انتصار الأسود ومسؤولية الصحافة الرياضية

تطرح النتائج الباهرة التي حققها المنتخب الوطني لكرة القدم في مونديال دولة قطر، على مختلف القطاعات مسؤولية التلاؤم مع الواقع الجديد الذي فرضته انتصارات أسود الأطلس في هذه التظاهرة العالمية التي أعطت إشعاعا للمغرب فاق كل التوقعات، وجعلته يتصدر اهتمامات وسائل الإعلام العالمية.
وإذا كانت الرياضة قد حققت ما عجزت عنه السياسة، فإن العديد من التحديات أضحت مطروحة في ظل هذا الإنجاز التاريخي للمنتخب الوطني المغربي. ويأتي في مقدمة هذه التحديات الرهان على الإعلام الذي بدونه لن تتمكن الرياضة ومنها كرة القدم، الرياضة الشعبية الأولى في العالم، من اقتحام البيوت والقلوب، وتساهم في خلق أجواء الفرح والابتهاج طال انتظاره وتجسد التلاحم بين كافة الجهات والأقاليم والفئات التي تجاوزت كل الصعوبات.
ليس الهدف هنا الحديث عن وسائل الإعلام العالمية، ومدى استغلالها للتظاهرات الرياضية، بقدر ما يهم التساؤل عن مدى تمكن وسائل إعلامنا وخاصة الصحافة الرياضية، في أن تكون في مستوى هذه اللحظات التاريخية التي صنعها أسود الأطلس، ويعيشها كافة المغربيات والمغاربة في مختلف الجهات من التراب الوطني، من خلال تغطيتها المتواصلة في إطار مواكبتها لهذا الحدث الرياضي العالمي.
فكما كان عليه الأمر خلال أزمة فيروس كورونا التي اجتاحت العالم سنة 2020، فإن الإعلام الوطني، وخاصة الرياضي السمعي البصري العمومي، فقد تمكن في أن يتوفق، وإلى حد بعيد، في مواكبة فعاليات المونديال.. وهو ما جعله يدشن أفقا جديدا، قوامه مجهود مهني واضح للصحفيين والتقنيين وتطور إيجابي في التعاطي مع مجريات الأحداث سواء بعين المكان بقطر أو بالمغرب مركزيا وجهويا.
لقد ساهم السمعي البصري من تقريب المشاهدين والمستمعين من كل صغيرة وكبيرة، تخص أسود الأطلس وفعاليات المونديال المتنوعة فضلا عن مواكبة الاحتفالات الجماهيرية العفوية سواء بالمغرب أو بالخارج، وهو ما كان له انعكاس إيجابي على استعادة قيم التضامن المجتمعي، وقد يدشن لمرحلة جديدة إن جرى استخلاص الدروس والعبر من هذه الفرصة، وذلك حتى لا تضيع.
فالصحافة الرياضية حول العالم، أصبحت في العقود الأخيرة أكثر ارتباطا بحياة الناس اليومية لأسباب كثيرة. ويعزى في جزء كبير من ذلك لتطور الصحافة الرياضية حول العالم والتي باتت واحدة من أكثر أنواع الصحافة متابعة، والرياضة أصبحت هي أكثر المواضيع الإخبارية جذبا لاهتمام الجمهور بنسبة تشكل 25 في المائة تليها الأخبار السياسية، كما نقل “دليل الصحافة الرياضية” الصادر عن معهد الجزيرة للإعلام عن تقرير لمعهد الصحافة الأمريكي .
فالرياضة وفي مقدمتها كرة القدم، تحظى بنسب مشاهدة عالية ومتابعة واسعة مقارنة مع القطاعات الأخرى، إلا أن ذلك يظل دون المستوى المطلوب في وسائل الإعلام المغربية، لربما يكون ذلك ناجما عن نظرة سلبية ونمطية تلصق دوما بالصحافة وخاصة الرياضية منها، على الرغم من الضعف الملحوظ في المنتوج الإعلامي الرياضي على مستوى مختلف الأجناس الصحفية، والنقص الحاصل في الحرفية والتكوين واستكمال التكوين.
غير أن هذا التوسع الهائل في حرفة الصحافة الرياضية، لم يسهم في تغيير نظرة الصحفيين تجاهها كصحافة مهنية، بل لازالت تعامل كصحافة ترفيهية لا تستدعي الالتزام بالممارسات المهنية التي يلتزم بها صحافيو السياسة والاقتصاد على سبيل المثال كما جاء في مقدمة “دليل الصحافة الرياضية” الذي اعتبر أن هذه المشكل تضاف لمشاكل عدة تعاني منها الصحافة الرياضية العالمية ويمكن عزو جزء من ذلك إلى غياب الإمكانيات التي تتوفر في البطولات العالمية الكبرى. لكن يبقى هناك فرص كثيرة لم تستغلها الصحافة الرياضية العربية لتطوير محتواها.
ويبدو أن الصحافة الرياضية مازالت تقتصر في كثير من الأحيان على رصد النتائج أو الأخبار والتي يمكن للجمهور أن يصل لها دون الحاجة لمعالجة صحفية متخصصة، فضلا عن غياب شبه كامل للمواد التحليلية المعمقة التي تقدم معالجات جديدة للقصة الصحفية الرياضية، إلى جانب غياب المعالجات الإنسانية التي تدور في محيط المحافل الرياضية العالمية، كما جاء في “دليل الصحافة الرياضية” الذي أعده يونس الخراشي الإعلامي المغربي وحرره نظيره محمد أحداد ومحمد خماسية، وتضمن في بابه الثامن مقترحات لتغطية كأس العالم والبطولات الكبرى منها التحضير المسبق ونمط التغطية وكيفية القيام بالتغطية الميدانية العاجلة فضلا عن نصائح للحصول على سبق صحفي متفرد والجوانب التي يتعين التركيز عليها لتكون تغطية متفردة.
بيد أن الإشكال بالمغرب لا يرتبط بالصحافة الرياضية فقط، بل بغياب استراتيجية وطنية واضحة المعالم في ميدان الصحافة والإعلام، والضعف المسجل في تعاطى السياسات العمومية معها. ولعل الأمر يتطلب وعي مختلف الأطراف، وإيمانهم بأن الإعلام تحول من سلطة رابعة إلى سلطة أولى وبوظائف متعددة، وهو ما تؤكده التحولات المتسارعة وتطورات الأحداث دوليا ووطنيا.
وإذا كان الأمل كبيرا في أن يواصل المنتخب المغربي تألقه بتحقيق المزيد من الانتصارات في استحقاقات قادمة، فإن المؤمول أن تستتبع هذه اللحظات التاريخية تنقية الأجواء وإحداث النقلة المطلوبة في الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية.

< بقلم: جمال المحافظ

Related posts

Top