النقاش حول المساواة في الإرث يتطور إلى صراع محتدم بين تيارين

في الوقت الذي حظيت فيه الدكتورة أسماء المرابط بتضامن واسع بعد أن تم إبعادها من الرابطة المحمدية للعلماء بناء على إعلانها لموقف مجدد في التفكير ضمن النقاش حول المساواة في الإرث، يتواصل بالموازاة احتدام الجدل حول نظام الإرث، وذلك من خلال إطلاق العديد من الشخصيات السياسية والثقافية لعريضة – نداء، يدعون من خلاله إلى إلغاء التعصيب من قانون المواريث ببلادنا.
وتقوم قاعدة التعصيب في قانون المواريث على “إعطاء الحق للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا في حال كان الوريث الوحيد، في حين لا تستفيد المرأة من هذا الحق، إذ ترث فقط نصيبا مقدرا معلوما يسمى فرضا”، مما يعني أن الوارثات اللواتي ليس معهن شقيق ذكر، ينبغي عليهن تقاسم الإرث مع الذكور الأقربين من إخوة وأبناء إخوة وأعمام وأبناء عم وإن بعدوا.
واعتبر الموقعون على النداء، المفتوح للتوقيع على موقع “أفاز” العالمي، أن “الإرث بالتعصيب كان يجد ما يبرره في السياق التاريخي الذي نشأ فيه، حيث كان النظام الاجتماعي نظاما قبليا يفرض على الذكور رعاية الإناث والأشخاص الموجودين في وضعية هشة، إضافة إلى تحملهم مسؤولية الدفاع عن القبيلة وضمان عيشها”. واضافوا أن “هذا النظام الاجتماعي لم يعد بالتأكيد هو السائد في عصرنا الحالي، فالأسرة المغربية أصبحت مكونة في الغالب من الزوجين وأطفالهما، بل إن النساء يساهمن في إعالة أسرهن، وفي أحيان كثيرة يكن المعيلات الوحيدات. فيما يعرف عدد النساء اللواتي يشاركن أزواجهن نفقات البيت تزايدا مستمرا، إذ تقدر إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط عدد الأسر التي تعولها نساء بمعدل أسرة واحدة من بين كل خمس أسر”.
واستنتج الموقعون أن “السياق الاجتماعي الحالي وما عرفه من تغير في البنى والأدوار الاجتماعية، ينتج عن تطبيق نظام الإرث عن طريق التعصيب بالنفس ظلم كبير لا يتماشى مع مقاصد الإسلام”.
ودعوا، بناء على ذلك، إلى إلغاء قاعدة التعصيب من قانون المواريث، بمبرر أنه “لم يعد يتوافق مع ما طرأ على الأسرة المغربية من تحولات في السياق الاجتماعي الراهن، إذ تجعل النساء الأكثر فقرا أكثر هشاشة، وتجبر الكثير من الآباء على التخلي عن ممتلكاتهم لبناتهم وهم على قيد الحياة”.
وضمت لائحة التوقيعات التي وصلت إلى مائة توقيع العديد من الاسماء البارزة من بينها وزير الصحة السابق، الحسين الوردي، وجمال أغماني، وزير التشغيل السابق، وإسماعيل العلوي، المقاوم بنسعيد آيت إيدر، والشاعر والكاتب والوزير السابق محمد الأشعري، والدكتورة اسماء المرابط، الكاتبة ليلى سليماني ورشيد بنزين، الباحث في شؤون الإسلام، والدكتور محمد جبرون، والدكتور محمد الطوزي، والحقوقية خديجة الرياضي، بالإضافة إلى عدة نشطاء حقوقيين آخرين، وصحافيين وفنانين وغيرهم.
وتعرض النداء لانتقاد كبير من قبل عدد من الفقهاء والعلماء المعروفين، وعلى رأسهم الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني، ومصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي بوجدة، ومحمد الروكي، رئيس جامعة القرويين وعضو المجلس العلمي الأعلى.
وعبر الريسوني عن رفضه لمنطق النداء الداعي إلى المساواة في الإرث مسجلا أن “العرائض لا تلغي الفرائض”.
فيما طالب بن حمزة، بضرورة إبعاد إرث المرأة عن التوظيفات الإيديولوجية والسياسية، التي تتمدد في مساحة جهل الناس بأحكام الشريعة”.
واعتبر بنحمزة أن “من وقعوا على هذه العريضة يشهدون على أنفسهم أنهم لا يعرفون شيئا من الشريعة أصلا، وأنهم لا يعرفون التعصيب”. موضحا أن التعصيب ثلاثة أنواع؛ حيث يوجد التعصيب بالنفس، أو التعصيب بالغير، أو التعصيب مع الغير، وهي الأنواع التي لا يعرفها الموقعون على العريضة، كما يقول.
وشرح رئيس المجلس العلمي بوجدة، التعصيب مع الغير بأنه تعصيب تستفيد منه المرأة فقط، “أي أن المرأة هي التي تكون عاصبة، فمثلا إذا كانت بنت واحدة ومعها ابنة الابن فستأخذ البنت النصف وابنة البنت تأخذ الباقي تكملة للسدسين”، متسائلا “هل يريدون حرمان ابنة الابن أو ماذا؟”.
ونصح بنحمزة الشخصيات التي وقعت على العريضة بالابتعاد على هذه الأشياء “لأنه سيدخل المغرب في متاهات كبيرة، فالمسائل الشرعية ليست بالعرائض لأنها ليست سياسية”، حسب قوله.
وفي نفس الاتجاه ذهب محمد الروكي قائلا “إن أصول نظام الإرث هي من قطعيات الشريعة، وهي داخلة فيما يسميه الفقهاء بالمقدرات الشرعية التي لا مجال فيها للرأي والاجتهاد، لأن النصوص الشرعية بينتها وفصلتها وقررت أحكامها على وجه لا يختلف فيه عالمان، ولا يتنازع فيه عاقلان”.
وردا على هذه الانتقادات، ذهب عبد الوهاب رفيقي، الناشط والباحث الإسلامي وأحد الموقعين على النداء، إلى التأكيد، ضمن تدوينة نشرها على حسابه بالفيسبوك، أن “الشريعة ليست نصوصا تفصيلية ولا جزئية، وأن الشريعة هي العدل”، وأن “من يقف أمام تحقيق العدل بين الناس، ويمنع تطور القوانين بما يتناسب مع دوام هذه القيمة واستمرارها، هو من يعادي الشريعة ويعرضها للتهمة، وليس المدافعون عن حقوق النساء من شرفاء هذا الوطن”.
وأوضح رفيقي، أن التعصيب المقصود بالنداء والعريضة، لا يشمل كل أنواع التعصيب، كأن يتفرد الابن بالتركة فتكون كلها له، أو حتى ما لو خلف الميت ذكورا وإناثا فيرثون حسب القانون الحالي بقاعدة: للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكن المقصود حالات التعصيب التي يقع فيها على المرأة ظلم بين لا يمكن الاستمرار في قبوله، ولا التبرير له باجتهادات قديمة تغيرت كل السياقات المحيطة بها تغيرا جذريا وكبيرا”.
بدوره تأسف جبرون، وهو أحد الموقعين على العريضة كذلك، من ردود الأفعال تلك، قائلا “مؤسف جدا أن نقرأ ونطالع كلاما لعلماء وفضلاء يرمون فيه شخصيات معتبرة من الوطنيين الشرفاء تختلف معهم في الرأي حول الموقف من مسألة الإرث عموما والتعصيب خصوصا بتهم الجهل بالشريعة والتآمر على الإسلام والخيانة و”الخوارج الجدد”.
وأوضح جبرون، أن “الاجتهاد في الشريعة وبخاصة في باب المعاملات مما درج عليه المسلمون منذ القدم، وهو علامة صحة وعافية، وأمثلة الاجتهاد مع وجود النص كثيرة ومتعددة من زمان الخليفة عمر (ض) إلى يومنا هذا”، مضيفا أن “الاجتهاد في قضايا الإصلاح والتحديث منذ القرن 19م، لم يعد مسألة خاصة بعلماء الشريعة بالمعنى الضيق بل يحتاج إلى فقهاء السوسيولوجيا والتاريخ والاقتصاد والقانون.. بالإضافة إلى علماء الفقه والأصول”.
فهل يتطور هذا النقاش المحتدم إلى خلق نوع من الصراع المجتمعي مجددا مثل ذلك الذي صاحب تعديل مدونة الأحوال الشخصية؟ السؤال يطرح نفسه بإلحاح خاصة بعد أن تم إدراج عريضة مضادة للتوقيع على موقع “أفاز” للمطالبة بـ”الحفاظ على الميراث كما شرعه الله”. ويمكن دخول الموقع على شبكة الانترنت لمتابعة السباق المحتدم على التوقيعات بين العريضتين، حيث وصلت عريضة إلغاء التعصيب زوال يوم أمس الأربعاء إلى 1750 توقيعا فيما بلغت عريضة المحافظة على نظام الإرث 1887 توقيعا!

Related posts

Top