الوضع الثقافي في المغرب في ضوء التحولات الراهنة

دشن فرع اتحاد كتاب المغرب بالناظور موسمه الثقافي الجديد بتنظيم ندوة ثقافية حول “الوضع الثقافي في المغرب في ضوء التحولات الراهنة” مساء يوم السبت 29 أكتوبر بدار الأم للتربية والتكوين، والتي كانت من تأطير الدكتور صلاح بوسريف وتنسيق الدكتور عبد الله شريق.
 استهلت الندوة بكلمة تقديمية للأستاذ عبد الله زروال، رحب فيها بالضيف وبالجمهور الذي لبى دعوة الاتحاد. وأشار بأن الاتحاد يحاول أن يرسخ دخوله الثقافي بتنظيم هذه الندوة للنظر في الوضع الثقافي من زاوية أو زوايا مختلفة، مبرزا دواعي اختيار هذا الموضوع، نظرا لما نستشعره من انسحاب المثقف من الساحة وتأزم الوضع الثقافي، ولهذا يستضيف فرع الاتحاد بالناظور رجلا مثقفا له حضور كبير ومتميز في المشهد الثقافي المغربي والعربي بما يحمله من أفكار وآراء رصينة تخص التحولات الثقافية بالمغرب. ثم عرج على تقديم الملامح الكبرى للبرنامج الثقافي الذي سطره فرع الاتحاد بالناظور لهذا الموسم والذي يتسم بالتنوع في اللغة والإبداع والموضوعات.
وبعده تناول الكلمة الأستاذ عبد الله شريق منسق الندوة، الذي قدم الضيف للجمهور، ألا وهو الأستاذ صلاح بوسريف الكاتب لعدة مقالات حول قضايا مجتمعية وحضارية وثقافية وفكرية وقضايا أخرى نشرها بمنابر مغربية ومشرقية، لكن رغم هذا التعدد في أشكال الكتابة، فإن الصفة التي يفضلها هي صفة الشاعر، شاعر بمفهوم حداثي شمولي واسع وعميق وبمفهوم مفتوح ومتعدد، يعطيه للكتابة الشعرية التي تتداخل فيها عدة خطابات وأجناس أدبية وتشكيل وغيرها، ببعد محلي وإنساني. فصلاح بوسريف من أبرز الشعراء المغاربة الذين يمارسون الكتابة وفق مشروع حداثي شمولي شعري ونقدي وفكري ووفق مقصدية حضارية واستراتيجية نظرية ونصية متعددة الواجهات والأبعاد، حققت لتجربته التميز والشمولية. ثم تحدث عن مميزات تجربته الشعرية التي تتعاضد مع كتاباته الفكرية. إنه يمثل نموذجا للمثقف الملتزم المنخرط في قضايا المجتمع. وسرد مجموعة من إصداراته الشعرية التي بلغت 12 ديوانا، منها: فاكهة الليل، على إثر سماء، شهوات العاشق، شرفة يتيمة، بلد لا أين له، حجر الفلاسفة..إلى غير ذلك من العناوين، وقد جمعت دواوينه الشعرية في مجلدين نشرا بدعم من وزارة الثقافة، فضلا عن كتب فكرية، منها: رهانات الحداثة، المغايرة والاختلاف، بين الحداثة والتقليد، ضفاف المعنى، مضايق الكتابة، الكتابي والشفاهي في الشعر العربي، الإسلام المتشظي ..
وبعدئذ تقدم الأستاذ صلاح بوسريف بمداخلة تمحورت حول موضوع الندوة “الوضع الثقافي في المغرب في ضوء التحولات الراهنة”، حيث أضاف سؤالا آخر إلى مكونات عنوان الندوة ألا وهو: أية ثقافة لأي تحول؟ ثم تقصى مكونات العنوان بالشرح والتحليل والتفكيك لإبراز دلالاتها الثقافية والفكرية. وتوقف عند مفهوم الثقافة الذي عرف تعددا في الدلالة والمعنى، مشيرا إلى المفهوم الشائع بأن الثقافة هي رأسمال رمزي لا مادي، كما يذهب إلى ذلك بيير بورديو، وبأن الثقافة تشمل مختلف المعارف الإنسانية، وميز بين الثقافة والثقافي كما هو الشأن بين السياسة والسياسي، شارحا ومدققا في المفهومين. ثم توقف عند الثقافي والإبداعي الذي يكون مشروطا بما هو سياسي، حيث ارتبط خلال الستينيات والسبعينيات بقضايا الواقع، نجد فيه إدانة لما يجري من أحداث وصراع (إبداعات محمد زفزاف، عبد الله راجع، محمد الأشعري…). إن كتابات هؤلاء وغيرهم في ذلك الزمن مؤطرة بالسياق السياسي، حيث تم تأجيل الإبداع الأدبي بأفقه الجمالي إلى ما بعد الانتهاء من الصراخ والإدانة.
ثم توقف مليا عند المدرسة المغربية التي تعتبر النواة الثانية بعد الأسرة  في التنشئة والتربية، إلا أنها لحد الساعة لم تستطع أن تقف على رجليها وأن تجعل الإنسان إنسانا يفكر ويشارك في تأسيس الحس النقدي.
 كما توقف عند الإعلام الذي يستبعد الثقافة الحقيقية والجادة ويروج لثقافة الاستهلاك والفرجة. ثم انتقل إلى الحديث عن وزارة الثقافة وتاريخها مؤكدا أن لا سياسة ثقافية لها، من الاستقلال حتى الآن، وحتى في فترة تولي محمد الأشعري هذه الوزارة لم يستطع وضع هذه السياسة رغم المجهودات التي بذلها في تأسيس عدة مرافق ثقافية مهمة، كاستحداث المكتبة الوطنية بالرباط والمسرح الكبير بالدار البيضاء والمتحف الوطني. فشغل هذه الوزارة هو اجتراح أنشطة ثقافية بدل رسم سياسة ثقافية تكون لها أساسيات قوية تحترمها الحكومات المتعاقبة وتسير وفق معالمها الكبرى، وحتى اتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر والأحزاب اليمينية واليسارية يفتقدون إلى هذه السياسة الثقافية التي هي بمثابة خارطة الطريق.
 كما أشار الشاعر صلاح بوسريف إلى ما نشهده من تغيرات وتحولات مست الإنسان، الإعلام، المدرسة وغيرها من المفاهيم. وكل هذه التحولات مرتبطة بما تشهده وسائل الاتصال الحديثة من تطور والتي أصبحنا نعيش في ظلها وهما ثقافيا.
ورأى أن على وزارة الثقافة واتحاد كتاب المغرب طرح أسئلة وقضايا ثقافية جديدة، فنحن في حاجة إلى ثورة ثقافية حقيقية.
وبعده فتح مجال النقاش الذي ساهمت فيه نخبة من المهتمين بإضافات  وبأسئلة قيمة خصت كثيرا من الجوانب الثقافية، ما أغنى المداخلة، ولا سيما عندما تفضل صلاح بوسريف بالرد عليها والتوسع فيها أكثر مما جعل مداخلته قيمة غنية بالأفكار والآراء المهمة التي يصعب الإحاطة بها.
 وفي الأخير، بعدما قدمت له الشهادة التقديرية، تفضل بتوقيع مجموعة من النسخ من كتابه:” المثقف المغربي بين رهان المعرفة ورهانات السلطة” لقرائه الأوفياء بمدينة الناظور .

جمال أزراغيد

Related posts

Top