اليوم العالمي لحرية الصحافة .. لا ديمقراطية بدون إعلام حر

يحتفل العالم، يوم 3 ماي من كل عام بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة بهدف تقييم حرية الصحافة في شتي أنحاء العالم والدفاع عن الصحافة ضد ما تتعرض له من هجمات تهدد استقلالها والإشادة بالصحفيين الذين ضحوا بحياتهم أثناء تأدية واجبهم المهني، وتحيي اليونسكو، الاحتفال بهذه المناسبة، اليوم الجمعة، في ذكراها الـ26.
ويعتبر هذا اليوم مناسبة لإعلام الجمهور بشأن الانتهاكات التي تتعرض لها حرية التعبير وللتذكير بأن المطبوعات، في عشرات البلدان حول العالم، تخضع للرقابة والغرامة والتوقف المؤقت والدائم، وأن الصحفيين والمحررين والناشرين يتعرضون للمضايقات والاعتداءات، ويتم اعتقالهم بل وقتلهم أحيانًا، وذلك وفقًا لما نشره موقع اليونسكو لإحياء تلك المناسبة.
وتتربّع حرية الصحافة وحرية التعبير في صلب مهام اليونسكو، إذ تعتقد اليونسكو أن هذه الحريات تسمح بتحقيق تفاهم متبادل كفيل ببناء سلام مستدام، ويعتبر هذا اليوم مناسبة لتشجيع وإعداد المبادرات المواتية لحرية الصحافة ولتقييم حالة حرية التعبير في شتي أنحاء العالم.
ويعمل الثالث من ماي علي تذكير الحكومات بحاجتها إلي الوفاء بالتزاماتها تجاه حرية الصحافة، كما أنه يمثل يوما للتفكير مع المهنيين في مجال الإعلام حول مواضيع تتعلق بحرية الصحافة والأخلاقيات المهنية، وعلي نفس القدر من الأهمية، يُعتبر اليوم العالمي لحرية الصحافة يوما داعما لوسائل الإعلام التي يستهدفها تقييد حرية الصحافة ويعمل علي إلغائها، هذا بالإضافة إلي كونه يوما لإحياء ذكري هؤلاء الصحفيين الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الحصول علي المعلومات وبثها.
وفي رسالة المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي، قالت “تُعدّ حرية الصحافة الركن الأساسي للمجتمعات الديمقراطية، إذ يعزز الإعلام والنقاش وتبادل الآراء جميع الدول وكافة الأمم، فلا بدّ من ضمان حرية الرأي عن طريق إتاحة التبادل الحر للأفكار والمعلومات القائمة علي بيّنات ووقائع حقيقية في زمن تعلو وتشتد فيه نبرة الخطاب القائم علي الارتياب وإساءة الظن بالصحافة وبالعمل الصحفي والرامي إلي نزع الشرعية عنهما.”
وأضافت أودري أزولاي، “يتمثل موضوع الاحتفال السنوي السادس والعشرين باليوم العالمي لحرية الصحافة في “الإعلام من أجل الديمقراطية: الصحافة والانتخابات في زمن التضليل الإعلامي”، وسيجري بحث هذا الموضوع في المؤتمر الدولي الذي اشتركت في تنظيمه اليونسكو وحكومة جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية والاتحاد الأفريقي، والذي سيُعقد بمدينة أديس أبابا في 2 و3 مايو 2019، فضلاً عن بحثه خلال فعاليات عديدة في جميع أرجاء العالم”.
وتابعت المديرة العامة لليونسكو “وتنطوي الظروف التي تسود عالمنا في الوقت الحاضر، والتي تتسم بالغليان السياسي، علي جميع أنواع مخاطر الاستغلال وتقترن بممارسات ترمي إلي إعاقة العمل الصحفي والحيلولة دون اضطلاع الصحفيين بعملهم بحرية، وتضم هذه الممارسات مثلاً التحرش بالصحفيين ومضايقتهم وتوقيفهم توقيفاً تعسفياً، وحتى قتلهم”.
وأشارت “وقد أحصي مرصد اليونسكو لجرائم قتل الصحفيين 99 جريمة قتل لصحفيين في عام 2018، وبلغ مجموع جرائم قتل الصحفيين التي أحصاها المرصد 1307 جرائم للفترة الممتدة من عام 1994 إلي عام 2018″، مضيفة “ويشكّل الإفلات من العقاب علي الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين تهديداً لكل المجتمعات، ويفرض علينا توخي الحيطة والحذر في جميع الأحوال والأوقات، ويجب علينا أن نعمل معاً من أجل الذود عن حرية التعبير وضمان سلامة الصحفيين”.
وشددت علي أنه “لا يمكن أن يصلح أمر أية ديمقراطية بدون وجود وسائل إعلام حرة وتعددية ومستقلة، إذ تتيح الصحافة المستقلة إطلاع المواطنين علي الوقائع الحقيقية وتمكّنهم من تشكيل آرائهم، وتضمن حرية الصحافة وجود مجتمعات تسودها الشفافية، ويستطيع كل فرد من أفرادها الاطّلاع علي المعلومات. وتقوم الصحافة المستقلة بتحليل أمور وقضايا العالم وتتيح للناس كافة، رجالاً ونساءً علي حدّ سواء، الوقوف علي تلك الأمور والقضايا وفهمها، إذ تعمل الصحافة المستقلة من أجل تنوّع الآراء”.
واختتمت المديرة العامة لليونسكو، رسالتها، “إننا لندعو، في هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة، الدول الأعضاء في اليونسكو، وكذلك المجتمع المدني والمنظمات المهنية، إلي الاحتفال بحرية الصحافة وبالحق في الحصول علي المعلومات بوصفهما ركنين أساسيين لأي مجتمع ديمقراطي”.
وبالنسبة للمغرب، يشكل الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة مناسبة للوقوف على واقع حرية الصحافة ببلادنا، حيث حافظت المملكة على تموقعها “السلبي” في مؤشر حرية الصحافة، وذلك وفق تقرير صادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” الدولية، مشيرة إلى أن المغرب يحتل المرتبة 135 للمرة الثانية على التوالي ضمن 180 بلداً، ليُصنّف بذلك في مراتب متأخرة مقارنة مع بعض دول منطقة شمال إفريقيا، وتدرجه المنظمة ضمن “المنطقة الحمراء”، في إشارة إلى كون حرية الصحافة في المملكة تبدو في وضع “صعب”.
واعتبرت “مراسلون بلا حدود” في آخر تقرير لها برسم سنة 2019، أن الصحافيين الذين يمثلون أمام القضاء في المغرب “يواجهون إجراءات ماراثونية لا نهاية لها”، مبرزة أن سنة 2018 تميّزت بـ “ضغوط قضائية شديدة على الصحافيين”، في إطار القضايا المتواصلة ضدهم منذ سنوات، مشيرة إلى طرد عدد من الصحافيين الأجانب، مضيفة أنه “رُفعت دعاوى ضدّ صحافيين مواطنين وصحافيين محترفين، منهم عدد من المساجين حاليًا صدر ضدهم حكم بالسجن والغرامات المالية”.
وفي مقابل ذلك، يتم تخليد هذا اليوم في بلادنا على وقع المنجزات المسجلة في هذا المجال، وذلك من خلال استحضار المكتسبات الدستورية المرتبطة بتعزيز الحقوق والحريات بشكل عام، وما تحقق في مجال حرية الصحافة من مكاسب هامة على وجه الخصوص، حيث لا يمكن تصور ديمقراطية حقيقية وراسخة بدون صحافة حرة ونزيهة، وأيضا بدون ضمان الحق في الوصول إلى المعلومة.
فقد حظي قطاع الصحافة والإعلام بالمغرب باهتمام كبير خلال السنوات الأخيرة، وهو ما جسدته التوجيهات السامية التي تضمنتها عدد من خطب جلالة الملك محمد السادس، والتي دعت إلى النهوض بقطاع الصحافة وتطويره، وكذا المكانة المتميزة التي منحها دستور 2011 لحرية الصحافة، فضلا عن المعاهدات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب كي يتبوأ القطاع مكانة مهمة في مجتمع يؤمن بالقيم وتكريس الديمقراطية على كافة المجالات والأصعدة.
ويتجلى الاهتمام الكبير التي تحظى به مهنة المتاعب في المغرب عبر انخراط الجميع من حكومة ومجتمع مدني ومواطنين، لتعزيز هذه الحرية والحفاظ على تعددية الإعلام وضمان تحديث القطاع، الذي يمثل إحدى دعامات مشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي.
ويحتل النهوض بقطاع الصحافة والإعلام الوطني مكانة مشرفة ضمن البرامج الحكومية، وأولوية ضمن اهتمامات السلطات العمومية، انسجاما مع الخيارات الديمقراطية للمملكة، والإرادة المشتركة لتكريس ثقافة حقوق الإنسان وحرية الولوج إلى المعلومة كما يكرسها الدستور باعتبارها أحد الحقوق والحريات الأساسية لجميع المواطنين.

Related posts

Top