النص المسرحي الحساني متخيل صحراوي ورافعة للمسرح المغربي

( إن أعظم عرض مسرحي في العالم، إذا لم يكن معتمدا على قوة النص، فلن يصبح أكثر من كتاب صور تافه). 
   آن اوبرسفيلد

***

لا تتوخى هذه المقالة المكثفة تقصي مسارات النص المسرحي الحساني، لاعتبارات كثيرة، أهمها حداثة هذه الكتابة وشح الكتابات النقدية التي تصدت لها، غير أني أعتبر أن المدخل لمقاربة هذا الموضوع، يتأسس على أسئلة جوهرية من قبيل:
ما موقع المسرح عموما في الثقافة الحسانية؟ وما موقع المسرح الحساني في الثقافة الوطنية؟ ثم هل هناك نص مسرحي حساني؟
لكن قبل كل شيء، ماذا نعني بمسرح حساني؟ ما الذي يميزه عن باقي الممارسات المسرحية الأخرى بما يجعله يحمل صفة الحساني؟

المسرح الحساني بوصفه أحد امتدادات المسرح المغربي:

إن المسرح الحساني، أو بالأصح الناطق بالحسانية، ما هو بالتأكيد إلا أحد تجليات الثقافة الوطنية المغربية  أو بالأحرى أحد إفرازات المسرح المغربي، بل صورة لامعة تغني هذا “الموزاييك الثقافي” الذي يميز بلادنا، ولا يختلف عن كل التعبيرات المسرحية الموجودة على امتداد الوطن إلا بعنصر اللغة المنطوقة، وهنا يطرح سؤال آخر.. هل تكفي اللغة المنطوقة للحديث عن مسرح حساني؟
 من المعروف لدى الباحثين في الثقافة الحسانية أن 
المسرح يوجد خارج دائرة هذه الثقافة  وهو يحاول جاهدا، من خلال اجتهادات مجموعة من الفاعلين الممارسين لهذا الفن بهوس كبير، نحت طريقه  للاندماج فيها وكسب مشروعية بناء كيانه داخلها، ليس باعتباره أحد مكوناتها فحسب، بل الحامل لكل مكوناتها. ويمكن اعتبار النص المسرحي أحد المداخل المهمة  لفرض هذه المشروعية و آلية لتيسير عملية إدماج المسرح في الثقافة الحسانية. وقبل أن أستعرض مواصفات النص المسرحي المنجز في المسرح الحساني، أرى من المهم الإشارة إلى أن الكتابة الدرامية المغربية في مرحلتها الأولى تأثرت بالتباسات التأسيس واعتمدت آليتي الترجمة والاقتباس، كوسيلة فنية لاستنبات البذرة الأولى للمعرفة المسرحية وتقبلها داخل النسق الثقافي المغربي، وهي المرحلة التي نعتها الدكتور حسن يوسفي بـ “سلطة المحاكاة”، حيث سيساير النموذج الغربي الوافد عبر الشرق وتوطين مسرح غربي “مشرقن” بحسب تعبير الباحث محمد أبو العلا  في التربة المغربية. وفي خضم الجدل  بين تيارين محافظ / تحديثي، انتقل النص المسرحي إلى  نص متأرجح بين الاغتراب في الغرب والإقامة في التراث، وسيعمق مسرح الهواة، الذي عرف فيه المنجز المسرحي زخما استثنائيا، هذه الثنائية التأصيلية وسيسندها بوعي جمالي ومعرفي جديد، سيتحول معها النص المسرحي إلى مختبر للبحث عن صيغ جديدة  ينحو منحى التغيير والتجاوز ويفجر الأسئلة  المرتبطة بالواقع في أبعاده الوطنية والقومية والإنسانية. وستفرز هذه المرحلة أسماء وازنة ونصوصا مسرحية  رفيعة اعتمدت أسسا جمالية جديدة في بنياتها. وفي سياق التحولات العميقة التي شهدتها بلادنا و ديناميات الانفتاح السياسي الذي دشنته مطلع التسعينات من القرن الماضي، وما وسمه من حديث عن الانتقال الديموقراطي وتنقية الأجواء السياسية والتعبئة المجتمعية لمواجهة ما سمي أنذاك “بالسكتة القلبية”، سيظهر منجز جديد يعبر عن حساسيات جديدة متنوعة من حيث منطلقاتها الفكرية ومرتكزاتها الفنية، كنتيجة لمخرجات المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي وستنتقل الممارسة المسرحية، تدريجيا، من غلبة التعاطي الهاوي إلى سيادة الاحتراف ومفهوم المقاولة المسرحية، وبالتالي تذويب كل الممارسين الهواة الذين راكموا تجارب حققت صدى واسعا فاق الحدود الوطنية، في بوتقة الاحتراف في كل متكامل  مع خريجي المعهد العالي للمسرح.
الكتابة المسرحية الحسانية بوصفها ورشا جماعيا  يفتقد لقوة الكاتب:

خلافا للمسرح الأمازيغي الذي انطلق بداية التسعينات من القرن الماضي بنفس نضالي وأخذ كثيرا من مميزاته ومواضيعه من المميزات والمواضيع العامة التي طرحتها الحركة الامازيغية، على اعتبار أنها كانت الحاضن له منذ نشأته و اصطبغ بروحها وبالصراع الذي خاضته من أجل تأكيد حضورها بشكل متواز مع مختلف التعبيرات الفنية والأدبية التي تؤطر الحقل الثقافي الأمازيغي. فإن المسرح الحساني لم يرتبط حضوره في الساحة الثقافية بأي حركة من شأنها  تعضيده  أو رفده فكريا وأيديولوجيا، بل بدأ في أحضان دور الشباب كفعل ساذج 
يستند على النكتة ويؤسس علاقته بالجمهور استنادا على الإضحاك. وفي هذا الإطار يرى الباحث المسرحي اسليمة أمرز أن النصوص المسرحية الحسانية في بداياتها كانت بمثابة ورش مفتوح أمام كل المتدخلين في العملية الإبداعية المسرحية – كتابا وممثلين ومخرجين وتقنيين – حيث لا يكتمل بناؤها إلا في خضم التداريب لتصير على صورة الاكتمال وليس الكمال.  ومن تم فان هذه النصوص، التي لم تكن في واقع الأمر إلا نوعا من الكولاج  لحوارات متفرقة، تفتقد لقوة الكاتب، وكانت صياغتها اقرب إلى الكلام العادي المتداول في اليومي المعاش منه إلى كتابة درامية  تخضع لشروط ومقومات النص المسرحي. 
وقد لا يختلف الباحثون والمتتبعون لتجربة المسرح الحساني، في كون كل التراكمات التي تحققت لحد الآن في مجال الكتابة الدرامية في المسرح الحساني مهمة جدا  إذا ما استحضرنا العامل الزمني المحدود الذي أنتج فيه، إلا أنها على أهميتها وجديتها، لا زالت لم تحقق تميزها، ولا تمنحنا سوى هامشا صغيرا لرصد مسار تطورها واقتفاء أثرها على المستويين الفكري والجمالي.
النص المسرحي الحساني تهيمن عليه تقنية “الإعداد أو الاقتباس”.
إن الأشكال الجمالية في كتابة النص المسرحي الحساني انحصرت غالبا في تقنية  
الإعداد أو الاقتباس، وهو ما يمكن أن نعتبره إفرازا للواقع المسرحي بالصحراء عموما،  حيث  الحاجة إلى النص المسرحي الجاد تفرض نفسها. فأغلب النصوص التي تم الاشتغال عليها خلال العقد الأخير، إذا اعتبرنا العشرية الثانية من الألفية الثالثة هي مرحلة بروز النص المسرحي الحساني، هي اشتغال على نصوص أخرى موجودة سلفا، استوجبت إعادة كتابتها لتكون قابلة للعرض في بيئة اجتماعية وثقافية محددة هي تحديدا البيئة الصحراوية، وأمام جمهور محدد  هو الجمهور الناطق بالحسانية. وحيث أن هذه البيئة يتسيدها ثقافيا ثلاثي الشعر والموسيقى والحكاية، فمن الواضح أن النص المسرحي سيكون شيئا مستحدثا في الثقافة الحسانية ووافدا عليها، ولن يكون قابلا للحياة إلا باستحضار مختلف التمثلات السائدة حول الفنون المشهدية عامة والمسرح على وجه الخصوص من جهة وملامسة القضايا الأساسية التي تشغل بال الناس
من جهة أخرى، نصوص مسرحية تؤسس لأفق فكري وجمالي واعد:
إن النصوص المسرحية  التي نجحت في  التموقع على خارطة المسرح الحساني  وحققت التأثير المنشود في المتلقي  الناطق بالحسانية هي تلك التي اصطبغت بطابع محلي وارتهنت بمتطلبات العرض وبالإمكانات الذاتية المتوفرة في الواقع الموضوعي الملموس، وركزت بالخصوص  على أفق  توقع المتلقي في استحضار واع للعلاقة  الجدلية القائمة بين النص و البيئة الاجتماعية بمختلف أبعادها وشخوصها وتحولاتها. ولتأكيد ما قلناه آنفا نستعرض فيما يلي أهم الكتابات الدرامية الجادة التي ساهمت في عملية تأصيل الممارسة المسرحية الحسانية وارتبطت بفرق مسرحية تميزت باستدامة فعلها المسرحي واستندت ، بهذا القدر أو ذاك ، على أفق ثقافي استراتيجي و رؤية فكرية تتوضح معالمها بشكل تدريجي.

فرقة أنفاس الداخلة للمسرح الحساني:

تعتبر هذه الفرقة،  بلا جدال، أول  من تنفس المسرح في تربة الصحراء باستعمال المنطوق الحساني، والأكثر تراكما على مستوى المنجز المسرحي الحساني. وإذا كانت الفرقة قد تعاقدت مع  مخرجين من آفاق متعددة و روافد فنية مختلفة
(حسن بديدة – امين ناسور ) فإنها ارتبطت، على مستوى النصوص المسرحية التي شكلت متن اشتغالها منذ مطلع الألفية الثالثة، بالكاتب المسرحي والباحث في الثقافة الشعبية علي مسدور الذي أغنى الريبرتوار المسرحي الحساني بنصوص تسائل القيم السائدة وتمتح من الحكاية و من مختلف الممارسات  الجماعية  والأنشطة الاجتماعية في تعالقاتها- تآلفا واصطداما- بالإنسان و افرازات المكان. وقد اتبث علي مسدور قدرة فائقة على  نسج الكلمة المسرحية المكثفة بالرموز التي ينتجها الواقع الصحراوي من جهة ويتطلبها  الفعل المسرحي من جهة ثانية. كما أن آلية الكتابة الدرامية عنده  ظلت تتأرجح بين التأليف اعتمادا على الحكاية
المتواترة في المخيال الشعبي الصحراوي ( حميمة فالحبس – الحجاب – معطى مولانا – سريسر ذهبو  … ) أو إعادة كتابة نصوص مسرحية مغربية  خاصة منها النصوص الأخيرة التي اشتغلت عليها فرقة أنفاس الداخلة و رسخت حضورها على الساحة المسرحية الوطنية وهي:
“لاباصورا” وتدور أحداث هذا النص المسرحي،الذي اعده للحسانية ذ عالي مسدور عن نص مسرحي لرشيد أوترحوت، حول “السرخينتو” الضابط أحمد الذي كان يعمل في الجيش الإسباني إبان الاستعمار، قبل أن يلتحق بالجيش المغربي بعد الاستقلال، ويعيش السرخينتو أحمد أوضاعا مادية واجتماعية صعبة بعد تقاعده من الجيش نتيجة الإهمال والتهميش، وانتهى به المطاف ليجد نفسه مضطرا للعيش بحاوية للقمامة “لاباصورا” التي آوته إلى جانب شخصيتي العمل المسرحي.
“الصعلوك” وهو نص ينتمي لما يسمى بكوميديا الموقف اقتبسه الاستاذ عالي مسدور عن نص مسرحي بنفس العنوان يعود إلى الكاتب المسرحي الدكتور عبد الكريم برشيد. ويعالج هذا النص، بنوع من السخرية السوداء، مواقف اجتماعية تتمثل في النظرة الدونية التي يرى بها الفرد والجماعة الفئات المهمشة في المجتمع. وقد حاول علي مسدرور في معالجته النصية لهذه المواقف التركيز على المظاهر الخادعة والزائفة السائدة في المجتمع الصحراوي والتي يسقط البعض ضحيتها  خاصة حينما يغير ” الصعلوك” من مظهره لينخدع بذلك كل من “النادل والمرأة” اللذان كانا ينبذانه وهو يقاسمهم فضاء الليل بكل حمولاته الأخلاقية و النفسية والاجتماعية. أما ” الشرطي” فيقع في ورطة حقيقية حينما اختلطت مهامه بمهام “الصعلوك”. 
“الساروت” وهي المسرحية التي اقتبسها عالي مسدور أيضا عن مسرحية بنفس العنوان للكاتب والإعلامي 
الحسين الشعبي،  تتحدث عن شخصية “الساروت” وهو الاسم الذي أطلقه الطبيب على المريض منذ أول مرة تعرف عليه، وذلك بعد عجزه عن معرفة اسمه الحقيقي وإيجاد أي وثيقة تثبت هويته، ولذلك أطلق عليه اسم “الساروت” بعد أن وجد عنده مفتاحاً في حقيبته البالية. وبما أن المريض قد وُجد مغمى عليه، فضل الصمت واستسلم لواقع أصبح فيه متهما من طرف طبيبه. لكنه في لحظة من لحظات العلاج يحاول “الساروت” أن ينفي عنه التهم الموجهة اليه، رغم إصرار الطبيب على إلصاق التهم ب”الساروت” الذي يدخل معه في صراع كبير وطويل، تنشأ عنه مواقف كوميدية مشوقة.
“الخالفة” التي توجت بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للمسرح في دورته العشرين  بتطوان سنة 2018 وهذه المسرحية التي قام بتأليفها علي مسدور متكئا على المحكي الشعبي والشعر الغنائي الصحراوي، تحكي قصة “سعيد”، الكاتب الحالم والمغامر بأفكاره الذي يتحدى كل الصعاب لينسج من خياله خيمة يعرفها “البيظان” من سكان الصحراء بخيمة الجود والكرم والأصالة والإبداع. وفي هذه الخيمة، التي نسجها من خياله، تلتقي الفكرة بالإبداع ويمتزج الخيال بالواقع، بقالب أدبي يزاوج بين الشعر الحساني وإنشاده، والأدب الشعبي الكامن في المثل والكلام المأثور والحكايات الشعبية المؤسسة لفعل الفرجة في التراث.

فرقة بروفا المشهدية بالعيون:

تميز المنجز المسرحي لهذه الفرقة الجادة بنصوص مسرحية تمتح من الواقع المعاش ومن الذاكرة الجمعية  للإنسان الصحراوي، وتنطلق في صياغة نصوصها من أحداث واقعية تستنطقها بلغة فنية شاعرية تراهن على استنفار وجدان المتلقي و تحرير انفعالاته من كل ما هو سائد وتقليدي.
وقد برز المبدع عبد الرحمان الزاوي ككاتب غزير الإنتاج، اقتحم مجال الكتابة للمسرح منذ سن مبكرة واستطاع أن ينحت لنفسه أسلوبا متميزا يسير نحو النضج وينتج خطابا جماليا له أثر بارز في إنضاج الممارسة المسرحية بالصحراء. لكن أهم ما يثير الانتباه في تجربة بروفا المشهدية هو هذا الترابط الفني الثنائي بين عبد الرحمان الزاوي المؤلف و هشام بن عبد الوهاب المخرج. وهذا يذكرنا بالثنائيات التي سادت مسرح  الهواة في السبعينات والثمانينات. وقد أفضى هذا التعاون بين هذين المبدعين إلى انتاج العديد من الأعمال المسرحية التي حظيت بترحيب كبير من جمهور الأقاليم الجنوبية  ومنها على سبيل المثال لا الحصر: 
مزلنا حيين ( ما نزال أحياء ) إنتاج  سنة 2013  والتي أعيد كتابتها  و تقديمها بتصور إخراجي  جديد سنة 2018  وحملت عنوانا جديدا
“حاسي بلا كعر / بئر بلا قعر” . وتحكي المسرحية قصة شابين أحدهما مهندس والثاني عامل مساعد يعملان في الحفر والتنقيب داخل نفق عميق تحت الأرض. في لحظة، يتفاجأ الاثنان بانهيار النفق وانسداد فوهته بعد إخطار بقليل، العمال المتواجدين فوق السطح. الاثنان لم يصابا بأي أذى، غير أنهما بقيا عالقين في الحفرة متشبثين بأمل أن يتم إخراجهما وإنقاذهما، لكن الخوف من النهاية يجعلهما يعترفان لبعضهما ببعض الأسرار، كما يكتشفان بعض الأمور الغريبة داخل الحفرة. وبين الحين والآخر كان صدى عبارة “يللي لفوك ..رانا لتحت ”  يدوي في أذن المتلقي وفي أعماقه موحيا بما هي عليه العلاقات العمودية المبنية على التعارضات : فوق/ أسفل ..أعلى / تحت .. داخل / خارج.
والجدير بالذكر أن المخرج  هشام ابن عبد الوهاب طبق على هذه المسرحية رؤيته  لمسرح البيوميكانيك تشخيصا وتأثيثا.
لا كاسامار  ( دار البحر ) .. وفازت  بالجائزة الكبرى لمهرجان الداخلة للمسرح الحساني المنظم من 13 إلى 16 أبريل 2016 كما شاركت ضمن العروض الموازية للمهرجان الوطني للمسرح  والمسرحية هي  “نبش في المنسي عن امراكن” الذين قاوموا فوق الماء دفاعا عن اليابس. ومحاولة لإثارة الانتباه عن مآل بناية مرتبطة بأحداث و أعلام و مآسي وأحلام.  
بعد الحكم بعقوبة السجن مدى الحياة على مجموعة من “إمراكن” بتواطئهم على قتل بعض الضباط الإسبانيين وتدمير بعض ممتلكاتهم ، تقرر حبسهم في دار البحر (كاسامار ) في الطابق العلوي وقد تم تكليف احد الجنود لحراستهم وإدارة شؤون السجن “مورينيو ” شاب تربى على حب بلده وتم تقديمه لأداء هذه المهمة لأن عمه “خوان ” وجده
“كارسيا ” كانا ضمن الذين قتلوا على يد ” إمراكن”، لكنه بعد مرور الوقت أصبح يكتشف بعض الأمور الغير طبيعية، وبمساعدة تفرح سيكتشف أمرا غريبا ينفذه رفيقه كاطورسي.

فرقة أدوار للمسرح الحر بكلميم:

تبنت هذه الفرقة في بيان تأسيسها  سنة 2010 ، مشروعا يرمي لإعادة بناء الحركة المسرحية بالأقاليم الجنوبية، وفق رؤية تسعى لجعل المتلقي في بؤرة الممارسة المسرحية من خلال البحث في كل ما يمكن أن يساهم في استنفار ذاكرته وتقديم فرجة ترقى بذائقته الجمالية و ترتقي بوعيه. وشكلت مستجدات دستور
2011 وتأكيده على صيانة التعبيرات والثقافة  الحسانية  باعتبارها مكونا من مكونات الثقافة الوطنية انعطافة كبرى وتحول حاسم في مسار أدوار نحو المسرح الحساني. وقد اشتغلت  الفرقة في كتابة نصوصها المسرحية على الاعداد الدراماتورجي أي المزاوجة بين الكتابة الدرامية للحوار والكتابة الركحية للتصور الاخراجي  و ملامسة قضايا الانسان والوطن، ونهلت من التاريخ والذاكرة الجمعية باعتمادها لشخوص لها امتداد في ذاكرة المتلقي، كما سعت إلى خلق عوالم الرؤية من خلال الحكي  والنصوص  المسرودة . وهذا ما رصده الدكتور محمد أبو العلا في مسرحية “كدور الذهب” وهو يطرح سؤال الانفتاح على المحكي الجنوبي، مؤكدا ما يمكن أن  يوفره  المتخيل الصحراوي من تكثيف لإبدالات مسنودة بمخيال حكائي مدهش، من شأنه الاضطلاع بدور رافعة حقيقية للمسرح المغربي(6) حسب قوله.

وتأكيدا لما سبق  نورد  المنجز المسرحي المتحقق لفرقة أدوار للمسرح الحر كما يلي:
   
“الريح” وهي المسرحية التي أعدها بوسرحان الزيتوني عن نص القتلة للكوبي خوسيه تريانا وقامت الفرقة بتحويل جزء مهم منها إلى الحسانية. وقد توجت بالجائزة الكبرى للدورة الثانية للمهرجان الوطني للمسرح الحساني بأكادير، مع جائزة أحسن تشخيص، وجائزتي الأمل. كما اختيرت ضمن العروض الموازية للمهرجان الوطني بمكناس 2014. وتتحدث المسرحية عن هيمنة القيم السائدة والتي أصبحت كابوسا لا يمكن التخلص منه إلا بإعادة تمثيل لعبة قتل يروح ضحيتها الأب والأم. لعبة أبطالها ثلاثة أشقاء يعانون من كبت وقهر والديهم. يدخلون في اشتباكات لغوية وفلسفية ساخرة تتجلى من خلالها الثورة علي السلطة الأبوية بشكل كبير في محاولة من الأخ الأكبر التخلص من تسلط الأم والأب ودكتاتوريتهما وتعنيفهما المستمر. ورغم أن اللعبة ليست في واقع الأمر سوى حلما وانعكاسا لحالة الحصار النفسي المضروب على الإخوة الثلاثة، فإنها كشفت عن معاني الذنب والتسلط والعنف الأسري وعن تشابك العلاقات وازدواجية الشخصيات وعن مفهوم الضحية.
“كدور الذهب / قدور الذهب”  التي أعدها عبد اللطيف الصافي عن النص المسرحي “حكاية صديقين” للكاتب المسرحي العراقي محي الدين زنكنة. وتوجت هي الأخرى بالجائزة الكبرى للدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح الحساني بأكادير.  في هذه المسرحية تنطلق الدعوة إلى الفرجة منذ البداية، وهو ترحاب خارج سياق “الدرامي” يحيلنا إلى نمط مختلف للفرجة المسرحية التي اقترحتها فرقة أدوار. فمنذ البداية نستعيد جزءا من تاريخ آسن للصحراء، لنكتشف سلطة المكان وسحره وعمقه في جذور ويوتوبيا الرمال الممتدة عبر الأفق. وفي المحكي الشفوي عند الأم، وفي حلمها يتحول مآل الأبناء إلى جنون بالامتلاك والتملك ل”كدور الذهب” المفقودة، ولا ندري هنا هل في الحلم أم في يقظة الأولاد ونشدانهم الخلاص من “سلطة المكان”. وفي رحلة البحث للأولاد نعيد اكتشاف جزء من علاقة جيل بالمكان، ليتجدد نفس السؤال: عن مصير الإنسان القدري والحتمي حينما لا يختار في اللحظة التاريخية المناسبة.
“شكيريدة” وهي مسرحية كوميدية  أعدها عبد اللطيف الصافي عن  مسرحية ” الكمين” للكاتب التركي جاهد أتاي، وتتحدث 
هذه المسرحية عن القايد ولد البوهالي الذي يسعى بدهائه ونفوذه إلى تأبيد وضعه كمسيطر على المدشر وتملكه لكل شيء فيه، فيحرض “شكيريدة” الذي لا يملك من متاع الدنيا سوى بندقية قديمة ورثها عن أبيه المقاوم، ويستغل غباءه، 
ليقضي على الشاب خطري الذي أصبح محاميا، بفضل خاله الذي سهر على تعليمه في تحد واضح لولد البوهالي، وقرر فتح مكتب بالمدشر ليساعد السكان على استرداد ممتلكاتهم وحقوقهم من ولد البوهالي.
تتوالى الأحداث ويتنامى الصراع في خط تصاعدي مرح وعنيف في الآن نفسه لينتهي بمصرع ولد البوهالي على يد شكيريدة. فيتملك هذا الأخير إحساس بالنشوة
والغرور .. أليس من حقه أن يتمتع بالشهرة والمجد؟ أليس هو من قتل ولد البوهالي الذي ترتعد الفرائص لمجرد ذكر اسمه؟ 

“نصراني فتراب البيظان”  التي قام بإعدادها عبد اللطيف الصافي عن كتاب “خمسة أشهر لدى البيظان في الصحراء الغربية”
للرحالة والمستكشف الفرنسي كاميل دولز. وتتحدث هذه المسرحية عن المغامرة الاستكشافية التي قام بها الرحالة و الباحث الانتربولوجي كاميل دولز الذي 
اهتم بكشف الجوانب الخفية في  حياة الرحل بالصحراء المغربية أواخر القرن التاسع عشر، ولكنه أيضا قاد تجربة مريرة  اقترب خلالها من الموت مرات عديدة، لهذا فإن أحداث مسرحية “نصراني ف أرض البيظان”، ليست فقط أحداثا حقيقية،
بل هي ولادة جديدة ومتجددة للذاكرة  تدعونا إلى  استحضار مفهوم
“الهوية”  واستعادة  نبض الحياة  في الصحراء  على خشبة المسرح  وترتيب العلاقات الاجتماعية والإنسانية 
انطلاقا من جدلية الأنا والآخر ومن ثنائيات الرفض والقبول والموت والحياة والاستقرار والترحال  والحقد والحب.
 تجارب جديدة:

إلى جانب هذه التجارب الرائدة في المشهد المسرحي الحساني، ظهرت مطلع العشرية الأخيرة حساسيات 
جديدة مع خريجي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي من أبناء الأقاليم الجنوبية الذين أثروا الساحة المسرحية بالصحراء وشكلوا مختبرات حاولوا من خلالها ترجمة كل مكتسباتهم النظرية والعملية إلى فعل داعم  ورفد الممارسة المسرحية  عبر الاشتباك بالواقع المسرحي بالصحراء. ومن بين هؤلاء عبد القادر أطويف وعزيز أبلاغ وعلية طوير التي تعتبر أول خريجة تنتمي إلى هذه الأقاليم. وسيتعزز هذا الثلاثي باسم أنثوي آخر هي خديجة زروال التي لا زال الجمهور الصحراوي لم يتعرف عليها بالشكل الكافي.
غير أن الملاحظ في تجارب هذه الحساسيات التي تم توطينها في فرق منظمة ومهيكلة بشكل احترافي، أن معظم  النصوص التي اشتغلت عليها لم تخرج عن دائرتي الإعداد والاقتباس، لكنها نجحت في الحفر في ذاكرة المكان وإثارة بعض القضايا الاجتماعية والقيم السائدة في المجتمع الصحراوي. 
وفي هذا الإطار أستحضر مسرحيتا “سرخينتو” و”حرب وحب”  لفرقة روافد للمسرح الحساني بالداخلة فالأولى استوحى فكرتها عزيز أبلاغ من ذاكرة الداخلة.
واعتمدت التأليف الركحي وليس التأليف النصي
وتحكي هذه المسرحية  قصة ريكو كارسيا الفاضل المنشط الإذاعي الإسباني الذي يستأنف بث برنامجه الإذاعي الاجتماعي بعد توقف دام ثمان سنوات، وفي حلقة استثنائية يحكي ريكو قصة حياته التي بدأت باختطاف سرخينتو له انتقاما من والده بضواحي مدينة الداخلة أو “فيلا سيسنيروس”، إبان الاستعمار الإسباني للمنطقة. ويروي ريكو حكاية تبنيه من طرف امرأة إسبانية تدعى “أنخيلا” التي سهرت على تربيته وتكوينه. ويفاجئ ريكو المستمعين باكتشافه أن والديه الحقيقيين لا زالوا أحياء وذلك بعد سنوات من وفاة “أنخيلا”. ويخبرهم عن رحلته نحو أعماق الصحراء حيث سيلتقي والده عثمان، ويصدم لموت والدته أياما قليلة قبل وصوله.
وما ميز هذا العمل المسرحي أنه ضم ممثلين من شمال المغرب إلى جانب ممثلين من الداخلة.
أما مسرحية “حرب وحب” التي شاركت بها روافد في فعاليات المسرح الصحراوي بالشارقة، فهي أيضا من تأليف عزيز أبلاغ  عن فكرة للعالي كريميش، وتتناول قصة «شيبة»، وهو ابن شيخ قبيلة، عريق الأصل، قضى طفولته بصحبة صديقه سراً فاضل الذي ينتمي إلى «أكاون»، التي تحترف فن الغناء والعزف على الآلات الموسيقية، وهو الشيء الممنوع على أبناء شيوخ القبائل. يتعلم «شيبة» العزف على آلة «التيدينيت» على يد (الصغير)، إلى أن يتعلق بها، ويبرع في عزفها سراً. بعد عامين ونيف سيرحل (الصغير) بمعية أهله عن القبيلة صوب قبيلة أخرى، تاركاً له آلة «التيدينيت» كتذكار منه.
أمضى بعدها شيبة طفولته ومراهقته كلها في عزف التيدينيت سراً، إلى أن أصبح راشداً ليُكتشف أمره ذات يوم من طرف القبيلة، وبدأت في محاربته وحثه على التوقف عن عزفها. ذات يوم وهو يعزف في خلوته صادف فتاة من القبيلة (لبتيت)
وغرم بها حد الصبابة، لكنها قامت بصدّه واشترطت عليه أن يتوقف عن عزف
“التيدينيت».
من هنا، يدخل في حيرة كبرى إلى أن يُطرد وينفى من القبيلة بسببها، ويبقى هائماً على وجهه يجول في كل مكان، إلى أن تتعرض قبيلته لهجوم من قبائل «هنتاتة»، ليتجند لحماية قبيلته من جديد، حيث ستلعب هذه الآلة دوراً كبيراً في تهييج حماسة المقاتلين للدفاع عن القبيلة ومواجهة قبائل
“هنتاتة”، المعروفة بكثرة مقاتليها وشراستهم.
أما فرقة  أوديسا للثقافة والفن بالعيون، فقد انفتحت على كتاب من  الجهة أمثال نيمة لمغيفري وعلي لبراصلي، انسجاما مع مسارها الفني الذي كرسته لتجربة ترتكز على الحكاية الشعبية الحسانية باعتبارها موروثا ثقافيا غنيا يختزن العديد من القيم والمعاني(7)، حسب تصريح مؤسسها عبد القادر أطويف، وإعادة إنتاجها وتطويرها لتأخذ شكلا مسرحيا أو فرجة جديرة بالمتابعة، وهي بذلك تساهم في التعريف بالثقافة والتراث الحساني والمحافظة عليه. وقد تبنت فرقة أوديسا  ” مسرح الشارع” باعتبار الأثر الذي يخلفه لدى الجمهور و لكونه أيضا وسيلة ناجعة لتصدير الثقافة والتراث الحضاري الصحراوي الحساني في صورة فنية إبداعية بسيطة. ومن بين النصوص المسرحية التي اشتغلت عليها هذه الفرقة  وفق منظورها الجمالي  وحققت تفاعلا إيجابيا مع جمهور الجهات الجنوبية:
“جَا فَالَّدَرْكَة”  التي اقتبسها علي لبراصلي عن الكاتب البولوني سلافومير مروجيك، وتدور أحداثها داخل عيادة طبيب عيون، حيث يزاول الطبيب مهنته في فحص مرضاه.. إلا أنه سيصادف زبونا من نوع خاص، إذ يمر به أحد الزوار ليحول يومه إلى مأزق حقيقي تتجادل فيه قوتين لا غالب بينهما سوى القوة والاستبداد، حيث يستخدم الجد سلاحه الناري في وجه الطبيب بعد فشله في إيجاد نظارة تعيد للجد بصره ليتمكن من رؤية “الدحسة” المبحوث عنه.
ولأن البندقية المحشوة منذ عشرين عاما ينبغي أن تطلق رصاصها، ولأن العرف العائلي يقتضي التصويب نحو الآخر. تتأجج الرغبة لدى “الجد” في قتل “الدحسة”، لكن ضعف حاسة البصر وقصر التمييز لديه يحولان دون ذلك.
زيارة الطبيب للحصول على نظارات لم تسفر سوى عن استعمال نظاراته الخاصة رغما عنه، مما يترتب عنه مباشرة تمثل “الجد” “للدحسة” في شخص الطبيب، وتبدأ بذلك معركة المطاردة.
بعد اليأس من إقناع الجد وحفيدته بأنه ليس فعلا “
“الدحسة”، يبرع الطبيب في كبح هيجان الجد، وثورة الحفيدة، بإقناعهما بأنه من الممكن ألا يكون هناك “دحسة” واحد في العالم، بل أكثر من ذلك.
فتستهويهما الفكرة لاسيما بعد قتل أحد الوافدين على العيادة، وتستمر رحلة البحث عن “الدحسات”.
“عمل صغير لبهلوان مسن”  وهو نص مسرحي من فصلين يشكل كل منهما وحدة مستقلة ومتكاملة، اقتبسه وأعده للحسانية نيمة لمغيفري عن قصة تحمل نفس العنوان للكاتب الروماني “ماتي فيزنييك”.
ويقدم الفصل الأول لقاء بين أصدقاء ينشب بينهم صراع لا يعدو أن يكون مجرد مشادات كلامية، بينما يشهد الفصل الثاني منافسة حادة بين هؤلاء الأصدقاء، حيث يعمل كل طرف على إثبات مصداقيته (الفنية) من خلال تقديم عرض فني، غير أن خروج إحدى الشخصيات عن قاعدة اللعبة من خلال عرضه الفني الخادع، غير المتوقع، يسفر عن توتر، يروح ضحيته هو نفسه، لينتهي الفصل الثاني بالتحاق بهلوان عجوز بنفس المكان، بينما كان البهلوانان الآخران يهمان بالهرب، وكأننا سنشهد بداية مسرحية أخرى.
“امراد شرتات”  وفيها تمت إعادة إحياء “شرتات” باعتباره شخصية خيالية أسطورية من إبداع الذاكرة الشعبية، وقد ألصقت وأسندت إلى هذه الشخصية مجموعة من التصورات السلبية التي تسود داخل المجتمع كالجشع والشراهة (السَّلْعة) والطمع والبلادة والمكر، كما يتميز كذلك “شرتات” بلجوئه إلى الحيل والخروج من المواقف الصعبة عبر مجموعة من الطرق والحيل والأجوبة الماكرة، ولا تقف صفات شرتات عند هذا الحد بل تتجاوزها إلى صفات أخرى كاللصوصية والكذب وسرعة العدو حسب بعض الروايات.

خاتمة:

إن النصوص المسرحية الحسانية، إذ تعكس الثقافة الصحراوية عموما وتستلهم موضوعاتها من التراث الحساني والمحكي الشفوي، فإنها لازالت في حاجة لترسيخ امتداداتها  جنوبا وشمالا، والاستفادة مما توفره الدراسات التاريخية والانتربولوجية، بما في ذلك التجارب المسرحية التي تراكمت على الصعيد الوطني،  وأن يجتهد الكتاب في نحت مسارات متنوعة في آليات الكتابة الدرامية ومسوغاتها الفنية والجمالية، بعيدا عن الكليشيهات والقوالب الجاهزة وأن يحفروا عميقا في ذاكرة المكان، بما تختزنه من خصوصيات بما يلائم تطلعات الإنسان الصحراوي وحقه في فرجة ذات طابع محلي وأفق إنساني.

المصادر: 

* عبد المجيد شكير- جمالية الكتابة الدرامية في المسرح المغربي.. منشور على الرابط التالي:
http://www.tafukt.com/index.php?option=com_content&view=article&id=132:2012-07-08-15-31 -30&catid=39:articles&Itemid=229
* محمد أبو العلا  – المسرح و السرد، نحو شعريات جديدة،  الصادر عن دار فالية للطباعة والنشر ببني ملال.
* فؤاد أزروال – حركة المسرح الامازيغي بالمغرب، منشور على الرابط:
https://www.facebook.com/AladbAlamazyghy/posts/1131840993510347/
* اسليمة أمرز- الامل بأبعاد ثلاثة نصوص مسرحية حسانية  -إصدارات مركز الدراسات الصحراوية – الطبعة 2016 – دار أبي رقراق للطباعة والنشر الرباط.
* عبد القادر اطويف: مسرح الشارع الدولي بالعيون يسعى لفك العزلة الثقافية عن الأقاليم الجنوبية، منشور على الرابط: https://anfaspress.com/index.php/news/voir/32368-2016-03-31-10-43-57

 

> بقلم: عبد اللطيف الصافي

Related posts

Top