المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تحتفي بديوان”الشرفات الأربعون” ورواية “الشجرة الهلامية”

انتصرت كورنا لصفة الأديب والشاعر على صفة الحقوقي والفاعل السياسي، وكشفت العزلة التي فرضتها الجائحة، وحالة الطوارئ الصحية عن الوجه الآخر للمناضلين الحقوقيين محمد السكتاوي المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية فرع المغرب، والفاعل الحقوقي والسياسي عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم.
فقد احتفت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، بشراكة مع دار النشر التوحيدي، الأسبوع الماضي، برحاب المكتبة الوطنية بالرباط، بباكورة أعمال الشاعر محمد السكتاوي الذي صدر له ديوان”الشرفات الأربعون”، وبباكورة أعمال الروائي عبد السلام بوطيب الذي صدرت له رواية اختار لها عنوان “الشجرة الهلامية”.
خلال هذا الحفل الأدبي الذي حضره ثلة من الفاعلين في الحقل الثقافي والحقوقي، وقدم له بوبكر لاركو، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، قال محمد السكتاوي، في كلمة حول ديوانه “الشرفات الأربعون” الذي شمل 40 قصيدة “إن تلك الشرفات سأطل من خلالها على الحياة خلال فترة الحجر الصحي، وعلى كيفية تغير العالم بأكمله بسبب ما فرضته الجائحة”. هي أربعون قصيدة ، يضيف الشاعر ” تستشعر دبيب الحياة الصامت وتحوّلات كائن إنسانيّ تحت الحَجْر كما عاشها منعزلاً في شرفة، تطلّ على قارّة بعيدة ضربها وباء أسود”.
وأضاف محمد السكتاوي، أن الجائحة جعلت أيضا، العالم يعيش لحظة قرب إنساني، لم يعرفها من قبل، فلأول مرة سيعيش العالم لحظة واحدة مشتركة، ولم يكن هناك فرق بين الصين أو الهند أو أمريكا أو غيرها من الدول، الكل كان يعيش لحظة واحدة.
وخلال قراءته لديوان “الشرفات الأربعون” أكد الكاتب والناقد أنور المرتجي أن هذا الديوان الملتزم انطلق من معركة شعرية ضد جائحة كورنا التي جاءت لتكسير القيم والمعايير، وصالحت بين المقدس والمدنس، فمنعت صلاة الجماعة كما منعت الفنون الجماهيرية، مشيرا إلى الانقطاع الذي أحدثه ديوان الشاعر محمد السكتاوي منذ أن بدأ مع الوباء الذي “علمنا التخلي عن كل المراجع القبلية السابقة” بـ “عملية جميلة لتخريب معايير الاقتصاد والثقافة والخيال”، كما أن الجائحة فرضت قاموسا جديدا، بمفاهيم جديدة لا علاقة لها بالماضي.
وبحسب أنور المرتجي، فإن ديوان “الشرفات الأربعون” أعلن بجدارة أن الشاعر محمد السكتاوي التزم بالأربعين قصيدة، والتي هي الأربعون يوما من العزلة ومن التجربة داخل كورنا التي صارت تفرض إيقاعها الخاص، فهو التزام باتباع خصائصها، بدءًا من العنوان الذي يشير إلى الحجر وأربعين يوما، مشير إلى أن العزلة تخلق الإبداع وتحررنا من التزاماتنا الخارجية “فالحجر الصحي مسكن للعزلة وللكتابة” يقول المرتجي الذي صنف هذا الديوان ضمن التجارب الأدبية “البائسة” التي تتناقض مع الكتابات “الطوباوية” التي تطفو على أمل “المدينة الفاضلة”وتذكر أن “الأدب الوبائي” كان دائمًا موجودا مثل ماهو قائم في ديوان “الكوليرا” للشاعرة نازك الملائكة.
أما العمل الثاني المحتفى به، رواية “الشجرة الهلامية” فقد خرجت هي الأخرى من رحم العزلة الاضطرارية التي فرضتها الجائحة على الكاتب الروائي عبد السلام بوطيب الذي شاءت الصدف أن يجتاز فترة الحجر الصحي داخل إحدى الشقق الباريسية بشارع “بيير داروا” مطلا من الطابق الثالث على شجرة وحيدة، دخل معها في حوار حول العديد من القضايا والمواضيع التي تدخل ضمن دائرة اهتمام الكاتب والفاعل السياسي والحقوقي.
فقد قال عبد السلام بوطيب عن روايته “الشجرة الهلامية” التي رشحتها دار النشر التوحيد لجائزة “البوكر” للأعمال الروائية،
“أنا هنا اليوم لأقدم لكم كتابي المعنون ب ” الشجرة الهلامية”، وأُناقش مضامينه ومحتوياته معكم، وأن أدافع عن شكله الفني أمام النقاد منكم”، مشيرا إلى أن الكتاب ليس رواية بالمعنى التقليدي للرواية، وهو في الوقت ذاته، ليس عملا تاريخيا، لكنه استحضر كل أدوات كتبات التاريخ الراهن.
وتساءل بوطيب عن صنف هذا العمل الذي قال “إنه أثار انتباهَ الناس عند صدوره؟ وهلِ الكتاب هو الذي أثار انتباه من انتبه إِليه أم كاتبه الذي قدر له الميلاد تحتَ ظلال “الشجرة الهلامية “، والانتماء إِلى إرث هذا الظل العسير على الفهم ، والذي لم يزد له هذا العسر إلا عسرا”، مضيفا، فيما يشبه الجواب القطعي، أنه ليست هناك حاجة ضرورية إلى تصنيف هذا العمل، لكن هناك حاجة إلى الانتباه إلى الصدف التي أنتجته، ودفعت الكاتب إلى أن يكون شبيها بالكاتب العمومي المتخصص في كتابة رسائل الحب، على حد تعبير الكاتب الذي قال إنه استحضر كثيرا من الروايات وخاصة روايات أمريكا اللاتينية.
وأوضح بوطيب أنه اختياره أن يسمي شجرته باسم “دولوريس” Dolores المرأة الأسبانية التي عانت من مختلف ضروب العذاب، و أبدعت مقولةَ No , No Pasaran في عز الحرب الأهلية الاسبانية، لم يكن صدفة، بل لكي يقنع نفسه أنه مازال شيوعيا بالرغم من انتمائه الحالي إلى حزب قال “إنه جرد من حقوقه المدنية والسياسية ولم يعد من حقه أن يشرئب إلى بناء مغرب الإنصاف والمصالحة”.
وأضاف صاحب “الشجرة الهلامية” أن هذا الكتاب هو عمل من أجل إدانة تبخيسِ التراكمِ السياسي واجتهاد الناسِ لتجاوز واقعهِمْ بعقلانية وبدون كثير من الألم، لذا ف “الشجرة الهلامية” في كتابي-روايتي، ليستِ الشجرة التي كلمتها، بل هو نمط من التفكير السياسيِ، ونمط من الممارسة السياسية الذي يبخس التراكم واجتهاد الناس لتجاوز واقعهم بعقلانية وبدون كثير من الألم.
وفي قراءته لرواية “الشجرة الهلامية” حاول الكاتب والأستاذ الجامعي جمال بندحمان أن يفك الارتباط داخلها “بين عبد السلام بوطيب الحقوقي والمدني والسياسي والروائي” في عمل تطرق فيه للعديد من القضايا والوقائع ذات الطبيعة السياسية والحقوقية والثقافية والتاريخية. فالكاتب حقوقي ومتشبع بقيم كونية وفاعل مدني وسياسي، مشيرا إلى أن الرواية هي تجل لكل تلك الموضوعات التي تدخل في دائرة اهتمام الكاتب، حيث تحدث عن الريف، وعن الأمازيغية وعن الدين وموظفيه، وعن الاعتقال السياسي، والإنصاف والمصالحة، وعن الربيع العربي وأوهامه، وعن الجائحة والعمق الإنساني.
وتوقف جمال بندحمان في رواية عبد السلام بوطيب، عند مجموعة من المفاتيح التي اعتبرها مدخلا أساسيا لقراءة رواية “الشجرة الهلامية” في مقدمتها هوية المؤلف كدارس للتاريخ جعله السياق الشخصي جزء من تاريخ المغرب الراهن، بالإضافة إلى هويته الحقوقية والمدنية والسياسية المؤطرة بخلفية ثقافية منحازة إلى اليسار.

<محمد حجيوي

Related posts

Top