اليوم الوطني للمسرح 14 ماي2016

بدأ مسرح الشارع، خلال السنوات الأخيرة، يتشكل، في المشهد الفني المغربي، كظاهرة فرجوية جديدة، وصارت مجموعة من الفرق المسرحية وعدد لا يستهان به من الفنانين يتعاطون بحرفية وبشكل منتظم مع هذا النوع من فنون العرض الحي… بيان اليوم طرحت سؤالا على بعض الممارسين انطلاقا من تجاربهم الشخصية وحسب تتبعهم للظاهرة:
•كيف تقيسون مدى قابلية الجمهور المغربي للتفاعل مع هذه الفرجات والإقبال عليها؟ وهل تنتصب أمام نوعية وخصوصية هذا الاشتغال الفني إكراهات أو صعوبات في صناعة وإنتاج فرجات الشارع؟ وهل ثمة مسالك سلسة لولوج المجال العام؟ وكيف تتوقعون الآفاق المستقبلية لمسرح الشارع في المغرب؟

مسعود بوحسين: مخرج مسرحي

الخروج من المؤسسة إلى فضاء أرحب وأكثر حرية

تنامي ظاهرة عروض الشارع تعود أساسا إلى التحولات السوسيو- ثقافية التي أصبح يعرفها المغرب المعاصر والتي أصبح فيها الفضاء العام يكتسي أبعادا جديدة كفضاء للتعبير سواء كان هذا التعبير سياسيا – احتجاجيا أو ثقافيا فنيا، كما أنه تكاثر بفعل التعبير الفني الشبابي المتسم بالكثير من الإبداعية المرتبطة بالموجات الفنية الشبابية في مجال الموسيقى والفن الحضري عموما، إضافة إلى تنامي فنون عرض أخرى كانت إلى وقت قريب محدودة التأثير وأهمها الرقص وفنون السيرك. والمسرح كفن من فنون العرض بدوره انخرط في هذا التوجه وهذه الحركية الإبداعية الشابة والواعدة. حيث أصبحت العديد من ساحات المدن الكبرى تعرف عروضا مسرحية في الشارع، وهو ما ينبغي قراءته في نظري من زاويتين. الزاوية الأولى تعبير رمزي عن انخراط الفن ومنه المسرحي في التحولات السيوسيو- ثقافية التي يعرفها المغرب والمستمدة أساسا من تنامي ظاهرة استثمار الفضاء العمومي كمجال للتعبير؛ والزاوية الثانية استقة خلاقة للمجال العام كتعبير عن قصور المنشآت الفنية في جلب جمهور متنوع. انطلاقا من تحويل التركيز في التواصل الفني من إطار المؤسسة إلى إطار أكثر حرية من خلال التعويل على الصدفة وملاقاة متفرجين غير نظاميين، وتحويل التعبير الفني إلى حدث اجتماعي يسترعي الفضول ثم التتبع والمشاركة خارج القواعد القائمة.
من الناحية الأنتربولوجيا فالمجتمع المغربي له استعداد سبقي لمثل هذا الشكل من الممارسة الفنية على اعتبار أن إرثه الثقافي النابع من خصوصيته الجمالية ظل لمدة طويلة يعتمد هذا الشكل من التعبير في الاحتفالات والأشكال الفرجوية التقليدية كالحلقة وغيرها، وبالتالي يستحسنها ويعتبرها جزءا من لا وعيه الجمعي المعبر عنه في صيغة معاصرة. كما أن تعاطي الشباب مع الكثير من التعابير الفنية الحضرية تجعله مستعدا من حيث التلقي ومن حيث الإبداع لمثل هذه الفرجات.
بالطبع هذه الأعمال تعترضها الكثير من العوائق المادية من حيث الشروط الاقتصادية لإنتاجها وترويجها لكونها من الصعب مثلا أن تكون بتذاكر، مما يجعلها مبنية بالضرورة على الدعم أو الاستشهار، لكنها في المقابل تمنح إمكانيات كبرى للتواصل مع قدر كبير من الجمهور الشيء الذي يجعل دعمها أو اتخاذها مجالا للاستشهار امرأ مفيدا.
أعتقد أن مسرح الشارع مجال واعد بطبيعة الحال ويطرح بديلا حقيقيا لجزء من الممارسة المسرحية والفرجوية عموما التي تقتحم جمهورا لربما لم يدخل قاعة عرض قط. ولذلك فهو لن يعوض المسرح داخل القاعة، بل يشكل جزءا آخر من الممارسة المسرحية التي تقترح بديلا أكثر جذبا للجمهور من خلال عنصر الفرادة التي يشعر بها متفرج الصدفة عندما يجد أن المسرح قد نزل إليه وقابله في الشارع العام.

***

محمود شاهدي: مخرج مسرحيSans titre-9

تجربة مسرح الشارع وفنون الشارع متنفس فني وثقافي لمجتمعنا المغربي

تجربة مسرح الشارع في المغرب مرتبطة في نشأتها بتطور القطاع المسرحي برمته. فخروج المسرحيين من القاعات إلى الشارع يأتي كخطوة مرحلية لربط علاقة حقيقية مع المتفرج، أولا خارج مفهوم الشباك، وثانيا بعيدا عن القيود التي يفرضها المسرح في شكله الإيطالي من تقنيات ومسافات فاصلة بين العرض والمتفرج. فتجربة عرض الشارع  كانت بدايتها عند جمعية “نحن نلعب للفنون” سنة 2008 في إطار إقامة فنية بمدينة الرباط، حيث قدمت الفرقة بشارع القناصلة عرضا فنيا يمزج بين مشاهد مسرحية وبين مشاهد من فيلم قصير أرخ لهاته التجربة. تتمحور فكرة هذا العرض في خلق لقاء عفوي  بين ساكنة المدينة والممثلين، ويتم تصويره خلسة، يليه لقاء آخر مبرمج يدعو فيه الممثل المارة لحضور عرض حي يكون المتفرج طرفا فاعلا فيه. هذه التجربة لها خصوصيتها الفنية التي تجعلها أقرب لعرض الشارع من مسرح الشارع.
 كانت التجربة تحمل الرغبة في تقديم أشكال فنية جديدة تقترب من الجماهير التي لا تلج قاعات العروض والمسارح، فنحن أمام علاقة معكوسة، بمعنى آخر العرض يذهب لجمهوره دون أن يكون هناك تواطؤ بروتوكولي قبلي. كانت بدايتنا الحقيقية مع مسرح الشارع عن طريق برمجة عروض من هذا النوع في إطار الدورة السادسة لمهرجان “تي آرت” سنة 2012 بساحة الجولان. برمجة استمرت إلى الآن بحكم أن فلسفة مهرجان “تي آرت” مبنية على تبني الحساسيات الجديدة في الفن ومسرح الشارع أبرزها.
أول إبداع في صنف مسرح الشارع لجمعية “نحن نلعب للفنون” كان سنة  2014 حيث تم إنتاج مسرحية “حنا”، أول عمل مسرحي للشارع بدعم من المعهد الفرنسي بالمغرب والذي يتكون من أربع ممثلات: هاجر الشركي. مونية ماكوري، كاميليا المعلم وشيماء الجبري، إضافة إلى سينوغرافيا لطارق الربح وهدى زبيد. جمع هذا العمل بين حساسيات مسرحية مختلفة كان لبعض أعضائها فرصة الاشتغال على مسرحيات موجهة للفضاءات العمومية .
كان رهان هذا العرض هو القيمة الفنية التي يمكن أن يقدمها كمسرح متعدد الفنون (رقص، غناء، تشخيص..) لجمهور غير متحكم فيه ولا يمكن توقع ردود أفعاله.
وعلى العموم، نستطيع أن نقول اليوم أن تجربة مسرح الشارع وفنون عروض الشارع هي متنفس فني وثقافي لمجتمعنا الذي بنى مخياله الشعبي والثراثي على الأشكال الفرجوية الضاربة في القدم .

****

عماد فجاج: ممثل ومخرج*Sans titre-12

الجمهور المغربي تعود على مسرح الشارع وصار تدريجيا يتجاوب معه

أولا أجد أن مسرح الشارع بدأ يفرض نفسه بقوة في المشهد الفني المغربي لأنه قريب أكثر من الجمهور حيث أحداثه تكون مفاجئة له، تطرح قضايا قريبة منه، أو بالأحرى يعيشها كل يوم.. فالجمهور جزء لا يتجزأ من هذا الفن لذلك نجد الجمهور المغربي بكل فئاته يتفاعل مع هذه الفرجة ويتقبلها بسلاسة وقوة.
أي إبداع فني فإنه يواجه صعوبات وإكراهات، وفرجات الشارع بدورها لها إكراهاتها التي تكون صعبة من الناحية اللوجستيكية والمادية.
لوجيستيكيا: مسطرة الحصول على ترخيص السلطات العمومية لاستغلال الفضاء العام مسطرة غير مفهومة؟
ماديا: يكون العجز دائما حاصلا على مستوى الإمكانيات المتاحة لتطبيق فكرة ما، وهذا ما يجعلنا اليوم غير قادرين، ماديا، على تحقيق وإنجاز فرجات ضخمة تستغل العمران الحضري كديكور أساسي والجمهور كممثل فعال، لأن ذلك يحتاج إلى إنتاج ضخم؛ لهذا نقتصر في اشتغالاتنا الفنية على فرجات تعتمد على الممثل وجسده وديكور مصغر وموسيقى…الخ
في أول تجربة لنا (سنة 2009) وجدنا صعوبات من ناحية الجمهور، حيث أنه لم يكن يحترم فضاء العرض أو الممثل الذي يقدم الفرجة، فكانت تقع بعض المضايقات، لكن مع العروض المتكررة أصبح للجمهور ثقافة ووعي بهذا النوع من الفرجة، حتى تعود عليها، وصار تدريجيا يتجاوب معها.. ففي أي لحظة يمكن للجمهور والعابرين في الشارع العام أن يفاجؤوا بحركة مسرحية أو مشهد ينتظم أمامهم من دون علمهم، فينتبهون ويتوقفون لمعاينة اللعب الذي يثير اهتمامهم وفضولهم، وهناك البعض الآخر الذي لا يهتم لكنه لا يخرب الفرجة،
مؤخرا بدأنا نلمس تفاعلا قويا للجمهور مع عروضنا وعروض مسرح الشارع عموما، بمختلف مدن المغرب التي نزورها ونقدم فيها عروضنا، وكذا المهرجانات التي شاركنا فيها، فالجمهور ينتظر في كل لحظة وقوع حدث يرفه عنه أو يدخله في جدال أمام قضايا تمسه وأحيانا هو من يحمينا وينظم ويؤمن فضاء العرض لأنه بدأ يحس بوظيفته الفرجوية وخصوصا عندما يكون الممثلون متمكنين من ضبط الجمهور وحسن التعامل معه.
نؤمن بمسرح شارع مغربي لذلك نتوقع له الأفضل، خصوصا أنه مؤخرا عرف تطورا ملحوظا وولادة العديد من الفرق المسرحية المهتمة به مما جعل القطاع الوصي (وزارة الثقافة) يقدم دعما في هذا المجال وينظم مهرجان وطني لفنون الشارع الذي نتمنى من الوزارة إشراكنا نحن الفاعلين كقوة اقتراحية من أجل رسم رؤية واضحة لهذا المهرجان. فبالتالي مسرح الشارع بدأ يفرض هويته وخصوصيته بقوة في الشارع المغربي وأكيد أن التجربة المغربية سيضرب بها المثل على غرار التجارب الدولية الأخرى.

*/ فرقة زنقة آرت / مدير الفني لمهرجان الدار البيضاء الدولي لمسرح الشارع

****

طارق الربح: سينوغرافSans titre-8

مسرح الشارع المغربي في انتشار مستمر

في البداية شكرا لجريدة البيان على الإصغاء لرغبة التجديد ونبض التجدّد الّذي يعرفه المجال الفرجوي بالمغرب، فبدأ مسرح الشّارع يفرض وجوده حديثا باعتباره جزءً من المشهد الفرجوي والثقافيّ المعاصر لبلادنا، خاصّة في بعض كبريات المدن المغربية: الرباط، سلا وضواحيها، الدار البيضاء، المحمّدية، طنجة، فاس، أكادير، ومرّاكش وضواحيها، بالإضافة لبني ملال والعيون، ومازال الانتشار مستمرا ليُلحِق مدنا أخرى بركب المدن المنفتحة على هذا النوع من الفرجات المسرحية.
ويُعتبر انتشار مسرح الشّارع في المغرب مِن تجلّيات البحث عن أشكال تواصلية جديدة بين المبدع والجمهور، ويُترجم حاجة الفرجة المسرحيّة المغربية لجمهور أكثر تجاوبا وأوفر عددا من جماهير القاعات المسرحيّة.          
تعتبر مبادئ المفاجأة والمداهمة والمجّانية من أسس الفرجة العموميّة. ففي غالب الأحيان لا يختار المتفرّج، في مسرح الشّارع، مشاهدة العرض، وهو بالتالي غير مطالب بتأدية واجب تذكرة مقابل مشاهدته للعرض. وهذا ما يجعل الفرق المشتغلة في مسرح الشارع في حاجة ماسة للدعم المادي من مختلف الجهات لضمان استمرار انتشاره، وتشجيع المشتغلين فيه. بالمناسبة نحن نثمّن إدراج وزارة الثقافة لمسرح الشارع وفنون السيرك في مجالات دعمها للمسرح، إلا أنّ القيمة المادية المخصصة لها تبقى جد هزيلة وغير مشرّفة بالمرّة، إذ لا تتجاوز في أحسن الحالات مائة ألف درهم، وكأنّ مسرح الشارع وفنون السيرك فرجات مسرحية من الدرجة الثالثة أو أكثر.
 وإذا كان لمسرح الشارع حقوق لن نتردد في المطالبة بها، فإنّ عليه واجبات لابد من مراعاتها، منها احترام خصوصية متفرِّجها الذي لا يكون مجبرا على مشاهدة العرض. والتواصل معه يُعدّ واحدا من أهم المجازفات التي يتأسس عليها المسرح في الأماكن العمومية كجنس فرجوي مليء بالمخاطر والمفاجآت.
بعد كلّ ما عاينّاه من عروض مسرح الشّارع بالمغرب، سواء للفرق المغربية،  أو التجارب التكوينية لطلبة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي وغيره، أو الفرق الزائرة في إطار المهرجانات المتخصصة وغير المتخصصة في مسرح الشارع، أو التابعة لاتفاقيات التعاون الثقافي بين المؤسّسات المغربية والأجنبية، فقد لاحظنا أن الجمهور المغربي يهتمّ بهذه العروض المسرحية ويتجاوب معها بالإيجاب في غالب الأحيان. لم نسجّل إلى حدود اليوم ولا حالة رفض واحدة من طرف الجمهور في أيّ منطقة من المغرب. وهو ما نعتبره مؤشّرا على ازدهار منتظر لفنون الشّارع بالمغرب.
إن الفرق المهتمة بمسرح الشارع وفنون الشارع في تزايد مستمر، والمهرجانات المخصصة لهذا النوع من الفرجات العمومية في انتشار، والاهتمام الأكاديمي والصحافي كذلك، كل هذا يؤكد على أنّ مسرح الشارع اليوم، وخلافا لأي وقت مضى، قد بلغ مرحلة اللا رجوع.
يجب اعتبار مسرح الشارع أكثر من محاولة لتجديد الفرجة المسرحية المغربية، ومجال لخلق فرص عمل جديدة للفنانين، فهو مظهر حضاري مشرف، ومبادرة فنية تعمل على دمقرطة الفعل الثقافي خصوصا والحياة العامة إجمالا.

اعداد: الحسين الشعبي

Related posts

Top