المواهب الفنية الشابة إلى أين؟

دأبت بعض المؤسسات الإعلامية المغربية على تنظيم مسابقات في مجال الأغنية والإبداع الموسيقي، واستطاعت بالفعل أن تكشف مجموعة من المواهب، كانت مقنعة للجان التحكيم التي عادة ما تتألف من أسماء وازنة في مجال التباري.
لكن السؤال الذي يظل مطروحا، هو:
لماذا لم تبرز إلى الوجود معظم هاته المواهب المكتشفة؟
لماذا لم تواصل مشوارها الفني؟
لماذا لا نجد لها إنتاجا خاصا بها في السوق؟
بعبارة أخرى: لماذا توقف الاهتمام بها؟
إن توجيه اللوم لا ينبغي أن يكون مقتصرا على أصحاب برامج المسابقات، الذين لم يستثمروا جزءا من مداخيل تلك البرامج في الأخذ بيد المواهب المكتشفة والمساهمة في إنتاج أعمالها الجديدة في مجال الغناء والموسيقى.
اللوم موجه بشكل مشترك إلى عدة أطراف، بمن فيها تلك المواهب نفسها، على اعتبار أنها لم تمتلك تلك الإرادة التي تسمح لها بأن يكون لها موقع في الساحة الفنية.
منهم من أصيب بالإحباط وتخلى تماما عن مشروع تأسيس تجربة فنية خاصة به، بالنظر إلى قسوة الواقع وصعوبة مواجهة متطلبات الحياة الفنية.
ومن تلك المواهب التي جرى اكتشافها بفضل المسابقات، من دفنت نفسها في العلب الليلية، وصارت تقدم العروض الغنائية الساقطة نزولا عند رغبات زبائن معينين، وبالتالي لم يعد أمامها مجال لتطوير تجربتها الفنية وتقديم إنتاجات خاصة، من شأنها أن تبوئها مكانة محترمة في ساحة الفن، سواء داخل الوطن أو خارجه.
هناك غياب سياسة خاصة باحتضان المواهب الشابة في مجال الغناء والموسيقى ومختلف التعابير الإبداعية، وهي مسؤولية ملقاة على عاتق المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني على حد سواء.
صحيح أن هناك بعض المبادرات الجديرة بالتثمين، سواء من طرف هذه الجهة أو تلك، لكنها تظل محدودة في الزمان والمكان، وبالتالي فإنها لا يكون لها ذلك المفعول الإيجابي المأمول.
ليس هناك استمرارية في احتضان الأصوات الغنائية الجديدة ومساعدتها على شق طريقها في هذا الميدان الشائك، ومن الطبيعي جدا أن يسود نتيجة لذلك ركود في ساحتنا الفنية، أخذا بعين الاعتبار أن المواهب الشابة، تعتبر على الدوام رمزا للحيوية والابتكار والتجديد وتجاوز ما هو سائد.
يزداد الوضع قتامة حين ننتبه إلى أن معظم الأسماء الرائدة في مجالنا الغنائي والموسيقي، قد توقفت عن إنتاج الجديد، وتخلت عن إحياء الحفلات الغنائية، إما بسبب عدم رضاها على الوضع الذي آلت إليه الأغنية المغربية، وإما بسبب ظروف شخصية تتعلق في الغالب بالتقدم في السن وأمراض الشيخوخة وما إلى ذلك.
فإذن أين الخلف؟
لا يمكن خلق الخلف في ظل الظروف الحالية التي تمر بها الأغنية المغربية، لا بد من تثبيت دعائم رعاية المواهب الشابة التي من المفروض أن تكون خلفا للأجيال السابقة.
برامج المسابقات لوحدها لا يمكن أن تحقق طفرة في هذا الميدان. سيما إذا علمنا أن هذه المسابقات تنتهي بمجرد انتهاء نتائجها، في الوقت الذي من المفروض مصاحبة المواهب المكتشفة والدفع بها نحو الأمام.
المجال الغنائي والموسيقي يواجه تحديات تختلف تماما عن التحديات السابقة، خصوصا وأن ظروف الإنتاج، وطرق الانتشار باتت مختلفة، مع التطور الذي عرفته تكنولوجيا الاتصال.
لقد بات من الصعب أن يجد الفنان الحديث النشأة موقعا له في ساحة الفن، في غياب الإمكانيات المادية.
طبعا ليس كل الفنانين الجدد الذين نجحوا في تحقيق الانتشار لمنتوجاتهم الفنية، هم فنانون جيدون وجديرون بالاحترام، لقد رأينا كيف أن أغاني حققت أعلى نسبة من الاستماع والمشاهدة، في حين أنها في واقع الأمر، كانت ساقطة وسطحية، بدليل أنها لم تعمر طويلا، منها ما لم يمر على إنتاجه سوى بضعة أسابيع، ثم كان الانسحاب من الساحة، ولم يعد المتلقي يرغب في الاستماع إليها، سواء كان هذا المتلقي صاحب ذوق رفيع أو سيئ الذوق.
هناك حاجة إلى التربية على الذوق الفني، وهذا لن يتحقق في غياب رعاية الفنانين الجدد، وتحصينهم من الانحراف.

> بقلم: عبد العالي بركات

Related posts

Top