المناقشة البرلمانية للميزانية

يستعد البرلمان، بغرفتيه، للشروع في دراسة مشروع قانون المالية 2021، الذي عرض مضامينه وتوجهاته وأرقامه وزير المالية والاقتصاد وإصلاح الإدارة، أول أمس الاثنين أمام جلسة مشتركة للنواب والمستشارين.
واضح أن مشروع ميزانية الدولة جاء استثنائيا بحكم الظرفية الوطنية العامة، وتلفه انتظارات مجتمعية واسعة، والجميع كان يتطلع أن يمثل مناسبة لصناعة انطلاقة تنموية شجاعة وحقيقية يؤطرها وعي كبير بضرورة تفعيل نموذج تنموي مختلف لمغرب ما بعد كورونا.
ما عرضته الحكومة أول أمس أمام المؤسسة التشريعية يحضى بإجماع الكل، على مستوى التوجهات العامة والأمنيات المعبر عنها والأهداف الكبرى المسطرة، ذلك أن هذه المحددات الأساسية سبق أن سطرتها التوجيهات الملكية في الخطب الأخيرة، وأوردتها الحكومة ضمن المنطلقات المشتركة والمتفق عليها، ولكن المشكلة الجوهرية تكمن في:”التفاصيل”، أي في برامج تصريف تلك المنطلقات وأجرأتها، وفِي ميكانيزمات إعمال بعض القرارات والإجراءات المعلن عنها، وفِي النفس العام المميز لهذه الميزانية، والذي لم يبرز الجرأة الكافية والملائمة لحجم الإنتظارات الشعبية، وللصبغة الاستثنائية لهذا العام.
الكرة الآن في ملعب البرلمان، لتفكيك مختلف معادلات ومنظومات مشروع قانون المالية، وتقوية الجرأة في تخطيطه البرنامجي العام، وتمتين الوضوح في الأفق التنموي، أي أن مناقشة تفاصيل وأرقام هذه الميزانية الاستثنائية يجب أن تكون مناسبة لحوار سياسي ومعرفي عميق لتجويد الميزانية، ولتقوية انخراط بلادنا في حركية تنموية أكثر شجاعة وجرأة.
الخطر الأكبر المحيط اليوم بالمناقشة البرلمانية للميزانية الجديدة، هو أن تأتي مطوقة بهواجس السباق الانتخابوي بين الفرقاء، وأن تحضر الطبيعة السياسية للعام المقبل في خلفيات المواقف، وفِي مضامينها، وبذلك تضيع الفرصة على بلادنا.
إن ما يجب استحضاره اليوم هو أن شعبنا ينتظر قرارات وإجراءات وبرامج عملية للمدى القريب، في سياق التخفيف من حدة تداعيات الجائحة، ومن أجل تطوير أوضاع الفئات الفقيرة والمتوسطة، وسيكون من باب العبث واللامسؤولية تعليق كل ذلك بسبب قرب الانتخابات، أو جعل السنة القادمة مرتبطة، حصريا، بالصراعات الانتخابوية والسعي المتبادل لتحقيق هذا الهدف أو ذاك، وضرب هذا الطرف أو سواه، ومن ثم جعل شهورها تعج بكل الشعبويات، وترك مطالب الناس وانشغالات المجتمع وانتظارات البلاد معلقة.
بعض المقدمات صارت واضحة من الآن، من خلال الاهتمام المبالغ فيه بمشكلات القاسم الانتخابي مثلا، وبالتالي عدم التركيز أكثر على مواجهة الوباء والتخفيف من معاناة المواطنات والمواطنين، وإنجاز البرامج والإصلاحات المطلوبة، أو على الأقل الانكباب على تقوية مشاركة الناس في الانتخابات والحرص على مصداقيتها ونزاهتها، بدل جعل الهم الأوحد فقط في القاسم الانتخابي وتقنيات توزيع مقاعد الهيئات التمثيلية.
في الخلاصة، يتحمل البرلمان اليوم مسؤولية الارتقاء بالنقاش السياسي الوطني، سواء المتصل بمضمون قانون المالية الجديد أو حتى بالقوانين الانتخابية التي ستصل إلى لجانه قريبا، وجعل الأمر مناسبة لاحتضان ما يجري التعبير عنه من لدن شعبنا من تطلعات. 

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top