إجراؤها على الرغم من استمرار التدهور في التكلفة ما بين 10 و 17 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي كل عام،بعدما كان مؤتمر الاطراف في نسخته الثامنة والمنعقد في العاصمة الاسبانية مدريد شهر شتنبر 2007 قد أعلن عن خطة عشرية (2008-2018) لدعم تنفيذها والتي تتكون من 21 نتيجة منظمة في خمسة أهداف تشغيلية، وتحتل هذه الاتفاقية مكانة مهمة في السياسة المغربية على الرغم من أن ارتباطها بالأراضي الرطبة يتطلب مزيدا من الاهتمام.

الترسانة القانونية الوطنية والمناطق الرطبة

أحرز المغرب تقدما نوعيا في نظامه القانوني فيما يتعلق بالحفاظ على التنوع البيولوجي، وتمثل هذا التقدم قبل كل شيء في إرساء المبادئ والقواعد القانونية والتشغيلية اللازمة لإطار مختلف مجالات النشاط، بهدف جعلها متسقة مع أهداف حماية البيئة والتنمية المستدامة، حيث أصدرت المملكة عدة نصوص تشريعية بمبادرة من مختلف الدوائر الوزارية تعمل على حماية البيئة بشكل عام والنظم البيئية الطبيعية بشكل خاص، وتجدر الإشارة إلى أنه اعتبارا من اليوم لا يوجد إطار قانوني خاص بالنظم الإيكولوجية المعرضة للخطر مثل الأراضي الرطبة في حين أن بعض النصوص السارية تستحق التأهل لصالح نهج النظام الإيكولوجي.

++ القانون رقم 22-07 الخاص بالمناطق المحمية:
ويعكس إصدار هذا القانون الذي دخل حيز التنفيذ عام 2010 تصميم المغرب الواضح على تطوير شبكته للمناطق المحمية كما ونوعا، من خلال اقتراح ست فئات من المناطق المحمية المعترف بها في جميع أنحاء العالم حيث يفتح هذا القانون الباب أمام إدارة جميع أنواع النظم البيئية، مهما كانت طبيعتها ويسمح هذا القانون أيضا بتكييف معايير التقييم المختلفة مع السياق السياسي والاقتصادي للبلد، ولكن له أيضا تمييز في المشاركة في عملية إنشاء وإدارة المناطق المحمية والإدارات والمجتمعات المحلية وكذلك السكان وأصحاب المصلحة المعنيين، ولذلك فهي تشكل إطارا مثاليا لتعزيز ثقافة الإدارة المتكاملة للفضاء والموارد والتنمية المستدامة، حيث يمكن إنشاء المناطق المحمية على وجه الخصوص على أساس شبكة المواقع ذات الأهمية البيولوجية والبيئية التي حددتها الدولة للحفظ في الموقع وتعزيز التنوع البيولوجي.

++ القانون 29-05 المتعلق بحماية الأنواع المهددة بالانقراض من النباتات والحيوانات وتنظيم تجارتها:
دخل حيز التنفيذ في دجنبر 2015، ويشكل هذا القانون تقدما كبيرا في التشريع المغربي بشأن حماية التراث الطبيعي ، في إلى الحد الذي يسمح بتحسين التحكم في حفظ أنواع النباتات والحيوانات البرية أو النادرة أو المهددة، ويحدد فئات تصنيف الأنواع المهددة على المستوى الوطني، وظروف تجارتها وإجراءات إزالتها في البيئة الطبيعية المغربية ، وكذلك شروط إدخالها أو إعادة إدخالها في هذه البيئات، وتجدر الإشارة إلى أن هذا القانون يشكل أحد الإجراءات المؤيدة للتنفيذ.

++ القوانين المنظمة للصيد (ظهير 1923) والصيد القاري (ظهير 1922):
ويتعلق الأمر بمراسيم سنوية مصادق عليها من قبل المؤسسات الاستشارية المجلس الأعلى للصيد ولجنة الصيد في المياه القارية، حيث يكون جميع المعنيين من الإدارات ومعاهد البحوث والجمعيات وشركات صيد الأسماك، وعلى الرغم من أن هذه النصوص القانونية قديمة إلا أنها تجعل من الممكن تنظيم مواعيد فتح أنشطة صيد الأسماك، والأنواع والحصص المصرح بها، وقائمة الأنواع المحمية والمناطق المحظورة لهذه الأنشطة: المحميات الدائمة والمؤقتة وكذلك طرق تنفيذ الاستزراع المائي.
من المهم ملاحظة أن هذه الأدوات جعلت من الممكن من بين أمور أخرى تصنيف شبكة المواقع ذات الأهمية البيولوجية والايكولوجية بالكامل تقريبا كمحميات صيد دائمة وتسجيل العديد من الأنواع المعرضة للخطر باعتبارها محمية على الأقل ضد القنص أو صيد الأسماك، بالإضافة إلى ذلك استفاد قطاعا الصيد الداخلي والقنص من المخططات الرئيسية الوطنية والتي تهدف إلى تطويرها والترويج لها على أساس مبادئ الاستخدام المستدام للموارد.

++ القانون 12-03 المتعلق بدراسات الأثر البيئي:
وضع هذا القانون الأساس لتقييم آثار مشاريع التنمية على البيئة الطبيعية والاجتماعية وتحديد التدابير اللازمة فيما يتعلق من هذه الآثار، إن إنشاء آليات لتنفيذ هذا القانون، ولا سيما إضفاء الطابع المؤسساتي على اللجنة الوطنية ولجان تقييم الأثر البيئي الإقليمية، التي تعمل فيها الإدارات والمجتمعات المعنية، قد مكن من إحراز تقدم كبير في حماية التنوع البيولوجي، قدمت هذه اللجان فرصة حقيقية للدفاع عن العديد من المواقع ذات الأهمية البيولوجية والايكولوجية ومواقع رامسار ضد آثار المشاريع ذات التأثير البيئي الكبير، يعد النشر الأخير لإطار تقييم الأثر البيئي خطوة أخرى إلى الأمام لصالح تطبيق هذا القانون من حيث أنه يطلع كل من مروجي المشروع ولجان التقييم على معايير إجراء هذه الدراسات.

++ القانون رقم 12.99 بشأن الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة:
دخل حيز التنفيذ عام 2014، وهو نتيجة لعملية تشاور واسعة مفتوحة أمام جميع المواطنين والجهات الفاعلة الوطنية والمحلية، ويحدد هذا الميثاق حقوق والتزامات الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين فيما يتعلق بحماية البيئة وتعزيزها، فضلا عن المبادئ والقيم التي يجب أن تشكل السياسات العامة والخاصة لضمان التنمية المستدامة والمتكاملة للبلد، وتنص المادة 7 من القانون المذكور على ضرورة حماية الأراضي الرطبة بما في ذلك الساحل والنظم البيئية البحرية.
++ القانون رقم 10-95 بشأن المياه الصادر
دخل حيز التنفيذ عام 1995:
من أجل وضع الأسس القانونية للإدارة المخططة واللامركزية والتشاركية لموارد المياه، فضلا عن تطويرها وحمايتها من التلوث والاستغلال المفرط، وتنص هذه الأحكام على أن امتيازات الملك العام المائي يجب أن تأخذ في الاعتبار متطلبات خطة إدارة الأراضي الرطبة عند وجودها وتضمن الحد الأدنى من تدفق المياه لحماية حقوق الأراضي الرطبة، الأطراف الثالثة والحيوانات والنباتات المائية في اتجاه مجرى النهر، وبالمثل فإن الخطة الرئيسية للتنمية المتكاملة للموارد المائية تتضمن خطط تنمية وإدارة للموارد المائية والبيئات المائية، والتي تشمل من بين أمور أخرى الحفاظ على النظم الإيكولوجية المائية، ليتم تنفيذها على مجرى مائي يجب تصميم أي هيكل وتجهيزه بطريقة تضمن الدوران الدائم والتكاثر للأنواع الحيوانية والنباتية الموجودة من أجل حماية الحالة البيئية لمجاري المياه أو أقسام من المجاري المائية.
++ القانون 81-12 المتعلق بالساحل: دخل حيز التنفيذ يوم 16 يوليوز 2015 في المجال الساحلي العام، الشريط البحري الخالي من 12 ميلا وجميع أنواع الأراضي الرطبة في مصبات الأنهار المتصلة بالبحر فضلا عن التلال والكثبان الرملية، بشكل عام، شريط الأرض الذي يحدها، والذي يتم تحديد عرضه على الأقل 100 متر.
من الواضح أن هذا القانون موجه نحو حماية الساحل وتنميته المستدامة وتبقى أقوى شهادة لصالح هذا التوجه يتم تقديمها من خلال التدابير المخطط لها للحفاظ على الساحل وتعزيزه ومكافحة لتلوث، وهناك تدابير أخرى تعطي الأمل في الإدارة المستدامة للأراضي الرطبة الساحلية؛ ويتعلق الأمر بشكل أساسي بالمخطط الساحلي الوطني وبالمخططات الساحلية الإقليمية، وأدوات التخطيط الاستراتيجي لمدة عقدين التي ينص هذا القانون على التحقق منها على التوالي من قبل لجنة وطنية الإدارة الساحلية المتكاملة ولجان التشاور الإقليمية.

المندوبية السامية للمياه والغابات وتدهور المناطق الرطبة

للتنسيق بين الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب من أجل الحفاظ على الحيوانات البرية والموائل الطبيعية والنظم البيئية: اتفاقية رامسار، واتفاقية سايتس، واتفاقية برن واتفاقية الطيور المهاجرة، وبروتوكول ناغويا وبروتوكول قرطاجنة. لذلك فهي تضمن تطوير وتنفيذ سياسة الحكومة في مجالات الحفظ والتنمية المستدامة للموارد الطبيعية، وكذلك تنميتها، لا سيما من خلال أنشطة القنص والصيد الداخلي وصيد الأسماك والسياحة البيئية، حيث هناك العديد من المتدخلين الآخرين الذين يمارسون السلطة على البيئات المائية، من بين قطاعات الدولة التي يكون تدخلها في الميدان قويا نلاحظ قطاع الماء التابع لوزارة التجهيز، وكالات الأحواض المائية: سبو أم الربيع ملوية… وزارة الفلاحة والصيد البحري وزارة السكنى والتعمير والتخطيط ووزارة الداخلية والتي تضاف اليها السلطات المحلية والفاعلين الترابيين.
في حين تعمل القطاعات الأخرى كمستخدمين لموارد الأراضي الرطبة: السياحة، الفلاحة والاقتصاد. وتفتقر إجراءات هذه القطاعات أحيانا إلى التنسيق ولا تتم إلا في حالة وجود خطر تعارض المصالح أو التعاون بين القطاعات الاقتصادية التي تستخدم موارد الأراضي الرطبة من ناحية وإدارة المياه والغابات ذات الخبرة في إدارة قيم هذه الأراضي الرطبة من ناحية أخرى هو ضروري لتأمين مستقبل الأراضي الرطبة وفوائدها.
وتدعم مؤسسات البحث العلمي إدارة الأراضي الرطبة على عدة مستويات من جرد وتصنيف المكونات البيئية وتحديد أهداف الحماية وتطوير الكتيبات والأساليب والاستراتيجيات وخطط العمل الوطنية للحفظ ومراقبة خطط إدارة الموقع، هذه المعرفة المستخدمة على نطاق واسع من قبل الإدارات المسؤولة عن الحفاظ على التراث يستخدمها المجتمع المدني بشكل متزايد لزيادة الوعي والتعليم.
أما فيما يتعلق بتدهور أراضيه الرطبة، يبدو أن المغرب قد اتبع الاتجاه العام المسجل في منطقة البحر الأبيض المتوسط​، مع العلم أنه فقد نصف أراضيه الرطبة منذ عام 1900، وترتبط هذه الخسائر بالدوافع التقليدية للتغيير والتدهور من تحويل موائل الأراضي الرطبة الطبيعية لمختلف المهن الزراعة والتمدن والبنيات التحتية السياحية بالإضافة إلى النمو الديموغرافي والاقتصادي واستهلاك المياه والتلوث والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية التي تجود بها المناطق الرطبة.
ولكن في شمال إفريقيا تم تضخيم هذه الأشكال من التدهور بشكل كبير بسبب تغير المناخ في أشد أشكالها عبر “الجفاف المتكرر” والتي قبلها أظهرت الأراضي الرطبة في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط ضعفا كبيرا، وهذا يعني أنه في المغرب، لمواجهة التحدي المتمثل في الحفاظ على الأراضي الرطبة، يجب أن تؤدي هذه الاستراتيجية إلى تعاون دولي، وقبل كل شيء إلى عمل وطني واسع متعدد القطاعات والذي لا يمكن أن يكون فعالا إلا من خلال التزام سياسي عالي المستوى. سيتيح ذلك للبلد اتخاذ خيارات ومقايضات متعددة للحفاظ على الخدمات التي تقدمها الأراضي الرطبة، وذلك لإفادة الأجيال الحالية والمستقبلية.

تحديات الحفاظ على الوظائف البيئية للأراضي الرطبة

عند فحص خسائر الموائل التي تؤثر على النظم البيئية المائية المغربية فإن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو معرفة إلى أي مدى يمكننا تقليل معدل تدهورها، بحلول عام 2024، حيث لا يمكننا الادعاء بإيقافه الآن. على أي حال سيتطلب هذا التخفيض إجراءات مهمة على مستوى مختلف مصادر تحويل الموائل الطبيعية من خلال تطبيق الأدوات التقنية والقانونية الحالية.
ويجب أن تهتم هذه الإجراءات التي تهيمن عليها التدخلات الميدانية بشكل أساسي بشبكة الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية والتي يطلب منها التوسع وإدارتها وفقا لقانون المناطق المحمية مثالا لالتزامات الدولة الدولية، ومع ذلك بالإضافة إلى الحاجة إلى إدارة جيدة، كشف التشخيص عن احتياجات كبيرة لاستعادة الموائل، فيما يتعلق بحفظ التنوع الجيني، فإن عدد الأنواع المعنية كبير جدا والنظم الإيكولوجية الموائل التي تستضيفها متنوعة للغاية، بما في ذلك تلك ذات الحجم الصغير من ينابيع وأنهار وبحيرات مؤقتة، حيث تقع بشكل عام خارج مواقع رامسار، وهذا يعني الحاجة إلى نهج متكاملة وشاملة من خلال خطط العمل الوطنية، حيث ينبغي إعطاء الأولوية للعناصر الأكثر عرضة للتهديد.
ويتطلب تغير المناخ وهو مصدر رئيسي لفقدان الأراضي الرطبة، تدابير تكيف خاصة، ويتجلى من بين أمور أخرى، في عدم انتظام واضح في هطول الأمطار ودرجات الحرارة، مع ارتفاع وتيرة الجفاف، مما يقلل بشكل كبير من كمية المياه المتاحة للأراضي الرطبة، وإن كانت تأثيرات تغير المناخ على الأراضي الرطبة ترتبط ارتباطا وثيقا بتلك الناتجة عن عمليات سحب المياه السطحية والجوفية والسدود. وفي الواقع من أجل التطور في سياق مناخي متغير، تجاوز المغرب بالفعل إلى حد كبير عتبة عدم استدامة موارده المائية.
ومع ذلك فمن المقبول أن النظم الإيكولوجية المائية تشارك بطرق مختلفة في التخفيف من آثار تغير المناخ على تخزين الكربون الضروري لتنظيم المناخ وتكوين احتياطيات المياه لفترة الجفاف والتخفيف من تأثير العواصف والفيضانات، وغالبا ما تؤدي هذه الخدمات إلى زيادة مرونة النظم الاجتماعية والاقتصادية، وهذا يعني الحاجة إلى سياسة التكيف مع تغير المناخ، حيث يجب أن تكون إدارة موارد المياه لصالح الأراضي الرطبة موضوعا رئيسيا، لذلك يبدو أن الحفاظ على القيم التراثية للأراضي الرطبة سيتطلب إجراءات نشطة وطويلة الأمد، والتي يجب أن تكون جزءا من التخطيط المكاني المتناغم والمستدام، والذي يتطلب تصميمه وتنفيذه تعاون صانعي القرار والجهات المانحة، والخبراء ومستخدمي الأراضي الرطبة، ومع ذلك فإن نتائج أساليب الإدارة التي اعتمدتها هذه الجهات الفاعلة تشهد على جهلهم بهذه البيئات ولاسيما قيمتها والنهج اللازمة لإدارتها بعقلانية، حيث نظرا لغياب موضوع “الأراضي الرطبة” في جميع دورات الهندسة والعلوم الاجتماعية تقريبا وحتى في علوم الحياة والأرض فضلا عن النقص الكبير في هياكل البحث والتدريب على هذه النظم البيئية، تعتبر احتياجات بناء القدرات كبيرة بشكل خاص في معظم مجالات إدارة الفضاء، هذا النقص في برامج التدريب الرسمية لا يتم تعويضه بشكل كاف عن طريق التدريب غير الرسمي في حماية الطبيعة.

< بقلم: محمد بن عبو

(*) خبير في المناخ والتنمية المستدامة
رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top