الواقع والممكن في التأهيل المندمج لمؤسسات التربية والتكوين

كلما حل مطلع السنة الدراسية وخصوصا مع مستهل فترة التهيئ للدخول المدرسي اللاحق لكل موسم دراسي، والتي تبتدأ بشكل مبكر جدا وفي غالب الأحيان مع نهاية الأسدس الأول من كل موسم، إلا وكثر الحديث عن تأهيل المؤسسات التعليمية، هذا التأهيل الذي أصبح ركنا هاما من أركان إنجاح الدخول المدرسي وتعبئة مختلف الفاعلين التربويين والشركاء للانخراط والمساهمة في هذا النجاح. لكن المتتبع لمجريات الأمور في الحقل التربوي ببلادنا يلاحظ عن قرب وبشكل جدي خروج هذه العملية عن مسارها الحقيقي الذي دعت إليه المذكرة 17/277 الصادرة بتاريخ 03 ماي 2017 في شأن الترتيبات ذات الأولوية المتعلقة بالتأهيل المندمج لمؤسسات التربية والتكوين استعدادا للدخول المدرسي 2018/2017، حيث أن هذه المذكرة تعتبر أول نص وزاري تطرق لهذه العملية بشكلها الحالي في إطار الإعداد للدخول المدرسي 2018/2017 وقد دعت وبشكل صريح إلى ضرورة إضفاء حلة جديدة على مؤسسات التربية والتكوين من خلال العمل على الاستجابة لثلاثة عناصر تأطيرية أساسية وهي:
1 – إعطاء أهمية قصوى للعناية بالأثاث المدرسي وذلك من خلال الاعتناء بالطاولات والسبورات وإصلاح أسرة الداخليات وتوسيعها مع تدبير المتلاشيات العالقة بالمؤسسات التعليمية، ثم تزويد المؤسسات بعدة التعامل مع الحرائق والإسعافات الأولية وتوفير فضاءات للتغذية والمطاعم المدرسية.
2 – الاهتمام بالمظهر الخارجي لمؤسسات التربية والتكوين من خلال إضفاء جمالية مأمولة على الحجرات وفضاءات المؤسسة التعليمية والاهتمام بالمساحات الخضراء والمرافق الصحية وكل ما يتطلبه ذلك من ربط بشبكة الماء وكذا ربط المؤسسات بالشبكة الوطنية للكهرباء والحرص على ديمومة الاعتناء بالفضاءات السالف ذكرها.
3 – الإسراع بالتخلص من البناء المفكك الذي تم تعويضه وكذا المرافق غير المستعملة المستغنى عنها.
فالمتتبع للشأن التربوي المغربي سيلاحظ بشكل جلي تحققا نسبيا لهذه النقط التأطيرية التي أوردتها المذكرة 17/277 خلال الموسم الدراسي 2018/2017 فقط، رغم ما تسجله مؤسساتنا التعليمية من استمرار للبناء المفكك إلى غاية اليوم وتعامل مرتجل في غالبيته العظمى مع المتلاشيات التي تقض مضجع الأطر العاملة في العديد من المؤسسات، وبخصوص الربط بشبكتي الماء والكهرباء فهناك نسبة مهمة جدا من الوحدات المدرسية لازالت لم تعرف بعد سبيل ولوجهما رغم تواجد أعمدة الكهرباء خاصة أمام أبوابها، أما المساحات الخضراء فحدث ولا حرج، فحتى وإن وجدت فغالبا ما يتم العبث بها خلال العطل إضافة لمشكلة صيانتها خصوصا مع فقدان المؤسسات لعدد من العاملين بها كالمساعدين التقنيين والحراس واعتماد مبدأ المناولة في تدبير حراسة المؤسسات الذي يعني بالأرجح في عدد مهم من الأكاديميات الجهوية السلك الثانوي فقط لتبقى المؤسسات الابتدائية خارج التاريخ في هذا الباب. فقد انتقل مفهوم التأهيل المندمج للمؤسسات التعليمية بعد ذلك إلى طلاء جدران الحجرات الدراسية وأسوار الوحدات المدرسية بالصباغة المتعددة ألوانها وبشكل مبالغ فيه أحيانا دون مراعاة لخطورة استعمالات الألوان على حالة الطفل المزاجية والنفسية بالدرجة الأولى (اللون الأحمر مثلا مهيج للحركة ويبعث طاقة زائدة لدى الطفل لذا وجب الابتعاد عنه في حالة وجود أطفال يعانون من فرط الحركة)، فغالبا ما يشرف على تنسيق هذه الألوان مهني عادي من الأفراد الذين يزاولون مهنة الصباغة باستشارة واجبة مع العاملين في المؤسسة أو المكلف بإدارتها. وطبعا فجميع هؤلاء لا يتوفرون على التكوين الكافي والقدرة اللازمة لمباشرة هذه الاختيارات التي نجدها من صلب اختصاص مهندسي ومهنيي الديكور الذين يقضون سنوات طوال في الدراسة والتحصيل والتدريب للظفر بهذه القدرة والإمكانية. فبلادنا تتوفر على طاقات هائلة وعدد مهم من ذوي الاختصاص في هذا المجال يمكن الرجوع إليهم لاقتراح نموذج أو نماذج لكيفية الاعتناء بصباغة جدران المؤسسات التعليمية وخاصة الحجرات الدراسية التي يقضي فيها المتعلم أطول حيز من أحياز الزمن المدرسي، ثم تعميمها لتفادي فوضى الألوان الملاحظة حاليا وتحقيق جمالية مزدوجة تروم في البعد الأول جمالية الفضاءات الداخلية للمؤسسة وفي بعدها الثاني المساهمة في جمالية المدن وشوارعها من خلال بصمة تعريفية واضحة للمؤسسة التعليمية في كل أرجاء الوطن.
كما أن طريقة تنفيذ التأهيل المندمج للمؤسسات التعليمية على أرض الواقع تتصف بعدة مخاطر يمكن تفاديها بإقرار نصوص تنظيمية معززة للحكامة المالية والتدبيرية للمؤسسة من جهة والتعامل بشكل مباشر مع أطر الوزارة لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من جهة ثانية، حيث أن تنفيذ هذا التأهيل من خلال منحة تعطى لجمعية دعم مدرسة النجاح، رغم اعتبارها جمعية تدبيرية إلا أن تسليمها وصل الإيداع القانوني وفقا لقانون الحريات العاملة يسحب عنها إمكانية التبعية المباشرة للأكاديميات الجهوية ومصالحها الخارجية، قد يجعلنا أبعد ما يكون من تحقيق الأهداف المرجوة لعدة أسباب منها المشاكل التي تعيشها الجمعيات وتجاذبات الأطراف الفاعلة في المؤسسة خصوصا الصراعات النقابية والسياسية التي تؤدي في عدد من الحالات إلى تجميد نشاط الجمعيات، ثم صعوبة التتبع والمحاسبة وقد نسقط في حالات أخفها انعدام نجاعة الصرف والتعاملات المالية المشبوهة، ناهيك عن كون هذه الجمعية ومن خلال تسميتها فقط ثم من خلال قانونها الأساسي يجب عليها الاهتمام أكثر بالمشروع التربوي لدعم التعلمات وتحقيق النجاح المدرسي. وفي النهاية فرغم فشل أية عملية تدبرها هذه الجمعية ستكون الإدارة أمام مكتب منتخب لمدة معينة مشمول بضرورة اتخاذ قراراته وفقا لقانون الأغلبية وليس في مواجهة موظف مسؤول ومعين بقرار للسلطة الحكومية يلزمه بالعمل وفقا للتدابير المسطرية المعمول بها في الصرف والصفقات وسندات الطلب يمكن محاسبته وفقا للقانون عند ثبوت التهاون وانعدام نجاعة الإجراءات التي اتخذها. فتنفيذ عملية التأهيل بالشكل الذي بتنا نعيشه اليوم أقحم وبشكل قسري المؤسسات التعليمية وجمعياتها التدبيرية في تعاملات قد تكون غير مؤهلة للقيام بها وخصوصا ما يتعلق بقانون الصفقات العمومية وطلب عروض الأثمان ثم مسطرة تحويل أموال من صلب المال العام التي تكون في الغالب غير دقيقة أو تنتفي فيها صفة القانونية في بعض الحالات إما لغياب الخبرة اللازمة أو لصعوبة التعامل مع المقاولات المتمرسة على تنفيذ هذه الأشغال وتعي جيدا آليات التعامل المالي والضريبي المعمول به في بلادنا.
وبالرجوع لثاني وثيقة وزارية حاولت مقاربة تأهيل المؤسسات التعليمية وإقرار إطار مرجعي خاص بهذه العملية نجد بأن المذكرة 18/40، الصادرة بتاريخ 19 يناير 2018 بخصوص الإطار المرجعي الخاص بتأهيل الفضاءات الخارجية لمؤسسات التربية والتكوين، قد أوردت عدة مكونات أساسية لعملية التأهيل من خلال بطاقة المواصفات التقنية لكل العناصر الأساسية للمظهر الخارجي فقط من قبيل: مدخل المؤسسة ومواصفاته التقنية من حيث العرض واليافطة المكتوبة باللغتين الرسميتين للمملكة المغربية والعلم الوطني وفضاء مخصص لحارس المؤسسة ثم المساحات الخضراء وأثاث التهيئة الخارجية ثم السقيفة وأماكن وقوف السيارات (رغم وجود مذكرة وزارية تمنع منعا باتا ولوج السيارات للمؤسسة التعليمية وتنصيص بطاقة المواصفات على وجود منطقة خارج مدخل المؤسسة وما يطرحه ذلك من مشكل في أهلية الاعتناء بهذه المنطقة التي يجب أن تعود للجماعات المحلية لوجودها خارج المؤسسة وهذا تناقض كبير سينجم عنه خلل أكبر في نجاعة الصرف). هذه العناصر التي تم تحديدها بموجب المذكرة السالفة الذكر رغم تعددها إلا أنها تعتبر تراجعا مهما عما تمت الإشارة إليه في المذكرة 17/277 وذلك لاهتمامها فقط بالمظهر الخارجي للمؤسسة والاستمرار في تجاهل الارتقاء بفضاءات التعلم والإيواء والتغذية الخاصة بالمتعلمين. ومع قدوم القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي باعتباره نصا تشريعيا مصادقا عليه من قبل المؤسسات التشريعية الوطنية فقد تم تحديد وتخصيص التأهيل المندمج بمشروع كامل يروم تحقيق العديد من الأهداف التي اقتربت وبشكل واضح مما تم التطرق إليه في المذكرة 17/277 وتسطير عمليات متعددة للتمكن من تحقيقها دون إغفال استمرار الاهتمام فقط بالمظهر الخارجي والابتعاد بشكل قطعي عن الخوض في المسطرة المالية للتنفيذ.
عموما فمفهوم التأهيل غالبا ما يتم استعماله في مجالات التعامل مع الإعاقة للتعبير عن عمليات مساعدة للفرد لاستعادة إمكانياته الحركية أو تمكين الشخص في وضعية إعاقة من اكتساب قدرة حركية كانت منعدمة لديه في الأصل بشكل يسهل اندماجه في الوسط الأسري والاجتماعي، وتأهيل المؤسسة التعليمية يروم أساسا المساعدة على استعادتها لمكانتها داخل المجتمع وإكسابها القدرة المفقودة على التأثير في المجتمع من خلال خريجات وخريجين قادرين على التحلي بمقومات السلوك المدني ونبذ العنف وتمكين المجتمع من أطر قادرة على تحقيق النهضة العلمية والاجتماعية المرجوة. غير أن استمرار تنفيذ هذه العملية بنفس الطريقة أولا، واستمرار الاعتناء بالمظهر الخارجي فقط ثم عدم تحديد نماذج لكيفية التأهيل والاطلاع على الدراسات النفسية المرتبطة باستعمال الألوان وتأثيراتها على الأطفال المتعلمين ثانيا، سيزيد من تفاقم انعدام القدرة على تجاوز الوضع البئيس للمنظومة عامة دون إغفال ضرورة الاهتمام بالمنهاج الدراسي والمقررات الدراسية أولا ثم بالمواصفات الداخلية للمؤسسات ومرافقها باعتبار ذلك هو المحدد الأول لنجاح مهمة المدرسة في التغيير الاجتماعي والارتقاء بمخرجاتها. ولعل استمرار الحديث عن تأهيل المؤسسات التعليمية مع مطلع كل موسم دراسي لدليل على فشل واضح في تحقيق الأهداف المسطرة، لهذا وجب الدخول إلى داخلها ولو مرة واحدة من خلال الاهتمام بوسائل التعلم ووضعية الموارد البشرية داخل المؤسسة (عاملين ومتعلمين) ثم خلق آليات للتحفيز والتفوق الدراسي رغم ما يتطلبه ذلك من اعتماد مالي كان الأجدر توفيره من مالية الدولة بدل صرف مبالغ مهمة لصباغة جذران قد تكون آيلة للسقوط في أية لحظة.

<بقلم: سعيد أخيطوش

باحث في قضايا التربية والتكوين- مفتش تربوي بمديرية خنيفرة

Related posts

Top