المونديال و… أكثر

يسود موضوع مونديال كرة القدم مختلف مجالس الحديث هذه الأيام، إن من خلال دورة 2026 التي تقرر إسناد تنظيمها للولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك على حساب الترشيح المغربي، أو من خلال انهزام الفريق الوطني في مباراته الأولى برسم الدور الأول من مونديال روسيا الجاري، وتتعدد التعليقات والقراءات بشأن الفشلين.
طبعا من حق مواطنينا، وخصوصا الجمهور المهتم بالرياضة وكرة القدم، الحزن لهزيمة المنتخب الوطني في المباراة الأولى ضد إيران، وأن يجري تحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك، فمتعة الكرة تتحقق أساسا عبر تسجيل الأهداف والانتصارات والألقاب.
ومن حق المغاربة أيضا أن يتأسفوا لنتيجة تصويت الفيفا في اجتماعها بموسكو، والتي منحت تنظيم مونديال 2026 لملف الترشيح الثلاثي المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك ضد الملف المغربي الذي كان المنافس الوحيد لترشيح أمريكا الشمالية.
القلق والأسف المغربيان مشروعان إذن، ولكن لا يجب أن يتحولا إلى جلد باتولوجي للذات أو انهزامية يائسة تكاد تكون انتحارا جماعيا، أو أن تتمطط التعاليق والإسقاطات لتشمل قضايا أخرى سياسية واقتصادية ومجتمعية بعيدة عن كرة القدم والمونديال.
يمكننا أن نحلل هزيمة الفريق الوطني أمام إيران وأن نستعرض ما قد نراه أخطاء أو أسبابا للهزيمة، ولكن لا يجب أن ننسى أننا بصدد الحديث عن مباراة لكرة القدم، وأن القراءة وكامل القول يجب أن يكونا داخل معادلات اللعبة وقوانينها وليس خارج ذلك أو أكثر من ذلك.
ويمكننا كذلك أن نحلل نتيجة تصويت الفيفا، وفشل الترشيح المغربي في الفوز بحق تنظيم مونديال 2026، ولكن لا بد أن نستحضر كل السياقات والفاعلين، وأن ندرك معنى أننا ترشحنا في زمن رئيس أمريكي لا يتردد في ممارسة التهديد ضد الدول، وترويج خطاب أرعن وأخرق أمام العالم كله.
الأسف على الهزيمة أمام إيران وانتقاد خطط وقرارات واختيارات المدرب، لا يعني مثلا اقتراف “الاغتيال” الرياضي والمعنوي في حق اللاعب بوهدوز، والأسف على فوز الترشيح الأمريكي على حساب المغربي بتنظيم مونديال 2026، لا يعني التحقير البدائي لبلادنا، كما لو أن التصويت كان رياضيا فقط أو من منطلق القناعات والاعتبارات الموضوعية.
من المؤكد أن هزيمة المنتخب أمام إيران، وبرغم كل “الشمتة” التي تميزها، تستدعي التحليل، وتقتضي أساسا استثمارها للإعداد للمباراتين المتبقيتين في الدور الأول، كما أن المشاركة برمتها سيأتي أوان تقييمها التقني والعام، وتقديم الحساب من كل الأطراف المعنية بها والمتدخلة فيها، ولكن الآن يجب تشجيع العناصر الوطنية الشابة التي، لا يجب أن ننسى، أنها حققت التأهل أصلا بعد غياب عشرين سنة عن الحضور في التجمع الكروي الأكبر في العالم.
ومن المؤكد كذلك أن ترشيح المغرب لتنظيم المونديال، والذي هو الخامس من نوعه، يجب أن يحضى بالتقييم المفصل والدقيق، تدبيرا وتمويلا، وعلى صعيد كل الخطوات التي جرت من البداية إلى غاية يوم التصويت في موسكو، وتحديد الأدوار وربط المسؤولية بالمحاسبة، ولكن كل هذا يجب أن يجري في الإطار المؤسساتي الوطني، وضمن قواعد الجدية والرصانة ومقتضيات دولة القانون والمؤسسات.
أما التحديات الوطنية الأخرى المطروحة على بلادنا على غرار: ضعف القدرة الشرائية، تزايد الفقر، أوضاع الصحة والتعليم والسكن والشغل، تنامي الغلاء واتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية، تعدد مظاهر الاحتقان الاجتماعي والديموقراطي…، فهي كلها مطروحة ويستمر النضال على واجهتها، ويجب أن تشكل كلها مضمون الدينامية الديموقراطية والتنموية التي تحتاجها بلادنا اليوم.
هذه مسؤولية مؤسسات الدولة، ومسؤولية كل القوى الوطنية الديموقراطية الغيورة على مستقبل وطننا، وهي أيضا مسؤولية شبابنا وكل المتحمسين اليوم لشؤون ومشكلات كرة القدم على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بالانخراط أكثر في نضالات وتطلعات شعبنا ذات الصلة بالقضايا الاجتماعية والسياسية، والمشاركة الإيجابية في الفعل السياسي الميداني والمنظم والملموس، ودعم مطالب الإصلاح، والابتعاد عن الانهزامية والتيئيس والعدمية.
بالتوفيق إذن لفريقنا الوطني فيما تبقى له بمونديال روسيا 2018، والنداء المتجدد بضرورة الانكباب العاجل على القضايا الاجتماعية والتنموية والديموقراطية لشعبنا، وبحاجة البلاد إلى نفس ديموقراطي جديد.
إلى العمل إذن بدون انهزامية بدائية أو جلد مبالغ فيه للذات.

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم , ,

Related posts

Top