اليوم العالمي للكتاب في زمن أفول القراءة الورقية

الاحتفال بالمناسبات السنوية، ليس بالشيء الاعتباطي أو من النوافل أو ما إلى ذلك، بل ينطوي على حكمة، مناسبة هذا القول، حلول نهاية الأسبوع الجاري، اليوم العالمي للكتاب وحقوق التأليف، الذي يصادف الثالث والعشرين من شهر أبريل.
***
يحل هذا اليوم، ووضع الكتاب وكذا حقوق التأليف، تشهد تغيرات مضطردة، بالنظر إلى ما بلغته وسائط الاتصال من تحول، نتيجة التكنولوجيا الرقمية.
ولعل السؤال الملح بهذا الصدد هو: هل ينبغي لنا في الظروف الحالية أن نحتفل باليوم العالمي للكتاب بالأسلوب نفسه أو بالنهج ذاته الذي كان يتم قبل سنوات خلت؟ طبع كتب جديدة، إلقاء محاضرات تقليدية وقراءات أدبية وعروض إنشائية حول أهمية القراءة ودور الكتاب في تقديم المعرفة والفكر وفنون الأدب ووو…
سنة بعد أخرى، نشهد تغيرات على مستوى التواصل، وخلال العقد الأخير بصفة خاصة، حدثت رجة عميقة في ما يخص تقاليد القراءة ونشر الثقافة. وبالتالي فإن الاستمرار في الاحتفال باليوم العالمي للكتاب وبالنهج نفسه الذي كان يتم من قبل، لم يعد مستساغا.
الاحتفال بهذا اليوم العالمي إذن، مناسبة للوقوف على التحولات العميقة والمفصلية التي حدثت بخصوص الكتابة والنشر والتلقي.
ولا شك أن كل سنة تمر دون فتح نقاش جدي حول هذه القضايا والبحث لها عن مخارج، لا تعدو أن تكون مضيعة للوقت. هناك واقع، لا مجال للتغاضي عنه، وهو أن القراءة الورقية في أفول، وأن التواصل الرقمي صارت له السيادة، وأن تجاهل ذلك ليس سوى محاولة لدفن الرؤوس في الرمال.
هناك من لا يريد أن يصدق أن القراءة الورقية ستنمحي من الوجود، مع أنه في حياته اليومية يعيش هذا الوضع بالذات، تجده يطلع على الصحف والمجلات وحتى الكتب وو.. عبر الواتساب وغيره، تصله دون عناء ودون تكلفة تذكر تماما كما تصله الرسائل النصية القصيرة التافهة. الفواتير التي كان من قبل يحصل عليها في صيغة ورقية، صارت تصله عبر البريد الإلكتروني، حتى تذاكر السفر صرنا نقوم بتحميلها من هواتفنا النقالة.. حتى الأوراق النقدية عوضناها بالبطاقة الإلكترونية.. وقس على ذلك. إذن، أين هو وجود الورق في حياتنا اليومية؟
لعل الورق لن يصير صالحا سوى للتلفيف والنظافة.
أعرف العديد من الأصدقاء القراء الذين ينتمون إلى الجيل السابق، جيل الستينات وحتى جيل الخمسينات والأربعينات الذين طالما كانوا يرددون أنهم لا يمكن لهم الاستغناء عن القراءة الورقية بالنظر إلى اعتبارات حالمة، من قبيل: ملمس الورق، رائحته.. وما إلى ذلك، هم اليوم، أغلب قراءاتهم تتم عبر الوسائط الإلكترونية.
يمكن القيام بجولة في المكتبات للتأكد من مدى كساد سوق الكتاب الورقي، وهناك العديد من أصحاب هذه المحلات الذين قرروا مزاولة تجارة أخرى تضمن لهم مردودية قارة.
العديد من الكتاب صاروا لا يأملون أي شيء من توزيع إصداراتهم على نقط البيع، ومنهم من صار على يقين أن لا جدوى من ذلك بالمرة. لا بل لا جدوى من النشر الورقي أصلا.
ولولا المبادرة التي تقوم بها وزارة الثقافة في ما يخص دعم النشر؛ لما أمكن لنا سماع عن أي إصدار ورقي جديد. طبعا هناك بعض الكتاب الذين يطبعون على نفقتهم الخاصة، وهناك كذلك بعض دور النشر التي تضحي من مالها الخاص لأجل إخراج بعض العناوين إلى الوجود، لكن إلى متى سيظلون صامدين في ظل هذا الوضع الحرج الذي يشكو منه الإقبال على القراءة الورقية؟
***

الاحتفال باليوم العالمي للكتاب وحقوق التأليف، بات يفرض علينا التحلي بالشجاعة والجرأة لأجل تجاوز هذا المنعطف الذي لا ندري ماذا يخبئ لنا في القادم من المسافات.

> عبد العالي بركات

Related posts

Top