النوايا الحسنة وحدها لا تكفي لنجاح الانتخابات الفلسطينية

رحّب الشعب الفلسطيني وقواه وحركاته ومنظماته السياسية والمجتمعية والنقابية بخطوة الرئيس محمود عباس في الإعلان عن البدء الفوري لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في كافة الأراضي الفلسطينية. واتخذت الخطوة بعدا حيويا ومطمئنا عقب تكليف لجنة الانتخابات بهذه المهمة، وهي التي أثبتت في تجاربها السابقة استقلاليتها وقدرتها وخبرتها وحياديتها ومهنيتها الفائقة.
هناك عقبات كثيرة أمام التوصل لانتخابات عامة ونزيهة، ليس أقلها الشروط التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في ما يتعلق بتنقل الفلسطينيين أو عقبة القدس. فقد كانت للشعب تجارب مؤلمة مع المنظمات والفصائل بشأن إجراء الانتخابات، والعدد الأكبر من الشعب الفلسطيني لا يثق بجدية ومصداقية الفصيلين الأقوى (فتح وحماس) في الساحة بخصوص إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة وعادلة. ولدى المواطنين تجارب 14 عاما ضاعت في الصراع والاختلاف وتبادل الاتهامات.
تتمثل العقبات التي أفشلت الانتخابات السابقة، وقد تكون سبب تعثر أو فشل الانتخابات القادمة، في موضوعين أساسيين. الأول، الفشل في التوصل لبرنامج سياسي فلسطيني مشترك. والثاني، حجم العداء والخلاف والصدام بين القيادتين الفتحاوية والحمساوية وقوة وتأثير التحالفات المحلية والإقليمية في الدائرة العربية، وإصرارهما على التمسك بالسلطة في أثناء إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
في يونيو 2006 تم التوصل إلى اتفاق فلسطيني-فلسطيني على البدء بالترتيبات اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، نتيجة ضغوط أجنبية ونصائح عربية وموافقة حماس على المشاركة بعد رفض طويل، حين لاحت لها بوادر فوز. وكان ذلك هو الاتفاق الوحيد الذي تم تنفيذه حتى وقتنا الحاضر، وجرى إفشاله بتمسك كل فريق ببرنامجه السياسي المختلف والمعارض، الأمر الذي تسبب في تقسيم الوطن.
اجتمع ممثلو حركتي فتح وحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى وأعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني، مرات عديدة خلال السنوات الماضية دون جدوى، وازداد الانفصال توسّعا. وتبلورت معالم الاتجاه لانفصال واستقلال ما تبقى للفلسطينيين من أرضهم في شقّي الضفة الغربية وغزة.
لماذا إذن يعتقد البعض أن انتخابات جديدة سوف تعيد وحدة الأرض والشعب الفلسطيني الآن؟
بغض النظر عن الدوافع التي أطلق الرئيس عباس على أساسها المبادرة الجديدة، والدوافع التي أدت للتجاوب الإيجابي السريع من “رئيس” قطاع غزة، فإن نافذة صغيرة تلوح في مستقبل الصراع بين الأخوين المتعاديين.
يمكن أن تقود نافذة الأمل لاتفاق كامل وعادل يتيح فرصة حقيقية لانتخابات عامة تمكّن الشعب الفلسطيني من اختيار قيادة جديدة شرعية ومؤهلة لتحمل المسؤولية الثقيلة القادمة، أو تقود إلى انفصال نهائي بين شطري الوطن، إذا لم تفض إلى قتال داخلي، على غرار ما نشهد في دول مجاورة وغير مجاورة.
وبصرف النظر أيضا عن نوايا الطرفين من الترحيب، فإن خطوات جادة ومبادئ صارمة يجب أن تتبع لضمان النجاح الذي يريده ويدعمه الشعب الفلسطيني.
هل سيتم تجريد السلطة التي يتمتع بها الطرفان خلال فترة الانتخابات لحين إجراء الانتخابات ومعرفة نتائجها وتسليم السلطة للفريق الفائز؟ وهل يتمسك كل من الطرفين ببرنامجه السياسي المعارض للبرنامج السياسي لغريمه؟
هذان الموضوعان، هما من دعائم الانتخابات النزيهة والشرط الأساسي لتمكين الشعب الفلسطيني من اختيار قيادته الشرعية، وهما الفارق بين النجاح وبين العودة للمواجهة والخلاف.
العامل الأساسي الأول الذي قد يفشّل الهدف من الذهاب إلى انتخابات فلسطينية عامة، يكمن في تعارض البرامج السياسية لكل من الفريقين اللذين يملكان فرص النجاح في الانتخابات، أي حركتي فتح وحماس.
في الانتخابات الماضية، نجح الرئيس عبّاس في الفوز بالمنصب الرئاسي وفق برنامج سياسي عام، بينما فاز إسماعيل هنية بمركز رئيس الوزراء، وفق القانون الأساسي الفلسطيني، الذي يعطي هذا المنصب للحزب الحائز على العدد الأكبر من النواب في المجلس التشريعي.
لكن الأخير قدّم برنامجا سياسيا يتعارض مع البرنامج السياسي للرئيس عباس. وكان ذلك التعارض، الأساس في الانفصال والعداوة. كيف ستؤول الأمور إذا انتهت الانتخابات القادمة ببرنامج مقاومة جنوبي (غزة) وبرنامج تفاوضي شمالي (رام الله)؟
يتعلق العامل الأساسي الثاني لنجاح إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة، بالتحالفات العربية والشرق أوسطية المتخالفة والمتعادية، التي يرتبط بها كل من الفريقين الفلسطينيين الأكبر.
تلك التحالفات التي قد لا تكون في غالبها لدعم الشعب الفلسطيني لاسترداد أرضه وتحقيق أهدافه الوطنية، بقدر ما تكون تسوية حساب قوى دول الشرق الأوسط وتناقضات الخلاف وتوازنات القوى في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
بقاء السلطة في بلادنا خلال الفترة الانتخابية بيد القادة الحاليين المرشحين لانتخابات الرئاسة، في الشمال أو الجنوب، يعني تمتع كل منهما بصلاحياته العادية ونفوذه الحالي، وسوف يكون الضابط والجندي والموظف خاضعا لأوامر وتوجيهات رئيسه المرشح.
في ظل سيطرة فتح على الضفة الغربية، وحماس على قطاع غزة، سوف يتجاوب الوزراء والمديرون وضباط الشرطة وكوادر التنظيمات المتحكمة، الذين يؤيدون ما يؤيده الرئيس ويدعمون ويمنعون من أجل فوزه في الانتخابات القادمة.
من الطبيعي في تلك الحالة أن مرشح الشمال سوف يفوز في الشمال (الضفة)، كما سيفوز مرشح الجنوب في الجنوب (غزة)، وسوف يرفض المرشّحون قبول نتائج المرشح الآخر، ونعود إلى ما كنّا ومازلنا عليه حتى الآن. ولذلك من واجب الفلسطينيين تجنب فشل الانتخابات التي تعيدنا للوضع الحالي مرة أخرى.
قد يوفر ما تسرّب من نوايا لجنة الانتخابات الفلسطينية مؤخرا، حلا لمشكلة أزمة منصب الرئاسة خلال إجراء الانتخابات الرئاسية، حيث أشارت اللجنة في قرار بدء الإعداد للانتخابات التشريعية وتأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة شهرين بعد إعلان النتائج الأولى. ويكمن الحل في تنفيذ حكم القانون الأساسي بهذا الصدد، وهو تسليم منصب الرئاسة لرئيس المجلس التشريعي لمدة ستين يوما، تتم خلالها الانتخابات الرئاسية وتنصيب الرئيس الفائز، كما تم في انتخابات عام 2006.
تبدو متطلبات التوصل إلى انتخابات فلسطينية رئاسية وتشريعية كثيرة ومتشابكة، وتشوبها صعوبة تحقيق العوامل الأساسية المتمثلة في إخلاء منصبي الرئاسة والقيادة مؤقتا، وحتمية التوافق على برنامج سياسي مختصر، إضافة إلى ضرورة التخلي عن التحالفات المتناثرة في ساحة الشرق الأوسط.
ليس هناك من شك في مسؤولية وقدرة لجنة الانتخابات المستقلة على توفير العوامل اللازمة والعادلة، التي تتيح للشعب الفلسطيني المشاركة في انتخابات عامة تحقق آماله في اختيار من يراه الأفضل والأقدر على قيادة سلطة وطنية شرعية وموحّدة.

 مروان كنفاني

مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات

Related posts

Top