المغرب في حالة طوارئ مائية

بلغت حقينة السدود في المغرب، يوم السبت 11 يونيو 2022، حوالي 4906.61 مليون متر مكعب أي بنسبة ملء تناهز 30.43٪، ويأتي في مقدمة الأحواض المائية الأكثر استفادة حوض سبو  بنسبة ملء 49.01٪، حوض اللوكوس 48.37٪ وحوض أبي رقراق الشاوية 34.64٪ بينما تبلغ نسبة ملء الحوض المائي لتانسيفت حوالي 48.20٪. ومن بين الأحواض المائي الأكثر تضررا يأتي حوض أم الربيع بنسبة ملء تبلغ حوالي 9.19 في المائة أي 455.20 مليون متر مكعب، وذلك وفق بيانات الرصد اليومي لوزارة التجهيز والماء، وما يزال هذا الرقم المرشح للانخفاض بشكل كبير سيظل بعيدا جدا عما كان مسجلا خلال الفترة نفسها من العام 2021 حيث بلغت الحقينة 1023.82 مليون متر مكعب بنسبة ملء من 20.66 في المائة. وفي التفاصيل ما يزال سد المسيرة وهو ثاني أكبر سد في المغرب بعد سد الوحدة، يسجل واحدة من أدنى نسبه بـ5.26 في المائة، وبالنسبة لسد بين الويدان فتبلغ حقينته نسبة 13.82 في المائة أما نسبة ملء سد أحمد الحنصالي فقد بلغت 9.40 في المائة، ويأتي سد الحسن الأول في الرتب المتأخرة بنسبة ملء من 13.78 في المائة متبوعا بسد مولاي يوسف بحقينة تصل نسبة ملئها إلى 23.6 في المائة، وتبلغ حقينتا سدي أيت مسعود والدورات على التوالي 61 في المائة فيما تصل حقينة سدي سيدي إدريس وسيدي سعيد بنسبة ملء من 83.30 في المائة، ونسبة ملء 87٪.

 ويعول المغرب كثيرا على الحملة التحسيسية التي أطلقتها لجنة القيادة تحت رئاسة رئيس الحكومة عزيز أخنوش من أجل التخفيف من وطأة الاستهلاك المتزايد لهذه المادة الحيوية دونما اكتراث لمحدودية الموارد المائية وندرتها. وفي غياب الوعي الجماعي بكون المغرب يعيش حالة طوارئ مائية حيث ينتظر من هذه  الحملة توعية مختلف المواطنين بضرورة الحد من تبذير المياه. وفي الوقت الذي تتناقص فيه الموارد المائية يعرف منحنى استهلاك المياه بين المستخدمين ارتفاعا.

هي حملة وطنية إذن تدعو إلى التوقف عن ممارسة أي شكل من أشكال تبذير الماء، حفاظا على الموارد الحالية، ومن أجل ضمان التوزيع العادل للمياه لفائدة الجميع. حملة توعوية استمتد على مدى شهرين ابتداء من مساء الخميس 30 يونيو، من أجل “دق ناقوس الخطر” في مواجهة الجفاف الذي يعرفه المغرب، وكذا رفع الوعي بين صفوف المواطنين حول حساسية الوضع. مجموعة من الكبسولات الرقمية أعدتها الوزارة الوصية على القطاع تعرض شهادات لأشخاص يحكون عن وضعهم الحالي وصعوبة إيجاد أنفسهم بدون ماء، وكذا عواقب نقص المياه على سير حياتهم اليومية، وتستهدف الحملة جميع شرائح المجتمع، سواء ساكنة الحواضر أو القرى، ولكن أيضا الفلاحين، وسيتم بث الكبسولات على القنوات العمومية وشبكات التواصل الاجتماعي بهدف أوحد يتمثل في تعزيز وعي المجتمع المغربي من أجل رفع التحدي الجماعي أمام النقص الحاد في هذا المورد الحيوي، وزير التجهيز والماء نزار بركة أكد على أنه علاوة على مختلف الإجراءات التي تتخذها الوزارة على المديين القريب والمتوسط لضمان تزويد السكان بالماء الشروب، “أصبحت المياه اليوم شحيحة وكل قطرة مهمة للغاية. وبالتالي، أضحى الاستهلاك المسؤول والمعقلن للماء عملا مواطنا ودليلا على التضامن الوطني”.

وعلى المدى البعيد يعول المغرب على المخطط الوطني للماء، الذي يعد المرجع الأساس للسياسة الوطنية المائية، للتخفيف من تفاقم مشكل ندرة المياه في بعض المناطق، خاصة في فترة الصيف، خصوصا وأن عدة مؤشرات تشير إلى كون أزمة الماء ستزداد استفحالا في المستقبل. ويستهدف هذا المخطط الوطني ضمان الأمن المائي في أفق 2030. وقد تضمن عددا من الإجراءات تهم تنويع مصادر التزويد بالماء، واللجوء إلى مصادر غير اعتيادية، مثل تحلية مياه البحر وتثمين المياه المعالجة، بالإضافة إلى الاقتصاد في استعمال الماء، مع ربط جميع القرى والدواوير بالمنظومة الوطنية لتوزيع المياه، والقضاء على المنظومات المحلية التي لم تعد قادرة على مواجهة آثار الجفاف.

اليوم جف نهر أم الربيع، وقبله جف نهر ملوية، وستجف قريبا أنهار ووديان أخرى، كما جفت أنهار العراق والهند وباكستان والفيتنام، نظرا للضغط الكبير الذي تمارسه البشرية على الموارد المائية دون هوادة. ووفقا لتقرير منظمة الأرصاد الجوية العالمية، فإن 3.6 مليار شخص لا يحصلون على المياه الكافية لمدة شهر واحد على الأقل بينما بحلول عام 2050 سيكونون أكثر من 5 مليارات، إن المياه تغطي ثلثي كوكبنا وتشكل ما يقرب من 60٪ منها، وهي تجدد نفسها باستمرار. لكن يبدو أن المياه ستنفذ يوما ما ولذلك لم تعد السدود ممتلئة والآبار وصلت إلى حدها الأقصى. بينما تخشى العديد من المدن الكبرى عبر العالم أن يحل الموعد المنتظر عندما تتوقف الصنابير عن التدفق، فهذا التهديد سيظل قائما ومع ذلك فهو بعيد كل البعد عن الحتمية لأن الحلول موجودة والجهود مبذولة والطموح قائم والعالم جاهز.

وفي هذا الإطار اتخذت المملكة المغربية سياسة عمومية مائية ناجحة بشكل كبير من خلال بناء السدود. هذه السياسة التي انطلقت منذ الستينيات والتي تمثل رؤية استراتيجية لاستدامة الموارد المائية وترشيد استعمالها وعقلنة استغلالها في أفق تحقيق التنمية الفلاحية وتنويع العرض المائي المتعلق بالمياه الصالحة للشرب، حيث على مستوى الحوض المائي لأم الربيع تمت برمجة بناء سدين جديدين. يتعلق الأمر بسد تاكزيرت بإقليم بني ملال بحقينة من 85 مليون متر مكعب وتيوغزة بإقليم أزيلال بحقينة من 160 مليون متر مكعب كما تمت برمجة بناء 61 سدا تليا وسدا صغيرا بالأقاليم الخمس  لجهة الخنيفرة بني ملال من بينها 27 بأزيلال و10 ببني ملال و20 بخنيفرة و3 بخريبكة و1 بالفقيه بنصالح.

سياسة مائية تتكيف مع التغيرات المناخية

هذا في الوقت الذي تشير فيه العديد من التقارير الدولية إلى خطورة العجز المائي وتزايد وتيرته بشكل متسارع، فأهم ما ميز السياسة المائية خلال السنوات الأخيرة هو تعثر الاستراتيجية الوطنية للماء مما تعثرت معها مجموعة من المشاريع التي كانت لترى النور منذ سنوات خلت وكانت لتخفف وطأة العجز المائي الذي نعيش على إيقاعه خلال هذه الأيام، بالإضافة إلى أن المنظومة المائية أصبحت غير قادرة على سد الحاجيات على المستوى الوطني بنسب متفاوتة من منطقة إلى أخرى، ومن حوض مائي إلى آخر فاليوم مجموع المياه السطحية المجمعة تتواجد في سبعة في المائة من مساحة المغرب فقط، مما يتطلب منا تحقيق العدالة المجالية وضمنها العدالة المائية هذا بالرغم من توفر المغرب على بنيات تحتية مائية جيدة، لكنها لم تعد تستطيع مواكبة التزايد العمراني والاقتصادي، إضافة إلى التغيرات المناخية التي تنعكس سلبا على الموارد المائية بكل أشكالها حيث صارت الوضعية المائية تصنف ضمن الفئة من المتوسطة إلى الضعيفة حيث تصل إلى 5.4 من مؤشر الموارد مقابل 9.1 كمعدل عالمي ويظهر هذا جليا خلال أيامنا هاته حيث بلغ حجم المخزون المائي بحقينات السدود إلى غاية يوم 27 يونيو 2022 حوالي خمسة مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 31 بالمائة كنسبة ملء إجمالي، مقابل 47.54 بالمائة سجلت في نفس الفترة من السنة الماضية أي ما يعادل 7.66 مليار متر مكعب، هذا بالرغم من التساقطات المهمة التي عرفها المغرب خلال شهري مارس وأبريل الماضيين. هذا العجز المسجل بالنسبة للواردات المائية يعتبر خطيرا واستثنائيا، وهذا راجع بالأساس إلى توالي سنوات الجفاف التي عرفها المغرب خلال العقد الأخير وخير دليل على ذلك أنه تم تسجيل 56.2 في المائة في حقينة السدود  سنة 2019 بينما كانت تبلغ النسبة حوالي 67.2 في المائة سنة 2018 إذن هو تراجع خطير في خزينة المياه السطحية تستدعي إعلان حالة الطوارئ المائية ودق ناقوس الخطر لتعبئة جميع المتدخلين لمواجهة السيناريوهات الأسوأ، فنحن للأسف نسير بسرعة البرق نحو الصدمة المائية حينها نكون انتقلنا الى الندرة المطلقة للمياه حيث ستصل في السنوات القليلة المقبلة حصة الفرد من الماء إلى 500 متر مكعب سنويا لكل نسمة بينما كانت تبلغ في الستينات 2300 متر مكعب في السنة لكل مواطن.

فالجفاف التاريخي الذي عرفه المغرب خلال السنوات الخمس الأخيرة أبان للأسف عن هشاشة بعض منظومات التزود بالماء إزاء فترات الجفاف الطويلة، وهو ما أملى صياغة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، ومن أهم محاوره تنمية وتنويع العرض المائي وتدبير الطلب واقتصاد وتثمين الماء عبر الانفتاح على الموارد المائية غير التقليدية وفي مقدمتها تحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، والبحث عن موارد مائية جوفية جديدة بينما يبقى الأهم وهو الاشتغال على الحملات التحسيسية بأهمية الاستعمال المعقلن للمياه، خصوصا في صفوف القطاعات الأكثر استنزافا للثروة المائية الجوفية منها والسطحية، ويبقى مخطط المغرب الأخضر وفي استمراريته برنامج الجيل الاخضر من بين البرامج الوطنية التي تهدف إلى التدبير المستدام للموارد المائية في أفق 2030، ولتجاوز الصدمة المائية يشتغل المغرب في إطار المخطط المائي 2050، يشتغل المغرب على الربط بين الأحواض المائية وتوسيع شبكة الأنظمة المائية لضمان تدبير مرن للموارد المائية وللتقليص من الفوارق المجالية، وكذا لتنويع العرض المائي واستدامته لفائدة الأجيال القادمة ومواصلة سياسة السدود التي أبرزت نجاعتها خلال السنوات والعقود الماضية، بالإضافة إلى تطوير تحلية مياه البحر، مع اللجوء إلى الطاقات المتجددة، محطة اشتوكة نموذجا، والتي تشتغل بالطاقة الريحية، بالإضافة إلى خفض معدل توحل السدود بنسبة تصل إلى 20 بالمائة عبر تهيئة الأحواض المائية.

في حين تبقى من بين أكثر المؤهلات التي يمكن أن تساعد المغرب على تجاوز السيناريوهات الأسوأ توفر المغرب على مؤهلات من مستوى عالي في ما يخص الطاقات المتجددة، بحكم أن هناك رؤية واضحة في ما يخص كلفة الإنتاج الكهربائي تمتد لأربعين سنة، وبالتالي يجب إدراجها في منظومة الماء لتنويع العرض المائي واستدامته.

الأمن المائي أو الصدمة المائية

يكتسي موضوع الأمن المائي أهمية قصوى، حيث عرفت السياسة المائية بالمغرب تطورات إيجابية مهمة منذ تبني المغرب سياسة إنشاء السدود من طرف المرحوم الملك الحسن الثاني بهدف تحقيق التنمية والعيش الكريم لكافة المغاربة، وتحقيق النمو الاقتصادي والارتقاء الاجتماعي، فبالرغم من التساقطات المهمة التي عرفتها المملكة خلال فصل الربيع، فإن العجز المسجل بالنسبة للواردات المائية من فاتح شتنبر 2021 وإلى حدود يوم 11 أبريل الجاري بلغ حوالي 86 بالمائة مقارنة مع متوسط الواردات لنفس الفترة، ولتغطية الخصاص الحاصل في التزود بالماء الشروب من المرتقب إدخال بعض التعديلات على البرنامج، وتهم على الخصوص، مراجعة برمجة بعض السدود وإدراج سدود جديدة، ورفع القدرة الإنتاجية لمحطات تحلية مياه البحر لكل من الدار البيضاء الكبرى وآسفي والداخلة، بالإضافة إلى إدراج مشاريع جديدة لتحلية مياه البحر كمحطة الجهة الشرقية. وكان وزير التجهيز والماء قد أكد خلال اليوم الدراسي الذي نظمته لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، حول موضوع “السياسة المائية بالمغرب: التحديات والآفاق”، على أنه تم إعداد وتوقيع مجموعة من الاتفاقيات بين مختلف المتدخلين من أجل تنفيذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية الرامية إلى ضمان التزويد بالماء الصالح للشرب بأحواض ملوية وأم الربيع وتانسيفت التي تعرف ضعفا على مستوى المخزون المائي بها، بالإضافة إلى برنامج استعجالي تكميلي لتأمين التزويد بالماء الشروب بالوسط القروي في المناطق التي قد تعرف خصاصا ونقصا في التساقطات، بغلاف مالي إجمالي لبرنامج الإجراءات الاستعجالية والبرنامج الاستعجالي التكميلي، يقدر بـ3.195 مليار درهم، بينما بخصوص الآفاق المستقبلية لمشروع المخطط الوطني للماء 2050، أورد الوزير خلال اليوم الدراسي أنها تتمثل أولا في تعزيز العرض المائي من خلال مواصلة سياسة السدود الكبرى والصغرى والبحيرات التلية، وتوسيع شبكة الأنظمة المائية عبر مشاريع الربط بين الأحواض المائية لضمان تدبير مرن للموارد المائية والتقليص من الفوارق المجالية، وتطوير تحلية مياه البحر مع اللجوء إلى الطاقات المتجددة، بالإضافة إلى خفض معدل توحل السدود بنسبة تصل إلى 20 بالمائة عبر تهيئة الأحواض المائية، بينما أبرز المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب عبد الرحيم حافظي خلال أشغال اليوم الدراسي أن الصبيب اليومي المجهز من الماء الصالح للشرب يبلغ حاليا 6.9 مليون متر مكعب في اليوم ويمتد إلى غاية 2030، مما يعني أن هناك فائضا بالنسبة للطلب على الماء الصالح للشرب، مبرزا أن المغرب لديه تحكم في البنيات التحتية والتجهيزات والاستثمار والتكنولوجيا المستخدمة في مجال الماء، ومضيفا أن المغرب يتوفر على مؤهلات من مستوى عالي في ما يخص الطاقات المتجددة، بحكم أن هناك رؤية واضحة في ما يخص كلفة الإنتاج الكهربائي تمتد لأربعين سنة، وبالتالي يجب إدراجها في منظومة الماء. وأشار أن هذا المعطى لا يمكن أن توفره الطاقات الأحفورية التي عرفت أسعارها ارتفاعا كبيرا في الآونة الأخيرة، وهو ما يعني ارتفاع كلفة إنتاج الطاقة الكهربائية التي تتحملها الدولة حتى لا يتأثر بها المواطنون بشكل مباشر. وتتوفر المملكة المغربية على 3500 كيلومتر طولي من الشواطئ، وهو مخزون كبير من الماء من شأنه توفير رؤية على المدى المتوسط والبعيد في ما يتعلق بالتبعية للمياه السطحية والجوفية، وارتباطها بالتغيرات المناخية. وأوضح حافيظي أن التبعية الحالية للمياه السطحية بالمغرب تفوق 28 بالمائة، بينما تناهز التبعية للمياه الجوفية حوالي 30 بالمائة، حيث  يطمح المغرب إلى مستوى لا يتعدى درهمين اثنين في تحلية مياه البحر لأغراض السقي، وله من الإمكانيات ما يخوله بلوغ هذا الهدف. على سبيل المثال يعتبر مشروع مدينة الداخلة إنجازا كبيرا في هذا الصدد، حيث سيخصص قسطا من المياه المعالجة للشرب والقسط الآخر للسقي بينما يجب أن يبقى استعمال المياه السطحية والجوفية محدودا في استعمالات خاصة، من أجل الأجيال المستقبلية، مبرزا ضرورة استغلال المؤهلات الطبيعية التي يتوفر عليها المغرب من أجل تحلية مياه البحر.

تقارير دولية: أزمة الماء تدق الأبواب في صيف 2022

عدة تقارير  تنبأت بهذه الصدمة المائية التي يعيش على إيقاعها المغرب خلال الأسابيع الأخيرة والتي ستزداد حدتها خلال شهري يوليوز وغشت المقبلين، على سبيل المثال تقرير عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة يحمل عنوان “إدارة المياه في النظم الهشة”، تناول إشكالية ندرة المياه في شمال إفريقيا وارتباطها بإمكانية زعزعة الاستقرار المجتمعي في السنوات المقبلة إن لم يتم تدارك استفحال هذه الظاهرة، حيث سبق أن أشار خبراء منظمة الفاو التابعة لهيئة الأمم المتحدة على أن ضعف إدارة المياه في المغرب بشكل عقلاني يمكن أن يتحول إلى محرك أساسي في تفاقم التوترات الاجتماعية خاصة مع تنامي الطلب والمتغيرات المناخية. كما حث التقرير على ضرورة الإسراع في إيجاد حلول سريعة وعقلانية في تدبير الموارد المائية لان أي تجاهل مستقبلي سيكلف المغرب خسائر اقتصادية تقدر ب 6 إلى 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050. وحذر البنك الدولي في تقريره الصادر عام 2014 تحت عنوان “من أجل عالم خال من الفقر” من أن المغرب يعاني من احتياطي محدود للموارد المائية وأن حجم المياه التي يمكن استغلالها لا تتجاوز 80 في المائة من الموارد المائية المتوفرة حاليا. أما على مستوى الجودة فهي متوسطة و4 في المائة تعتبر جيدة، حيث شدد التقرير على أن إشكالية الماء بالمغرب مرتبطة بتدبير الموارد المائية، مبينا أن نسبة إهدار الماء في المغرب تبلغ 35 في المائة من المياه المتوفرة، بينما أوصى البنك الدولي في مستهل التقرير بضرورة مراجعة القوانين المتعلقة بتدبير هذا القطاع العمومي الحيوي وملاءمة أنظمة التزود بالماء في الحواضر الكبرى مع التغيرات المناخية، إضافة إلى تزايد العجز المائي في المغرب في أفق 2025 إلى أكثر من ملياري متر مكعب بموازاة ارتفاع الطلب على الماء إلى أكثر من 19 مليار متر مكعب. فالمندوبية السامية للمياه والغابات التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات هي الأخرى كانت قد أصدرت تقريرا عام 2013 أبرزت فيه أن الفرد المغربي تقلصت حصته من الماء بشكل ملحوظ من 2500 متر مكعب في العام خلال سنوات الثمانينيات إلى 1010 أمتار مكعب في عام 2000، ثم تدهورت في عام 2013 لتصل حصة الفرد إلى 720 متر مكعب. كما أن توزيع هذه الحصة ليس متساويا بل يختلف من منطقة إلى أخرى في ربوع المملكة. فحصة الفرد في المناطق الجنوبية أقل من المناطق الشمالية حيث تصل هناك إلى 2000 متر مكعب سنويا مقابل حصة الجنوب التي تصل فقط 150 متر مكعب سنويا للفرد، فاليوم 70 في المائة من الموارد المائية الحالية تتوزع على 7 في المائة من مجموع البلاد بعدما كانت تبلغ 27 عام 2013، مما يعني أن أكثر من 13 مليون مواطن كانوا مهددين منذ 2013 بندرة الماء في أفق 2020 حسب تقرير المندوبية السامية للمياه الغابات. وحسب وزارة التجهيز والماء فإن المملكة المغربية تستقبل سنويا 140 مليار متر مكعب من التساقطات المطرية أغلبيتها تتعرض للتبخر ولا يبقى منها سوى ما يناهز 22 مليار متر مكعب كموارد مائية طبيعية. تقرير أخير هو الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الحكامة عن طريق التدبير المندمج للموارد المائية في المغرب، حيث لاحظ أن المغرب يشهد تفاقما في الضغط على الموارد المائية بسبب عوامل عديدة منها عادات غير عقلانية في استهلاك الموارد المائية. وتذهب في هذا الاتجاه العديد من التقارير الحكومية، وحتى الأسئلة البرلمانية باتت تتناول هذه الإشكالية التي أصبحت معضلة استراتيجية تقلق صاحب القرار العمومي.

ترى هل هناك حلول ناجعة؟

يمتلك المغرب بنيات تحتية مائية جد مهمة تضم أكثر من 149 سدا كبيرا والعديد من السدود المتوسطة والتلية بالإضافة إلىى أن حجم تخزين المياه يفوق 17.5 مليار متر مكعب حسب تقرير نجاعة الأداء للسنة المالية 2018، غير أنها أصبحت بنية تحتية غير كافية بسبب عدة متغيرات أهمها التزايد العمراني والديمغرافي وتزايد الأنشطة الاقتصادية، إضافة إلى المتغيرات المناخية.

مقاربة حكومية شاملة يتم نهجها لمعالجة أزمة الندرة المائية من خلال برنامج حكومي لتدبير قطاع الماء من بينها إيجاد حلول عملية لمشاكل السدود التي تعاني الوحل والتبخر الذي يضيع على المغرب سنويا 70 مليار متر مكعب من الموارد المائية. وتبقى من أهم الإجراءات الحكومية تعبئة الموارد غير التقليدية كتحلية مياه البحر خاصة أن المغرب يتوفر على واجهتين بحريتين شاسعتين إذ يتوقع أن تصل قدرة المغرب إلى تحلية مياه البحر في أفق 2030 إلى 510 مليون متر مكعب سنويا إضافة إلى الاعتماد على تقنية إعادة استخدام مياه الصرف الصحي ومعالجتها، ويهدف المخطط الوطني للماء إلى تحويل مياه من أحواض الشمال الغربي إلى أحواض الوسط الغربي بما يناهز 800 مليون متر مكعب سنويا، ويرتقب انجاز هذا المشروع وفق 3 مراحل زمنية أما الكلفة الإجمالية ستصل إلى 30 مليار درهم، بينما من بين التدابير المهمة التي تتخذها السلطات المغربية لمعالجة أزمة المنظومة المائية هي سن ترسانة قانونية متقدمة قادرة على حماية هذا القطاع وعقلنته وفق سياسة عمومية شاملة تقوم على ترشيد الموارد المائية وتبني نهج الحكامة المائية التي يسهر عليها المجلس الأعلى للماء الهيئة المقررة للسياسات المائية، إضافة إلى تدخل قطاعات عمومية أخرى.

تزايد المخاطر الهيدرولوجية المرتبطة بالإجهاد المائي عبر العالم

يتزايد عدد الأخطار الهيدرولوجية، مثل الفيضانات والجفاف، نتيجة لتغير المناخ. ومن المتوقع أن يزداد الإجهاد المائي، الذي يتفاقم بسبب النمو السكاني وتناقص الموارد المتاحة، بشكل كبير. ومع ذلك، وفقا لتقرير جديد متعدد المؤسسات، فإن الإدارة والرصد والتنبؤ والإنذارات المبكرة في مجال المياه مجزأة وغير مناسبة، في حين أن التمويل المخصص على المستوى العالمي للعمل المناخي لا يزال غير كاف، ويسلط التقرير، الذي يحمل عنوان “حالة الخدمات المناخية لعام 2021: المياه”، الضوء على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات لتحسين الإدارة التعاونية للمياه، واعتماد سياسات مياه ومناخ منسقة، وزيادة الاستثمار في هذه الأصول الثمينة، والتي تعتمد عليها جميع الأهداف الدولية للتنمية المستدامة، وتغير المناخ، التكيف والوقاية من الكوارث، وقال الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية بيتيري تالاس: “يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تغيير هطول الأمطار الإقليمية والعالمية، ومن ثم أنماط هطول الأمطار والمواسم الزراعية، مع ما يترتب على ذلك من آثار كبيرة على الأمن الغذائي والصحة ورفاهية الناس”. ففي العام الماضي تواصل تسجيل الأحداث الهيدرولوجية المتطرفة. في جميع أنحاء آسيا، وتحديدا في اليابان والصين وإندونيسيا ونيبال وباكستان والهند، حيث تسببت أحداث هطول الأمطار الشديدة في حدوث فيضانات هائلة. ونزوح الملايين من الناس وفقدان المئات حياتهم ليس فقط في البلدان النامية التي تسببت فيها الفيضانات في اضطراب كبير, وأضاف أن الفيضانات الكارثية في أوروبا قتلت مئات الأشخاص وتسببت في أضرار واسعة. ولا يزال نقص المياه مصدر قلق كبير للعديد من الدول، وخاصة في إفريقيا، وأوضح أن أكثر من ملياري شخص يعيشون في بلدان تعاني من الإجهاد المائي ويعانون من عدم الحصول على مياه الشرب المأمونة والصرف الصحي، وشدد على أنه “يجب أن ندرك أن أزمة المياه تلوح في الأفق”.

فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، انخفض تخزين المياه في الأرض بمقدار سنتيمتر واحد في السنة بينما تحدث أكبر الخسائر في القارة القطبية الجنوبية وجرينلاند، ولكن العديد من المناطق المكتظة بالسكان في خطوط العرض المنخفضة تعاني من خسائر كبيرة في الأماكن التي توفر عادة إمدادات المياه، مع تداعيات كبيرة على الأمن المائي. ويتفاقم الوضع بسبب حقيقة أن المياه العذبة الصالحة للاستخدام والمتاحة لا تمثل سوى 0.5٪ من المياه الموجودة على الأرض، وقد زاد تواتر المخاطر الهيدرولوجية خلال العشرين عاما الماضية، فمنذ عام 2000، زاد عدد الكوارث المرتبطة بالفيضانات بنسبة 134٪ مقارنة بالعقدين الماضيين، ففي آسيا، حيث تحتاج أنظمة الإنذار الشامل للفيضانات النهرية إلى التعزيز، تم تسجيل معظم الوفيات والخسائر الاقتصادية المرتبطة بالفيضانات، كما زاد عدد حالات الجفاف ومدتها بنسبة 29٪ خلال نفس الفترة، حيث حدثت معظم الوفيات المرتبطة بالجفاف في إفريقيا. ومن هنا تأتي الحاجة إلى تعزيز أنظمة الإنذار الشامل المقابلة في هذه المنطقة.

الإدارة المتكاملة للموارد المائية

تعد إدارة موارد المياه بطريقة متكاملة أمرا ضروريا لتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي والبيئي على المدى الطويل، ومع ذلك وعلى الرغم من بعض التقدم، لا تزال 107 دول  خارج المسار الصحيح لإدارة مواردها المائية على نحو مستدام بحلول عام 2030, وبشكل عام، يتخلف العالم كثيرا في السباق لتحقيق الهدف 6 من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، والذي يركز على توافر المياه والصرف الصحي وإدارتها بشكل مستدام. في عام 2020، افتقر 3.6 مليار شخص إلى خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان فاليوم 2.3 مليار يفتقرون إلى الوصول إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية ويعيش أكثر من ملياري شخص في بلدان تعاني من الإجهاد المائي دون الحصول على مياه نظيفة. هذا في الوقت الذي أبلغ ما مجموعه 75 دولة عن كفاءة استخدام المياه أقل من المتوسط ​ بما في ذلك 10 دولة ذات كفاءة منخفضة للغاية، حيث هناك حاجة إلى مضاعفة معدلات التقدم الحالية أربع مرات لتحقيق الأهداف العالمية بحلول عام 2030، بينما يبقى النبأ السار هو أن الدول مصممة على تحسين الوضع وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، فإن الماء والغذاء هما المجالان الرئيسيان ذوا الأولوية المتضمنان في المساهمات المحددة وطنيا المقدمة بموجب اتفاقية باريس. وتصر بعض البلدان على الحاجة إلى تعزيز الخدمات المناخية لقطاع المياه.

ولتقليل عدد الكوارث الهيدرولوجية ودعم إدارة موارد المياه، بات من الضروري إنشاء خدمات مناخية لقطاع المياه وأنظمة إنذار مبكر شاملة، والانخراط في استثمارات بطريقة مستدامة. هذه الخدمات والأنظمة والاستثمارات لا تزال غير كافية فاليوم حوالي 60٪ من المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا، أي الهيئات العامة الوطنية المسؤولة عن توفير المعلومات الهيدرولوجية الأساسية وخدمات الإنذار للحكومات وعامة الجمهور والقطاع الخاص، لا تملك جميع القدرات اللازمة لتوفير الخدمات المناخية لقطاع المياه.

  • محمد بن عبو

Related posts

Top