النماذج الدينية بالعالم الإسلامي.. انسجام أم انفصام؟

من المعلوم والمُسَلَّم به أن الإسلام واحد، إلا أن البيئات التي يُمارَسُ فيها تختلف، كما تختلف السياقات الزمنية والمكانية التي يحيا فيها، وتتباين تأويلات نصوصه وفهم تعاليمه، كما تتباين عوامل التأثير التي يحتك بها أو تحتك به.
ذلك ما جعلنا واقعياً نشهد عالَماً إسلامياً يعرف انتشار نماذج دينية/إسلامية متعددة، يمكن حصرها في أربعة نماذج كُبرى:

• النموذج الشيعي الخميني الثوري؛
• النموذج السلفي الوهابي، بشقيه الجهادي وغير الجهادي؛
• نموذج الإخوان المسلمين؛
• النموذج  المغربي المعتدل.

ونبدأ بالنموذج الشيعي الإيراني الذي لطالما حاول الانتشار في شمال إفريقيا وفِي غربها. وهو يمتد، بتفاوتٍ، في سوريا والعراق ولبنان واليمن وشرق السعودية. وهناك جهود معروفة للعام والخاص تبذلها دولٌ مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية لأجل مُحاصرته والحد من تأثيره، منهجياً وفكريًا وسياسيا وعسكريا. وقد كان من تداعيات ذلك توتر علاقات دولة قطر مع مجلس دول التعاون الخليجي، إضافة إلى اشتداد أو بالأحرى تشديد وطأة الحرب في اليمن ضد الحوثيين، ومحاولات تليين مواقف الرئيس العراقي الحالي ليمسك العصا من وسطها ولا يميل كل الميل لمصالح إيران… فضلاً عن دعم الحريري في لبنان ليلعب دوراً في الضغط على حزب الله، المُوالي كُــلِّـــياً لإيران، ومحاولة التأثير عليه ودفعه نحو النأي بالنفس في القضايا الوطنية اللبنانية الداخلية بما يُراعى مصالح اللبنانيين السنة وغيرهم، وليس الشيعيين منهم فقط، والابتعاد عن دعم إيران خارجيا، وبالضبط في سوريا والعراق واليمن عبر تصدير مليشيات تكرس الفتنة والحروب بالمنطقة…
ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن هدف إيران الفارسية من كل ذلك، ليس إيديولوجيا فحسب، وإنما يتجلى في محاولتها التموقع جيوسياسيا بالمنطقة، وبالتالي عالمياً، من خلال السعي نحو إحكام سيطرتها على النفط والخطوط التجارية والملاحية الاستراتيجية بالشرق الأوسط، والسعي نحو إيجاد موطئ قدم لها في التجارة العالمية والتحول إلى رقم مُعتبر في ميزان القوى العالمية بما يجعلها قوية في أي مفاوضات اقتصادية أو تجارية أو عسكرية أو سياسية أو… ثقافية.
بنفس المقاربة التي يعمل بها النموذج الشيعي الخميني الذي سعى إلى تصدير الثورة إلى جميع البلدان السنية، فهو يعمل جاهدا لخلق أقليات شيعية بأوروبا تشكل امتدادا سياسيا وعقديا ومذهبيا دوليا عميقاً لإيران الفارسية، من جهة، ولكبح الحضور الديني الوازن للإسلام المغربي السني المعتدل الذي يعمل، باتزان ومسؤولية وانفتاح، من داخل المؤسسات تحت مظلة إمارة المؤمنين عبر المجلس العلمي المغربي لأوروبا التابع للمجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه ملك المغرب أمير المؤمنين،  من جهة ثانية. ثم لمجابهة تيار الإخوان المسلمين والتيارات السلفية الوهابية والجهادية بأوروبا، من جهة ثالثة  .
أمام هذه الاستراتيجية التوسعية والمتعسفة الكبرى التي ينهجها النموذج الشيعي، نجد في مقابل ذلك النموذج السلفي الوهابي، بتياريه المعتدل والجهادي، يواجِهُ بقوة وشراسة هذا المد الشيعي، أو لنقل الزحف الفارسي على الجزيرة العربية خصوصاً.
يلاحظ المتتبع لمسار السلفية، بجميع اتجاهاتها وأصنافها، أنها لا تكتفي، ضمن أجندتها، بالمواجهة المفتوحة التي تخوضها ضد النموذج الشيعي – وهي تلتقي موضوعيا في هذه المعركة مع قوى عالمية كثيرة ومتنوعة من مصلحتها أيضاً كبح الطموح الإيراني اللامتناهي – بل إن هذه السلفية/السلفيات تسعى بدورها نحو التغلغل في آسيا والانتشار في أوربا كما تُشير إلى ذلك دراساتٌ متعددة ومراكز بحثية أو استخباراتية عديدة.
إن النموذج السلفي الوهابي الجهادي قد فشل، أو على الأقل خسر مُعظم “قوته”، وهو يتداعى للسقوط كما كان متوقعاً، وذلك بسقوط “مشروع الخلافة الداعشية” الإرهابية الذي بصم على سلوكات إجرامية وعمليات إرهابية بشعة صدمت الإنسانية، بمُسلميها وغير مُسلميها.
ومن المعلوم أن هذا التيار/ النموذج الدموي الغارق في التخلف الفكري والسياسي، قد فقد أغلب قواده وعتاده ومصادر نفوذه ومنابع دعمه…. كما أن التدخل الأمريكي في المنطقة أهدى، على طبق من ذهب، دولة العراق للشيعة بعد تصفية النظام البعثي هناك وتدشين حُكم الشيعة لبلاد الرافدين، إلى اليوم… وهو ما حَـــدَّ كثيراً من نفوذ النموذج السلفي الوهابي بفعل لُعبة تاكتيكية واستراتيجية أمريكية/غربية قوامها الحرص على ترسيم “التوازن” المذهبي بالمنطقة بما يخدم مصالحها الحيوية على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
لقد فشلت الوهابية الجهادية في الانتصار على الثورة الخمينية بالعراق بدعم عسكري أمريكي واضح، كما فشلت لحد الآن الوهابية السلفية غير الجهادية في مواكبة التطورات والدينيامية الاجتماعية / السياسية / الإصلاحية. وظلت هذه الأخيرة حبيسة شكلانية تاريخية في التدين… ولم تنكب، بما يلزم من الانفتاح والجدية، على معالجة قضايا الناس والاستجابة إلى حاجياتهم المستجدة، من ثقافة وصحة وشغل وتعليم حديث وبحث علمي وصناعة مستقلة وزراعة ذاتية….
ولأن الفاعل الرسمي بالخليج أدرك أن هذا النموذج لن يكون قادرا على الصمود كثيراً، وأنه نموذج استنفذ ذاته وبات مُرشحاً للتجاوز داخليا وخارجياً… فقد تم إطلاق مراجعات وإصلاحات وتغييرات جذرية على هذا النموذج من قِبل القادة الجدد لبلدان الخليج العربي، مدعومين في ذلك بالولايات المتحدة الأمريكية، وحتى من باقي البلدان الغربية ولو بتفاوت.
هؤلاء القادة الجدد، شرعوا فعلا في إطلاق نقاش داخلي مع العلماء في بلدانهم، من أجل إعادة القراءة والنظر في النموذج السلفي ومحاولة توضيبه وتجديده وتشذيبه، منهجاً وفكراً وممارسةً، بما من شأنه أن يُفضي إلى مُخرجات تتعلق بإعادة إنتاج خطاب ديني معتدل، تماماً كما فعل المغرب منذ زمن طويل… طويل جدا… وهو البلد الذي جدد خطابه الديني، بنجاعة وتألق وتميز ونجاح مشهود له به، وفق ثوابت دينية أربعة هي: العقيدة الأشعرية؛ والفقه المالكي؛ والتصوف السني؛ وإمارة المؤمنين.
هذا يدفعنا رأساً نحو تناول النموذج السني الصوفي الذي تبناه المغرب وأهله، وأثبت قدرته الذاتية على التكيف والتطور تبعا للمستجدات السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصادية، إلى درجة أنه صار نموذجاً مطلوبا تستدعي مكنوناته ومنطلقاته وتوجهاته المنفتحة والسلسة العديدُ من البلدان في مختلف القارات ببقاع العالَم، سواءٌ سِرًّا وضِمناً أو جهراً وعلانيةً، كالإمارات وقطر والسعودية وتونس وبوركينافاسو وغينيا والسنغال والنيجر وليبيا، بل وحتى الجزائر وموريتانيا اللتين تحاولان اقتباس النموذج السني الصوفي المغربي لمواجهة أفكار التشيع والتطرف والغُلو، ولنبذ الاٍرهاب والحد من تفشي وتغول السلفية الجهادية بها… ناهيك عن طلب الاستعانة التي تُبديه البلدان الأوروبية والغربية عموما بالنموذج السني الصوفي المغربي لتأطير تنامي الإسلام هناك، مدنياً وثقافياً، في إطار مفهوم الدولة الحديثة ذات القيم الإنسانية الكونية المؤمنة بالتعدد والتسامح في كَنَف الوحدة السياسية والوطنية…. رغم ما يشوب أحياناً هذا التوجه الإدماجي من حوادث سير وسوء تفاهم يتسبب فيه بعض المُغَـالِــين والمتشددين من الجانبين.
ثم يبقى لنا، ليكتمل التحليل، النموذجُ الرابع، وهو الذي يتبناه الإخوان المسلمون بمصر ويعملون منذ سنة 1923 على تصديره  لجميع  بلدان العالم، في شكل تنظيمات دعوية وحركات الإسلام السياسي، كحركات الإخوان، ذات المُسميات واليافطات المختلفة، في الجزائر وتونس وسوريا والمغرب والكويت والأردن وتركيا وغيرها…
ما يَــسِــمُ نموذج الإخوان ويُمــيزه عن النموذج الشيعي الثوري وعن النموذج السلفي الجهادي.. هو إقراره بالمشاركة السياسية، بدل العمل المسلح الثوري الجهادي، ومع ذلك فإن الرواسب الجينية والتشوهات الخِلقية المتصلة بالعنف والتطرف والغلو لدى هذا التوجه تظل سمة بارزة في سلوكه السياسي، لا سيما في لحظات قوته وتمدده. وقد تجلى ذلك صارخاً ومكشوفاً من خلال محاولة الإخوان الاستفراد بالسلطة ورفض تقاسمها فور الوصول إليها والتمكن من تلابيبها… مما جعل العالَم يعيد طرح السؤال من جديد: هل الإخوان يؤمنون بالديمقراطية فعلا؟ أم أنهم يستعملونها على سبيل التقية وبمثابة تاكتيك فقط، وكمطية لأجل بلوغ السلطة وحسمها ثم تكسير السُّــلَّــمِ الذي صعدوا به إليها مباشرة بعد ذلك؟ إنه ليس سؤالا سياسيا أو وقتياً… بل إنه سؤال فلسفي ووجودي وحضاري على الإخوان أن يُجيبوا عليه بوضوح فكري لا لُـبسَ يشوبه، قبل أن يُجيب عليه التاريخ…. هذا مع العلم أن تيارات الإخوان المسلمين حين وصلوا إلى السلطة في لحظات معينة، اكتشفت الشعوب التي أوصلتها أنهم لا يمتلكون برنامجا ولا يتقنون تدبير الشأن العام، وتختلط عليهم الدعوة بالسياسة، والبرنامج السياسي بالخطبة التعبوية، والتواصل الحديث بالتهييج… حتى أن أحد زعماء هذا النموذج الإخواني في أحد البلدان قال لأنصاره مباشرة بعد نجاح حركته في إحدى الانتخابات: “أستطيع الآن أن أضمن لكم الجنة، ولكن لا أستطيع أن أضمن لكم الخبز” !!!!!!
ومن الواضح أن أيَّ تحليل لِـــمَا أنتجه الإخوان من خطابٍ سياسي، ولا سيما خطابُ قياداتها السياسية التي أوصلها “الربيع العربي” إلى السلطة، أو إلى جزءٍ منها على الأصح، في مصر وتونس والمغرب وغيرها… سيجعلنا نُــمسك بكثيرٍ من مواقف الغلو والتشدد والنزوع نحو الاستفراد بالسلطة والميل نحو الإقصاء… وهو ما يمكن مماثلته، رمزيا وسياسياً، بالعنف الثوري والجهادي… ناهيك عن عدم قدرتهم  على إنتاج الثروة وافتقادهم للرؤية البرنامجية، وسذاجتهم في تدبير العلاقات الدولية… وفشلهم في تجسيد القيمة المُضافة على صعيد إدارة الشأن العام… وهو ما أكدته حركة الإخوان للمسلمين في مراجعاتها الأخيرة… وهو أيضاً ما تتعالى أصواتٌ تعترف به من داخل هذه الحركات بتونس والمغرب مؤخراً.  
وعلى الرغم من فشل الإخوان في الاستمرار في السلطة بعد “الربيع العربي” بمصر وتونس في 2011، وبالجزائر  في سنة 1992، وذلك لأسباب ذاتية أكثر منها موضوعية، على عكس ما يَدّعُون في إطار المظلومية التي يُــتقــنونها… على الرغم من ذلك، إلا أنهم لا يزالون يحلمون بمشروع الخلافة الإسلامية. ويُســتَــشَــفُّ ذلك من الندوات والملتقيات التي تجمع الإخوان المسلمين عبر العالم، وعلى الأرض التركية بالضبط، باعتبار تركيا حاضنة عالمية لهذا التوجه لأسبابٍ تتشابه كثيراً وخلفيات النظام الشيعي الفارسي…. ذلك أنه يتأكد من خلال هذه الأنشطة تشبث الإخوان بحلم إقامة “خلافة إسلامية راشدة”، و”ليذهب مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة إلى الجحيم في نظرهم” !!!
وللإشارة، فإن استغلال الإخوان المسلمين للأوضاع النفسية العامة للمسلمين راهناً، وللاستيلاب الثقافي، وللمعضلات الاجتماعية من قبيل البطالة والفقر والأمية، واستغلالهم للدين في المجال السياسي التنافسي الاختلافي، إضافة إلى توظيفهم للعمل الإحساني والخيري والصحي والاجتماعي في الدعوة إلى اتباع حركاتهم… كل ذلك وغيره يُمكِّــنهم من حصد أصوات انتخابية مهمة، ويساعدهم في ذلك انحسار البدائل الديمقراطية وتقلص الهوامش الديمقراطية لمجال الحريات الفردية والجماعية…
أخيرا، وفي التقييم العام، سنتجاوز هنا المقارنة بين هذه النماذج الأربعة السائدة، لأن نباهة القارئ لا شك أنها حاضرةٌ بشكل كافٍ ليُدرك أننا ننتصر، بموضوعية وتجرد، للنموذج المغربي، بعيداً عن التحيز الأعمى المنطلِــق من الانتماء… ولكن لأننا ننتصر للاتزان والعدل والتسامح والاعتدال، وننتصر للتوفيق بين الهوية الأصيلة كثابت وبين مستجدات العصر كمتغير.. ولأننا ننتصر للمستقبل.
سنتجاوز ذلك كله، لنطرح سؤالا أكثر واقعية وأشد تجرداً: “هل انتشار هذه النماذج يتم في جو يطبعه الانسجام والتعاون والتفاهم من أجل ترسيخ معتقد الأحدية لله؟ (قل هو الله أحد)؟ أم أنه انتشار يعرف انفصالا وصراعا يدور كله حول المصالح السياسية الاقتصادية والمالية والتجارية؟
ولكي يستقيم سؤالنا أعلاه، لا بد أن نؤكد على أننا بصدد الحديث عن النماذج الإسلامية في بُعدها الفكري والديني والحضاري والثقافي والعقدي والقيمي، بل وحتى السياسي والاقتصادي، أما كل من أو ما اعتنق الإرهاب والعنف، فنحن نستبعده، ولا مكان له في هذا التحليل إلا حين يضع السلاح ويتخلى عن أفكار القتل وسفك الدماء، وحين يقوم بمراجعات تجعله مؤهلا ليندرج في دائرة هكذا تقييم وتحليل نقوم به الآن.
إن الانكباب على هذا السؤال الإشكالي أمر صعب وشائك، لا شك في ذلك، وهو موضوع محفوف بالمخاطر الفكرية والمنهجية، لكنه أيضا موضوع تكتنفه تعقيدات واقعية وسياسية واقتصادية، وتخترقه حسابات جيوسياسية ومصالح ورهانات كبرى. لكن حسبنا أننا سنتناوله من وجهة نظر فكرية علمية مجردة، تتطلب من الباحث والقارئ درجةً كبيرة من الحياد وتجنب التحيز الأعمى للانتماءات كلها، حتى يسعفه العقل والمنطق على الوقوف عند حيثيات الموضوع بدقة ومنهجية لا تميل ولا تزيغ عن المنهج العلمي الرزين.
إن مطامح كل اتجاه إسلامي على حدة تختلف من اتجاه إلى آخر: فإذا كنا برهنا على أن السُّــنة تهدف إلى استعادة الريادة في المنظومة الحضارية الكونية وتقديم نفسها كفلسفة وفكر وسياسة واقتصاد وحياة اجتماعية منسجمة مع الحقوق الكونية والمواثيق الدولية… فإننا نجد، في مقابل ذلك، الشيعة التي تهدف إلى السيطرة على الثروات بالشرق الأوسط والتحكم في الأنظمة السياسية بشمال إفريقيا وغربها، وإلى خلخلة النسق السياسي لدى الغرب وزرع الفتنة بينه وبين الدول السنية…. مغذية بذلك الفكر الغربي الذي يتحدث عن صراع الحضارات.
في هذا الخضم، نجد النموذج السلفي، بشقيه الوهابي والجهادي، يعمل على مواجهة هذا الهجوم الشرس للشيعة على خيرات الشرق الأوسط، وهو ما تجسد في اتفاق ترامب والسعودية الرامي إلى الحد من النفوذ الإيراني بالخليج العربي والشرق الأوسط… أو ما يُعرف إعلاميا بصفقة القرن… لكن مع هزيمة ترامب وفوز جون بايدن في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، هل ستتغير السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الخليج والشرق الأوسط؟ سؤال سيظل مفتوحاً حتى يتسلم جون بايدن مفاتيح البيت الأبيض ويشرع في تفعيل برنامجه السياسي المتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة .
أما هدف الإخوان بمصر وتركيا، فهو نُكـــوصِيُّ بامتياز، ويتجسد في الحلم بإقامة “الخلافة الإسلامية”، وبالتالي استعادة الأمجاد التاريخية للعثمانيين والعباسيين والأمويين.
هذا عن الأهداف، فماذا عن المستقبل الذي يمكن توقعه لهذه النماذج؟
في تقديرنا، الشيعة قد يُــكتب لها الاستمرار، لكن لن يُــكتب لها أبداً الانتشار، ولن تتمكن من تحقيق أهدافها، طالما أنه لا تحكمها فلسفة أو نظرية حقيقية، بل هي مجرد تيار عِــرقي فارسي يحلم باستعادة أمجاد كِــسرى، عبر نظرية تبريرية هي ولاية الفقيه… وطالما أنها تطمع في التحكم في ثروات الخليج والشرق الأوسط .
أما مستقبل السلفية، فيجب، كما أسلفنا الذكر، أن نميز بين تيارها الجهادي الذي يستحيل عليه الاستمرار والانتشار، طالما أن العالَم بأسره يعبر عن نبذه له واستنكاره لأسلوبه ونفوره من إرهابيته المقيتة… لكن في الوقت نفسه، يمكن لتيارها السلمي أن يستمر وينتشر من خلال الانصهار في النموذج السني الصوفي المعتدل والمنفتح والمتكيف… اقتداء بالنموذج المغربي الرائد. 
لذلك، يمكن القول إن إمكانية الانسجام بين السني الصوفي، والإخواني المدني، والسلفي السِّــلمي، واردة وواقعية، على أسسٍ حضارية ومبدئية واضحة تتوجه نحو المستقبل الأفضل، ولا تنبني على معاداة الآخر، بل على التعاليم الإسلامية المشتركة السمحة، وعلى القيم الإنسانية، وعلى التعاون، واحترام الأديان والثقافات والحضارات، والانكباب على بناء الذات ورفاهية الإنسان ونماء الأوطان…. وهو انسجام أثبتته التجارب التاريخية إبان الحضارة الأموية والعباسية والعثمانية، عبر انصهار السلفي في الصوفي… وتماهي التركي بالعربي مع الكردي والأمازيغي… في رفض شبه مطلق من هذه النماذج الثلاثة لعملية الاندماج الجزئي أو الكلي مع المعتقد السياسي الشيعي أو العرقي الفارسي… والتاريخ خير أستاذ ومُعلم وشاهد على هذا الاستنتاج….

> بقلم: د. عبد النبي عيدودي *

* باحث في الشؤون الدينية والسياسية؛ مدير المركز المغربي للقيم والحداثة؛
دكتوراه في القانون الدستوري وعلم السياسة؛ دكتوراه في العقائد والأديان السماوية 

 

Related posts

Top