المغرب شريك رئيسي من أجل المناخ

مكنت القيادة الحكيمة للملك محمد السادس المغرب من أن يصبح رائدا عالميا في مجال الاستثمار في الطاقات المتجددة، ومن أن يحقق أهدافه في إطار اتفاق باريس للمناخ، ريادة عالمية أشادت بها الخارجية الأمريكية وبالسياسات الملكية المغربية في مجال الطاقات المتجددة، وكذا بالانخراط الملكي الشخصي في مجال مكافحة تغير المناخ، مشددة على أن المغرب صار شريكا مهما في الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة تغير المناخ.
ويمضي المغرب بخطى ثابتة في مجال تعزيز بنياته التحتية في مجال الطاقات المتجددة، سواء من خلال إنشاء محطات للطاقة الشمسية أو أخرى لتوليد الكهرباء بالطاقة الريحية، عبر إطلاق المخطط الوطني لتنمية الطاقات المتجددة في المغرب، الذي استهدف في البداية وعلى المدى المتوسط رفع حصة الطاقات المتجددة في الباقة الكهربائية إلى 42% بنهاية 2020، بعدما وضع المغرب هدفا جديدا لتسريع الانتقال الطاقي الذي باشره للرفع من حصة الطاقات المتجددة من 42% في 2020 إلى 52% بحلول سنة 2030.
وكان المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب قد أشار أن 36.8% من مجموع القدرة الكهربائية المنتجة خلال 2020 كانت من مصادر متجددة، حيث شهدت المملكة المغربية في السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا للطاقة الكهربائية ذات المصادر المتجددة، وبلغت القدرة الكهربائية المنتجة حوالي 10557 ميجاوات مع نهاية سنة 2020، تمثل فيها نسبة الطاقات المتجددة ما يقارب 36.8%. فمنذ عام 2009 عرفت حصة الطاقات المتجددة في الباقة الكهربائية تزايدا ملحوظا منتقلة من 13% عام 2009 إلى 19% عام 2019، لتستقر  نسبتها عند 36.8% خلال العام المنصرم، كما استقرت حصة الغاز الطبيعي وتعززت وسائل الإنتاج بعد بدء إنتاج الوحدتين 5 و6 للمحطة الحرارية الجرف الأصفر وكذا المحطات الحرارية جرادة وآسفي، وتقليص التبعية الطاقية بتخفيض نسبة الواردات من 19% في سنة 2009 إلى 2% في سنة 2019، بالإضافة إلى تقليص نسبة استهلاك الفيول من 14% في سنة 2009 إلى 2% في 2019، وإنهاء أشغال إنجاز مشروع الطاقة الريحية لميدلت (210 ميجاوات)، وقرب انطلاق أشغال مشروع الطاقة الريحية لبوجدور (300 ميجاوات) ومشروع الطاقة الريحية لتازة 87 ميجاوات ومشروع الطاقة الريحية جبل لحديد بالصويرة (270 ميجاوات)، وهي مشاريع تندرج كلها في إطار البرنامج المندمج للطاقة الريحية (850 ميجاوات). كما تم إطلاق برامج جديدة في مجال الطاقات المتجددة تتضمن على الخصوص برمجة قدرة إضافية من مصادر متجددة تصل إلى 3880 ميجاوات خلال الفترة 2021-2024، وكذا قدرة إضافية تصل إلى 5400 ميجاوات خلال الفترة 2025-2030 إضافة إلى برنامج مندمج لتدعيم جميع محطات تحلية المياه المبرمجة، بوحدات لإنتاج الطاقات المتجددة، وينتظر أن تضم هذه المشاريع، تطوير برنامج تزويد المناطق الصناعية الوطنية بالطاقات المتجددة، لتأهيل نسيج صناعي وطني خال من الكربون.
المغرب البلد الرائد إفريقيا في الطموح المناخي

ويحتل المغرب صدارة البلدان الأفريقية من ناحية التوسع في اعتماد مصادر الطاقة المتجددة، بعد أن راكم تجربة مهمة خصوصا في مجال تمويل وتطوير وإنجاز مشاريع الطاقات المتجددة والعمل على تعزيز وتطوير علاقات التعاون والشراكة في مجال الطاقة عموما والطاقات المتجددة بالخصوص مع البلدان الأفريقية الصديقة لأجل تنمية قارية مستدامة وتدارك التأخر الحاصل في الولوج إلى الكهرباء على المستوى الأفريقي. كلها مؤشرات مشجعة تؤكد على أن المغرب في المسار الصحيح للتحول الطاقي، بعدما كان قد صنف ضمن أكثر سبع دول التزاما في العالم بمكافحة تغير المناخ. واحتل المغرب مرتبة جيدة في مؤشر أداء تغير المناخ لعام 2021، إذ حل في الرتبة السابعة عالميا والأولى افريقيا وعربيا، بعد السويد والمملكة المتحدة و الدانمرك وقبل النرويج البلد الأخضر الرائد والصديق للبيئة، وقبل الصين البلد الأول والأكثر إنتاجية في الطاقات المتجددة في العالم، وقبل ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، الدول العظمي في الطاقات النظيفة.
يسلط مؤشر الأداء المناخي الضوء على دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى 56 دولة أخرى ويستند إلى أربعة معايير: انبعاثات غازات الدفيئة والطاقات المتجددة واستهلاك الطاقة وسياسة المناخ. وعزز المغرب خلال السنوات الماضية جهوده لصالح التنمية المستدامة بفضل زيادة حصة الطاقات المتجددة وتطوير الطاقات المتجددة والجديدة، وتشمل هذه الجهود إنشاء أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم والعديد من مزارع الرياح التي تعمل بالشبكة، وقد رحبت هذه المبادرات من قبل مؤلفي تقرير مؤشر الاداء المناخي الذين ذكروا أن الدولة “تسير على المسار الصحيح لتحقيق هدفها المتمثل في 42٪ من قدرة الطاقة المتجددة المثبتة في 2020 و 52٪ في 2030”.
وبذل المغرب العديد من الجهود للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، الأمر الذي جعلها تحصل على مراتب متقدمة في فئة “انبعاثات الغازات الدفيئة” وكذلك في فئة “سياسة المناخ”. وتأمل الحكومة المغربية أن يبلغ المغرب الريادة على المستوى الدولي بفضل الاستراتيجية طويلة المدى في أفق عام 2050 خصوصا أن البلاد تسير على المسار الصحيح الذي جعلها تحتل، حسب التقرير، مرتبة أعلى من دول مثل فرنسا وألمانيا أو الولايات المتحدة، في المرتبة الأخيرة.

النرويج بين طموح الريادة البيئية وإغراءات الثروة النفطية

اعتادت النرويج، التي تأتي معظم ثروتها من استغلال حقولها النفطية، على أن تكون في مقدمة البلدان الصديقة للبيئة، بلد احتضن السيارة والسفينة والعابرة الكهربائية منذ سنوات وأصبح صاحب أحسن مؤشر للتنمية البشرية هذا العام والعام الماضي وربما كل عام. اليوم تجري في مياه النرويج أزيد من مائتي سفينة كهربائية وهجينة وأصبحت بذلك ضمن الدول الأوائل بأحسن مؤشر للأداء المناخي 2021 بعد تصنيفها في المرتبة الرابعة عالميا بعد السويد والمملكة المتحدة والدانمرك والمغرب البلد العربي والافريقي الرائد في المناخ والطاقات المتجددة، إلا أن تتويج دولة النرويج كبلد رائد في المناخ تزامن مع موافقة المحكمة العليا باستغلال النفط في القطب الشمالي وكذا بدأ احتجاجات المنظمات غير الحكومية لكون منح تراخيص جديدة لاستخراج النفط بالقطب الشمالي يتعارض مع اتفاق باريس للمناخ، وفي الواقع، لا يزال وزن الهيدروكربونات كبيرا مع 45٪ من إجمالي استهلاك الطاقة، وقد مكنت حقيقة وجود النفط والغاز الطبيعي على أراضي النرويج من تشكيل أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، لكن هل من الممكن إيجاد بديل موثوق للوقود الأحفوري؟

زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة

لا تزال النرويج بعيدة عن الحياد الكربوني بعدما بدأت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الارتفاع مرة أخرى بينما انخفضت بنسبة 2.5٪ في الاتحاد الأوروبي الذي لا تعتبر النرويج جزءا منه. وكانت النتيجة هي إطلاق 52 مليون طن من مكافئ الكربون في الغلاف الجوي في عام 2018. ويرجع ذلك الى النقل البري الذي زادت انبعاثاته أيضا في عام 2018 على الرغم من الطفرة في التنقل الكهربائي، والحركة الجوية، والصناعة البحرية وصيد الأسماك.
يعتبر استغلال النفط والغاز نفسه مسؤولا عن 27.3٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون النرويجية وفقا لمصادر رسمية. وتثير الاستكشافات الجديدة في بحر بارنتس قلق دعاة الحفاظ على البيئة. أخيرا عند مقارنة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في البلاد مع عدد السكان، لم تعد النرويج تبدو خضراء جدا: 8.84 طن من ثاني أوكسيد الكربون لكل فرد سنويا مقابل 5.2 طن في فرنسا وفقا لآخر تقرير !
المجتمع المدني البيئي يترافع
“اختارت المحكمة العليا الولاء للنفط النرويجي على حساب حقوقنا في مستقبل قابل للحياة”، كما أكدت رئيسة منظمة أصدقاء الأرض الشباب. وكانت منظمة غرينبيس قد قدمت شكوى عام 2016 ضد وزارة البترول، بشأن منح تراخيص استكشاف في بحر بارنتس في القطب الشمالي، هذه التراخيص انتهكت حسب غيرنبيس اتفاقية باريس للمناخ وحق النرويجيين في بيئة صحية وآمنة للأجيال الحالية والمستقبلية، وفق المادة 112 من الدستور، وكانت هذه المرة الأولى التي تعقد فيها محاكمة باسم هذه الفقرة، وخلصت هيئة المحكمة الى عدم وجود “صلة كافية بين تغير المناخ والخسائر في الأرواح البشرية في النرويج”، حيث أوضح القاضي هوجيتفيت بيرغ أنه إذا توافقت المحكمة العليا مع المنظمات البيئية، فسيكون ذلك بمثابة بداية للتخلص التدريجي المنظم من أنشطة الوقود الاحفوري النرويجي، واختتم حديثه بالقول “سيتعين علينا اتخاذ قرار خارج إطار هذه المحاكمة”، لكن المنظمات غير الحكومية حققت انتصارا مهما عندما قضت المحكمة بأن النرويج مسؤولة عن انبعاثات النفط والغاز النرويجية في الخارج.

النرويج بطلة العالم في الطاقة المائية

قد تكون النرويج بطلة العالم في الطاقة المائية، لكن استهلاكها للطاقة ليس نظيفا، حيث تنتج الطاقة الكهرومائية 95٪ من الكهرباء النرويجية، على اعتبار أن النرويج هي دولة غنية بالشلالات والأنهار والبحيرات الجليدية، وتستغل البلاد هذا المورد المتجدد منذ نهاية القرن التاسع عشر، وأصبحت النرويج أكبر منتج للطاقة الكهرومائية في أوروبا والسادسة في العالم، وقدرتها هي في الغالب تتجاوز الاستهلاك المحلي، حيث تقوم بتصدير جزء من إنتاجها الكهربائي إلى الدنمارك والمملكة المتحدة “التلاميذ النجباء” في مؤشر الأداء المناخي العالمي.
وتعتمد المملكة الاسكندنافية على التنقل الكهربائي لتقليل انبعاثاتها الملوثة، لكن المفارقة العجيبة أن هذا البلد ملك النفط في العالم خصوصا بعد موافقة المحكمة العليا على استخراج النفط في القطب الشمالي القرار الصادر الثلاثاء الماضي أقلق المجتمع البيئي الدولي، قمة التناقض تعيشه دول متقدمة مثل النرويج حيث استبشر الخبراء خيرا بعد التحدي الذي وضعه البرلمان النرويجي لنفسه قبل أربع سنوات بحظر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في أفق عام 2026 في مضايقها البحرية المصنفة في قائمة التراث العالمي إنسانية.
وبعدما قررت الأمم المتحدة هذا العام إدراج معيار جديد في مؤشر التنمية البشرية مع الأخذ بالاعتبار التأثير المناخي لكل دولة وبشكل أكثر دقة البصمة الإيكولوجية للأنشطة البشرية وكذا انبعاثات الغازات الدفيئة، أدى هذا المعيار إلى إسقاط العديد من البلدان بشكل عام من لائحة الترتيب العالمي، في حين حافظت النرويج على تقدمها العالمي فيما يتعلق بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حيث تبلغ انبعاثات النرويج 8.3 طن للفرد مما يجعلها من بين أهم ثلاثين قيمة في الترتيب، وحافظت جل الدول التي صنفها مؤشر الأداء المناخي 2021 لجيرمان ووتش على مراتبها المتقدمة حسب مؤشر التنمية البشرية الجديد، حيث احتلت دولة السويد المصنفة الرابعة عالميا بأحسن مؤشر للأداء المناخي صنفها مؤشر التنمية البشرية 2020 في المرتبة السابعة، في حين تم تصنيف المغرب صاحب المقعد السابع كأحسن مؤشر للأداء المناخي، تم تصنيفه في المرتبة 121 من بين 189 شملتها الدراسة.

النرويج ثامن بلد منتج للنفط عالميا

تدين النرويج بثروتها إلى الرواسب الهيدروكربونية الضخمة التي تم استغلالها في بحر الشمال منذ السبعينيات، لكن عاصمتها أوسلو تم تصنيفها كعاصمة خضراء لأوروبا في عام 2019، وتعتبر النرويج المنتج الثامن في العالم للغاز والرابع عشر النفط، الموارد التي تمثل 20٪ من ناتجها المحلي الإجمالي و 67٪ من صادراتها، لكنها تتفوق بفارق كبير على أوروبا بأكملها من حيث التنقل بدون محرك احتراق فالسيارة الكهربائية النرويجية الصنع تحقق نجاحا كبيرا، حتى أن حكومته الطموحة، وهي واحدة من رواد العالم في فرض ضريبة الكربون منذ عام 1991، مع التنصيص على الحظر التام على بيع السيارات التي تعمل بالبنزين أو الديزل بحلول عام 2025.
و احتلت النرويج المرتبة الأولى من بين 153 دولة في مؤشر البلدان الجيدة، والذي يقيم أداء السياسات البيئية للدول، وبينما احتل المغرب المرتبة 77 عالميا والرابعة عربيا لا تزال النرويج واحدة من أكبر سبعة دول ملوثة لكوكب الأرض من حيث انبعاثات الكربون، وبالرغم من ذلك ففي شوارع أوسلو العاصمة النرويجية، عندما تتحول إشارات المرور إلى اللون الأحمر ليس من غير المألوف رؤية مجموعة من السيارات الكهربائية والهجينة حيث أصبح النرويجيون يشترون السيارات الكهربائية والهجينة أكثر من سيارات البنزين ففي مارس 2019 كانت 58.4٪ من التسجيلات الجديدة تتعلق بالسيارات “النظيفة”، وتعتزم المدينة خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 95٪ قبل عام 2030 مقارنة بعام 2009، وهو هدف يتجاوز بكثير الالتزامات التي تم التعهد بها في اتفاقية باريس.

أوسلو والاستراتيجية المناخية الطموحة

في الوقت الذي أصبحت تحتل فيه العاصمة الرباط المرتبة الأولى وطنيا بأحسن مؤشر للمناطق الخضراء، بعدما ضاعفت المعيار العالمي المصرح به من طرف منظمة الصحة العالمية و المحدد في 10 متر مربع للفرد الواحد، في مقابل ذلك سطرت العاصمة أوسلو استراتيجية مناخية رائدة وطموحة جعلتها تصنف العام الماضي كأحسن مدينة خضراء في العالم، وقال العمدة ريموند جوهانسن: “إنها الاستراتيجية المناخية الأكثر طموحا في أي مدينة رئيسية في العالم”، ففي أوسلو 20٪ من أسطول السيارات يعمل بالطاقة الكهربائية أو الهجينة،وتنتشر على طول شوارع العاصمة محطات الشحن الكهربائي للعربات، ما تتشكل قوائم الانتظار فالبنية التحتية تكافح بالفعل لتلبية الطلب، وقال ستور بورتفيك مسؤول التنقل الكهربائي في أوسلو سيتي هول: “لم يعد لدينا مناجم فحم، لذا لم يكن هناك مزيد من التقدم في هذا المجال”.
وسيستغرق تحويل صناعة الصيد وتربية الأحياء المائية الملوثة عملية أطول بكثير، فمنذ التسعينيات ركز النرويجيون على النقل البري والبحري والجوي وهو المسؤول حاليا عن 31٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون 38٪ في فرنسا في عام 2017 و42٪ في المغرب.
ونفذت الحكومة النرويجية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين سلسلة من الحوافز الجذابة فمشترو السيارات الكهربائية أو الهجينة معفيون من ضريبة القيمة المضافة والمحددة بنسبة 25٪ للسيارات الأخرى وكذا من ضرائب الكربون – حوالي 20٪ – مما جعل سعر هذه السيارات التي عادة ما تكون أغلى ثمنا أقرب إلى مستوى نظيراتها من البنزين أو الديزل، ويعفى أصحاب السيارات الكهربائية أيضا من دفع رسوم المرور الإلزامي للوصول إلى المدينة ومواقف السيارات؛ حرية استخدام الممرات المخصصة عادة للحافلات وسيارات الأجرة؛ ويمكنهم إعادة شحن بطاريات الليثيوم الخاصة بهم مجانا في المحطات المخصصة لهذا الغرض.

وسائل النقل المستدام الصديقة للبيئة

إذا كان المغرب قد بذل مجهودات كبيرة في سبيل توفير أسطول للحافلات الكهربائية في كل من الدار البيضاء ومراكش وقريبا في أكادير، وكذا خلق خطوط الترامواي في العاصمة الرباط والدار البيضاء، فإن العاصمة أوسلو النرويجية تتوفر حاليا على 100 حافلة من أصل 600 حافلة تعمل بالكهرباء، والأكثر من ذلك سيتم إدخال الحافلات المستقلة التي تتحرك بدون سائق، وسيكون هذا الأمر ضروريا كما أكد بيتر هوجنيلاند المتحدث باسم جمعية السيارات الكهربائية النرويجية التي تدافع في أوسلو عن مصالح حوالي 75000 من سائقي السيارات: “نحن جميعا في عجلة من أمرنا”، وتهدف الجمعية إلى خدمة قضية جيدة: “نحن نناضل من أجل الحق في بيئة صحية ونظيفة”، كما يقول بيتر هوغنيلاند: “بعد بناء ازدهارنا على النفط والغاز الطبيعي، لدينا التزام أخلاقي نحن النرويجيون ببذل كل ما في وسعنا لحماية البيئة، وعلى عكس الدول الأخرى الغنية بالنفط، لم نكن نريد اقتصادا يعتمد على الهيدروكربونات وسرعان ما بحثنا عن بدائل”.
ومع ذلك، بفضل عائداتها من النفط والغاز، تمتلك النرويج الوسائل لدعم تحولها البيئي، يتم تسهيل ذلك من خلال المزايا الطبيعية الهائلة: الوديان شديدة الانحدار، والأنهار ذات التدفق الغزير، والأمطار الغزيرة والسدود التي كانت منذ فترة طويلة جزءا من المناظر الطبيعية النرويجية، تلبي حوالي 95٪ من استهلاك الكهرباء الوطني: كهرباء “خضراء” تسمح بتدفئة معظم الشقق في المدن الكبيرة، في أوسلو أيضا يعتمدون على حرق النفايات لتسخين المياه في المباني، وتخطط المدينة أيضا لالتقاط ثاني أكسيد الكربون الذي يتسرب من المحارق ودفنه في الأرض.
ويظهر المثال النرويجي أن الانتقال الطاقي سيكون أسرع من المتوقع، حيث يتذكر بيتر هوجنيلاند المتحدث باسم جمعية السيارات الكهربائية النرويجية قائلا: “كان الهدف الأولي هو 100000 سيارة كهربائية على طرقنا بحلول عام 2020″، ومع ذلك حققنا في نهاية عام 2019 بالفعل 250000، وهذا يمثل 10٪ من أسطول المركبات النرويجي مقارنة بـ0.5٪ في فرنسا، حيث سيشهد سوق السيارات الكهربائية العالمي طفرة حاسمة على مدار العامين المقبلين، مع وصول أنواع أرخص وأكثر توفرا، ويوضح بيتر هوجيلاند قائلا: “في الوقت الحالي، لا يوجد سوى نطاق محدود للغاية وفترة الانتظار للحصول على واحدة تصل أحيانا إلى عامين”، ويضيف قائلا: “إنني جد مقتنع بأن شركات صناعة السيارات الكبيرة التي تتشبث بالبنزين ستنزل قريبا إلى سلة مهملات التاريخ، المستقبل في مكان آخر” ويتوقع: “إذا لم تخرج أوروبا من خمولها، فإن السوق العالمية ستهيمن عليها الصين”، حيث ينتج الصينيون بالفعل ويشترون سيارات كهربائية أكثر من بقية العالم، إنها عملية لا رجوع فيها “، فبينما يمثل نشاط 486 مصنعا صينيا للمركبات الكهربائية نصف المبيعات العالمية، تهيمن الصين على السوق الدولية لبطاريات الليثيوم الضرورية للسيارات الكهربائية بنسبة 65٪ من الإنتاج مقابل 1٪ فقط في الاتحاد الأوروبي.

السيارة الملوثة بين التكيف والاختفاء

زار النرويج العام الماضي العديد من مسؤولي شركات تصنيع السيارات الرئيسية في الاتحاد الأوروبي جاءوا لمراقبة “المعجزة” النرويجية، مطمأنين أنفسهم باستمرار الدييزل والبنزين لأطول فترة ممكنة، لكنهم فهموا أنه يجب عليهم التكيف أو الاختفاء حيث يمكن للمستهلك تغيير عاداته في رمشة عين، فكل ما يحتاجه المستهلك هو خوض التجربة الجديدة والواقع الجديد، وقليل هم من يودون الرجوع الى السيارة التي تستعمل الوقود الأحفوري فقد أظهرت دراسة حديثة أن 4٪ فقط من مالكي السيارات الكهربائية يخططون للعودة إلى سيارات البنزين أو الديزل، لكن تبقى السيارات الكهربائية أكثر نظافة وكفاءة وقريبا ستصبح أرخص كما يؤكد بيتر هوجنيلاند المتحدث باسم جمعية السيارات الكهربائية النرويجية: “الصين من جانبها، تستثمر بالفعل في إنتاج مركبات الهيدروجين (التي لا ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون) وتستهدف إنتاج مليون وحدة بحلول عام 2030.

الطاقة الحرارية الجوفية

إن زراعة الحدائق ليست المجال الوحيد الذي يستفيد من هذه الثروة المفاجئة، أحواض الأسماك، المصانع، المكاتب، المساكن الجماعية، المنازل الفردية، حمامات السباحة، المدارس … جميع المباني التي يمكن ربطها بشبكة الطاقة الحرارية الأرضية تمثل في ايسلندة 90٪ والبقية يتم تسخينها بالكهرباء، والتي هي 99٪ من مصادر متجددة :محطات توليد الطاقة الهيدروليكية والجوفية، في آيسلندة وسائل النقل العمومي فقط هي التي تستهلك الوقود الأحفوري، لذلك، في المجموع يتم تغطية أكثر من 85٪ من احتياجات الطاقة الأولية للبلاد من خلال الموارد المتجددة.
ومع ذلك فإن الأيسلنديين اليوم الذين يدركون تماما ظاهرة الاحتباس الحراري التي تؤثر على كوكب الأرض، ويشككون في نموذجهم الخاص، لقد اجتذبت الكهرباء منخفضة التكلفة بالفعل الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة إلى بلدهم الصغير، أصبحت هذه الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 340.000 نسمة المستهلك الرئيسي للكهرباء للفرد (54.4 ميغاواط/ساعة، متقدمة بفارق كبير على البلد الثاني النرويج: (23.7 ميغاواط/ساعة)، ويستمر الطلب في الازدياد مع تأثير واضح للغاية على المناظر الطبيعية: في هذه المنطقة، وهي أصغر بست مرات من فرنسا، تم تركيب خمسين محطة طاقة هيدروليكية كبيرة للشبكة الوطنية وحوالي 200 محطة صغيرة على المستويات المحلية، بالنسبة لمحطات الطاقة الحرارية الجوفية الست الكبيرة، تظهر على بعضها علامات نفاد البخار، حيث أن الأصوات ترتفع لدرجة أن نظام الطاقة في آيسلندة قد لا يكون مستداما، بعد استطلاع للرأي أجرته احدى المؤسسات بايسلندة تبين أن ثلثيهم قلقون بشأن تأثيرات تغير المناخ، المصانع خاصة المعادن والتي أقيمت هنا للاستفادة من الكهرباء هي أيضا ملوثة للغاية، تضاف انبعاثاتها إلى تلك المرتبطة بالسياحة التي انفجرت من 1.3 مليون زائر في عام 2015 إلى 2.3 مليون في عام 2019، وهذا يعني أن آيسلندا تمتلك رقما قياسيا آخر، وهو البلد الأوروبي الذي ينتج اقتصاده أكبر نسبة من ثاني أوكسيد الكربون للفرد: 16.9 طن (+ 32٪ بين عامي 1990 و 2017.

الحياد الكربوني في أفق عام 2040

بالطبع، على المستوى العالمي، يكون تأثير الغازات الدافئة المنبعثة من هذا البلد قليل السكان للغاية متناهي الصغر بالكاد يمثلون 0.01٪ من الإجمالي العالمي أي أقل بقليل مما يلوثه المغرب، لكن ظاهرة الاحتباس الحراري واضحة هناك فالأنهار الجليدية فقدت 7٪ من حجمها منذ عام 1995 وبالنسبة للسكان الذين كانوا مقتنعين بأنهم يعيشون في منطقة “نظيفة”، فمن الصعب تجاوز هذه الأرقام، لذلك وضعت الحكومة خطة مناخية استباقية، الهدف: تحقيق الحياد الكربوني في عام 2040، قبل عشر سنوات من الاتحاد الأوروبي.
طموح إيسلندة يجعلها تعيش الواقع فبعد صدمات النفط في عامي 1973 و1979. أدرك الآيسلنديون أن أراضيهم المليئة بالمياه والحرارة والينابيع الساخنة كانت جنة للطاقات الخضراء، ولفترة طويلة كان الأيسلنديون يستخدمون هذه فقط لغسل ملابسهم، حيث قررت الحكومة الايسلندية الاستفادة من هذه الطاقة النظيفة منذ السبعينيات، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط، لبناء شبكة تدفئة وطنية، وهذا يعتمد في نفس الوقت إلى حد كبير على الطاقة المائية لأن حوالي 11٪ من الأراضي مغطاة بالأنهار الجليدية التي تتدفق منها أنهار عالية التدفق.

انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في تزايد

تنتج آيسلندة اليوم طاقة كهربائية أكثر بكثير من احتياجاتها المنزلية، حيث يستهلكون بالكاد 5٪ منها، وفي الواقع ثلاثة مصانع ألمنيوم ضخمة مملوكة لمجموعات أجنبية تبتلع 75٪ من الطاقة الكهربائية لوحدها، هذه المصانع التي نمت انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون بشكل مطرد لتصل إلى 1.3 مليون طن في عام 2014، أو أكثر من ثلث الإجمالي الوطني، لذلك بحثت السلطات الأيسلندية عن أنواع أخرى من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة أقل وضوحا في المناظر الطبيعية من هذه المجمعات المعدنية الضخمة
ويأسف طوماس غوبجارستون لواقع الأنهار الجليدية العظيمة وهو أحد أكثر النشطاء البيئيين حماسة في البلاد، ويقول طوماس: “أخذتني دراساتي بعيدا عن بلدي لمدة 11 عاما وعندما عدت في عام 2005، كانت السدود تنمو في كل مكان، الحفر الجيوحرارية أيضا، نبيع للسائحين قصة أيسلندة الجميلة التي ستكون أرضا خاصة بها، لكن كل ما يبدو مستداما ليس كذلك”، ويستدل طوماس بمورد الطاقة الحرارية الأرضية الذي تم استغلاله بشكل مفرط لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، حتى هيليشيوا أكبر محطة لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية في البلاد – تعمل منذ عام 2006 – والتي زادت طاقتها الإنتاجية من الكهرباء إلى 303 ميجاوات في عام 2010 ولكنها تمكنت فقط من إنتاج 276 ميجاوات بعد ثلاث سنوات، ويقول توماس: “لقد ضخوا الكثير من البخار وفقدت الآبار طاقتها”. لذلك، قاموا باختبار عمليات بديلة ولكن هذا تسبب في الشعور بالزلازل في القرى المجاورة لذا فهم يتخلون عن الآبار التي تجف وتحفر أكثر وأكثر”.
إلى جانب تأثيرها على المناظر الطبيعية، بدأت هذه الصناعة في التعرض لانتقادات بسبب انبعاثاتها الجوية، من المسلم به أنها منخفضة للغاية مقارنة بمحطة توليد الطاقة بالوقود الأحفوري، ولكن بين عامي 1990 و 2014 زادت بنسبة 200٪ انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وبنسبة 250٪ لثاني أوكسيد الكبريت، ومع ذلك فإن هذه المصانع قريبة نسبيا من المنازل حيث يشكو السكان المحليون من مشاكل في الجهاز التنفسي تتعلق بثاني أكسيد الكبريت والغثيان والصداع وينددون بانتظام بمعدلات التلوث المحلية التي تتجاوز معايير السلامة، وبشكل عام تمثل الطاقة الحرارية الأرضية 6٪ من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في البلاد، رقم لا يزال مرتفعا جدا في عيون الآيسلنديين.

طموح الطاقة الحرارية الجوفية النظيفة

لذا تعمل آيسلندة على الطاقة الحرارية الجوفية النظيفة بنسبة 100٪ للمستقبل في بيئة من الخيال العلمي، بدواماتها السميكة من الدخان الأبيض، وأنابيبها الضخمة التي تنساب في وادي كامل، وملاجئها المعدنية على شكل نصف كروي موضوعة في جميع أنحاء الصخرة البركانية ، فإن محطة هيليشواي لتوليد الكهرباء الشهيرة تشبه بالفعل قاعدة تجريبية على المريخ، فمنذ عام 2007 شرعت شركة سويسرية على مشروع تقليل انبعاثات الغاز من محطة الطاقة من خلال ترسيخها مبدأ تم اختباره على ثاني أوكسيد الكربون وكبريتيد الهيدروجين الذي يتم التقاطه في الغلاف الجوي ويذوب في الماء ثم يحقن على عمق يتراوح بين 600 و 1000 متر في طبقة من البازلت حيث يتلامس مع هذا الصخور، يتحول ثاني أوكسيد الكربون إلى كالسيت و كيبريتيد الهيدروجين إلى بيريت، وكانت النتائج الأولى التي تم الكشف عنها في عام 2016 جد حاسمة، فقد تم ترسيخ كل الغاز الذي تم التقاطه بهذه الطريقة تقريبا في غضون عامين وبتكلفة تنافسية، وتهدف الشركة السويسرية إلى التقاط 1٪ من جميع الانبعاثات العالمية بحلول عام 2025،لذلك لتحقيق حياد الكربون في عام 2040 تعتمد أيسلندة أيضا على تدابير احتجاز ثاني أكسيد الكربون الطبيعية عبر إعادة التحريج وتكاثر الأراضي الرطبة وما إلى ذلك، وتعمل قبل كل شيء على تقليل انبعاثاتها على وجه الخصوص تلك المتعلقة بالنقل (23٪ من الإجمالي) والتي انفجرت تحت تأثير النمو الاقتصادي وطفرة السياحة حيث قفز بين عامي 1990 و 2014 أسطول المركبات بنسبة 78٪، ويتم إعادة تقييم ضريبة الكربون على الوقود الأحفوري، المطبقة منذ عام 2010 بانتظام، واعتبارا من عام 2030، لن يسمح بأي تسجيلات جديدة للمركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري.
وقبل كل شيء يعمل العديد من الباحثين على أنواع الوقود البديلة حيث تستضيف محطة توليد الكهرباء هيليشواي أيضا مشروعا تجريبيا لخلايا وقود الهيدروجين، وهو وقود لا تنبعث منه أية غازات دفيئة سوى بخار الماء فقط، حيث يمكن اعتبار إنتاجه في أيسلندة مستداما، وفي الواقع فالهيدروجين الذي يتم الحصول عليه عن طريق التحليل الكهربائي للماء، بينما في أي مكان آخر يتم صنعه دائما من الموارد الأحفورية أو الخشب، وفي غضون ذلك تتطور السيارات الكهربائية (19٪ من المبيعات في 2018) بفضل سياسة الحوافز من السلطات العامة.
في محطة طاقة سابقة تعمل بالفحم الحجري في ضواحي العاصمة، أسس المهندس الميكانيكي صابور اسغيرسون شركة من خمسة موظفين قبل خمس سنوات، إنه مقتنع جدا بأنه راهن على الطاقة الأيسلندية النظيفة للغد: طاقة الرياح، ويقول: “قبلنا، لم يفكر أحد في الأمر حقا”، بدت الطاقة الهيدروليكية والطاقة الحرارية الأرضية مثقلة بالديون، ولم يتم تكييف أي تركيب مع العواصف التي نعرفها هنا”، فبعد تصميم توربينات الرياح لمنازل منعزلة في وسط الطبيعة، العديد منها في آيسلندة، أطلقت الشركة توربينات جديدة قادرة على تحمل رياح تزيد سرعتها عن 200 كيلومتر في الساعة، وهو منتج تمتلك فيه الشركة الناشئة طموحات دولية، ومع ذلك في آيسلندا يجب أن تقتصر هذه التقنيات البديلة على سوق متخصصة، حيث سيتم دمج الطاقة الحرارية الأرضية في الحياة اليومية للآيسلنديين – حتى أنها تستخدم لإزالة الثلوج من مواقف السيارات في الهواء الطلق وتذويب الجليد في ملاعب كرة القدم – ويبدو أنها مرتبطة بشكل لا يمكن إصلاحه بمستقبل البلاد، ومن ناحية أخرى، لابتكار مستقبل أخضر لنفسها، وسيكون عليها بالتأكيد أن تفعل أكثر من مجرد حبس انبعاثات الكربون في البازلت، وسيتعين على آيسلندة إيجاد توازن بين احتياجاتها المتزايدة من الطاقة والحفاظ على بيئتها الهشة.

< بقلم: محمد بنعبو

Related posts

Top