المغرب – روسيا:  دينامية جديدة

يزور بلادنا رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف في إطار زيارة عمل وصداقة ليومين، وهي تمثل محطة مهمة في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، كما أنها تكرس الدينامية الواضحة التي كانت قد أطلقتها زيارة جلالة الملك إلى موسكو.
من المؤكد أن روسيا اليوم باتت تعتبر لاعبا أساسيا ضمن معادلات السياسة الدولية، سواء ما يتعلق بملفات الشرق الأوسط بالخصوص، أو على صعيد قضايا وانشغالات كونية عديدة، ومن ثم يبقى توطيد العلاقات معها أمرا مهما بالنسبة لبلادنا، بالإضافة إلى أن هذا المسار ينسجم مع المألوف، تاريخيا، بالنسبة للمغرب، وحرصه المستمر على توازن علاقاته الدولية، خصوصا بين واشنطن وأوروبا وروسيا، وهذا بقي، باستمرار، ثابتا في السياسة الخارجية للمملكة منذ زمن الحرب الباردة، بل ومنذ حصول المغرب على الاستقلال.
يعني ما سبق، أن علاقات الرباط وموسكو تمتلك إذن تاريخا ليس وليد الأمس، وليس مرتبطا بالسنوات الأخيرة، وهو تاريخ شمل التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي والتعليمي والديبلوماسي بين البلدين، كما نجم عنه حضور مهم للمغرب في ذاكرة المجتمع والشعب هناك، سواء من خلال شهرة البرتقال المغربي مثلا، أو من خلال آلاف الطلبة المغاربة الذين درسوا وتخرجوا من الجامعات والمعاهد الروسية (والسوفيتية سابقا)، أو أيضا من خلال عديد كتابات تاريخية وأدبية منشورة حول البلد الذي سماه رحالة روسي ببلد “الغروب الذهبي”، وهو يعني بذلك المغرب.
انطلاقا مما ذكر، البلدان اليوم يمتلكان إمكانيات مهمة لتطوير علاقاتهما الثنائية، وذلك ارتكازا على تاريخ تواصلهما وعراقة صلاتهما، وأيضا بالنظر إلى تحولات العالم المعاصر، وما تفرضه مصالحهما معا من تعاون ثنائي وإقليمي.
القيادة الروسية الحالية لم تخف تطلعها لتوطيد شراكتها الإستراتيجية مع المملكة، وجلالة الملك عبر عن ذات الأفق خلال زيارته لموسكو، وفِي مباحثاته مع الرئيس فلاديمير بوتين، ومن ثم لا بد اليوم من الاجتهاد المشترك لإيجاد اتجاهات جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الرباط وموسكو، والسعي لتوسيع الشراكة بين البلدين، والرفع من قيمتها وأثرها.
لقد راكم المغرب خبرة ومعرفة وحضورا على الصعيد الاقتصادي والسياسي والإستراتيجي بإفريقيا، وروسيا لديها، من جهتها، مصلحة في الاعتماد على المملكة وتقوية تعاونها معها لتنمية حضورها هي كذلك داخل القارة، وهذا يفتح الباب لتطوير شراكة ثلاثية: المغرب – إفريقيا – روسيا، وذلك على غرار الشراكة الأخرى المماثلة مع الدول الخليجية: المغرب – الخليج – إفريقيا، أو على غرار التعاون مع الصين، ومع باقي القوى والتكتلات عبر العالم.
ومن جهة ثانية، هناك البعد الثنائي في علاقات البلدين، حيث يمكن للتعاون في قطاعات: الطاقة والغاز، الصيد البحري، الفلاحة والصناعات الغذائية، تصدير المنتوجات الفلاحية، وخصوصا البرتقال والحوامض، السياحة، إنشاء مشاريع صناعية مشتركة واستقطاب استثمارات روسية، البنيات التحتية الكبرى، العلاقات الثقافية وتكوين الأطر والموارد البشرية…، أن يتيح للمغرب وروسيا صياغة أرضية انطلاقة جديدة للشراكة الإستراتيجية بينهما، وتطوير السير المشترك نحو برامج ومشاريع مربحة للطرفين معا.
وفِي الخلاصة، فإن الهدف الأساسي لبلادنا يبقى هو أن قوة عالمية مثل روسيا، وخصوصا اليوم وأمام ما يشهده العالم ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من تحديات، من مصلحة بلادنا توطيد علاقاتها معها، والحرص على فرض التوازن العام في كل المجالات، وذلك بما يعزز المصالح الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية لبلادنا، وأيضا بما يفتح أمامها آفاق تنموية جديدة، ويكرس استقلالية القرار الديبلوماسي الوطني وانفتاح سياستنا الخارجية على شراكات متنوعة.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top