المغرب والعراق…

اكتسبت زيارة وزير الخارجية ناصر بوريطة للعراق، أول أمس السبت، أهمية لافتة، ليس فقط لكونها شهدت إعادة فتح سفارة المملكة ببغداد، أو بالنظر للمباحثات واللقاءات التي جرت بين مسؤولي البلدين، والمذكرات التي تم توقيعها، ولكن استحضارا، بالخصوص، للسياق الإقليمي والعام الذي تحياه المنطقة، وهو ما يوجب حضور الديبلوماسية المــــــغربية في دينامياته وتحولاته، ويفرض تمتين علاقات الرباط مع الدول ذات الصلة.

العراق بدأ يؤسس لدوره ضمن محيطه الإقليمي، وتتفاعل داخله ديناميات متسارعة، وهناك مجالات عديدة يمكن أن تشكل ركائز لشراكات اقتصادية منتجة بين البلدين، كما أن البلد تلفه، في الآن نفسه، تحديات وضغوط يجب دعمه للتصدي لها.

المغرب معني أيضا بهذه الرهانات، ويجب تعزيز امتداده الديبلوماسي العربي، ومواجهة مختلف المناورات ومساعي الاختراق على هذا الصعيد، علاوة على تمتين علاقاته الاقتصادية والتجارية والاستثمارية العربية.

لقد بقي العراق منذ سنوات مؤيدا للوحدة الترابية للمملكة، ولم تنجح ضغوط الخصوم لتغيير موقفه.

وأول أمس السبت جدد وزير الخارجية العراقي ذات الموقف، وقال: “أجدد موقف العراق الدائم من قضية الصحراء المغربية والداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية” مؤكدا أن العراق يقف إلى جانب المغرب في موضوع وحدة ترابه الوطني.

كما أكد دعم العراق لجهود الأمم المتحدة للتوصل لحل نهائي لهذا النزاع، مضيفا أن بلاده تؤيد قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

وشدد على ضرورة اللجوء للطرق السلمية عن طريق المفاوضات لحل هذا النزاع بما لا يمس بالوحدة الترابية للمغرب ويحقق الأمن والاستقرار في منطقة المغرب العربي.

وكان البلدان كذلك قد أصدرا بيانا مشتركا خلال الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية العراقي للمغرب في 13 ماي 2022، أكد فيه العراق على “دعمه للوحدة الترابية للمملكة المغربية ولجهود الأمم المتحدة ودورها المركزي للتوصل لحل سياسي”.

من جانبه لم يتوان المغرب في أي مرحلة من مراحل العملية السياسية في العراق عن تقديم الدعم والمساعدة للشعب العراقي في سعيه لإقامة مؤسسات ديمقراطية تمثل كافة أطيافه وتساهم في إعادة بناء عراق موحد وديمقراطي ومنفتح على محيطه العربي.

هذا التوافق السياسي الواضح يؤكد أنه بالإمكان الارتكاز إليه لتطوير شراكة شاملة ومنتجة للطرفين في مجالات متنوعة.

الزيارة التي قام بها الوزير بوريطة للعراق، وقبلها ما صدر عن البحرين إثر الاجتماع المشترك بين البلدين منذ أيام، ثم الدعم والتأييد المستمرين من بلدان مجلس التعاون الخليجي، وأيضا من بلدان عربية أخرى، كل هذا يبرز أهمية هذه الدائرة العربية في عمل الديبلوماسية المغربية، وضرورة العمل المستمر على تطويرها وإشعاعها وترسيخها.

في الديبلوماسية المعاصرة، وفي عالم المصالح وحسابات الربح والخسارة والتحالفات المتغيرة باستمرار، لا يوجد شيء ثابت أو مكتسب غير قابل للتبدل، وإنما المفروض التقيد باليقظة الدائمة والحضور الميداني المتواصل لصيانة المواقع وتطوير المكاسب والدفاع عن المصالح.

هنا، نحن في حاجة إلى ضخ نفس عام جديد، وذلك على المستوى الديبلوماسي الرسمي، وأيضا في المجال الإعلامي، وفي الحضور الشعبي والمدني والثقافي وسط الرأي العام وداخل المحافل والمنتديات العربية المختلفة.

لبلادنا الكثير من التجارب والخبرات في عدد من البلدان العربية ووسط نخبها وشعوبها، إن في الإعلام والصحافة والثقافة والفنون والرياضة أو في العمل السياسي والشبابي والنقابي والحقوقي والجمعوي والثقافي، وهذه كلها نقاط قوة وأوراق رابحة يمكن استثمارها اليوم وتطوير أدائها لتقوية التواصل المغربي مع محيطه العربي، ولتعزيز التعريف بقضايا ومصالح بلادنا، ولترسيخ ارتباط نخب ومثقفي وإعلاميي هذه الدول مع بلادنا…

العمل الديبلوماسي الرسمي يبقى مهما وضروريا، ولكن أيضا لا بد أن يواكبه عمل موازي آخر على مستوى الإعلام والثقافة والفعل السياسي والمدني، وفي العلاقات الاقتصادية والتجارية، وذلك ضمن الأنساق المميزة لطبيعة العمل في هذه الميادين.

محتات الرقاص

[email protected]

Related posts

Top