انتظارات الناس

كما في محطات كبرى سابقة، يتمسك المغاربة هذه الأيام بالأمل أن تكون المحنة الصحية والمجتمعية التي نجمت عن تفشي فيروس: “كوفيد – 19” وتداعياتها المختلفة، فرصة لتطوير أوضاعهم وتحسينها اقتصاديا واجتماعيا، ومناسبة لانطلاقة مرحلة تنموية جديدة في البلاد.
ولهذا تحرص فئات واسعة من شعبنا على تتبع أي قرار رسمي أعلن عنه، وتقيسه بمدى استجابته لحاجياتها ومطالبها وانتظاراتها.
هذا المعطى لوحده يجعل المرحلة بشكل عام دقيقة، ولا تحتمل الخطأ أو سوء التقدير من لدن المسؤولين الذين يتولون تدبير الشأن العمومي، ويقتضي بعد النظر وامتلاك رؤية شمولية لما تفرضه هذه المرحلة من مهمات وتفاعل.
ندرك فعلا أن هذه المرحلة، التي تجري خلالها مواجهة تفشي الوباء والسعي إلى التحكم فيه والسيطرة عليه، وأيضا إعادة النهوض بالبلاد وبناء مقومات الانتعاش الاقتصادي والمجتمعي والتنموي، ليست سهلة، وليس هناك أمام كل البلدان حلا سحريا وسريعا يكفل الخروج من الأزمة، ولكن مع ذلك، لا بد من تفادي أي خطأ، مهما يبدو صغيرا، وذلك لتفادي أي إضعاف للثقة العامة وسط شعبنا ومجتمعنا، أو لتكريس الشعور بأن هذه الأزمة لن تغير أي شيء، وأن الوضع سيبقى كما كان، ولن يحدث أي تغيير.
هذا التحدي يعتبر جوهريا، ويجب استحضاره بشكل دائم، وهو يرتبط بأهمية حماية الأمل والتفاؤل والثقة وسط المغربيات والمغاربة.
ليس الأمر هنا تحليقا في السماوات التنظيرية أو البلاغية، ولكنه يتعلق بمعطى سياسي حقيقي، يهم القرار، وأيضا ما يستطيع إحداثه من آثار في الواقع، وعلى النفسية العامة للمستهدفين به.
وبغض النظر عن أي نقاش أكاديمي أو تنظيري أو تاريخي يتعلق بواقع القرار في المغرب منذ عقود، وسيرورة اتخاذه، كما تفسر ذلك كثير أدبيات وأطروحات وبحوث، ولكن أساسا الأمر  يرتبط بكل ذلك، وفي نفس الوقت بتصريف هذه القرارات المعلنة وعلاقتها بالسياسات العمومية والبرامج، وأساسا بمحتوى ومضمون السياسات العمومية كما تنجز وتنفذ على أرض الواقع ويلمسها الناس في حياتهم اليومية، وعلى صعيد أوضاعهم المعيشية والحياتية.
نخلص مما سبق، أن انتظارات الناس، في مختلف المجالات والقطاعات، يجب أن تحضر في بال واضعي المخططات والبرامج والسياسات، ولدى صناع القرار، كما يجب الحرص على أسلوب المشاركة والحوار الموسع مع المعنيين، وعدم التفريط في المنظومة المؤسساتية، أي استحضار السلوك السياسي الديمقراطي في كامل سيرورة صنع القرار والإعداد لتنفيذه، وتعبئة المجتمع لتقبله والمساهمة في إنجاحه.
عندما يتعلق الأمر بسياسات وقرارات تعني المجتمع والناس، وخصوصا في ظرفيات صعبة وحرجة، تفرض المقاربة التشاركية والتعبوية نفسها بقوة، وتصبح السياسة شرطا لكسب الرهانات.
من يعتقد أن الانتظارات المجتمعية تقتصر فقط على ما يتصل بالحاجيات الظرفية الآنية وحدها، ومن ثم لا أهمية لأي ممارسة ديمقراطية أو حوار سياسي عمومي، هو يرتكب خطأ فادحا في حق مستقبل بلادنا، ولم يستفد أي شيء  لا من دروس كورونا ولا من أخطاء سابقة اقترفت في جغرافيتنا السياسية المحلية وارتطمت بالحائط.
لكي تنجح بلادنا في تحدياتها التنموية والاقتصادية، هي إذن في حاجة إلى تقوية الأجواء الديمقراطية العامة بها، وإلى تعزيز نفس الانفتاح والحرية والتعددية وتطبيق مقتضيات دستورها، وأيضا إلى اتفاق اجتماعي يتيح الاستقرار، ويحمي الأمل لدى مواطناتنا ومواطنينا، ويكرس التميز الديمقراطي لبلادنا في محيط إقليمي ودولي صعب ومتوتر.
تعلمنا تجارب التاريخ ومسارات الشعوب والدول أن الشدائد والأزمات بإمكانها كذلك أن تؤسس لانطلاقات جديدة، وأن ينجم عنها ومن داخل مصاعبها اتخاذ قرارات كبرى تهم المستقبل، ومن ثم يحتاج الأمر إلى العقل السياسي المتفتح والممتلك لبعد النظر، وليس فقط لعقل تيقنوقراطي لن يحاسبه أحد غدا على أخطائه، وهو، قد ينجح في فك ألغاز ومعادلات الجداول المحاسباتية والميزانياتيه، لكنه لن يحل، بذلك فقط، أزمات المجتمع ومشكلاته البنيوية.
مرة أخرى، البلاد مطالبة بالإمساك بالعقل وبعد النظر و… بالسياسة.

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top