الوضع في ليبيا العودة للحل السياسي وإنهاء التدخل الأجنبي مدخل حل للأزمة الليبية

تكشف المعطيات الراهنة للأزمة الليبية، عن تبلور توجه أساسي يتقاسمه فرقاء الصراع يتمثل في ضرورة إعادة الدفء للاتفاق السياسي للصخيرات المبرم سنة 2015 في أفق وضع آليات تطويره وملاءمته مع مستجدات صراع “الإخوة الأعداء”، خاصة بعد أن أبانت المبادرات الدولية أو الإقليمية عن محدوديتها في إيجاد حل جذري لتطويق هذا النزاع الذي طال أمده، وإيقاف تداعياته السلبية ليس فقط على هذا البلد المغاربي ولكن على مجموع المنطقة ومحيطها.
فاتفاق الصخيرات الذي توج جولات الحوار السياسي الليبي التي انطلقت في مارس 2015، لازال يشكل المرجعية الوحيدة التي تحظى بتوافق الفرقاء الليبيين، مما يؤهله ليكون الإطار الأمثل، لحل الأزمة التي يراهن الليبيون على المغرب الذي حافظ على حياده الإيجابي منذ اندلاع الأزمة، على حلحلتها من خلال القيام بدور الوسيط في تقريب وجهات نظر “الإخوة الأعداء” بليبيا وإعادة لحمة التوافق والتراضي بين هذه الأطراف المتنازعة.
أطراف النزاع تعول على دور المغرب في تقريب وجهات نظر الفرقاء
ومما يعزز هذه الفرضية، ما كشف عنه مؤخرا عدد من المسؤولين الليبيين بهذا المعسكر أو ذاك، ومنهم ما أعلن عنه رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري خلال الأسبوع الجاري في تصريحات صحفية، بأن هناك جهودا يبذلها المغرب من أجل إيجاد حل للأزمة الليبية معبراعن استعداده الالتقاء على أرض المغرب بكل الأطراف الليبية الأخرى المتنازع معها، منها رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح الذي اعتبر في نهاية يوليوز الماضي بالرباط أن “تدهور الأوضاع في ليبيا، يرجع أساسا إلى عدم الالتزام باتفاق الصخيرات، الذي يعتبره غالبية الفرقاء مرجعية قانونية لأي حل سياسي للأزمة الليبية”.
وإذا كان صالح المشري قد أكد على أن حكومة الوفاق الوطني، “ستتعامل مع كل الأطراف المنبثقة عن الاتفاق السياسي” الموقع بالصخيرات، فإن عبد الهادي الحويج، مبعوث رئيس البرلمان الليبي، بدوره رحب إبان زيارته الأخيرة للرباط باستضافة المغرب مرة أخرى لجولات للحوار الليبي، في أفق التوصل إلى حل شامل للأزمة بليبيا.
ويهدف اتفاق الصخيرات المسمى بـ “اتفاق السلم والمصالحة” إلى التوصل إلى حل توافقي، يضمن أسباب السلم والاستقرار بليبيا، ويحافظ على وحدتها الترابية وسيادتها وتماسك شعبها، ويمكنها من إرساء مؤسسات دائمة وفعالة قادرة على محاربة الإرهاب والتطرف ومجابهة التحديات الأمنية والاقتصادية.
وباعتباره وسيطا ذا مصداقية في هذا النزاع، كما درج الفرقاء بليبيا على نعت المغرب، فإن المبعوث الشخصي لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية جمعة القماطي، أكد من جهته في تصريحات صحفية مطلع الأسبوع الجاري، أن المغرب مؤهل في الظرف الراهن للمساهمة في إعادة مختلف أطراف النزاع إلى طاولة الحوار على قاعدة الاتفاق السياسي للصخيرات الذي يعد المرجعية السياسية الوحيدة لحل الأزمة في ليبيا، خاصة بعد أن فشلت مقاربات الحل العسكري فشلا ذريعا في خلق واقع جديد.
وهكذا تظل خيارات الحل السياسي للأزمة، وإنهاء التدخل الأجنبي، وضمان سلامة ووحدة الأراضي الليبية وثرواتها، مداخل رئيسة في مسار إيجاد حل للأزمة الليبية التي طال أمدها، وعمق من تداعياتها الارتهان لأجندات خارجية التي ورطت أطراف الصراع في حروب غالبيتها تتم بالوكالة.
في أفق “نسخة منقحة ومزيدة” لاتفاق الصخيرات 2
وإذا كانت السلطات المغربية، على ما يبدو تفضل سياسة “النأي بالنفس”، عن الدخول في هكذا خلافات بين الأطراف المتناحرة، وكذا عم التعليق على ما يروج وتتداوله وسائل الإعلام، حول إمكانية احتضان المغرب لجولات حوار سياسي جديد، بين فرقاء النزاع الليبي، يسفر عن “نسخة منقحة ومزيدة” لاتفاق الصخيرات، وذلك من خلال القيام “مجددا بلعب دور الوسيط بين الفرقاء الليبيين” كما قالت قناة “فرانس24″ مؤخرا في معرض تعليقها على الزيارات المتكررة لمسؤولين ليبيين للرباط.. فالمغرب، وإن كان قد أكد على لسان ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج مؤخرا أنه لا يتوفر على أي مبادرة” خاصة لإيجاد حل للأزمة، اعتبر بالمقابل “تناسل المبادرات يأتي بنتائج عكسية” بالنسبة للوضع في هذا البلد. إن ليبيا ليست مجرد قضية دبلوماسية بالنسبة للمغرب الذي يعد استقراره وأمنه يرتبط بالوضع بهذا البلد المغاربي حسبما جاء في تدخل للوزير المغربي في تاسع يوليوز الماضي خلال جلسة افتراضية لمجلس الأمن على مستوى وزراء الخارجية، خصصها لتطورات الوضع في ليبيا.
وإذا كان عدد من المسؤولين القياديين الليبيين، يعتبرون أن كل المبادرات والاتفاقات التي لا تتعارض مع الاتفاق السياسي للصخيرات “مقبولة”، فإن هذ الاتفاق وإن كان يمثل “مرجعية مرنة”، فإنه يقتضى استيعاب مستجدات الواقع الليبي الجديد، مع تعزيزه وتجويده. كما أن أي مبادرة أساسية لحل الأزمة الليبية، لا يمكن “أن تكون إلا تلك التي يتفق عليها الليبيون، والنابعة من الليبيين أنفسهم”، كما كان صرح بذلك رئيس مجلس النواب المغربي الحبيب المالكي في 27 يوليوز الماضي في أعقاب مباحثات جمعته بالرباط مع نطيره الليبي عقيلة صالح.
اتفاق الصخيرات مرجعية مرنة معزز بقرارات دولية
فاتفاق الصخيرات وإن كان لازال يشكل مرجعية بالنسبة لغالبية الليبيين، فإن ما يمنحه قوة دولية إضافية، تأكيد مجلس الأمن في قراراته ذات الصلة بالأزمة الليبية، على أن تنفيذ اتفاق الصخيرات كإطار وحيد لإنهاء الأزمة السياسية بليبيا، لازال أساسيا لإجراء الانتخابات وإتمام عملية الاتفاق السياسي ومواصلة العمل به طيلة الفترة الانتقالية.
كما جدد المجلس في قرار أصدره سنة 2019، التأكيد على الاستمرار في تنفيذ الاتفاق السياسي بالصخيرات الذي كان قد توج بالإعلان عن ميلاد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، وإقرار فترة انتقالية في أفق تعزيز أجواء الأمن والاستقرار وإجراء الانتخابات ومواجهة المخاطر التي تهدد منطقة شمال إفريقيا.
بيد أن المغرب الذي عبر مرارا عن رفضه لأي تدخل أجنبي في الملف الليبي، مهما كانت أسسه ودوافعه وفاعلوه، يؤكد في ذات السياق على أن هذه التدخلات الخارجية، لم تعمل إلا على تعقيد الوضع، وتكريس الخلافات الداخلية وتهديد السلم والأمن بالمنطقة برمتها، وإبعاد آفاق حل سياسي.
ويقتضى الحرص على حفظ وحدة ليبيا بذل المزيد من الجهود من أجل الوقوف في وجه كل المحاولات الرامية إلى تمزيق وحدة هذا البلد المغاربي وتقسيمه على أسس سياسية وجغرافية وقبلية وعرقية، مع الوقف الفوري لكل الأعمال الحربية، والدفع باتجاه إنجاح الجهود السلمية المبذولة، عبر إطلاق حوار سياسي ليبي ليبي.

بقلم: جمال المحافظ

Related posts

Top